- المحامي علي ابوحبله
ان ما تسمى “مسيرة الأعلام” في القدس المحتلة جسدت وعكست صورة وجوهر الاحتلال والعنصرية البغيضة في أبشع صورهما، من حيث تحويل القدس إلى ثكنة عسكرية وارتكاب أبشع أشكال القمع والتنكيل من اعتقالات وإبعادات واعتداءات جسدية ولفظية بحق المواطنين المقدسيين والفلسطينيين عموما .
لم ولن تنجح سلطات الاحتلال الصهيوني طيلة سنوات الاحتلال من تغيير معالم القدس وطمس هوية المدينة الحضارية والسياسية، ومحاولة فرض “الأسرلة” بالقوة عليها، عبر رفع مئات الأعلام الإسرائيلية ، “إن دولة الاحتلال تسمح لعلمها أن يرفع في باب العامود بحراسة أكثر من 2000 شرطي ورجل أمن إسرائيلي، بينما يجن جنونها إذا رفع العلم الفلسطيني وبالذات من قبل مواطنيها المقدسيين
على رغم أن «مسيرة الأعلام»، التي شهدتها أحياء مدينة القدس المحتلة، يوم أمس، هي واحد من أكبر الأحداث التي يسجّلها التاريخ التهويدي المعاصر للمدينة منذ عام 1967، مضى نهار يوم أمس ثقيلاً، بسبب السلوك الإسرائيلي وعنصريته وبغض المشاركين في المسيره وحقدهم على الفلسطينيين ، ووفقاً لموقع «سروجيم» العبري، فقد شارك 50 ألف مستوطن في «مسيرة الأعلام»، في أكبر استفزاز عايشه المقدسيون خلال العشرين عاماً الماضية على الأقلّ. منذ الساعة السابعة صباحاً، أكد عضو «الكنيست»، إيتمار بن غفير، أنه سيقتحم المسجد الأقصى. وفي تمام الساعة الثامنة، كان النائب الأكثر تطرّفاً واستفزازاً يتجوّل في ساحات الحرم القدسي، مُوجّهاً رسائل بدت مدروسة جيداً: «اقتحمْت اليوم المسجد الأقصى في يوم القدس، لن نستسلم لتهديدات المنظمات الإرهابية، نحن أصحاب المكان». وحتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، كان الميدان في القدس قد شهد أحداثاً استفزازية تتجاوز ما حدث خلال شهر رمضان كلّه؛ إذ نفذ العشرات من المستوطنين طقوس «السجود الملحمي»، ووصل رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، إلى الفعاليات، ورفع المئات من المستوطنين الأعلام الإسرائيلية في مقابل قبة الصخرة، وتجاوز عدد المستوطنين المقتحمين هامش الـ 1800 مستوطن، في أجواء احتفالية راقصة
صحيح أن حكومة بينت اليمينية المتطرفة أرادت من صورة حدث أمس، نسف كل المعادلات ومحاولات تغيير واقع القدس والانقضاض على كل التفاهمات وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، نفتالي بينت، بدا كأنه كسب معركة الصورة، وخصوصاً بتأكيده أن «القدس لن تقسّم، وأنها عاصمة إسرائيل الأبدية»، إلا أنه في النهاية ثمّة وقائع وحقائق على قادة الكيان الصهيوني إدراكها ، قضية فلسطين لا تعني المسلمين وحدهم، هي قضية شعب يقاوم استعماراً استيطانيا ، يندرج في إطار إستراتيجية الهيمنة الغربية على المنطقة العربية والإسلامية. التضامن، وحتى التماهي، الواسع النطاق على صعيد عالمي مع شعب فلسطين يعود إلى كون قضيته تختصر وتُكثّف جميع القضايا السياسية الكبرى التي ما زالت مطروحة على نطاق اممي . فإضافة إلى كونها مقاومة لآخر أشكال الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، هي تتضمّن كذلك نضالاً ضدّ التمييز والفصل العنصريَين اللذين يمارسهما الكيان الصهيوني، ومجابهةً لسياسات الهيمنة والحرب وعندما نؤكد أن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين جميعا ، ومَن يشكّ في ذلك عليه تفسير تماهي قطاعات معتبرة من الأميركيين والغرب ومشاركتهم في الفعاليات المؤيدة لها في داخل وخارج الولايات المتحدة. لكن هذه الحقائق جميعها لا تنفي وجود بعد إسلامي للقضية الفلسطينية، يرتبط بموقع القدس الديني والروحي عند المسلمين، وسعي الصهاينة لضمّها وتهويدها. تهويد أولى القبلتَين هو إعلان حرب على أكثر من مليارَي مسلم - بحسب إحصاءات 2021 - على مستوى المعمورة. وبينما يدافع الشعب الفلسطيني عنها بصدورهم العارية في مواجهة الصهاينة المدجّجين بالسلاح، فان أمّة المليارَين تستطيع الكثير ضدّ مَن يرعى ويحمي ويسهّل التهويد،ومواجهة هذه الحرب الدينية الإسرائيلية التي يشعلها المستوطنين اليوم ضد القدس وتشكل محور الصراع المتجدد مع الاحتلال
الكاتبة الإسرائيلية رافيت هشت قالت إن مسيرة الأعلام الجنونية التي ينفذها المتطرفون اليهود اليوم الأحد في باحات المسجد الأقصى بالقدس تنذر بالتسبب في حرب وشيكة، مؤكدة أن ذلك مؤشر على احتفال الصهيونية الدينية بعنصريتها
وتساءلت في مقالها بصحيفة هآرتس الإسرائيلية "لماذا أصبح الكبار في إسرائيل يركزون على الأعلام؟"، مبرزة في البداية أنهم دأبوا في السنوات الماضية على المرور عبر البلدة القديمة والقرع على واجهات المحلات العربية المغلقة، وكانوا يفعلون ذلك مع الصياح والصفير ولفتت الكاتبة إلى أن هذا الأسبوع شهد تنظيم الطلاب الفلسطينيين في الخط الأخضر بجامعة بن غوريون مظاهرة لإحياء ذكرى يوم النكبة، وقد أصيب الإسرائيليون بالذهول عندما رفع هؤلاء الطلاب الأعلام الفلسطينية ولوحوا بها في حركة فسرت بأنها تحد لإسرائيل، كما كانت الأعلام الفلسطينية قد رفعت في حرم عدد من الجامعات الأخرى فيما يعرف بـ"يوم الأرض ، ولاحظت الكاتبة وجدود هوس في أوساط الحكومة الإسرائيلية والكنيست والمجتمع المدني فيما يتعلق بتوظيف الأعلام وما ترمز له من تعصب قومي، محذرة من العواقب الوخيمة لمثل هذا التوجه ، مسيرة الأعلام جسدت عنصرية الاحتلال وأفقدته صوابه ، فكلما اقترب العلم الفلسطيني من المسجد الأقصى ومحيطه ومن مداخل البلدة القديمة يشعر الاحتلال بأنه فقد سيادته الوهمية على المدينة. وأن قادة الاحتلال الصهيوني يدكون جيدا أن الانفجار قادم لا محالة
..
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت