- المحامي علي ابوحبله
طيلة 55 عاماً تقريباً أخفت إسرائيل سراً كبيراً، لم يكن الأول كما أنه لن يكون الأخير، مجزرة بشعة ارتكبت بحق جنود مصريين دفنوا في مقبرة جماعية. هذا السر الذي كشفت عنه وسائل إعلام إسرائيليه لا يعفي حكومة الاحتلال وجيشها من المسؤولية القانونية والاخلاقيه عن ما ارتكبته قوات الاحتلال الصهيوني بحق الجنود المصريين ، ولا تعفيها عن هذه المسؤولية اتفاقاتها مع الحكومة المصرية ومن حق الشعب المصري ملاحقة حكومة الاحتلال الصهيوني عن ما ارتكبته من جريمة مقززه ومروعه بحق أبنائها من الجنود المصريين إن تجاوزت الحكومة المصرية وتغاضت عن ارتكاب هذه الجريمة البشعة والتي تشكل خرق فاضح لكافة القوانين الدولية وتكشف عن حقيقة الجيش الإسرائيلي الذي يفتقد للأخلاق والانسانيه
عام 1999، حظرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية تماماً نشر أي أدلة على مقبرة جماعية للعشرات من جنود وحدة الكوماندوس المصريين، الذين قتلوا في المعارك التي دارت حول "كيبوتس نحشون"، خلال حرب الأيام الستة من حزيران (يونيو) عام 1967.
ففي أعماق موقف السيارات المعروف بـ"ميني يسرائيل" المحاذي للكيبوتس دفن السر. تم دفن جنود وحدة الكوماندوس المصريين أو ما يعرف بـ"قوات الصاعقة". دراما لم يعرف عنها أو سمع بها أحد من قبل، بحسب ما أوردته المجلة الأسبوعية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الأسرائيلية. وبعد جدل ونقاش داخليين استمرا لسنوات طويلة حول ما إذا كان يجب الكشف عن هذا السر أم لا، حسم الأمر هذا الأسبوع بعدما وافق الرقيب العسكري على نشر القصة لأول مرة.
هكذا قتل جنود مصر ... ودفنوا واختفوا ولم يعد لهم أي أثر على سطح الأرض، لتتحول المقبرة الجماعية التي أخفت معالمهم ساحة انتظار وموقف سيارات لواحدة من أشهرا لحدائق في إسرائيل. عندما تنظر حولك من الصعب أن تلمح أي شيء غريب أو أن تجد أي شيء مميز. مجرد ساحة ترابية وشريط ضيق رمادي، وأرض قاحلة، محشورة بين أسوار المنتزه والشارع رقم 424، فارغة ومقفرة في معظم أيام السنة، لكن خلال الأعياد والمناسبات اليهودية، يتحول إلى موقف سيارات لكثرة الوافدين من المناطق المختلفة.
وتلفت "يديعوت أحرونوت" إلى أن قلة فقط كانوا يعرفون هذا السر الكبير، وأن جثثاً مدفونة تحت الأرض في هذه البقعة الجغرافية، منذ حزيران (يونيو) عام 1967، قبل سنوات عديدة من إقامة المنتزه الشعبي.
وتروي الصحيفة أن زئيف بلوخ الذي عرف باسم "الذئب" وكان أحد مؤسسي "كيبوتس نحشون"، الذي تم إنشاؤه عام 1950 جنوبي دير اللطرون، خدم قائداً للمنطقة القريبة من الحدود التي كانت تعرف بالخط الأخضر، ومع اندلاع الحرب قاتل بلوخ الى جانب الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود، ضد وحدات كبيرة من الكوماندوس المصري التي كانت بمثابة فرق تعزيزات أرسلها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى العاهل الأردني الملك حسين، وكان من المفترض أن تفاجئ الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وأشارت الصحيفة إلى انه في بداية المعارك توغل الجنود المصريون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة 48 ، قادمين من الأردن وبدأوا بمهاجمة المركبات والأشخاص الذين صادفوهم بطريقة " بطوليه "، لكن في النهاية وجد الجنود المصريون أنفسهم محاصرين في المنطقة الحرام في وادي أيالون، وتم قتل العشرات منهم، وقال البعض إن عدد الضحايا وصل الى 100، خلال ستة أيام من المعارك، وكان لابد من فعل شيء ما بجثثهم.
لأكثر من خمسة عقود احتفظ " الذئب" بالسر، لكنه عندما تحدث كان متردداً. لم يكن متأكداً من السماح له بالكلام. وقال: "رأيت أنه تم نبش حفرة، أنا متأكد من ذلك. كما رأيت الجثث توضع في داخلها، انتشرت رائحة اللحم المتفحم. بقدر ما أتذكر أولئك الذين تم وضعهم في الحفرة، كانت جثثهم محترقة، كان الوادي مغطى بالأعشاب على ارتفاع متر ونصف تقريباً، والمنطقة غير مزروعة، حارة وجافة، واشتعلت الأشواك من الطلقات النارية. كانوا من جنود وحدة الصاعقة، وتم حرقهم هناك. من المحتمل أن يكون ثمة جنود مصريون آخرون قتلوا أثناء عمليات المسح التي قام بها جيش الاحتلال الصهيوني
وأغلق "الذئب" وبعض رفاقه أفواهم لسنوات، على اعتبار أنهم ضباط موالون لإسرائيل، لكنهم في الحقيقة شركاء في إخفاء السر، احتفظوا به لأنفسهم، بينما أخفت إسرائيل كليا حقيقة حرق عشرات الجثث ودفنها في مقبرة جماعية، في حفرة أغلقتها جيدا، في حين لا تزال جثث الجنود المصريين هناك واستمرت في التعفن بين الحقول. كما لا توجد علامات على القبر، ولم يتم إخراج رفات الجنود ، ولم تتم أعادتهم الى وطنهم ليتم تكريمهم ودفنهم كما يجب بمراسم تحترم تضحياتهم، ولم تتحقق العدالة، لأنه كما تدعى إسرائيل لم يكن في ذلك الوقت لدى أي من الأطراف أي مصلحة في كشف هذا السر.
جريمة حرق الجنود المصريين وإخفاء جثثهم لإخفاء معالم الجريمة لا تعفي إسرائيل من المسؤولية القانونية والاخلاقيه " في القانون الدولي، هناك جرائم معيّنة لا تسقط بالتقادم. وهذا يعني أنه مهما طال الزمن المنقضي، فإنه يجوز رفع الدعاوى القضائية على مرتكبي هذه الجرائم. وأصبح عدم سريان التقادم على جرائم الحرب إحدى قواعد القانون العرفي (القاعدة 16 من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون الدولي الإنساني العرفي )
وفي الساحة الدولية، يخصّ عدم سريان تقادم الجرائم التي يعتبر من الصعب للغاية مباشرتها قضائيًا على الفور بعد ارتكابها. وهذا ينطبق بشكل خاص على جرائم الحرب، أو الجرائم ضدّ الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية. ومع الأخذ بعين الاعتبار السياق الذي تنفذ فيه هذه الجرائم، فإنه من الضروري في الغالب أن يتمّ الانتظار لحدوث تغير في الوضع - نهاية نزاع أو تغير في نظام - لكي يصبح ممكنًا، من الناحية العملية، المباشرة في الإجراءات القضائية. إن عدم سريان التقادم يحول دون مرور أخطر الجرائم، وتلك الأكثر صعوبة في المقاضاة، بدون عقاب.
تمّ تبنّي اتفاقيّة دولية حول عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، 1968 (قرار الجمعية العامة رقم 2391 [23]). ودخلت الاتّفاقيّة حيّز التنفيذ في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، 1970 وأصبح عدد الأطراف الموقعة على الاتفاقية 55 دولة في الوقت الحالي.
وتحدّد الاتّفاقيّة بدقة الجرائم التي لا تنطبق عليها قوانين التقادم. وهي جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، كما حددت في ميثاق محاكمة نورمبرغ، بالإضافة إلى الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني، كما حدّدتها اتفاقيات جنيف لعام 1949.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت