قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن الوزير لويد أوستن بحث قضية مقتل شيرين أبو عاقلة خلال لقائه وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في واشنطن، وقد أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي امتناعه حاليا عن فتح تحقيق، في حين ظهر فيديو جديد للحظات الأخيرة قبل إطلاق الرصاص على شيرين.
وصرح المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، يوم الخميس، بأن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن شدد على أن يكون التحقيق في مقتل شيرين أبو عاقلة شاملا وشفافا.
وأضاف المتحدث أن أوستن رحب برغبة إسرائيل في التحقيق في مقتل شيرين أبو عاقلة، وفق قوله.
غير أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قال في وقت سابق، إنه لا مجال في الوقت الراهن لفتح تحقيق بشأن ظروف مقتل شيرين أبو عاقلة.
وأضاف أدرعي أن قرارا نهائيا سوف يتخذ بعد انتهاء التحقيق العملياتي والنظر إلى كل المعلومات ذات الصلة.
وفي رد على سؤال لمراسل قناة " الجزيرة" في القدس، أكد أدرعي أن القرار بعدم فتح التحقيق اتخذ وفق سياسة التحقيقات التي تم التصديق عليها بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية، والتي تنص على عدم فتح تحقيق جنائي بشكل فوري في عمليات الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية.
سلاح الجريمة
في غضون ذلك، نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله يوم الخميس إن الجيش الإسرائيلي حدد بندقية جندي يحتمل أن تكون هي السلاح الذي قتل شيرين أبو عاقلة.
لكنه أضاف أن الجيش لا يستطيع التيقن من الأمر ما لم يسلم الفلسطينيون الرصاصة التي قتلت شيرين لفحصها.
وقال المصدر نفسه إن مصدر إطلاق النار لا يزال غير واضح للجيش الإسرائيلي، لكن "حصرنا السلاح التابع للجيش، الذي ربما يكون استخدم في تبادل إطلاق النار بالقرب من شيرين".
في السياق نفسه، قال عاموس هرئيل المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" إن الجيش الإسرائيلي لا ينوي فتح تحقيق بشأن ملابسات مقتل شيرين أبو عاقلة، بدعوى عدم وجود شبهات جنائية، وتجنبا لنشوب خلافات في المؤسسة العسكرية والمجتمع الإسرائيليين.
وأشار هرئيل في تقرير نشرته الصحيفة إلى أن النيابة الإسرائيلية كانت قد أصدرت في أواخر الانتفاضة الفلسطينية الثانية تعليمات بشأن ضرورة فتح تحقيق في ظروف مقتل المدنيين الفلسطينيين بنيران إسرائيلية إذا لم يكونوا مسلحين، لكن النائب العام الحالي يمتنع عن ذلك كما يبدو لتفادي أي انتقادات من جانب اليمين أو إثارة خلافات داخل الجيش، وفقا للتقرير.
من جانبها، أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية امتناع الشرطة العسكرية الإسرائيلية عن التحقيق في جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة.
واتهمت الخارجية الفلسطينية الجيش الإسرائيلي بتجاهل عشرات الشهادات الحية والأدلة ونتائج التشريح وغيرها من القرائن التي تدين جيش الاحتلال.
وحملت الوزارة الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن اغتيال شيرين أبو عاقلة، وحذرت من مغبة المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى إغلاق الملف، ورأت أنها بمثابة جريمة جديدة ترتكب بحق شيرين.
وقال وزير العدل الفلسطيني محمد شلالدة في تصريحات لقناة "الجزيرة" إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تعمدت اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة.
وأضاف أن ما توصلت إليه التحقيقات الأولية للنيابة يؤكد توفر جميع أركان الجريمة في اغتيالها، مطالبا بضرورة التحرك لمحاسبة من اقترفوا هذه الجريمة.
من جهتها، طالبت حركة "حماس" بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال شيرين أبو عاقلة.
وقال فوزي برهوم المتحدث باسم حماس في بيان إن قرار إسرائيل بعدم فتح تحقيق في جريمة الاغتيال لن يعفيها من المسؤولية. وأضاف أن قرار "ما يسمى بالمدعية العسكرية الإسرائيلية… دليل على سادية ووحشية الاحتلال القائم على القتل بدم بارد".
وقالت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين :"بالأدلة والشواهد الدامغة وبالصوت والصورة، الاحتلال الإسرائيلي مع سبق ترصد وتصميم هو من اغتال الصحفية شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة"، معتبرة بأن "تنصله (الاحتلال) من فتح التحقيق رغم المطالبات الدولية، يعد تهربا ولن يعفيه من المسؤولية عن الجريمة . "
وأضاف الجبهة في بيان :"لا يمكن أن تبقى دولة الإحتلال فوق القانون الدولي، ويجب وضع حد لتلك التجاوزات بمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين وضمان مثولهم أمام القضاء الدولي، وتوفير الحماية الدولية للصحفيين عملا بقرار مجلس الأمن الدولي (2222 ). "
ولا تزال الدعوات تتوالى من قبل حكومات غربية وعربية ومنظمات حقوقية وأعضاء في برلمانات العالم لإجراء تحقيق في اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة التي قتلها جنود الاحتلال الإسرائيلي أثناء عملها في تغطية اقتحام جنين الأربعاء 11 مايو/أيار الجاري.
وقالت لجنة حماية الصحفيين وهي منظمة أميركية غير حكومية، إن رفض إسرائيل فتح تحقيق في مقتل شيرين أبو عاقلة يؤكد الحاجة إلى تحقيق دولي مستقل.
ورأت اللجنة أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة إلى إسرائيل قد تكون فرصة للقيام بدور أساسي في التوصل إلى حقيقة مقتل شيرين أبو عاقلة، وحثت بايدن على وضع هذه القضية في مقدمة أولوياته خلال الزيارة.
من جهة أخرى، قالت مجلة هوليود ريبورتر الأميركية إن 126 فنانا يطالبون بمحاسبة شاملة لقتلة شيرين أبو عاقلة.
التحقيق الفلسطيني
وقال مراسل "الجزيرة" إن تحقيق النيابة العامة ومعهد الطب العدلي الفلسطيني كشف أن الزميلة شيرين أبو عاقلة قتلت بعيار ناري أصابها خلف الأذن اليسرى، واخترق رأسها؛ مما يشير إلى أنها كانت مستهدفة من سلاح قناص.
وبيّن التحقيق أنه ليس من المستبعد أن تكون شيرين مستهدفة بشكل شخصي، كونها صحفية بارزة ونشطة في شبكة الجزيرة.
كما تشير المعلومات التي وصلت إلى "الجزيرة" أن الرصاصة اصطدمت من الداخل بالخوذة الواقية التي كانت ترتديها، حيث توجد آثار تهشم في الجزء الداخلي للخوذة، وتصدعات في القشرة الخارجية؛ ولذلك لم تخرج الرصاصة من الرأس.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها "الجزيرة"، فإن ذلك يدل على أن من أطلق النار، على الأغلب، قناص متمرس، وأن الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة هي من النوع الذي تستخدمه قوات الاحتلال فقط.
فيديو جديد
وأظهرت لقطات جديدة نشرها نشطاء من مخيم جنين مركبة دورية عسكرية إسرائيلية كانت موجودة في الشارع نفسه الذي اغتيلت فيه مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة قبل دقائق قليلة فقط من إطلاق الرصاص عليها.
وتُسمع في المقطع الذي صوره أحد سكان مخيم جنين إشارة إلى وجود قناص في موقع المركبة العسكرية الإسرائيلية كما يسمع دوي رصاصات.
وتفاعل ناشطون مع الفيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقالوا إن المشهد يفند مزاعم الاحتلال السابقة بشأن عملية الاغتيال، ويؤكد أنه لم تكن هناك اشتباكات بين فلسطينيين وجنود الاحتلال قبيل اغتيال شيرين أبو عاقلة كما ادعى الاحتلال.
وقد أظهرت أيضا مقاطع فيديو ما يؤكد شهادة الزميل مجاهد السعدي الذي كان أحد المرافقين لشيرين أبو عاقلة. وكان السعدي قد تحدث عن استهداف قوات الاحتلال بشكل متعمد لفريق الصحفيين، الأمر الذي أدى إلى اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة. ولم يكن في التسجيلات أي مظاهر لاشتباكات، وكان فريق الصحفيين يسير بشكل اعتيادي.
حكومة بينيت مهددة
وتواجه إسرائيل احتمال إجراء انتخابات مبكرة إثر استقالة نائبة عربية في الكنيست احتجاجا على الاعتداء على جنازة شيرين أبو عاقلة.
وأعلنت النائبة غيداء ريناوي زعبي من حزب ميرتس اليساري استقالتها من الائتلاف الحاكم في إسرائيل برسالة نشرتها وسائل الإعلام المحلية.
وقالت زعبي في الرسالة التي بعثت بها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن مشهد الاعتداء على جنازة شيرين أبو عاقلة حسم موقفها المبدئي بتقديم الاستقالة، إلى جانب الاعتداءات التي تعرض لها المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.
وأضافت زعبي أنها أمام تلك الاعتداءات لم تعد قادرة على البقاء في ائتلاف يتنصل ويتعامل بشكل مخز ومشين مع قضايا المجتمع العربي الذي تمثله، وفقا للرسالة.
وقال مراسل "الجزيرة" إن بينيت استدعى أعضاء حزبه للتشاور بعد استقالة زعبي من الائتلاف الحاكم.
من جهته، قال حزب الليكود الإسرائيلي المعارض لحكومة بينيت إنه سيعرض مشروع قانون الأربعاء المقبل لحل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة بعد استقالة زعبي.
وباستقالة زعبي، بات ائتلاف بينيت -الذي يضم أحزابا من اليسار والوسط واليمين- يسيطر على 59 مقعدا فقط من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعدا.
وقبل ذلك خسر الائتلاف مقعدا في أبريل/نيسان الماضي عندما انسحبت نائبة من حزب بينيت اليميني.