- بقلم أ.د علي القره داغي
مرت القضية الفلسطينية بأدوار متدرجة نحو التنازل والانحدار بشكل خطير مما دفع بالقضية إلى التراجع، وجعل الوعود والتهديدات العربية غير مستقرة، ولم تعد لها مصداقية مؤثرة في الغالب.
ففلسطين أرض عربية، وإسلامية تأريخاً وديناً، وحقائق ووقائع، فلما جاء الاحتلال البريطاني لم يجد في فلسطين إلا العرب المتكون من المسلمين والمسيحيين، فبدأ بوعد بلفور عام 1917م وانتهى بتقسيم فلسطين بقرار رقم 181 في 29/ 11/ 2016م، وصدرت منه اللاءات الثلاث في حزيران 1967 فهزمت الجيوش العربية، واحتلت دولة الاحتلال ثلاثة أضعاف ما كانت تحتله من قبل، فاحتلت المسجد الأقصى، والضفة، وغزة، والجولان، وسيناء، وعلى إثر ذلك اجتمع قادة العرب في مؤتمر الخرطوم في 29/ 8 / 2016م، وصدرت منه اللاءات الثلاث وهي ( لا صلح، ولا اعتراف ، ولا تفاوض مع العدو الصهيوني) ثم بذلت جهود سياسية كبيرة لإخراج القضية من دائرتها العربية الشاملة إلى دائرة منظمة فلسطينية واحدة، بعدما أخرجت من الدائرة الإسلامية منذ الاحتلال البريطاني.
ولكن الحق يقال: إن حرب العاشر من رمضان 1393 ه، 6 أكتوبر 1973م كانت أول حرب انتصر فيها العرب على المحتلين، فحررت الجزء الأكبر من سيناء، ولكن بقيت المناطق الأخرى محتلة، غير أنه لم يمض بعده الكثير، فتم التطبيع مع المحتل في عام 1979م من خلال ما سمي باتفاقية كامب ديفيد، فقاطعت الدول العربية مصر لأجل ذلك، ثم لم يمض فترة طويلة إلا وقد لحقت بمصر بعض الدول العربية الأخرى، ثم منظمة تحرير فلسطين نفسها، ثم جاءت صفقة القرن فانضمت إلى التطبيع عدة دول عربية أخرى، وبعضها وصل التطبيع لديه إلى التحالف العسكري والاقتصادي.
اليوم يراد للعرب أن يدخلوا في حلف استراتيجي عسكري يمكن أن يدشن خلال زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للمملكة العربية السعودية، ويتوقع أن يضم الناتو العربي الدول الخليجية الست أو معظمها ، ومصر، والأردن، وإسرائيل، وحسب البيان الصادر من البيت الأبيض فإن الزيارة تستهدف بناء تحالف أمني اقتصادي أوسع يضم دولاً عربية، وإسرائيل، وذكر بعض السياسيين الأمريكيين أن مهمة الناتو (العربي الإسرائيلي) هي توفير غطاء للتحالف الشامل لدولة الاحتلال تحت غطاء الإرهاب.
وهذا التحالف لو تم سيعد أخطر خطوة على الإطلاق لخدمة العدو المحتل، وللإضرار بالقضية الفلسطينية، إذ أن ذلك يجعل المحتل مندمجاً في المنطقة ،ومهيمناً على القرار بحكم قدراته العسكرية والاقتصادية والتقنية، وعلاقاته الاستراتيجية بأمريكا، وسيصبح الاقتصاد الخليجي الكبير في خدمة هذا المشروع الخطير.
هذا المشروع لا يخدم سوى العدو المحتل عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ويضر بالعرب في كل الجوانب- ليس من باب العاطفة- وإنما من باب الحقائق:
1- القضاء على فكرة إعادة الحقوق الفلسطينية، والأراضي المحتلة بما فيها المسجد الأقصى والقدس الشريف إلى أهلها، إذ يقتضي نظام الناتو تحقيق التحالف العسكري والاقتصادي ضد أي عدوان، بل يجب على الدولة العضو الوقوف عسكرياً واقتصادياً مع الدولة الأخرى التي تتعرض للعدوان .
وهذا يعني أنه لا يكتفي بإهمال القضية الفلسطينية وإعادة حقوقها المشروعة، بل يقتضي دعم هذه الدول العربية بالقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية لدولة الاحتلال، وبخاصة فإن سياسة الاحتلال تقوم رسمياً على ضم فلسطين كلها إلى دولةالاحتلال!!!
2- إحداث شقاق كبير داخل العالم العربي على أساس هذا الحلف، يضاف إلى بقية الاختلافات والتمزقات العربية.
3- إحداث شقاق بين مجموعة الدول المنضمة إلى " الناتو العربي " وبين بقية الدول العربية والإسلامية ،وبخاصة الدول الجارة.
4- تعرض المنطقة للدمار الشامل و لآثار أي حرب تقع بين إيران وإسرائيل.
5- إحداث مزيد من الشقاق وفقدان الثقة بين الشعوب العربية وحكامها، لأن معظمهم لا يقبلون بهذا الحلف الجائر.
6- إعطاء المبررات لإحياء وتقوية الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة ونحوهما.
7- تضرر المنطقة بهذا الحلف أمام مصالحها المرتبطة بالصين وروسيا وغيرهما.
فالحلف في حقيقته شر محض للعرب والمسلمين، وهو حقاً حلف ضرار وتفريق وإرصاد، ولذلك يحرم قطعاً الدخول فيه، بل يجب منعه بجميع الوسائل المتاحة. وكلي يقين بأن الحلف حتى لو ولد رسمياً فيولد سقطاً ميتاً لا قيمة له ،يرفضه الشرع والشعوب العربية والمسلمة رفضاً قاطعاً.
فالهدف الحقيقي هو دعم دولة الاحتلال وإدخاله ضمن المنظومة الخليجية ،والعربية، والقضاء على القضية الفلسطينية، واستنزاف المنطقة بجميع مواردها، كما فعل من قبل ترامب فأخذ مئات المليارات، ولم يفعل شيئاً لصالح العرب ،ولا استجاب لمطالبهم، بل كانت كل صفقته لصالح العدو المحتل
وبإذن الله تعالى ثم جهود المخلصين من أمتنا، فكما فشلت صفقة القرن على مستوى الأمة سيفشل الناتو الإسرائيلي أيضا، لذلك أدعو أمتي قادة وشعوباً إلى رفض هذه المشاريع الصهيونية الخطيرة، رفضاً قاطعاً، وإلى الوقوف مع قضايا أمتهم التي تقع قضية فلسطين والأقصى والقدس على رأسها.
فلنكن على علم بأن الأمن الشامل لم يتحقق للعرب ( ولا لغيرهم أيضا ) على مدى التاريخ إلا في ظلال الإسلام، فلم يتحقق ولن يتحقق أيضا بالاعتماد على غير الله تعالى.
فالأمن يتحقق بعد الإيمان بالله تعالى بالوحدة العربية والوحدة الإسلامية، وبالاعتماد على الشعوب، وتحقيق تطلعاتها من الكرامة والحقوق، وبالشورى الحقيقية، والخطة الاستراتيجية كما فعلتها الدول المتقدمة، فقال تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} النساء : 139
وقال تعالى : {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } الأنعام 81- 82
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت