هل تتحول جنة التنمية الاقتصادية الى كابوس مدمر للبيئة

بقلم: إسلام خضر بدوان

إسلام خضر بدوان
  • م. إسلام خضر بدوان
  • باحثة في التنمية المستدامة

التنمية عملية إنسانية يقوم بها الإنسان من أجل الإنسان، وهو من يخلق الموارد لها، لذا فالإنسان هو محور عملية التنمية بحيث ان تصل للجميع كلٌ بحسب مكان تواجده، ويستفيد منها مختلف القطاعات والأقاليم، وبحيث تحقق التوازن في ظل نظام مؤسساتي يلعب دوراً هو الأهم في عملية التنمية، ولا شك أن عمل المؤسسات بحاجة إلى نظام حوكمة فاعل بمرجعية القانون، فالمؤسسات هي التي توفر بيئة آمنه لغالبية السكان من خلال الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وعدم تهميش فئات معينة، في ظل ندرة الموارد المتاحة.

وعليه فان تحقيق التنمية هو (Positive extensive) مفهوم مفضل واسع النطاق، وليس هناك تعارض بالضرورة بين تقدم التنمية الاقتصادية وبين المؤشر البيئي إذا ما تم العناية في الوقت نفسه بالحد من المخاطر البيئية، وبحيث يمكن اتباع سياسات مستدامة تحافظ على الاقتصاد والبيئة معا وفقا لتحقيق مثلث التنمية (عدالة اجتماعية، كفاءة اقتصادية، الحفاظ على البيئة).

وفي هذا السياق فقد تبين من تجارب الدول الأخرى ان هناك دول متقدمة تحقق مستويات مرتفعة من التنمية الاقتصادية ومن الدخل القومي ولم تكن أولوياتها تحقيق تمنية بيئية مثل تجربة البرازيل التي استطاعت احداث تنمية اقتصادية وبناء نظام ديمقراطي ناجح اقتصادياً واجتماعياً ويمزج بين سياسات يسارية لمصلحة الفقراء والطبقة المتوسطة، وسياسات ليبرالية تحمي مصالح الطبقة العليا ولكنها أخفقت في استدامة عملية التنمية وجعلت سلم أولوياتها في التقدم الصناعي ولو كان على حساب البيئة من تلوث المدن الصناعية الكبرى، وانقراض بعض الحيوانات بسبب الاستخدام الجائر للغابات، وتلوث مياه الأنهار بسبب مخلفات المصانع وانجرافات التربة في بعض الأماكن وعدا عن اختلال في توزيع الدخل بين الأقاليم. والاقتراض من الخارج خلف عبء على الأجيال اللاحقة.
وفي المقابل هناك دول أخرى حققت تقدم اقتصادي وبيئي معا مثل تجربة سويسرا التي
في طريقها إلى مستقبل مستدام حيث صنفت في المرتبة الثالثة لأكثر الدول الخضراء في العالم. بعد الدنمارك، ولوكسمبورغ؛ وفقًا لمؤشر الأداء البيئي لعام 2020 -EPI وهي في المرتبة الأولى لعام 2019 في مؤشر الابتكار العالمي. وكذلك في تجربة المانيا التي جاءت في المرتبة العاشرة لأكثر الدول الخضراء في العالم وفقًا لنفس مؤشر الأداء البيئي لعام 2020 -EPI بحيث انها تبنت سياسة ترتكز على استعمال التكنولوجيا الخضراء وبالتالي منع نشوء التلوث من المصدر والتي تتجسد في مجال الطاقات المتجددة؛ فبواسطة الاستخدام الواسع لطواحين الهواء والخلايا الشمسية، توفر نحو ثلث قدرتها لإنتاج الكهرباء، فالحكومة الألمانية تعمل على التحول نحو نموذج "الاقتصاد الدائري". وذلك ضمن الإطار المؤسسي، وتتمثل مساهمة المؤسسات في اغلاق محطات الطاقة النووية، منع دفن النفايات المختلطة، إلزامية فرز النفايات، الاقتصاد الدائري، الابتكار البيئي، البحث العلمي.

إذا يعتمد ذلك على التدابير التي تتبعها الدول في الوصول لأهدافها. ولكن بالغالب فان الدول المتقدمة تحقق مستويات جيدة أكثر من غيرها في المؤشر البيئي وربما يعود السبب لإيرادات الدولة التي تساعدها في تقديم خدمات أفضل وفقا لترتيب أولوياتها ونهجها المتبع ولكن ذلك ليس صحيح دائما، كذلك يعود الى مدى تبنى ثقافة الاستثمار الأخضر وترتيب أولويات الدولة وفق رؤيتها واستراتيجياتها وذلك يتطلب تطبيق سياسات وخطط وروابط وطنية متكاملة، تضمن معلومات شاملة بحيث تعتمد على التحليل العلمي التفصيلي البيئي والاقتصادي، وتشمل خطط واهداف استراتيجية متعددة للقطاعات (سياسي، اجتماعي، اقتصادي).

ومن المعروف أن من يمتلكون راس المال الكبير يمكنهم التغير أسرع. من خلال الاستثمار البيئي والتحول نحو اقتصاد صديق للبيئة، والترسيخ لحضارة مستدامة من خلال توظيف التكنولوجيا المستدامة أي التحول التكنولوجي والاستثمارات في الابتكارات التي لها تأثير إيجابي على البيئة مثل استخدام الكهرباء الخضراء بدلا من الديزل.

وهذا يقودنا الى سؤال آخر هل التوجه نحو اقتصاد اخضر له تأثير سيء على الاستثمار؟  

ولكن الاستثمار الأخضر لا يعني خسارة المال، بل العكس؛ حيث أصبح قطاع واسع من كبرى الشركات تواجه خسارة بسبب تأثيرات الاضرار بالبيئة والتغيرات المناخية التي قد تحول جنة الاستثمار الى كابوس. وعليه فقد اصبحت الاستدامة نقطة إيجابية إضافية في اهتمام الشركات وفق اتباع منهجية (win – win) او على الأقل تحقيق المحايدة بيئيا ومناخيا وفقا لتحقيق تنمية أخلاقية واقتصاد تنموي معا.

وقد استحدث برنامج الأمم المتحدة تعريفا للاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يؤدي الى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي مع العناية في الوقت نفسه بالحد من المخاطر البيئية. فالموارد محدودة ولكن تطور المعرفة تفتح آفاقا جديدة لزيادة النمو الاقتصادي وهو ما لابد منه في ظل زيادة عدد السكان ومع الأخذ بعين الاعتبار الى الجانب البيئي.
ومن التقنيات التي تساعد في تحقيق ذلك الذكاء الاصطناعي، النانو تكنولوجي، البزنس الذكي، والتطور التكنولوجي في الإدارة والإنتاج وتحليل البيانات واتخاذ القرار، مما يضمن زيادة الإنتاج دون الوصول للانهيار البيئي ومستوى تلوث والحفاظ على حق الأجيال القادمة في العيش في كوكب نظيف.

دون اغفال لضرورة استخدام الموارد المتاحة بكفاءة وعدم اهدارها، والى الحفاظ على مبدأ الجدارة أي ان الانسان المناسب في المكان المناسب والى ترتيب الأولويات وتحديد الاحتياجات.

 

ويمكن اجمال أبرز التحديات المتعلقة في البيئة بأنه تم وضع ضغط كبير على البيئة بسبب تضاعف عدد الإنتاج الغذائي في السنوات الـ 40 الماضية، وذلك بفضل الثورة الخضراء. وان سكان العالم اليوم هو حوالي 8 مليار نسمة ومن المتوقع ان يزداد التعداد السكاني العالمي إلى 10 مليار بحلول عام 2050 ذلك في ظل نظم زراعية حالية ليست مستدامة، فلا يزال حوالي بليون شخص يعانون من سوء تغذية، كما يجب أن تتوافق كمية المواد الغذائية مع جودة الغذاء كما يجب المحافظة على ربح المزارعين وتأمين العدالة الاجتماعية ومصالح الشعب.

 

وعليه فاتباع نهج شامل أمر لا غنى عنه مع الأخذ بعين الاعتبار في الوقت نفسه لإنتاجية النظام، ربح وحدة الانتاج، والحفاظ على البيئة والعدالة الاجتماعية، كما يجب الاستجابة للتحسينات والظروف البيئية لتصبح أكثر إنتاجية من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة للبشرية، بالاعتماد على المؤشرات المناسبة لرصد وتقييم أثر كل عمل بما في ذلك كفاءة الطاقة المتجددة بحيث ان النهج المتبع في اختيار الاستراتيجية يجب أن يكون مرن وخالي من التحيز ويجمع بين أفضل الاقتراحات المختلفة، وصولا لتحقيق تنمية صديقة للبيئة وتشجيع الابتكار البيئي واتباع نهج الثروة الخضراء والاقتصاد اخضر والاقتصاد الدائري Zero west. وذلك لا يتم دون الإصلاح الحكومي والقضاء على الفساد.

 

في فلسطين الامر مختلف فهي تتأثر سلبيا بإجراءات دولة الاحتلال وهو ما يشكل أخطر تهديد للبيئة واستمرار الاحتلال هو المعيق امام الاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة من اقتلاع الأشجار وسرقة المياه، وخطر جفاف البحر الميت إذا استمرت اسرائيل بسرقة مياهه ومكوناته الطبيعية، كما ان غزة ستصبح غير قابل للحياة إذا استمرت مصائد المياه على حدود غزة، واستمر الحصار الى جانب التلوث البيئي من نفايات ومياه مجاري وغيره فمن المعروف بأن إسرائيل تستخدم الاراضي الفلسطينية مكباً لنفاياتها السامة، ومصانعها الملوثة للبيئة.

هنا لا بد لنا من العمل على احداث تنمية محلية مناطقية، وحيث يكتسب مفهوم التنمية في فلسطين أبعاداً أخرى مختلفة عما هو متعارف عليه بسبب الفصل الجغرافي بين المناطق الفلسطينية، والحواجز التي أوجدها الاحتلال، وبالتالي وجود نوع من المناطق المحلية المتباينة في ظروفها، ما يفرض اهتماماً أكبر بمفهوم التنمية المحلية، التي تأخذ بالاعتبار خصوصيات المناطق، دون إلغاء الإطار الوطني العام والتكاملي للتنمية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت