- فاضل المناصفة
بينما ينتظر الجميع ساعة الصفر وانطلاق الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، خرج بوتين في تصريح مهدئ نوع ما، قائلا بأن روسيا لا تسعى للحرب وتريد المضي في مسار الحوار من أجل حل الأزمة، الأمر الذي جعل كل التكهنات وكل المعلومات الاستخباراتية عن قرب الهجوم تسقط في الماء.
لقد تلاعب بوتين بالبورصة وسوق النفط وجميع من كان يراهن ب دخول روسيا في مغامرة تكلفتها غالية خاصة وأن لائحة العقوبات التي لمحت لها أوروبا وأمريكا ستكون أشد وقعا من قنبلة نووية.
إن ثأتير الأزمة الروسية الأوكرانية وصل مداه إلى الشرق الأوسط حيث تأثرت مؤشرات البورصة لخليجية بفعل الأخبار المتداولة نظرا لأن العالم أصبح قرية صغيرة فما يحدث في أقصى البقاع بإمكانه أن يؤثر في أصغر بقعة من العالم ، ولا ننسى أن أوكرانيا وروسيا تعتبران موردا رئيسيا للقمح والسلاح لعدة دول عربية أبرزها مصر والجزائر، لا ننسى أيضا أن روسيا لها زبائن من الشرق الأوسط يقتنون السلاح بشراهة، ومنهم مم يتقاسمون معها حصصا في الأوبك والأوبب ومن مصلحتهم أن تدخل روسيا الحرب أملا في استمرار ارتفاع النسق التصاعدي لأسعار الطاقة الشيئ الذي سيعود بالنفع على مداخيلهم.
تعتبر ايران حليفا استراتيجيا روسيا، وهي وجدت من أزمة اوكرانيا فرصة كبيرة لزيادة أفاق تعاون أكثر مع روسيا من أجل فك الخناق المفروض عليها من قبل أمريكا وحلفائها : إن إيران لاتزال تحلم بعودة المعسكر السوفياتي ولهذا هللت وطبلت لمشروع بوتين في غزو أوكرانيا وقدمت فروض الطاعة والولاء مع بداية الأزمة من خلال زيارة رئيسي الى موسكو، والذي ربما أراد أن يوجه رسالة إلى روسيا مفادها أن إيران وفي حالة ما إذا دخلت روسيا في الحرب فإن إيران لن تتوانى عن الدعم الاقتصادي من خلال زيادة التبادل التجاري و التأثير في السوق العالمية وحركة السفن عبر بحر العرب كاستهداف ناقلات نفط أو ماشابه وهذا ما من شأنه أن يحدث فوضى في السوق الدولية.
وترى السعودية والإمارات من الأزمة الأوكرانية، فرصة مناسبة للتقرب من إدارة بايدن، حيث أنها ستشارك في حرب أسواق النفط بما يصب في مصلحتها ومصلحة الناتو وأمريكا كنا بإمكانها أن تدرس إمكانية تعويض حصص روسيا في النفط والغاز للتخفيف من شدة الصدمة التي قد يحدثها وقف الإمدادات الى أوروبا بفعل العقوبات وبفعل ردة فعل روسية محتملة ضد الأوروبيين فيما يخص الطاقة.
أما سوريا فهي تخشى أن يسقط الدب الروسي تحت طائلة العقوبات خوفا من توقف دعم موسكو لدمشق، ومن الممكن أن توضع سوريا على طاولة المفاوضات في حالة ما إذا أراد الغرب أن يقايض روسيا بالملف السوري: تدرك دمشق أن الروس لا يتحركون في سوريا إلا من أجل مصالحهم، وتعلم علم اليقين أن روسيا إذا سقطت ستسقط سوريا تباعا لها، لأن النظام السوري ماكان ليستمر من دون دعم الروس ولن يستمر إذا تضرر الروس اقتصاديا وسيصبح بذلك الملف السوري بالنسبة لبوتين ملفا ثانويا يحتمل المقايضة.
إن روسيا ليست كما يظن بشار الأسد بأنها حليف لا يغير مواقفه، بل هي مستعدة للتخلي عن سوريا كما فعلت مع صدام حسين، الزبون الوفي الذي قدم ملايين الدولارات لخزائن الاتحاد السوفياتي ولكن موسكو تركته في عز حرب الخليج الثانية.
في منطق الإنسانية لا أحد يريد الحرب، لأنها بوابة الدمار والخسائر المادية والبشرية والبشرية، ولكن في عالم السياسة، تعتبر مصائب الآخرين فوائد، كما أن الجميع يتخندق حسب مصالحه وحسب ما تمليه المصلحة.
لايزال الترقب مستمرا بالرغم من تصريحات بوتين المبشرة بالخير، لأن الثعلب الماكر من الممكن أن يوحي لك بشيئ ويفعل نقيضه، ومن الممكن أن يكون حديث بوتين عن استبعاد الخيار العسكري مجرد تكتيك يهدف إلى كشف أوراق الأوروبيين ومعرفة أقصى ما يمكن أن يقدموه في حالة عدوله عن الحرب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت