روسيا الخاسرة في حربها ضد أوكرانيا

بقلم: أشرف صالح

اشرف صالح
  • اشرف صالح

عندما دخلت القوات الروسية الأراضي الأوكرانية بشراسة توقع الكثيرون أن تسقط أوكرانيا بشكل كامل في غضون إسبوع أو اقل من ذلك , وتوقع الكثيرون  أيضاً أن تكون بداية الحرب العالمية الثالثة , حيث ستتحرك الدول الحليفة لروسيا كي تعيد أمجاد  المعسكر الإشتراك الموازي للرأس مالية الأمريكية وحلف الناتو , وهذه الدول بالطبع ترتبط  بروسيا من الناحية الأيديولوجية من جهة , ومن ناحية المصالح المشتركة ضد أمريكيا من جهة أخرى , وتتمثل هذه الدول بالصين وكوريا الشمالية وايران وسوريا , بالإضافة الى الدول التي ترتبط مع روسيا بمعاهدة تحالف عسكري ودفاع مشترك رسمي وهي , بيلاروسيا وأرمينيا وكازخستان وقيرغيزستان وطاجكستان , وأيضاً هناك بعض الدول في أوروبا وأمريكيا اللاتينية ترتبط بروسيا من حيث المصالح المشتركة , ولكن ما توقعه الكثيرون لم يحدث لعدة أسباب , والسبب الأقوى هو أن تحالف روسيا وفي حال أنه تدخل في الحرب  بشكل مباشر سيواجه ثلاثين دولة غالبيتها عظمى ومؤثرة حول العالم , ومنها ثلاث دول على الأقل تمتلك السلاح النووي والهيمنة الإقتصادية حول العالم , وخاصة أن حلف الناتو أعلن عن عقوبات إقتصادية شاملة على روسيا , ومنها عقوبات تمس شخص الرئيس بوتين , وبالإضافة الى تعزيز جبهة أوكرانيا بالدعم المالي والعسكري والتي ساهم في صمود أوكرانيا في الحرب ليومنا هذا , رغم الفارق الكبير في القدرات العسكرية بين أوكرانيا الصغيرة وروسيا الكبيرة , أما السبب الآخر في عدم تدخل تحالف روسيا بشكل مباشر هو التغيرات التي حدثت بشكل سريع حول العالم , فنحن الآن في عصر التطور والسرعة وسباق الزمن والفضاء المفتوح والتكنولوجيا والسوشال ميديا وثورة حقوق الإنسان والحريات , ولذلك فإن معسكر تحالف روسيا يدرك تماماً أن القوة اليوم ليس قوة عسكرية فقط , بل تتمثل في أشياء كثيرة مما ذكرتها أعلاه , فربما يكون الكاسب في الحرب العسكرية هو نفسه الخاسر في الحرب الإقتصادية أو غيرها من الحروب المصنفة بالباردة  قديماً , ولذلك فتحالف روسيا حرص ليومنا هذا على أن يتجنب الحرب العالمية بسبب الإرتباطات التكنلوجيه والإقتصادية وغيرها مع دول كثيرة في حلف الناتو , وأخرى خارج الحلف ولكنها مرتبطة مع حلف الناتو , بإختصار ,  لأن العالم اليوم أصبح قرية صغيرة فالحرب العالمية اليوم ستأثر على كل القرية , ولذلك فإن تحالف روسيا يدرك تماماً أن المعركة في القرية ستكون لصالح ثلاثون دولة وأصدقائهم لأنهم هم الاكثر عدداً وهيمنة في هذه القرية .

ما أزعج العالم في هذه الحرب هو أن روسيا دخلت الأراضي الأوكرانية لأسباب غير مقنعة , فروسيا دمرت البنية التحتية في أوكرانيا , وهجرت وقتلت الآلاف من الأوكرانيين بسبب أنها قلقة من إنحياز أوكرانيا لحلف الناتو مستقبلاً , عذر أقبح من ذنب , وحتى في حال دخلت أوكرانيا حلف الناتو فهذا لا يعني نهاية روسيا , لأن أمريكيا وحلف الناتو لا يراهنون فقط على الأراضي الأوكرانية كي تكون قواعد عسكرية لها على حدود روسيا , لأنهم يمتلكون نفوذ واراضي لقواعدهم العسكرية كثيرة حول العالم , إضافة الى ذلك فالتطور التكنولوجي العسكري والمتمثل بالصواريخ عابرة القارات وغيرها من الأسلحة بعيدة المدى قد تغني عن الإعتماد على دول لإستخدامها كقواعد عسكرية , وأيضاً خوف روسيا من مطالبة أوكرانيا بشبه جزيرة القرم غير منطقي , لأن شبه جزيرة القرم ليس ذات الأهمية التي تجعل مبررات الحرب قوية لهذه الدرجه , أو حتى خشية روسيا من موالات النظام الحاكم في أوكرانيا الى أمريكيا  ليس في محله , لأنها مجرد هوسات أمنية غير قائمة على دليل واضح , ولذلك غالبية دول العالم أدانت روسيا في حربها ضد أوكرانيا , وهذه الإدارنه بحد ذاتها هي خسارة لروسيا في الحرب حتى لو إحتلت أوكرانيا بالكامل .

منذ اليوم الأول للحرب الروسية الأوكرانية , إعتمد بوتين على ردات الفعل الأمريكية والأوروبية في سلوكة أثناء الحرب , فكان بوتين يراقب ردات فعل حلف الناتو ومن ثم العالم , يبدو وكأن بوتين يتحرك بطريقة تكتيكية وليس إستراتيجية , بمعنى  أن صمت الناتو والعالم قد يعطي الفرصة لبوتين التوغل والتوسع والسيطره على ما هو أبعد وأكثر من أوكرانيا , ولكن بوتين وجد أن الناتو والعالم لم يصمت على هذه الحرب , وخاصة أن الناتو قرر عقوبات إقتصادية حازمة تطال كل القطاعات في روسيا , ودعم أوكرانيا بكل أشكال الدعم رغم أن أوكرانيا  قانونياً ليس ضمن حلف الناتو , ولهذا بوتين غير من تكتيكاته  في الحرب بأيامه الأخيرة , حيث قالت الخارجية الروسية انها لا تسعى لاسقاط النظام الاوكراني , رغم أن بوتين اعلن قبل ذلك بانه يريد اسقاط النظام , ضف على ذلك أن قبول روسيا بالمفاوضات مع أوكرانيا رغم فارق القوة العسكرية يشير الى أن ردات الفعل الأمريكية  والعالمية جعلت بوتين يتراجع عن حدة حربه التوسعية في أوكرانيا .

برأيي أن روسيا هي الخاسرة في حربها ضد أوكرانيا , سواء كسبت الحرب العسكرية وسيطرت على أوكرانيا بشكل كامل , أو لم تسيطر , لأنه وفي حال سيطرت روسيا على أوكرانيا فهي ستواجه أمريكيا والناتو وبالإضافة الى الدول التي دانت الحرب , وهذا ليس في صالح روسيا على الأقل إقتصادياً , خاصة وأن الصين لا زالت قيد الحياد , أما في حال لم تسيطر روسيا على أوكرانيا وستتراجع وتقلص من شورطها في المفاوضات مع أوكرانيا  , ففي هذه الحالة ستخسر روسيا مكانتها في العالم , لأنها لم تجني ثمار هجمتها المفاجئة والشرسة ضد أوكرانيا , فالعالم كان يتوقع أن هجمة روسيا على أوكرانيا هي جزء من خطتها للسيطرة على أكبر قدر ممكن جغرافيا بهدف عودة نفوذ الإتحاد السوفييتي سابقاً , فعلى كل الأحوال ستكون روسيا الخاسرة , لأنها ستظهر للعالم وخاصة للمراهنين عليها , كالصياد الذي ذهب كي يصيد أسد في الغابة , ولكنه عاد ومعه حمار , فالجميع سخر منه وقال له "ليتك ما ذهبت للصيد" فالخلاصة هي أن أوكرانيا ليس الدولة الندية والموازية  التي من الممكن أن تدخل روسيا حرب عالمية مدمرة من أجلها , وبناء على ذلك فإحتلال روسيا لأوكرانيا مقابل خسارة دول كثيرة ليس مكسب لروسيا , والإنسحاب من أوكرانيا بعد هذه الهجمة الشرسة سيكون خسارة لروسيا وتقلقيلاً من هيبتها أمام العالم .

اشرف صالح

كاتب صحفي

فلسطين , غزة

 

 

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت