حلف بغداد ؟؟ يعيد نفسه بصياغة جديدة هل يعيد التاريخ نفسه؟

بقلم: علي ابوحبله

علي ابوحبله.webp
  • المحامي علي ابوحبله

 ان إعادة تصنيع  منطقة الشرق الأوسط في ظل غياب نظرية الأمن القومي وضعف المنظومة الامنيه العربية ينذر بمخاطر جسيمه تتهدد المنطقة العربية ،  فمجرد التفكير في   تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي "الناتو". يضم دول الخليج ومصر والأردن بقيادة الولايات المتحدة و "إسرائيل"، والعراق  ، ينبئ بمخاطر تقود للصراعات ومحاولات الاستحواذ  في ظل الصراعات المحتدمه

أعادت القمة في مستوطنة إسرائيلية في منطقة النقب بين وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب ووزيري خارجية إسرائيل والولايات المتحدة إلى صدارة الاهتمام  في مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" الذي  أعلن عنه قبل أكثر من ربع قرن  شمعون بيرس ، إبّان توقيع اتفاقيات أوسلو، وظلّ متداولا حتى وفاته عام 2016 فمات هذا المصطلح معه. وقد عاد بقوّة على ألسنة إسرائيليين كثر وأقلامهم، لا كاستعارة ظلّ بينها وبينه تاريخ مشترك طوال الأعوام التي مرّت منذ إطلاقه أول مرّة، إنما كحقيقة واقعة، حيث أعيد إلى أذهان من تناسوا، من الإسرائيليين والعرب على حدّ سواء، أنّ بيرس ذاته قصد به على المستوى البعيد، أكثر من أي شيء آخر، أمرين: أن تصبح إسرائيل دولة طبيعية في المشرق العربي، بمعنى أن يتم تطبيعها عربيا، ما يتيح إمكان أن تغدو حقيقة ثابتة غير قابلة للجدل. وأن تكون دولة قائدة مُعترفًا بها على المستوى الإقليمي. وفي هذا الشأن الأخير، أكد بنفسه مرّة أنّ العرب جرّبوا قيادة مصر منطقة الشرق الأوسط نصف قرن، وحان الوقت لأن يجرّبوا قيادة إسرائيل، مبرزاً تقدّمها التكنولوجي.

مع انتهاء قمة النقب، طرح سؤال مهم مرتبط بما هو قادم من الاتجاه إلى نظام شرق أوسطي جديد، على أنقاض ما بقي من النظام الإقليمي العربي، وفي ظل غياب الرؤية العربية الراهنة الجامعة، والتي كان من المفترض أن تقف حجر عثرة في مواجهة ما سيجري من تطورات محتملة.

وبالتحليل فقد تضاربت الأهداف الرئيسة لكل طرف مشارك في قمة النقب ، وهو ما يثير تساؤلاً حول هدف كل طرف، مع تأكيد أن الإدارة الأميركية هي من جمعت هذه الأطراف في توقيت له دلالاته، وفي ظل مرور 43 عاماً على توقيع مصر وإسرائيل معاهدة السلام، وهو ما يؤكد أن الاداره الامريكيه لا تزال تعمل في اتجاه الوساطة العربية - الإسرائيلية، على الرغم من عزوفها منذ وصولها إلى البيت الأبيض عن التدخل في مسارات عمليات التطبيع، وتركت الأمور على ما هي عليه، ولم تكلف نفسها بالتدخل إلا بعد المواجهات بين حركة "حماس" وإسرائيل، فزار وزير الخارجية بلينكن المنطقة، وتجول في الأراضي الفلسطينية والأردن ومصر وإسرائيل دون أن يقدم رؤية أو تصوراً.

هذه المرة التي يأتي فيها وزير الخارجية الأميركي بلينكن للمنطقة مرتبطة في الأصل بتخوفات أميركية من أن تقدم دول عربية كبرى، مثل مصر والسعودية والإمارات، لبناء شراكات حقيقية وجديدة تتجاوز ما هو ماضٍ من علاقات، وجاء بلينكن برسالة مهمة بتأكيد شكل وحجم الشراكة، وهو أمر سيأخذ بعض الوقت لإثباته في الفترة المقبلة، وهل ستتعامل العواصم العربية عن قناعة أم ستعود إلى الدائرة الأميركية، على الرغم من أن الإدارة بدأت منذ أسابيع، وبعد بدء الحرب الأوكرانية الروسية في توجيه رسائل مهمة بقبول إمداد مصر بصفقة "أف 15" التي رفضتها أعواماً طويلة.

لا تقف زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية، والتي من المقرر أن تتم في منتصف الشهر المقبل، عند الأبعاد الثنائية المباشرة بين البلدين بل ستتحول إلى قمة إقليمية من بين أهدافها توسيع دائرة السلام الجديد "ودمج إسرائيل في الشرق الأوسط"، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.

وتعتقد أوساط دبلوماسية خليجية أن زيارة بايدن ستؤسس في مرحلة أولى لمصالحة أميركية – سعودية من خلال اللقاء المنتظر بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو لقاء سيفتح الطريق أمام تجاوز مختلف نقاط الخلاف إما بالتسوية أو بتأجيلها إلى مناسبة أخرى، خاصة ما تعلق منها بموضوع النفط والانفتاح السعودي على شراكات اقتصادية ودفاعية أخرى.

وترى هذه الأوساط أن المصالحة السعودية – الأميركية ستمهد لمناقشة القضايا الإقليمية الأخرى الأكثر أهمية، من ذلك حرص بايدن على دعم مسار السلام العربي – الإسرائيلي الجديد الذي يعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، وأن الرئيس الأميركي سيعمل على فتح قنوات التواصل بين السعودية وإسرائيل، وهي الخطوة المهمة التي لم تقطع بعد في هذا المسار.

ولا تمانع السعودية في فتح قنوات التواصل مع إسرائيل، لكنها تشترط أن يتم ذلك بعد حصول اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. ويبدو أن هذا الشرط من الصعب تحقيقه الآن بعد حل الكنيست والإعلان عن إجراء انتخابات نيابيه خامسة في اقل من أربع سنوات ولم يعد بمقدور حكومة بينت لابيد اتخاذ أي قرار بشان مسار الاتفاق مع الفلسطينيين

ومن المقرر أن يعقد بايدن خلال زيارته إلى السعودية قمة مشتركة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

وبحسب  مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن الرئيس الأميركي سيساعد إسرائيل على تعزيز علاقاتها في المنطقة والارتقاء بتحالفها مع واشنطن إلى آفاق جديدة خلال رحلته إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل.

وأضاف مكتب بينيت في بيان أن الزيارة ستساعد على "دمج إسرائيل في الشرق الأوسط"، شاكرا بايدن على ما يبذله من جهود لتعزيز مصالح إسرائيل المشتركة مع السعودية. ويشير مراقبون إلى أن توسيع التحالف العربي – الإسرائيلي يمكن أن يكون عنصرا مهما في أجندة مختلف الأطراف خاصة تجاه إيران، بما في ذلك السعودية التي سيكون  من مصلحتها الضغط على طهران وكف أذرعها في المنطقة ومنعها من تهديد الأمن القومي للمملكة، وهو العنصر الذي ترفعه إسرائيل كمدخل لاندماجها في الشرق الأوسط. لكن اوساط اخرى ترى ان انشاء هكذا تحالف سيجر المنطقه الى مزيد من الصراعات والخلافات والحروب والدمار

إن ألاستراتجيه التي تعمل على أساسها "إسرائيل"، أن الولايات المتحدة الأمريكية تركت في الشرق الأوسط فراغا وعليها ملؤه  وهذا لا يتحقق إلا بالتحالف الإسرائيلي مع دول عربيه تربطها مصالح لوجستيه بأمريكا وإسرائيل ،ولتحقيق ذلك تستغل ورقة إيران  وزيادة تدخلها ونفوذها في جميع أنحاء المنطقة، وبالتالي رأت الحكومة الإسرائيلية أنه من الضروري التحرك لسد هذا الفراغ، وقيامها بدور القيادة الجيوسياسية، وعلى صعيد آخر القيام بعمليات عسكرية على القواعد والمقرات الأمنية الإيرانية في سوريا، أو في داخل إيران.

ومع أن "إسرائيل" منذ إنشائها في المنطقة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، اعتبرت أنها قاعدة متقدمه للدفاع عن المصالح الغربية  واتخذت سياسة التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، وتوثيق قاعدة الدعم لها من خلال الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، وتجنبت بشكل منهجي أي شأن فيه تدخل في حالة الاستقطاب السياسي في الساحة الأمريكية، وتعزيز التعاون مع واشنطن ضمن رؤية مشتركة تضمن مصالحها الإستراتيجية والوجودية وعلى رأسها الأمن.

الفراغ الاستراتيجي بعد تفكيك العراق وإضعافه وتقسيمه  دفع وشجّع "إسرائيل"، لتقديم نفسها كلاعب استراتيجي جديد في الشرق الأوسط، معتمدة في ذلك على تاريخ علاقاتها المتينة مع واشنطن، وامتلاكها التفوق العسكري على دول المنطقة، وتشاركها مع دول الخليج والمغرب القلق من امتلاك إيران السلاح النووي، والحد لتوسع نفوذها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، والسعي لإقصاء "الإسلام السياسي".

هذه التطورات دفعت الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية، في مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب وتركيا، نحو البحث عن مصالحها بمعزل عنها، عبر تصفير أزماتها الثنائية، و التوافق على التصالح، وتحقيق التقارب فيما بينها، ومن ثَمّة تشكيل تحالف إقليمي تقوده "إسرائيل"، في ثلاث مسارات: الأول، مواجهة الاتفاق النووي الإيراني وإدانة نقاط ضعفه، ورفض الخضوع للإملاءات الإيرانية، والثاني، تعزيز العلاقات الأمنية و ألاستخباراتي فيما بينها، والثالث، تعزيز رؤية مشتركة ضاغطة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن من الناحية السياسية فإن "إسرائيل" تتعامل بحذر في توجيه انتقاداتها بشكل مباشر تجاه الإدارة الأمريكية خصوصا أنها تعلم بأهمية انتخابات الكونغرس، (والتي ستجرى هذا العام، والتي قد تعيد تشكيل التوازن الحزبي)، مثل هذه الانتقادات قد يستخدمها الجمهوريون للتنديد بالرئيس الأمريكي "جو بايدن" والديمقراطيين، وبالتالي قد تجر "إسرائيل" نفسها عكس سياسته التقليدية في دوامة السياسة الأمريكية الداخلية، خصوصا أن "إسرائيل" تدرك التغيرات التي تحدُث في المجتمع اليهودي الأمريكي، وخاصة بين جيل الشباب، هذا الجيل الذي بدأ يبتعد بشكل متزايد عن الإيمان بمشروع "إسرائيل"، الوجود كأرض تُوحّد الشعب اليهودي في الشتات، ضمن نشاط استيطاني ذو أبعاد دينية، لأسباب مختلفة.

 

لكن هذا التحدي دفع" إسرائيل" في  دعم علاقاتها مع دول اتفاقات أبراهام للتحذير من نوايا إيران، ورفع مستوى القلق الاستراتيجي إلى مستويات الخطر الاستراتيجي لدى مرحلة ما بعد امتلاك إيران السلاح النووي، مما دفعها إلى التخطيط الاستراتيجي، والبدء بالتنسيق الكامل بين جميع الدول في الإقليم التي تتشارك معها ذات الرؤية، وتجنيدها عناصر القوة الناعمة لـ "إسرائيل" عبر قواعد الدعم لها (اللوبي) في الساحة الأمريكية، ويزداد التهديد حدّة في نظر الحلفاء التقليديين لواشنطن، عندما ابتعدت الولايات المتحدة عن مواجهة الجرأة الإيرانية، من خلال وكلائها في الشرق الأوسط، وفقدانها نفوذها ومصداقيتها في نظر هؤلاء القادة، والقدرة على الوفاء بالتزامها وتحقيق توازن الردع في بينها.

ومع قناعات بلدان المنطقة مع "إسرائيل"، أنها لم تعد تستطيع منع وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق نووي الجديد مع إيران، وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم الإعلان عنه، لكنها في ذات الوقت تسعى لتقييده أو عرقلته لأقصى وقت ممكن، كما تسعى "إسرائيل" لتقديم نفسها كقائد استراتيجي أمام التهديدات الإيرانية وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة، كما تعمل على إيجاد أساس للحركة الدبلوماسية وقوى الضغط المشترك في الواقع العالمي والإقليمي الجديد، الذي يشمل:

تشكيل تحالف دولي ضد إيران يُساند التحالف الأمني في الشرق الأوسط مستفيدة بذلك من التجربة الدولية في الإجراءات التصعيدية المشتركة تجاه روسيا، خلال الأزمة الأوكرانية الروسية الحالية.

كما تحاول "إسرائيل" الترويج في المحيط الإقليمي وخصوصا في دول الخليج، أن التطبيع معها يمنحها "شهادة التأمين" من المخاطر الإقليمية المتمثلة في إيران، والمخاطر الداخلية المتمثلة في الحركات الإصلاحية وتيار "الإسلام السياسي"، وأنها عبر ثقلها العسكري والاستخباري، والمظلة الدبلوماسية تستطيع تشكيل قوة ردع إقليمية، وكذلك التخفيف من الانتقادات الدولية تجاه حالة حقوق الإنسان، والحقوق المدنية والسياسية في الدول العربية الحليفة لها.

وانتقلت الدبلوماسية الإسرائيلية لسياسة تشكيل تحالف إقليمي والترويج لقناعاتها، عبر ثلاثة عناوين رئيسية: الأول، الشعور المتزايد بالتهديد من إيران ووكلائها للمنطقة، وأنشأت من خلال ذلك أساسا على أن التوصل إلى اتفاق نووي جديد، سيوسع حرية إيران العدوانية في العمل؛ والثاني، هو استمرار ابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، والشعور بالأسف بين عدد غير قليل من حلفائها في المنطقة، والذي لم يعودوا الوثوق بقدرتها على الوفاء بتعهداتها كما كان في السابق، مستعينة بالحالة الأوكرانية مثالا؛ الثالث، يتعلق بالنضج المفاهيمي والاستراتيجي بين قادة دول الخليج والمغرب، فيما يتعلق بالمساهمة التي يمكن أن تقدمها العلاقات مع "إسرائيل" لتعزيز المصالح الإستراتيجية والوطنية لكل منهم.

خصوصا عندما استطاعت "إسرائيل" إقصاء القضية الفلسطينية من الأجندة المركزية العربية، واعتبارها عبئا استراتيجيا على أكتاف الدول وقادتها، والترويج على أنه لا يوجد أفق في المستقبل القريب، لعدم جدية الفلسطينيين تجاه الاندماج في المنطقة والسلام، مما منح القادة العرب هامش المناورة للتخفّف من الحرج القومي والسياسي تجاه الفلسطينيين، كما اتخذت مع ذلك حالة الانقسام كذريعة أخرى.

بينما شكّل تطور آخر رفع من مستويات النفوذ الاستراتيجي لـ "إسرائيل"، قد يساعد في إنشاء تحالف إقليمي، وهو ما تمتلكه من مزيج من العلاقات مع القيادة المركزية الأمريكية، والتي تسمح في حد ذاتها بمزيد من التعاون التشغيلي والمرونة العملياتية، وإن كان تحت رعاية أمريكية، إلا أن "إسرائيل" تقدم نفسها أمام دول الخليج ومصر والأردن والمغرب، كبديل جيواستراتيجي عن الولايات المتحدة الأمريكية.

وهو ما قام به وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني غانتس"، عبر توقيع اتفاقية دفاعية مع البحرين تشمل التعاون في مجالات الاستخبارات وشراء المعدات والتدريب،والتي دعا من خلالها إلى تعميق التعاون الإقليمي بين "إسرائيل" وحلفائها، لمواجهة "التهديدات البحرية والجوية" خلال زيارته لمقر الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين؛ الذي يقابل الضفة الأخرى للخليج مع إيران.

 

 

 

 

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، سيكون مثل هذا التحالف العربي الإقليمي، قادرا على تمكين خفض القوات الأمريكية على الأرض، مع العمل في الوقت نفسه على الحفاظ على المصالح الأمريكية الحيوية في المنطقة، كما أن هذا الانخفاض للالتزام الأمريكي يدفع دول المنطقة لترتيب منظومة جديدة من الشراكات، والتخلي عن الخلافات التي طال أمدها، كما هو الحال في علاقات "إسرائيل" مع تركيا، وكذلك دول الخليج وقطر، ومصر والإمارات تجاه تركيا.

ومع هذا فإن العقبات التي لا تزال كبيرة في طريق تحقيق مبادرة لإنشاء تحالف عسكري إقليمي، كما تبين التجارب السابقة أن المبادرات العديدة، إلى إقامة تعاون عسكري إقليمي بين البلدان العربية لم تنجح بشكل جيد، ولم تحقق المأمول منها.

فتاريخ التحالفات العربية ممتد بإخفاقات منذ عام 2015، حيث قررت جامعة الدول العربية إنشاء قوة عسكرية مشتركة تضم 40 ألف مقاتل، وكان من المفترض أن توفر مصر الجزء الأكبر من القوة القتالية، في حين كان دور دول الخليج التمويل و الإسناد، إلا أنه حلف لم ير النور، و في عام 2016 أعلنت المملكة العربية السعودية عن إنشاء تحالف عسكري دولي يتألف من 34 دولة إسلامية، لمحاربة المنظمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ولكن لم تخرج أي من هذه الخطط الطموحة عن مستوى القمم، وبقيت في إطارات استخباراتي ضيّق تديره الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن.

كما كافحت المملكة العربية السعودية في تشكل تحالف الحزم، والذي بقي منه الإمارات، والتي انسحبت كذلك، والذي أنشأته للقتال الفعلي والطويل الأجل في اليمن ضد خطر مليشيات الحوثي، ودعما للشرعية اليمنية التي تغيرت لمجلس رئاسي مؤخرا، والذي قد لا ينجح في خلق مناخ تصالحي سياسي هو الآخر، لما يشكل جسمه إلى جُملة من التناقضات السياسية والاختلافات الحزبية والقبلية.

تاريخيًا كان العدو المشترك أساسا متينا في نشأة التحالفات، ولكنه ليس بما فيه الكفاية لتشكيل تحالف عربي مع "إسرائيل" لمواجهة إيران؛ فالمنافسات القبلية والعائلية والشخصية الكلاسيكية في الإدارة والحكم في المنطقة، والنزاعات الإقليمية، والمصالح التنافسية، والمواقف المختلفة والخلافات التاريخية، والتصالحات الشكلية المؤقتة، لن يُحقق ما تأمله "إسرائيل" على المدى القصير، إلا إذا سعت على المدى البعيد إلى إعادة تأهيل شكل الأنظمة السياسية في المنطقة، بحيث تسهل عليها عملية الإدارة والسيطرة الجيواستراتيجية وحماية مصالحها، وتعزيز نفوذها الدولي.

كما تحاول "إسرائيل" العمل على المدى القصير والمتوسط ، إنشاء تحالف عربي داخلي صامت، والذي سيقدمها خطوة أخرى كشريك موثوق به ومؤثر، وصولا إلى الشراكة الكاملة. وعلى الرغم من توقيع اتفاقات إبراهام، وتزايد أهمية التعاون والأمن بين "إسرائيل" ودول الخليج والمغرب، فإن الطريق إلى إنشاء قوة عسكرية قتالية مشتركة بمشاركتها لا يزال طويلا، وشاقّا، وهناك حواجز داخلية وخارجية، فقد تجد دول الخليج نفسها مستقبلا أكثر عرضة للتهديدات الإيرانية الحقيقية من تلك الموجهة إليها اليوم. كما ان تشكيل تحالف مع إسرائيل سيعري الانظمه المتحالفة مع إسرائيل  وسيزيد من حنق الشعوب العربية وتمردها على أنظمتها

كما أن المنظومة الخليجية بشكلها التقليدي، لن ترى جدوى من تشكيل مثل هذا التحالف العسكري دون تدخل أو قيادة أمريكية له، نظرا لتاريخ العلاقات بينها والولايات المتحدة، وهو ما يعني أن "إسرائيل" ستسعى إلى الدفع بانضمام القيادة الأميركية ولو مؤقتا، أو العمل على ضمان أمان وإسناد التحالف عسكريا واستخباراتيا منها، ومباركة الخطوة لطمأنة الشركاء التقليديين في المنطقة.

إسرائيل التي تدعي الجبروت والقوه هي نفسها عاجزة عن حماية نفسها وثبت أن إسرائيل التي عجزت في أربع حروب ضد غزه من تحقيق هدفها في القضاء على قوى المقاومة ، تعجز عن  دخول غمار حرب مع إيران  وحلفاؤها ، بينما تخشى "إسرائيل" على نفسها من تقديم تعهدات لا تقوى عليها، نظرا لقرب حلفاء وشركاء لإيران في المنطقة منها جغرافيا، كما لا تستطيع تحمل كُلفة هذه التعهدات والتزامات في حال ضعف ردود الفعل من قبلها، وعدم إسناد أدوات الولايات المتحدة لها، كما بدأ جليّا في الأزمة الأوكرانية الروسية.

 

وقد تسعى "إسرائيل" لطمأنة الحلفاء الجدد في اتفاق أبراهام، عبر مجموعة من المشاركات في مناورات إقليمية في مياه الخليج تحت القيادة المركزية الأمريكية، وعبر تعزيز التعاون التكنولوجي، وتشكيل قيادة مشتركة تربط بين المكونات العسكرية والمدنية، ورفع مستويات التعاون الاقتصادي.

 

بينما تعبر غرف صناعة القرار الإسرائيلي، عن هواجس قلق من دولة الإمارات العربية المتحدة الحليف الرئيسي لها في الخليج، والتي ترى كذلك أن إيران هي التهديد الرئيسي لأمنها القومي؛ إلا أن الإمارات من وجهة نظر الجانب الإسرائيلي، كما تظهر اندفاعها لتعزيز التقارب في كل المستويات، والضغط لتشكيل تحالف عسكري، إلا أنها تخشى أن يرفع مستويات التهديد الإيراني لها بإلحاق ضرر مباشر بالأهداف الإستراتيجية، ولا سيما المنشآت النفطية وتعطيل الممرات المائية؛ وغير المباشر من خلال أذرعها أو شركاءها في المنطقة، كما حصل في زيارة الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوغ" الأخيرة إلى الإمارات، حينما تم قصف العاصمة "أبوظبي" من قبل مليشيات الحوثي عبر صواريخ و طائرات من دون طيار.

ويزيد القلق الإسرائيلي حرص الإمارات العربية المتحدة، على الحفاظ على قناة اتصال دبلوماسي مع إيران، وزيارات عالية المستوى، والتي كان آخرها زيارة لوزير الخارجية الإماراتية للشيخ "عبد الله بن زايد أل نهيان" لطهران، واتصال مع وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان"، والذي أكد على "القواسم المشتركة بين البلدين"، وأبدى أن إيران "لا تتمنى سوى الخير والأمن والتقدم لجيراننا والمنطقة والإمارات، لكن الصهاينة كانوا وما زالوا أصل انعدام الأمن في المنطقة، معتبرا أن "وجود الكيان الصهيوني في المنطقة تهديدا لجميع الدول الإقليمية " كما نشرت وكالة الأنباء الإيرانية، بينما أشار نظيره الإماراتي أن "دولة الإمارات لن تسمح لأي طرف بالقيام بأعمال تخريبية أو استفزازية، انطلاقا من أراضيها ضد الدول المجاورة لها" ،حسب وكالة الأنباء الإماراتية.

وسبق ذلك استقبال الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" الشيخ "نهيان بن مبارك آل نهيان"، وزير التسامح والتعايش الإماراتي مؤخرا، حيث تم الإعلان عن "إيجاد آلية مشتركة لتفعيل القدرات لتعزيز العلاقات والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات"؛ كما يزيد القلق الإسرائيلي دور الإمارات، في فتح المجال لتسييل الأموال لصالح إيران في بنوكها.

ومع ما سبق يتضح أن الإمارات تسعى لتطوير علاقاتها مع "إسرائيل"، عبر رفع التنسيق على المستوى السياسي الاستراتيجي، وعلى المستوى العمليات الاستخباراتية لإحباط أي تهديدات مستقبلية، وآلية التعامل معها.  وكذلك حال العديد من الدول حيث تخشى على انظمتها فيما اذا اندلعت حرب مع اسرائيل زج جيوشها لتقاتل جنب الى جنب مع قوات الاحتلال الاسرائيلي وتخشى هذه الانظمه من انقلاب الجيوش عليها ورفضها للتعاون والدفاع عن امن الكيان الصهيوني

هذا الحلف الشرق أوسطي الذي تروج له إسرائيل وتتبناه العديد من أنظمة المنطقة يعيدنا للتاريخ ، ففي 24 فبراير عام 1955م أُعلن عن حلف يسمى "حلف بغداد" ضم في عضويته كلاً من بريطانيا والعراق وتركيا وباكستان، وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الأساسي لهذا الحلف رغم عدم انضمامها رسميّاً له، وكان الهدف المعلن لهذا الحلف هو الوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط متمثلاً بالاتحاد السوفيتي في تلك الفترة التي شهدت حرباً باردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. كان عراب ذلك الحلف رئيس الوزراء العراقي إبان الحقبة الملكية نوري السعيد، وقد بذل نوري السعيد الذي كان يوصف برجل الغرب في العالم العربي جهوداً كبيرة في محاولة إقناع كل من مصر وسوريا وعدد من الدول العربية للانضمام للحلف، ولكن لم تجد محاولاته نفعاً فقد رفضت كل من سوريا ومصر والسعودية الانضمام لهذا الحلف لوجود قناعة راسخة في ذلك الوقت لدى العرب بأن الخطر الحقيقي على المنطقة يأتي من "إسرائيل"، ولذلك واجهت كل من مصر وسوريا والسعودية هذا الحلف الذي تفكك وسقط بعد فترة وجيزة من إنشائه خاصة بعد انسحاب العراق منه إثر الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الكريم قاسم ضد النظام الملكي في العراق، وقتل نوري السعيد في الأحداث المأساوية لهذا الانقلاب مع عدد من أفراد الأسرة المالكة. يبدو أن التاريخ يعيد نفسه هذه الأيام مع اختلاف بعض المسميات والأسباب والمواقع ولكن تبقى الفكرة واحدة وهي محاولة تسويق أن "إسرائيل" لا تشكل خطراً على المنطقة وأن الخطر تمثله جهات أو دول أخرى، وهذه الفكرة تحديداً هي ما يروج لها الحلف العربي الجديد " الحلف العربي الإسرائيلي" بأن (إسرائيل) ليست هي الخطر الذي يتهدد المنطقة وإنما من يشكل الخطر هي إيران  ومحورها ، كما زعم منظرو حلف بغداد في حقبة الخمسينات أن الاتحاد السوفيتي أو المد الشيوعي هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد المنطقة وليس (إسرائيل)، الفارق بين الحقبتين أن حقبة الخمسينات كان المد القومي والوعي العربي سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي ناضجاً لحد بعيد جعل فكرة إنشاء حلف بغداد الذي يحاول اعتبار (إسرائيل) جسم طبيعي في المنطقة بمثابة العمل الخيانة الذي يستهدف الأمة العربية هذا الوعي العربي أسقط الحلف وأسقط منظروه وكان سقوطهم مأساوياً. وكما سقط حلف بغداد سيسقط الحلف الجديد الذي سترأسه إسرائيل وعديد من الدول العربية وهي بوجهة نظر شعوبها نكثت بعهودها وتطلعات شعوبها للتحرر والتبعية لأمريكا وكيف وإذا كان الأمر بالتحالف مع إسرائيل عسكريا   وقد أدخلت إسرائيل من بوابة التطبيع على حساب تصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية  والأخطر هو تغاضيها عن التقسيم ألزماني والمكاني للمسجد الأقصى وعن تهويد القدس ومقايضة القضية الفلسطينية مقابل الحفاظ على مصالح الحكام وأنظمتها وضد تطلعات شعوبها وهذا ما يؤكد أن المنطقة مقبله على تغيرات استراتجيه لا قبل ولا قدرات  لإسرائيل وحلفائها  من التصدي لها وعلى الانظمه والحكام المنخرطون في هذا المشروع والحلف التذكر جيدا ثورات الربيع العربي

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت