نجح الشاب الفلسطيني كنعان خوري، في تحقيق إنجاز بصناعة مشروب كحولي من الأعشاب المنتشرة في الضفة الغربية "البيرة العشبية" ليطلق علامته التجارية الخاصة على المستوى العالمي رغم القيود الإسرائيلية.
ويعيش خوري البالغ من العمر (30 عاما) مع عائلته في قرية "الطيبة" قضاء مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وهي قرية يبلغ عدد سكانها حوالي ألف فلسطيني يعتنقون الديانة المسيحية، وتشتهر بصناعة المشروبات الكحولية، ومن أبرزها البيرة والنبيذ بنوعيه الأحمر والأبيض.
وتمتلك عائلة خوري مصنعها الخاص في القرية، حيث يعتبر إنتاج المشروبات الكحولية أحد مصادر الدخل الرئيسية منذ سنوات، ولكن في العام 2005 إبان الانتفاضة الثانية تغير الحال.
ويقول خوري لوكالة أنباء ((شينخوا)) "في ذلك الوقت فرضت السلطات الإسرائيلية قيوداً مشددة على المعابر، حيث منعت استيراد العديد من المواد الأولية التي كنا نستخدمها في صناعة المشروبات الكحولية، الأمر الذي أثر سلباً على إنتاجنا وعلى وضعنا الاقتصادي".
ويضيف أن "القيود جعلته يفكر خارج الصندوق من خلال صناعة مشروب باستخدام الأعشاب الطبيعية المنتشرة في الضفة الغربية، خاصة تلك البرية التي تنمو فوق الجبال".
وبعد أشهر من المحاولات، تمكن خوري من إدخال أعشاب برية أساسية في صناعته الجديدة، من بينها الزعتر والسماق والمرمرية والقمح والزنجبيل والقرفة والليمون والتوت الأبيض.
ويوضح الشاب الثلاثيني أن "عشرات المحاولات لصنع المشروب جميعها فشلت، ما جعلني أشعر ببعض الخوف"، لافتا إلى أنه "في كل مرة يصنع فيها مشروبا كحوليا يلجأ إلى أشخاص من ذوي الخبرة لتذوقه، ولكن للأسف لا يعجبهم".
وعلى الرغم من ذلك، لم يستسلم خوري وقام بتعديل بعض المواد والكميات التي استخدمها وأنواعها حتى نجح أخيرًا في صنع مشروبه الأول من "البيرة" من قمح خام يزرع في فلسطين، ونال مذاقه استحسان من حوله.
ويستذكر "لقد شعرت بسعادة غامرة حقا ... لم أصدق أنني نجحت أخيرًا في اتخاذ الخطوة الأولى نحو تحقيق حلمي بامتلاك ماركة خاصة ونادرة من البيرة والنبيذ الفلسطيني".
وقرر خوري إنتاج حوالي 200 لتر من البيرة والنبيذ الخاص به للمشاركة في مهرجان " الطيبة"، الذي اعتادت عائلته إقامته سنويًا، حيث يأتي الأجانب من جنسيات مختلفة إلى قريتهم الصغيرة للاستمتاع بتذوق أنواع مختلفة من المشروبات الكحولية ذات النكهة الفلسطينية.
ويقول إن طعم المشروب الذي أنتجته نال استحسان غالبية الذين جربوه في ذلك المهرجان، ما دفعه بعد ذلك إلى إنشاء مصنعه الخاص لإنتاج أنواع مختلفة من البيرة بالشراكة مع أحد أقاربه وأطلق عليه اسم "نديم" تيمنا باسم والده.
ومن أجل تطوير قدراته وخبراته في صناعة البيرة، التحق خوري بجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية في برنامج متخصص في العام 2015، مما أهله للمشاركة في مسابقة دولية لصناعة المشروبات الكحولية في العام 2017.
وقال "لقد تمكنت من الحصول على المركز الأول في العالم في مسابقة (John Ford)، حيث تنافست مع 1500 شخص آخرين"، مشيرا إلى أن "هذه هي المرة الأولى التي كتب فيها على المشروب صنع في فلسطين، مما جعل صناعتي مسجلة رسميًا على أنها العلامة التجارية العالمية".
وبعد عودته إلى الضفة الغربية طوّر الشاب الفلسطيني أدواته في صناعة النبيذ في مصنعه، حيث ارتفع عدد عماله إلى 25 عاملاً، وبدأ في إنتاج أنواع جديدة ومختلفة بناءً على المعرفة والدراسة.
وينتج مصنع خوري الصغير حاليًا حوالي 20 نوعًا من المشروبات الكحولية باستخدام الأعشاب الطبيعية، منها ما يسمى "جدتي ليمون" و "نديم طيبة" و "بريماستر بير" وغيرها الكثير.
وبعد سنوات من العمل الجاد والشاق، يصدر الشاب الصغير منتجات مصنعه إلى حوالي 17 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والدنمارك والأردن وفرنسا وبريطانيا والعديد من الدول العربية والأوروبية الأخرى.
وبالمقارنة مع الأنواع الأخرى تعتبر منتجات خوري الأغلى في الأراضي الفلسطينية، حيث تبلغ تكلفة العبوة الواحدة حوالي 10 دولارات أمريكية، في المقابل تكلف الأنواع المختلفة دولارين على الأكثر.
ورغم النجاح الكبير الذي يحققه الشاب خوري، إلا أن الأمور لا تبدو وردية بالنسبة له، حيث يعاني من عدة صعوبات خلال عملية التصنيع بسبب القيود الإسرائيلية.
ويوضح "نعاني كثيرا من نقص المياه لأن الإسرائيليين لا يسمحون لنا بحفر آبار المياه في القرية، وهذا يؤثر سلبا على الإنتاج"، لافتا إلى أنه في بعض الأحيان "يضطر لشراء المياه من المستوطنين الإسرائيليين قرب القرية لمواصلة عمل مصنعه".
وبجانب ذلك، يشكو الشاب الفلسطيني من عدم وجود أي سلطة رسمية على المعابر، مشيرا إلى أن إسرائيل تفرض إجراءات معقدة لتصدير المنتجات، ما يزيد الأعباء المالية التي نتحملها في عملية نقلها من الضفة الغربية إلى الخارج.
ومع ذلك يراهن خوري على التغلب على المعيقات من خلال التركيز على الجودة ليضمن استمرار الطلب على منتجات مصنعه، كما يشعر بالسعادة لأن قريته الصغيرة أصبحت مزارا للسياح القادمين إلى الضفة الغربية من أجل تذوق نبيذه الخاص والاستمتاع به.
ويستعد الشاب الفلسطيني حاليًا لافتتاح مصنع جديد في العام 2022 ليكون ضمن سلسلة مصانع النبيذ الخاصة به، ويقول مبتسما "النجاح يبدأ بفكرة تتبعها خطوة وتصميم على تحقيق أهدافنا".