- المحامي علي ابوحبله
أعادت القمة في مستوطنة إسرائيلية في منطقة النقب بين وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب ووزيري خارجية إسرائيل والولايات المتحدة إلى صدارة الاهتمام مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" الذي أعلن عنه قبل أكثر من ربع قرن شمعون بيرس ، إبّان توقيع اتفاقيات أوسلو، وظلّ متداولا حتى وفاته عام 2016 فمات هذا المصطلح معه. وقد عاد بقوّة على ألسنة إسرائيليين كثر وأقلامهم، لا كاستعارة ظلّ بينها وبينه تاريخ مشترك طوال الأعوام التي مرّت منذ إطلاقه أول مرّة، إنما كحقيقة واقعة، حيث أعيد إلى أذهان من تناسوا، من الإسرائيليين والعرب على حدّ سواء، أنّ بيرس ذاته قصد به على المستوى البعيد، أكثر من أي شيء آخر، أمرين: أن تصبح إسرائيل دولة طبيعية في المشرق العربي، بمعنى أن يتم تطبيعها عربيا، ما يتيح إمكان أن تغدو حقيقة ثابتة غير قابلة للجدل. وأن تكون دولة قائدة مُعترفًا بها على المستوى الإقليمي. وفي هذا الشأن الأخير، أكد بنفسه مرّة أنّ العرب جرّبوا قيادة مصر منطقة الشرق الأوسط نصف قرن، وحان الوقت لأن يجرّبوا قيادة إسرائيل، مبرزاً تقدّمها التكنولوجي.
مع انتهاء قمة النقب، طرح سؤال مهم مرتبط بما هو قادم من الاتجاه إلى نظام شرق أوسطي جديد، على أنقاض ما بقي من النظام الإقليمي العربي، وفي ظل غياب الرؤية العربية الراهنة الجامعة، والتي كان من المفترض أن تقف حجر عثرة في مواجهة ما سيجري من تطورات محتملة.
وبالتحليل فقد تضاربت الأهداف الرئيسة لكل طرف مشارك في قمة النقب ، وهو ما يثير تساؤلاً حول هدف كل طرف، مع تأكيد أن الإدارة الأميركية هي من جمعت هذه الأطراف في توقيت له دلالاته، وفي ظل مرور 43 عاماً على توقيع مصر وإسرائيل معاهدة السلام، وهو ما يؤكد أن الاداره الامريكيه لا تزال تعمل في اتجاه الوساطة العربية - الإسرائيلية، على الرغم من عزوفها منذ وصولها إلى البيت الأبيض عن التدخل في مسارات عمليات التطبيع، وتركت الأمور على ما هي عليه، ولم تكلف نفسها بالتدخل إلا بعد المواجهات بين حركة "حماس" وإسرائيل، فزار وزير الخارجية بلينكن المنطقة، وتجول في الأراضي الفلسطينية والأردن ومصر وإسرائيل دون أن يقدم رؤية أو تصوراً.
هذه المرة التي يأتي فيها وزير الخارجية الأميركي بلينكن للمنطقة مرتبطة في الأصل بتخوفات أميركية من أن تقدم دول عربية كبرى، مثل مصر والسعودية والإمارات، لبناء شراكات حقيقية وجديدة تتجاوز ما هو ماضٍ من علاقات، وجاء بلينكن برسالة مهمة بتأكيد شكل وحجم الشراكة، وهو أمر سيأخذ بعض الوقت لإثباته في الفترة المقبلة، وهل ستتعامل العواصم العربية عن قناعة أم ستعود إلى الدائرة الأميركية، على الرغم من أن الإدارة بدأت منذ أسابيع، وبعد بدء الحرب الأوكرانية الروسية في توجيه رسائل مهمة بقبول إمداد مصر بصفقة "أف 15" التي رفضتها أعواماً طويلة.
لم يحضر الأردن القمة لارتباطات متعمقة بضرورة مشاركة الجانب الفلسطيني، والتقى الملك عبد الله مع الرئيس محمود عباس في التوقيت نفسه، وهذا له مدلولاته وهو أن دولاً عربية مهمة مثل الأردن ومصر لن يمضيا في سياق ما يخطط أميركياً، وهو ما قد يزعج الجانب الأميركي الذي ما زال يريد الإمساك بخيوط المنطقة وفق رؤيته ، وهو ما تدرك أبعاده دول عربية وازنة مثل مصر التي أعلن وزير خارجيتها رسمياً أنه لا تحالف ضد أحد، وأن الأولوية لخيار حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، فيما تحدثت إسرائيل عن العبقرية الإسرائيلية، ومجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات العلمية، ولم يكن هناك أي حديث عن الأمن أو السياسة، إنما مجرد عقد لقاءات واجتماعات.
إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، تسارع الخطى لطرح مقاربتها الأمنية والسياسية في أمن الشرق الأوسط تخوفاً من إقدام دول عربيه مثل مصر والجزائر والأردن والعراق على صياغة مفهوم للأمن القومي العربي، وهو ما برز في فكرة التحالف الثلاثي، ومن ثم يقف في مواجهة ما يجري إسرائيلياً وأميركياً، على الرغم من طبيعة العلاقات الراهنة مع هذه الدول، بل قد يعطل مسار الحركة الإسرائيلية لبناء تحالفات أمنية واستراتيجية جدية تتجاوز الطرح الراهن للأمن القومي العربي، وبقاء مؤسسات العمل العربي المشترك على ما هي عليه بما في ذلك بقاء الجامعة العربية على وضعها الراهن، وهو ما يشجع إسرائيل على الدخول في طرح صياغات ورؤى أمنية حقيقية للتعامل مع المشهد العربي، ولإفشال المخطط للشرق الأوسط الجديد يتطلب سرعة انعقاد القمة العربية وضرورة التنسيق بين القوى العربية الفاعلة لتفعيل نظرية الأمن القومي العربي ، ويخشى من بقاء الأوضاع العربية على ما هي عليه مما قد يدفع لتوظيف ما يجري لبناء نظام شرق أوسطي يتجاوز وضع النظام الإقليمي العربي بكل مؤسساته الراهنة حتى ولو جمد عملها أو حركتها أو فاعليتها
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت