في وسط طريق رئيسي في كفر عقب بين رام الله والقدس، تقوم سيارة ومعها عدد من الدراجات النارية بالدوران و"التشحيط"... قبل سنة، تسبّب تشحيط مماثل بشجار عائلي أدى الى مقتل أربعة أشخاص في المنطقة.
وتبعد كفر عقب قرابة عشرة كيلومترات شمال مركز مدينة القدس. للوصول اليها، يجب اجتياز معبر عسكري وجدار خرساني يبلغ ارتفاعه أمتارا عدة. إذ إن المدينة تقع قرب رام الله، خلف "السياج الأمني" الذي أقامته إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة.
واحتلت إسرائيل المنطقة العام 1967 كجزء من القدس الشرقية التي ضمتها اليها وجعلتها تحت سيادتها وتشرف عليها بلدية القدس الإسرائيلية.
لكن المنطقة مهملة، وبات سماع إطلاق النار فيها شيئا عاديا سواء خلال الاحتفالات او الشجارات أو مجرد تجربة السلاح. فوضى في حركة السير، وقيادة بعكس السير، وضجيج، وفق ما يقول السكان.
وتقول إيمان الرجبي (37 عاما)، "لا توجد سلطة، ولا شرطة، ولا قانون".
وتروي الوالدة لأربعة أولاد "وقع الحادث في كانون الثاني/يناير بسبب قيادة أحد أقربائنا وعمره 19 عاما، سيارة وهو يفحط فيها. فطُلب منه التوقف، وحدث إثر ذلك شجار بينه وبين شبان من عائلتنا". ثم تمّ التوصل الى "اتفاق عشائري بمنع الشاب الذي فحط بالسيارة من الاقتراب من شارعنا، لكنه عاد في اليوم التالي، وحصل عراك بالأيدي بينه وبين شبابنا، وجاء أفراد من عائلته مسلحين ببنادق أم 16".
وتتابع "نزل زوجي عرفه طبيب الأسنان لاستيضاح ما يجري. في أقلّ من ربع ساعة، قتل ثلاثة أشخاص في جريمة بشعة من بينهم زوجي، وتوفي أحد أقربائه الذي أصيب أيضا بعد يومين".
وتشير الى أن "الإسعاف الإسرائيلي لا يصل الى المنطقة، أما الشرطة الإسرائيلية فوصلت بعد أيام للتفتيش عن أسلحة".
ونادرا ما تدخل الشرطة الإسرائيلية الى كفر عقب، ولا تسمح للشرطة الفلسطينية بممارسة نشاطها فيها إلا نادرا بالتنسيق معها في الأحداث الكبيرة، ما يخلق فراغًا يتيح الجريمة وتهريب الأسلحة والمخدرات.
- "بدون قانون او سلطة" -
وقالت الشرطة الإسرائيلية لوكالة فرانس برس إنها "ألقت القبض على عدد من المشتبه بهم في قضية القتل عام 2021 وتم تقديم لوائح اتهام ضدهم إلى المحكمة"، مشيرة الى أنها تعمل "باستمرار في جميع أنحاء القدس، وتوفّر خدماتها لسكان كفر عقب، وتتصرّف بحزم ضد الأنشطة الإجرامية".
وكانت بلدة كفر عقب تعدّ من أحياء القدس الراقية قبل بناء "الجدار الفاصل"، لكن بعد بناء الجدار، ارتفعت بنايات مثل ناطحات سحاب ملتصقة الواحدة بالأخرى وغالبيتها من دون ترخيص. ويسكن فيها فلسطينيون مقدسيون لا يجدون بيوتا للسكن داخل المدينة، بسبب مصادرة إسرائيل كل المساحات التي يمكن البناء فيها وصعوبة الحصول على تراخيص بناء وأسعار مساكن خيالية.
وأقرّ الوزير الإسرائيلي زئيف إلكين الذي كان مسؤولا عن شؤون القدس في عام 2017، بأن مسار "السياج الأمني" كان "خطأ" وجعل كفر عقب منطقة خارجة عن القانون.
ويصف الصراف زياد شحادة الذي يقع محله على الشارع الرئيسي في كفر عقب المنطقة بأنها "عائمة، ليست تابعة لإسرائيل وليست تابعة للسلطة، ولا يوجد فيها قانون أو قوة تنفيذية".
لكن بلدية القدس الإسرائيلية أكدّت أن "كفر عقب جزء لا يتجزأ من مدينة القدس، والبلدية تبذل كل ما في وسعها لتزويد سكانها بأكثر الخدمات التي تحقّ لهم ويحتاجونها، وخصّصت لها ميزانية إضافية بعشرات الملايين من الشواكل لترميم البنية التحتية للصرف الصحي في الحي وبناء طرق جديدة وتعزيز أعمال النظافة وإزالة القمامة".
وتمتد أراضي كفر عقب من "مطار القدس سابقا" الذي استخدمته إسرائيل بعد احتلالها للقدس الشرقية. ويقول دانيال سيدمان، مؤسس جمعية "عير عميم" الإسرائيلية المناهضة للاستيطان، "بعد توقفها عن استخدامه مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001 وبناء الجدار، تقرّر التخلص من كفر عقب".
- انفصال؟ -
وفصلت إسرائيل جزءا من بلدة كفر عقب بشارع فرعي بدون وضع حدود واعتبرت هذا الجزء تابعا للسلطة الفلسطينية. ويقول نائب رئيس بلدية كفر عقب الفلسطينية أحمد نمر عطا "تتعمد إسرائيل إهمال المنطقة، فهي بدون بنية تحتية وتغرق في الشتاء. نحن نعمل كل ما بوسعنا لحل المشاكل فيها". ويصف كفر عقب بأنها "مهمشة ومنكوبة".
ويضيف "إسرائيل تعرف أن هناك سلاحا وتعرف مع من السلاح، و90% منه مشبوه يخرج لترويع وتخويف الناس وإثارة المشاكل".
ومن الصعب معرفة عدد السكان الذين يعيشون في المنطقة. وقدّرت بلدية القدس الإسرائيلية عدد سكان كفر عقب ب24 ألفا في عام 2017. لكن أحمد نمر عطا يقول أن عددهم 120 ألف فلسطيني "بمن فيهم حملة هوية القدس الإسرائيلية".
وسبق للسلطات الإسرائيلية أن فكّرت في فصل كفر عقب عن القدس لحل المشكلة. لكن أي مبادرة من هذا النوع قد يُنظر اليها على أنها مسّ بحدود البلدية الإسرائيلية، وقد يفتح الطريق لتقسيم القدس، الأمر الذي يعتبر خطا أحمر بالنسبة الى الحكومات الإسرائيلية.