المحامي علاء البدارنه
المستشار القانوني لمركز الدفاع عن الحريات
أصدر الرئيس أبو مازن القرار بقانون رقم (25) لسنة 2022 بشأن إنشاء الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب، والمنشور في جريدة الوقائع الفلسطينية العدد (191) بتاريخ 25/5/2022، والجدير بالذكر إن إنشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب هو استحقاق تعاقدي من جراء انضمام فلسطين للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب بتاريخ 28/ديسمبر/2017، حيث نصت المادة (17) من البروتوكول "تستبقي كل دولة طرف أو تعين أو تنشئ في غضون فترة أقصاها عام من .....الانضمام إلى البروتوكول آلية وقائية مستقلة واحدة أو أكثر لمنع التعذيب على المستوى المحلي ..." على أن تتكفل الدولة عند إنشائها بضمان الاستقلال الوظيفي لها، فضلاً عن استقلال العاملين فيها، وكذلك تمنح الآلية الاعتبار الواجب للمبادئ المتصلة بمركز المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. [1]
عارضت المؤسسات الحقوقية والأهلية الفلسطينية القرار بقانون رقم (25) بشأن الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب، وبررت ذلك بأن القرار جاء مخالفاً لأهم المبادئ التي جرى التوافق بشأنها خلال الحوار بين المؤسسات والفريق الحكومي المكلف بإعداد مشروع الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، كذلك خالف القرار التزامات فلسطين بموجب البروتوكول والمبادئ التوجيهية الصادرة بمقتضاه بشأن إنشاء الآليات الوطنية، وأخيراً اعتبرت المؤسسات أن القرار بقانون هدم في العديد من نصوصه مبادئ استقلالية الآلية.[2]
دون تكرار أو عرض لتفاصيل الموقف المعارض للقرار بقانون المذكور أعلاه المعنون "بشأن الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب، هذا العنوان يحتوي على الاسم (مناهضة) الأمر الذي يظهر الخلط الجوهري بين صلاحيات الآلية الوقائية من التعذيب بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والالتزامات الواردة بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، وهذا الخلط تكرر مرة أخرى عند عرض أهداف الهيئة في المادة (3) من القرار بقانون هذه الأهداف التي من المفترض أن تشكل مخرجات عمل الهيئة على المستوى الاستراتيجي وأشارت إلى أن الهيئة تهدف إلى تحقيق الآتي: 1- تعزيز مبادئ مناهضة التعذيب وإساءة المعاملة. 2- السعي لإقرار الوسائل والتدابير لمناهضة التعذيب. 3- المساهمة في رفع الوعي بجريمة التعذيب وإساءة المعاملة.
مناهضة التعذيب، تعني مقاومته في الواقع واتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها الوصول لمنعه، والسعي لإقرار الوسائل لمناهضة التعذيب تعني العمل لاتخاذ إجراءات تشريعية وإدارية وقضائية أو أي إجراءات أخرى فعالة من شأنها الوصول إلى منع التعذيب في أي إقليم خاضع لولاية الدولة، وأهم هذه الإجراءات تجريم التعذيب من خلال إصدار قانون يعاقب مرتكبي جريمة التعذيب، بالمعنى المقصود[3] في المادة الأولى من الاتفاقية، والتحقيق في ادعاءات التعذيب من قبل جهات الاختصاص، وتعويض الضحايا وجبر الضرر الواقع عليهم من جراء التعذيب، هذه الإجراءات من التزامات الدولة التي يجب عليها أن تنفذها عند انضمامها لاتفاقية مناهضة التعذيب، وفي الحالة الفلسطينية انضمت فلسطين للاتفاقية في شهر نيسان 2014 ولم تنفذ أي من الالتزامات المذكورة أعلاه وخصوصاً في ما يتعلق بتجريم التعذيب والمحاسبة على ارتكابها، واعتقد جازماً أن البند الثاني من أهداف الهيئة في القرار بقانون يقصد الالتزامات الواردة أعلاه عنده ذكر "السعي لإقرار الوسائل والتدابير لمناهضة التعذيب".
الجدير بالذكر أن البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب يتميز عن كافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بأنه ينص على إجراءات وقائية خاصة تتعلق بإعطاء الصلاحية الدولية للجنة الفرعية لمناهضة التعذيب لزيارة مراكز التوقيف والاحتجاز التابعة للدولة المنضمة للبروتوكول، وكذلك إنشاء آلية وقائية وطنية لذات الغرض تعمل على تنفيذ أهداف البروتوكول التي تركز على منع التعذيب من خلال تنفيذ زيارات فجائية لمراكز التوقيف والاحتجاز، والآلية الوقائية الوطنية ليست هيئة تحقيق وتختلف عن الآليات الأخرى التي تعمل في مجال مناهضة التعذيب بالنهج الوقائي لعملها.
كذلك الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب تسعى إلى تحديد أنماط التعذيب وكشف المخاطر الناجمة عنها، بدلاً من تلقي الشكاوى أو التحقيق في حالات التعذيب، ولتحقيق أهداف الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب تعمل على فتح حوار دائم مع جهات الاختصاص ذات العلاقة بإدارة مراكز التوقيف والتحقيق والاحتجاز والسجون، هذا الحوار يهدف إلى الاستفادة من ملاحظات وتوصيات الآلية التي من شأنها منع التعذيب والوقاية منه، وهذه التوصيات تقدم إلى الحكومة بموجب المادة 22 من البروتوكول الاختياري، وعلى الحكومة الالتزام بتنفيذ التوصيات بموجب قانون.
لا بد من التأكيد على أن إنشاء الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب، يستند إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، هذا البروتوكول الذي يتكون من ديباجة و(37) مادة يصنف بأنه الاتفاقية الوحيدة لحقوق الإنسان التي تتضمن صلاحيات وقائية فقط، ولا تتضمن أي مادة من مواده كلمة مناهضة، حيث يستخدم البروتوكول باللغة العربية منع التعذيب، وفي اللغة الإنجليزية (Prevention) لذا من حيث الشكل والمضمون جانب واضعي القرار بقانون الصواب عندما خلطوا بين صلاحيات المنصوص عليها في الاتفاقية وصلاحيات الآلية الوقائية بموجب البروتوكول، لدرجة أنهم لم يذكروا كلمة منع التعذيب في أي بند من بنود القرار بقانون بشأن الهيئة ، بل أكثر من ذلك نصت المادة (18) من القرار بقانون على أنه يعتبر البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب أحد مراجع عمل الهيئة، بدلاً من النص على أنها منشأة تنفيذاً لالتزام ناتج عن الانضمام إليه .
وأخيراً يجب على من صاغوا القرار بقانون بشأن الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب، استخدام (منع التعذيب) بدلاً من مناهضته في اسم الهيئة وأهدافها وفي كافة البنود الأخرى المذكورة بالقانون، لأن هذا الأمر ليس من باب التدقيق اللغوي أو استخدام المصطلحات الرديفة، بل يأتي في سياق الدفاع عن اختصاص جوهري للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وهو منع التعذيب والوقاية منه، هذه الصلاحية التي كانت وراء الانضمام للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، حيث يعتبر هذا الانضمام قرينة تعكس أن الدولة نفذت جميع التزاماتها بمناهضة التعذيب ومحاربته بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب ،وتريد أن تتحمل مسؤوليات إضافية بمنعه والوقاية منه، وبناء عليه فالقرار بقانون رقم (25) بشأن الآلية الوطنية لمناهضة التعذيب لا يمكن اعتباره من حيث المضمون منسجماً مع البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وأهدافه.
05/06/2022
[1] - المادة 18 من البروتكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
[2] - ورقة موقف المؤسسات الحقوقية والأهلية الصادرة بتاريخ 30/5/2022
[3] - المادة الثانية لاتفاقية مناهضة التعذيب فقرة 2
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت