- سليمان سعد أبو ستة
- باحث في الشأن الفلسطيني
يعيش الفلسطينيون والكيان الإسرائيلي حالة توتر كبيرة في ظل إصرار الاحتلال على تنظيم مسيرة الأعلام يوم الأحد في القدس المحتلة، ويتوقع كثيرون أن تقود هذه المسيرة لحرب واسعة على غرار ما جرى في سيف القدس العام الفائت، ولهذا أعلن الاحتلال عن حالة استنفار كبيرة بين صفوف جيشه وشرطته، ونشر آلاف الجنود في القدس ومدن الداخل، ووضع القبة الحديدية في حال استنفار، بينما تعيش المقاومة في قطاع غزة درجة استعداد عالية حسبما نقلت بعض الصحف عن مصادر في صفوفها، فما هي السيناريوهات التي يمكن أن تحدث نتيجة هذه المسيرة الاستيطانية؟
تتنوع الاحتمالات المتوقعة لهذه المسيرة لتشمل حربا واسعة بين المقاومة في غزة والكيان الإسرائيلي، أو تصعيدا محدودا، أو عملية بطولية كبيرة أو محدودة تأتي ردا مناسبا على المسيرة وتغني عن مواجهة واسعة، أو مواجهة شعبية واسعة على امتداد الداخل الفلسطيني والضفة والقدس، وقد تمتد أو تنحصر حسب رد الفعل الصهيوني عليها، وقد تمر المسيرة بهدوء ويحرص منظموها على عدم استفزاز الفلسطينيين، وينتهي كل شيء مساء الأحد دون تغيير ملحوظ.
وعند دراسة السيناريوهات السابقة سنجد أن خيار الحرب الواسعة قد يأتي بمبادرة إسرائيلية أو بمبادرة المقاومة كما جرى العام الفائت، أما الاحتلال الإسرائيلي فمن وجهة نظر كثيرين يعيش حالة قلق مستمرة نتيجة التهديدات القادمة من قطاع غزة، سواءً إذا فكّر بالعدوان على الأقصى أو باجتياح واسع لمخيم جنين، أو بغير ذلك من جرائمه الكثيرة، وبالتالي فقد يقوم ببدء عملية عسكرية واسعة يحجّم من خلالها قدرة المقاومة، ويباغتها بضربة كبيرة دون استعداد.
وقد تصاعد هذا الحديث عقب تهديدات السنوار، وحديثه عن ضرورة تنفيذ العمليات البطولية في الداخل المحتل بالوسائل المتاحة كلها، ويعضد هذا التصور أن الاحتلال يسلك مسلكا تصعيدياً منذ بداية رمضان، من خلال تصعيد اعتداءاته على الأقصى، لكن تأمل السلوك الصهيوني خلال السنوات الفائتة يؤكد أن الاحتلال لا يرغب بشن عمل عسكري واسع على غزة، على اعتبار أن أي عملية جوية لن تحسم المعركة، ولن توقف الصواريخ، وبالتالي لا فائدة منها، خاصة أنه لا يريد دخول عمليات برية كما رأينا في سيف القدس.
أما الحديث عن احتمالية دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت الأمور نحو عمل عسكري ضد المقاومة لتعزيز فرص فوزه في أي انتخابات قادمة، والخروج بصورة إنجاز لصالحه الشخصي، فإن تحصيل ذلك غير ممكن إلا إذا ضمن مباغتة المقاومة، وضرب غالبية قياداتها السياسية والعسكرية بما يقلل من قدرتها على الرد، ويحقق صورة نصر كبيرة، وهذا كله غير ممكن في ظل دخول المقاومة في حالة حذر كبيرة، نتيجة خبرتها بسلوك الاحتلال من قبل.
أما المقاومة فقد تبدأ جولة المواجهة المحتملة لردع الاحتلال وحرمانه من الصورة التي يريدها في مسيرة الأعلام، كما جرى العام الفائت، لكن قراءة سلوك المقاومة خلال الأسابيع الفائتة قد يشير إلى عكس ذلك، حيث خرجت صور مستفزة أكثر من مسيرة الأعلام كما في الاعتداء على المرابطين في المسجد القبلي وتقييدهم، وغير ذلك من الأحداث التي مرت دون تصعيد، وذلك لكي تتيح للفعل الشعبي الواسع أن يأخذ مداه، ويطور من قدراته، وهو ما جرى فعلياً في عملية إلعاد.
وبالتالي قد تكون هذه المرة مثلها، خاصة أن مسيرة الأعلام لن تدخل الأقصى، وهي ككل ليست سلوكاً جديداً، وإنما تقليد إسرائيلي سنوي متكرر، بل إن حالة الاستنفار الكبيرة التي تدخلها دولة الاحتلال نتيجة تنظيمها والوساطات الدولية الواسعة تعبير واضح عن نجاح المقاومة في فرض حالة قلق واسعة على الاحتلال عند قيامه بأي عمل في القدس.
ومما يزيد من احتمالات عدم وصول الأمور إلى مواجهة مفتوحة أن المنطق السليم يفترض تكثيف الفعل المقاوم للعدوان الصهيوني في مختلف ساحات التواجد الفلسطيني، وهو ما ترغب فيه المقاومة بشدة حسبما نفهم من قراءة تصريحاتها ومواقفها، وربما كان هذا هو الاحتمال الأفضل للفلسطينيين، وهو أن تتحول ردة الفعل على مسيرة الأعلام إلى انتفاضة شاملة كما جرى عقب اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك عام 2000، ولكن هذا الاحتمال مرتبط بردة الفعل الإسرائيلية، فلا شك أن الجماهير ستتصدى للمسيرة، وستحدث اشتباكات واسعة في الداخل والضفة غالبا، ولكن تلك الأحداث قد تنتهي في مساء اليوم نفسه إن لم يرتكب الاحتلال جرائم دموية كبيرة، تؤسس لمزيد من ردات الفعل الشعبية، التي ستتحول في حال تواصل الفعل ورد الفعل إلى انتفاضة راسخة شاملة وممتدة، قد يشارك فيها كثير من فلسطينيي الداخل بقوة.
أما الاحتمال الأخير فقد يتمثل في حدوث عملية بطولية أو سلسلة عمليات، سواءً فردية أو منظمة، كما رأينا في سلسلة العمليات السابقة والتي بدأت في 22 مارس على محمد أبو القيعان من النقب، وأسفرت حتى اللحظة عن مقتل قرابة 20 إسرائيلياً، وهذا فعل متوقع يحرص الاحتلال على منعه من خلال نشر آلاف الجنود السريين والعلنيين على المفترقات، لكن تلك الإجراءات لم تمنع مثل هذه العمليات من قبل، ولن تمنعها لاحقاً.
وعلى كل حال يظل الشعب الفلسطيني قادر على مفاجأة الجميع، وابتكار سلوكيات غير متوقعة، وتطوير فعله المقاوم لحرمان الاحتلال من القدرة على تحقيق أهدافه وغاياته، وهو ما لا يمكن توقعه الآن، فمن الذي توقع الانتفاضة الأولى رداً على حادثة الدهس، ومن الذي توقع انتفاضة الأقصى رداً على اقتحام شارون، ومن الذي توقع سيف القدس رداً على الاعتداء على المرابطين والمرابطات في الأقصى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت