"صوتٌ خاصّ في الساحة الفلسطينية الشعرية، الصوت الجريء واسع المعرفة والثقافة، والجامع بين الشعر والسرد، والمليء بالحب والغزل، ذو القدرة العالية على مزاوجة المفردات دون تكسير الخيط الدرامي، والجامع بين الصوفية والغزل الصريح المباشر، ومتنوِّع الثيمات والزوايا التي تناولتها، والحافل بالتناص التوفيدي، وذو الخلاصات الشعرية الإيقاعية المكثّفة الغدارة، والحكمة المقطَّرة".. هكذا وصف الشاعر المتوكل طه الشاعر فراس حج محمد، في أمسية إطلاق الديوان الشعري الأحدث لحج محمد بعنوان "وشيءٌ من سردٍ قليل"، والصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، وذلك في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مؤخراً.
وفي نقد "شيءٍ من سردٍ قليل" تساءَلَ طه عن سبب الكسر العروضي الذي اجترحه الشاعر في الوقت الذي يمتلك فيه القدرة على السَّبْك، ناصحاً له بعدم الفصل بين شكلٍ إبداعيٍّ وآخر، كما نوَّهَ طه أن الشاعر حج محمد لم يتخلص من الإيقاع الموسيقي الداخلي، مشيراً أنه ولو ادَّعَى النثرية سيكتب أيضاً ما هو إيقاعيّ.
وأشار طه أن فراس طرح أسئلة جريئة، خاصةً في الحوار الذي يجري بين الشعراء الكبار وبين الكاتبات الجديدات، وتمنّى لو أن حج محمد اجترح لنفسه صوفية خاصة في ديوانه عوضاً عن الأخذ منها، ليكون الكاشف في الوصول إلى "النيرفانا".
الأشبه إلى النثر:
وقال طه "شعرت أن بعض مقدمات القصائد أشبه بالمقدمات النثرية، وكأن توطئةً ما قادمةٌ في النص الشعري القادم"، وهنّأ طه حجّ محمد على تناوله اقتباساً وصَفَهُ بالجديد على الشعر الفلسطيني، ويظهر ذلك في قصيدتي "امرؤ القيس" و"عبلة وعنترة" مرجعاً ذلك إلى ثقافة الشاعر الواسعة.
واسترسل طه "هذا الديوان لن يتوقَّف عند الشكل بقدر ما سيذهب إلى المضمون، هذا الرجل فرَّقَ بين السرد والمضْمَر الشعري، فالشعر أكبر من تعريفك، فهو أكبر من نصٍّ وسردٍ وإيقاع أو بحر شعريّ، وهو موجود حيثما نستطيع أن نشهق ونندهش"، واعتبر طه رأي الشاعر حاجّ محمد في الوزن العروضي الذي تخلو منه قصائده إذ يراه عائقاً، رأياً غير صحيحٍ أبداً، فمن لم يستطع كتابة قصيدة الشعر العمودي لا يمكنه وصف نفسه بالشاعر.
واختتم طه حديثَهُ باعتبار "وشيءٍ من سردٍ قليل" قصيدةً واحدةً في الغزل والحب والشبق والإيروتيك والفيض الحسّي، ولكنه متعدد متنوِّع في النصوص الجوّانية، ما يشير إلى ثقافة واسعة وحساسية عالية لدى الشاعر.
ولادة الشعر:
أكَّد الشاعر حج محمد أن العشق والحب أمرٌ طبيعيٌّ في ولادة الشعر، ولولاه ما أصبح الشعراء شعراء، وفي مقدمة حديثه عن ديوانه المحتَفَى به تقدَّمَ حج محمد بالشكر لمن أحبَّها يوماً وكانت ملهمته في الشعر، والتي لا يعرف إن كانت لا تزال تحبُّه أم لا.
وقال عن ديوانه "أنا لا أحب أن أفسّر أعمالي حتى لا يختلط الشاعر مع الناقد مع المفسر، وهي قضية نقدية، وبالتالي يجب أن يموت المؤلف وأن أموت أنا مؤلفاً وشاعراً، القضايا التي لاحظها الناقد الخبير المتوكّل طه في هذا الديوان هي كلّها الملاحظات السلبية على الشعر ومردّها للسرد، بمعنى أن كسر الإيقاع سلبيٌّ، والخروج المتعمَّد عن الإيقاع هو شيءٌ من سردٍ قليل، الأمر الآخر المباشرة والملاحظات، فعندما كتبت الديوان كتبته بوعيٍ نقديّ، وليس فقط بوعي الشاعر، وعندما كتبت القصائد نُشِرَتْ تحت عنوان "وشيءٍ من سردٍ قليل" فتعمَّدْت أن يكون فيها سرد، وأنا منحازٌ لأن يكون الديوان وحدة واحدة في مفرداته وثيماته وإيقاعه".
وأضاف حج محمد "الشعر لا يُعرّف، وكل الشعراء والنقاد لم يُحْسِن أحدهم تعريف الشعر كما لم يُحسن أحدهم تعريف الألوان، فالشعر لا نعرِّفه بل نحسُّه داخلياً ونعرفه عندما نقرأه، وأفضل من ينقد الشعر هو الشاعر، بل يفعل ذلك أفضل من النقاد الأكاديميين مع الاحترام لهم، لكن الشاعر الناقد يتقمَّص حالتك الشعرية ويعذرني في المفردات والصور الجمالية وفي التكرار، الشبق موضوعٌ إنسانيٌّ بشريٌّ وفيه الجنة والمتعة وليس فقط إثارة الشهوة".
وفي النهاية، فتح باب النقاش مع الشاعرين، والتفاعل ضمن الإطار الشعري والنقدي. يُذْكَر أن الشاعر والناقد فراس حج محمد من مواليد نابلس، وحاصل على الماجستير في الأدب الفلسطيني، وله عدة أعمال منها: "رسائل إلى شهرزاد"، و"من طقوس القهوة المرَّة"، و"ما يُشْبِه الرثاء" و"وأنت وحدك أغنية".