- أشرف محمود صالح
كان العالم يراقب ماذا سيحدث عندما تبدأ مسيرة الأعلام في باحات المسجد الأقصى , كان متوقعاً خروج ملايين الفلسطينيين في شوارع فلسطين وشوارع العواصم العربية ومخيمات اللجوء والعواصم الأجنبية وذلك دعماً للأقصى , وكان متوقعاً أن تشتبك المقاومة في الضفة مع حواجز ومعسكرات الجيش هناك , وكان متوقعاً أن تطلق غزة صواريخها إتجاه إسرائيل , وكان متوقعاً الكثير والكثير ولكن لم يحدث شيئاً مما ذكرت , والسبب في ذلك يعود للفجوة الكبيرة بين الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية , فكل ما يهم الشعب اليوم هو تأمين لقمة عيشه وقوت يومه , والمقاومة تدرك ذلك جيداً ولهذا السبب إنغمد سيف القدس هذه المرة في وسط المعركة , رغم أنه كان مشرعاً لما يزيد عن عام "شعارات" والجميع توقع أن يبقى مشرعاً حتى يأتي يوم الأحد المرتقب..
إن الشعب الفلسطيني بحاجة للمال , والمقاومة بحاجة للمال كي تعوض الشعب ما خسره في الحرب الماضية , فكل ما يهم الشعب اليوم هو الحصول على تصريح عمل بداخل إسرائيل , أو جواز سفر للهجرة الى خارج فلسطين , وبالتالي فالمطلوب من المقاومة أن توفر للشعب بدائل عن العمل بداخل إسرائيل كي يلتف حولها ويترك إسرائيل , وبدائل عن الهجرة والعمل خارج فلسطين كي يلتف حولها ويترك الهجرة ويبقى مرابط في فلسطين , وهذه البدائل تسمى بمقومات المقاومة , بمعنى أن تتحمل المقاومة سواء بصفتها حزب حاكم "حكومة" أو حزب معارض كل ما يتطلبه الشعب الفلسطيني من مقومات حياة كي يصمد ويرابط ويندمج في معركة الوطن والهوية , دون ذلك سيبقى الشعب في واد والمقاومة في واد والوطن في واد..
كان قرار المقاومة بغزة هذه المرة بعدم التدخل عسكرياً بما يجري في القدس , كان قراراً منطقياً , لأن فصائل غزة أدركت أن الدخول في حرب خامسة بعد عام من إنتهاء الحرب الرابعة سيكشف عوراتها أمام الرأي العام , وهذه العورات تتمثل في عدم قفل ملف الحرب الرابعة , بمعنى أن تداعيات الحرب الرابعة لا زالت قائمة , فهناك بيوت مدمرة لم يتم بنائها , ودماء لم تجف بعد , وصرخات وويلات لا زالت تخرج من حناجر من إنكوو بنار الحرب , وهناك إتفاقيات لم تنفذ بعد , وزد على ذلك بأن كل ما تم تنفيذه من إتفاقيات والمتمثل بتصاريح العمل في إسرائيل وبعض التسهيلات الإقتصادية لغزة , وملف الإعماء والمشاريع والمساعدات وغيرها من بنود , كل ذلك لم يتجاوز نسبته 20% منما تم الإتفاق عليه , وهذا يعني أن ما تم الإتفاق بين إسرائيل وبين المقاومة يحتاج الى سنوات كي يكتمل , ولذلك أدركت فصائل غزة أن الدخول في حرب في هذا التوقيت يعني تراجع عقارب الساعة الي الوراء والعودة من جديد لما كان قبل عام , وربما هذا يسبب غضب الشارع الفلسطيني على المقاومة بسبب أن جراحه لا زالت تنزف من الحرب الماضية..
كي يبقى سيف القدس مشرعاً يجب أن ينتهي الإنقسام والفساد وإهدار المال العام , يجب أن توفر أحزابنا السياسية وحركات التحرر سواء الحاكمة أو المعارضة أبسط مقومات الحياة للشعب الفلسطيني كي يبقى صامداً على أرضه ولا يفكر بالهجرة ولا يفكر بالعمل داخل إسرائيل , يجب أن توفر تعويضاً لكل حجر تم هدمه في الحرب , ولكل دم تم هدره في الحرب , ولكل شجرة تم قلعها في الحرب , فإذا كان هناك إدارة جيدة للدولة فحتماً ستكون هناك إدارة جيدة للحروب , وإن لم يكون هناك إدارة جيدة للدولة فحتماً لم تكون هناك إدارة جيدة للحروب .
أشرف محمود صالح – فلسطين – غزة
كاتب وإعلامي ومختص بالشأن السياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت