- بقلم: محمد نصار
***
كثيرة هي الأعمال التي تناولت واقعنا السياسي في العقدين الأخيرين بالبحث والتحليل وكثر هم أولئك الذين كتبوا في هذا الباب وجلهم أسماء نجلها ونحترمها، سواء كانوا من كتاب العمود الصحفي، أو من خلال مطبوعات على هيئة كتب، إلا أن قلة منهم من حمل لقب أدبي " شاعر – قاص.. الخ" وأنا أورد هذه الملاحظة هنا، ليس للانتقاص من شأن أحد أو رفع آخرين وإنما لما لمسته خلال تلك الفترة من غياب، أو حتى تغييب متعمد لهذه الفئة، باعتبارها فئة مغيبة داخل عوالمها المغلقة، طبقا لما يدعيه بعض المتنفذين، الذين يرون في غيابها راحة لهم.
في كتاب المتوكل طه "ثورة في الفكرة- حركة فتح والأزمة" تأكيد على أن الأديب صاحب رؤية شمولية، أوسع بكثير مما قد يخطر ببال السياسي، مهما علا شأنه وله نظرة تحليلية لا تحابي ولا تناور على حساب المسلمات، بدعوى التكتيك والتوازنات الحاضرة دوما في ذهن السياسي .
كتاب ثورة في الفكرة، قراءة شاملة وموضوعية لواقعنا السياسي، منذ النكبة وحتى يومنا هذا، سواء من حيث أدائنا كفلسطينيين أو من حيث التدخلات العربية، التي واكبت البدايات الأولى، منذ دخول الجيوش العربية عام ثمانية وأربعين إلى فلسطين وما تبع ذلك من نكبات، ثم تشكيل المنظمة والمساعي الدؤوبة للسيطرة عليها أو فرض الإملاءات، مرورا بالانقسام وحتى يومنا هذا.
الكتاب يعرض لتلك الحقبة بشكل معمق، فيه الكثير من الشرح والتحليل، مبرزا ما لها وما عليها وإن كان في جزء كبير منه، يعرض لحركة فتح بإسهاب أوسع ، متناولا مراحل نشوئها منذ البدايات الأولى أواسط الستينات من القرن المنصرم وحتى يومنا هذا، مرورا بكل المحطات والمنعطفات التاريخية التي مرت بها، بالنقد والتحليل وطرح الأفكار، دون مواربة أو تجريح وإنما بلغة رصينة، تنم عن عمق رؤية الكاتب وفهمه لهذا الواقع، الذي عاشه حينا من الدهر وقدرته الملفتة على طرح أفكار فيها الكثير من الجرأة والنقد، أمام واقع كل ما فيه ملتبس إلى أبعد الحدود.
كما قدم في حيز كبير منه، قراءة موضوعية لدور المثقف، الذي بات بين فكي كماشة، واحدة من طرف الاحتلال الذي يعي تماما دور المثقف وما يمثله من خطر عليه وأخرى من طرفنا ترى في المثقف ندا يهدد مصالحها بالدرجة الأولى، فرأت في نفيه أو حصاره وتغيبه مصلحة عليا لها، لذا نرى الكاتب يعرض لهذه النقطة بالتفصيل، سواء من حيث المعيقات التي يضعها الطرفان ويطرح الأفكار التي قد تعيد للمثقف حضوره بذات الزخم الذي كان قبل أوسلو ، حيث الدور المحوري الذي شكله من قبل، عبر مجموعة من الأسماء التي لا ولن تنسى أبدا، محمود درويش، غسان كنفاني، حنا مقبل، رشاد أبو شاور والقائمة تطول.
أما الجزء الأهم في الكتاب، فهو ما تناول فيه حركة فتح، منذ البدايات الأولى للتشكل وحتى يومنا هذا حيث باتت حسب قول الكاتب " بين لا صلح ولا اعتراف وما يسمى بسلام الشجعان، أي نبدل فكرة التحرير بفكرة الدولة، حيث الطبيعة الكاملة لسلطة الاحتلال " ، فكان الطرح بمنتهى الجرأة والصراحة، التي قد لا تعجب البعض ممن يعيشون على الخراب، لكنها جرأة تشبه مبضع الجراح الذي لا غنى عنه إذا استدعى الأمر حضوره.
أما حديثه عن ياسر عرفات ففيه الكثير من الإنصاف لتاريخ الرجل والدور المحوري الذي لعبه على مدى سنيّ كفاحه ، فمهما اختلفنا مع هذا الرجل، إلا أننا نقرّ جميعا، بأنه ما توانى للحظة عن بذل كل جهد، في سبيل الفكرة التي آمن بها واستشهد من أجلها والمتمثلة بقيام الدولة والقدس عاصمة لها، ربما يكون قد أخطأ في بعض المحطات وأصاب في أخرى، لكنه ما حاد عن الهدف ودفع حياته ثمنا له.
باختصار شديد أرى أن المتوكل طه، قدم في كتابه هذا، تأريخا دقيقا وقراءة واعية، لكل المراحل التي مرت بها القضية، بكافة تفاصيلها التي تحدث عنها الكتاب وطرح أفكارا قد تسهم في تصحيح بعض المسارات لو وجدت لها آذانا صاغية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت