- المحامي علي ابوحبله
إن وظيفة الصهيونية الأولى هي تلقين وترسيخ ثقافة الإحساس بالخطر حيث تقتات على العدوانية، وتحولها باستمرار إلى نوع من الرابطة القومية. لا تستطيع الصهيونية أن تعيش دون حروب، ولو على بعد آلاف الأميال من حدودها الراهنة، لذلك فإن "السلام" هو عدو الصهيونية الأول. وتبرز بشكل واضح عدوانية الصهاينة تجاه الفلسطينيين واستهدافهم للتاريخ والمقدسات الاسلاميه في مسعى دءوب لتهويدها وطمس معالمها وهذا هو محور الصراع اليوم على المسجد الأقصى حيث اقتحم مئات من المستوطنين صباح الأحد 17/4/2022 حرمة المسجد الأقصى رغم كل محاولات الوساطة مع حكومة الاحتلال للتهدئة وعدم استفزاز مشاعر المسلمين إلا أن إصرار المستوطنين وجماعات أمناء الهيكل لاقتحام المسجد الأقصى في محاوله للتقسيم ألزماني والمكاني للحرم القدسي ينذر بخطر الانفجار
ويعد الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون وجماهير الأمة العربية مع الكيان الصهيوني صراعا كيانيا ووجوديا لا يصلُح معه النظر السياسي والتاريخي وحسب، بل يجب تقديم النظر الفلسفي أيضًا من خلال بحث أسباب تفريط العرب والمسلمين في القدس وتطبيعهم مع الكيان الصهيوني، تلك هي نظرة الفيلسوف المغربي "طه عبد الرحمن" للصراعات الموجودة على الساحة. فهو يقدم الإيذاء الواقع من الجانب الصهيوني على الإنسان الفلسطيني في شقين، وكل شق كجبل الجليد له ظاهر وباطن، فالشق الأول: الظاهر منه أنه "إيذاء واعتداء واقع على الأرض الفلسطينية"، بينما الباطن هو "إيذاء واقع على الأرض التي باركها الله".
وهذا هو جوهر الصراع، فالإيذاء الإسرائيلي يكمن في احتلال الأراضي التي باركها الله وجعلها ملكًا له، وهذا راجع إلى أن شعورهم بالملكية يكون أكبر إذا كان هذا المكان مقدسًا، ويشعرون بالانتصار إذا أصبحت بيوت الله هذه ذاتها بيوتهم، ولأجل ذلك لن يهدأ لهم بال حتى يدمروا المسجد الأقصى ويشيّدوا بدلًا منه هيكلًا يرمز إلى ملكيتهم، يريدون بذلك أن يضاهوا الله -عز وجل- في مُلكه!
أما الشق الثاني: فظاهره "الإيذاء الواقع على الإنسان الفلسطيني"، بينما جوهره هو "الإيذاء الواقع على الإرث الذي أنتجه هذا الإنسان"، وذلك من خلال سلب الإنسان الفلسطيني "فطرته" وخلخلة "القيم" واستئصالها، فيفقد الفلسطيني "الوجهة" فلا يدري هل يقاوم المحتل الغاصب، أم يندمج معه ويذوب فيه، والصهيوني لا يتوقف عند هذا الحد، بل يعمد إلى إفساد "الذاكرة" كذلك عن طريق خلخلة علاقة الفلسطيني بالماضي والحاضر والمستقبل، فيطعن الفلسطيني في معتقداته، ويستسلم للواقع المفروض عليه، ويفقد الثقة في أي تغيير يلوح في الأفق، ومن ثمَّ يفقد الفلسطيني علاقته وصلته بالمكان، فتحل بذلك إرادة الصهيوني محل إرادة الإله، وتصبح بذلك الأراضي المقدسة المباركة، ليست مقدسة وليست مباركة!
كما أن هدف الكيان الصهيوني من التطبيع الحاصل معه من جانب بعض الدول العربية، هو حصر القضية الفلسطينية بين الفلسطينيين والصهاينة، وتحييد العرب والمسلمين عن الصراع، فيريدون نزع قدسية ومركزية تلك القضية من قلب كل مسلم وعربي بجعلها محصورة في الفلسطيني فقط،كونها قضية فلسطينية داخلية، وليس قضية عربية وإسلامية، ولذلك يرى طه عبد الرحمن أن علينا وصف هذا الصراع "بالصراع الإسلامي الصهيوني" لتوسيع نطاقه ليشمل المسلمين عربًا وعجمًا.
وليس هذا وحسب، فيرى "بول كونرتون" أن من أسوأ الجرائم التي يرتكبها المحتل في حق الإنسان الفلسطيني صاحب الأرض، هي جريمة تدمير "الذاكرة المكانية" وذلك عن طريق تهجير الإنسان الفلسطيني من أرضه وهدم مسكنه، وتغيير اسم الحي والقرية والمدينة التي كان يسكن فيها، وهذا بالضبط ما يحدث خلال هذه الأيام في "حي الشيخ جراح بالقدس" وغيرها من الأماكن، فينتج عن تدمير الذاكرة المكانية قطع أي علاقة تربط الإنسان الفلسطيني بالمكان، وبالتالي يبدأ تاريخ تلك الأماكن ببداية تسميتها بأسمائها الصهيونية الجديدة، فعندما تجول في خاطر الفلسطيني أي ذكريات متعلقة بتلك الأماكن، فإذا به يجد أنها غير موجودة، كون المواقف متعلقة دائمٌا بالأماكن التي حدثت فيها!
والحقيقة الدامغة التي يجهلها غلاة المتطرفين الصهاينة أنه لا يوجد ا أحقية لليهود في فلسطين وفي القدس وهي محور الصراع وقد تحوّلت الاقتحامات اليهودية للأقصى إلى «تقليد» أسبوعي، حيث تجري على فترتين: صباحية وبعد الظهر من الأحد إلى الخميس من كل أسبوع، وقد اقتحم أكثر من 34 ألف مستوطن إسرائيلي المسجد الأقصى خلال العام الماضي، مقارنة مع قرابة 30 ألفا في العام 2018، وتنفذ الاقتحامات من خلال باب المغاربة، في الجدار الغربي للمسجد الأقصى، الذي استولت إسرائيل على مفاتيحه منذ احتلال القدس الشرقية والمسجد عام 1967.
وضمن هذا المخطط، يتركز نشاط الجمعيات الاستيطانية في الاستيلاء على العقارات الفلسطينية بالقدس المحتلة في أحياء البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح وواد الجوز، حيث ارتفعت في السنوات الأخيرة نسبة الاستيلاء على الكثير من المنازل ، وعملية الاستيلاء على عقارات الفلسطينيين تأتي في سياق مسلسل ابتلاع الأراضي الفلسطينية الذي تمارسه سلطات الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود. لكن الأمر يتجاوز بكثير مجرد الاستحواذ المجرد على الأراضي إلى كونه خطوة ضمن خطة صهيونية شاملة لإحكام السيطرة على الفلسطينيين وفرض العُزلة عليهم من خلال المستوطنات، التي تُعَدُّ في جوهرها وسيلة لتفتيت المدن الفلسطينية وعزلها، ووأد الذاكرة التاريخية وأي بذور للمقاومة هناك.
يمكن تشبيه إسرائيل، برّمتها، ببناء استعماري استيطاني، بدأ قبل عام 1948، واشتغلت على تأسيسه وتوسيعه، منظومات اقتصادية وسياسية واجتماعية ودينية، وتبدو جماعات «الهيكل» خلاصة كبيرة لهذا المشروع.
مع جماعات «الهيكل» انتقلت إسرائيل من كونها مشروعا للاستيلاء على الأرض من السكان الفلسطينيين الأصليين، إلى مشروع لاستيطان القداسة. لا يكتفي المشروع إذن بنهب الأرض بل يريد أيضا نهب روح تلك الأرض، ومعتقدات سكانها، وإحلال اليهودية مكان الإسلام والمسيحية وهنا مكمن ومخاطر الاتفاقيات «الإبراهيمية» مع إسرائيل، لأنها بهذا المعنى، هي اتفاق على نهب روح الفلسطينيين، وتهويد مقدساتهم، بالتناظر مع استيطان أراضيهم.
الكيان الصهيوني يسابق الزمن لتهويد القدس المحتلة، وقد بدأ سياسته هذه منذ احتلال الشطر الغربي لمدينة القدس عام 1948 وشطرها الشرقي 1967، حيث اتخذت سلطات الاحتلال سلسلة إجراءات وسنّت مجموعة قوانين وتشريعات تصبّ كلها في اتجاه السيطرة الجغرافية والديمغرافية على المدينة وتهويدها لكن هيهات أن يتحقق حلم الصهيونية فكما فشلت حملات الصليبيين في محو آثار وتاريخية القدس سيفشل غلاة المتطرفين الصهاينة ومنظمات جبل الهيكل في تحقيق حلمهم للنيل من المسجد الأقصى والقدس وفلسطين وهذه بديهيه تاريخيه وأراده ربانيه ولن تجدي الاقتحامات للمسجد الأقصى التي يقوم بها غلاة المتطرفين تحت حراب جنود الاحتلال نفعا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت