- المحامي علي ابوحبله
فيما كان متوقعاً منذ مدة خاصة في ظل التطورات والتغيرات الإقليمية والدولية نجح الوسطاء في تسجيل اختراق لتليين الموقف السوري من حماس لتعود العلاقات بين حماس وسوريا فقد أكدت حركة حماس في بيان صادر عنها ، مُضيّها في "بناء وتطوير علاقات راسخة" مع القيادة السورية بعد نحو 10 أعوام من توتر العلاقات بين الجانبين.
وأعلنت حماس، في بيان صحفي وزّعته على وسائل الإعلام، رسميا قرارها باستئناف علاقتها مع سوريا "خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة وفي القلب منها قضية فلسطين لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا".
وأعربت الحركة عن تقديرها لـ "الجمهورية السورية قيادة وشعبا لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة". كما أعربت عن تطلعها في "أن تستعيد سوريا دورها ومكانتها في الأمتين العربية والإسلامية، ودعمها كل الجهود المخلصة من أجل استقرار وسلامة سوريا، وازدهارها وتقدمها".
وكانت العلاقات بين حماس ودمشق تم قطعها في عام 2012، إثر ما تعرضت له سوريا من استهداف ومؤامرة استهدفت تقسيم سوريا وتجزئتها ، و على أثرها غادرت قيادات الحركة العاصمة السورية دمشق باتجاه قطر وتركيا ودول أخرى، وذلك بالتزامن مع الصعود السياسي للإخوان المسلمين في المنطقة حينها، لكنّ الفشل الذي أصاب كافة الأنظمة الإخوانية بالدول العربية في الوصول إلى السلطة اليوم، أجبر حماس على إعادة تطبيع علاقاتها مع دمشق في سبيل تعزيز تحالفاتها الإقليمية في مواجهة التحديات التي تواجهها بالمنطقة.
وقالت حماس إن سوريا "احتضنت شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة لعقود من الزمن، وهو ما يستوجب الوقوف معها، في ظل ما تتعرض له من عدوان غاشم" في إشارة إلى تكرار الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
وأضافت "ندين بشدة العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا، وخاصة قصف مطاري دمشق وحلب مؤخرًا، ونؤكد وقوفنا إلى جانب سوريا الشقيقة في مواجهة هذا العدوان".وقالت " نؤكد موقفنا الثابت من وحدة سوريا أرضا وشعبا، ونرفض أي مساس بذلك"، داعية في الوقت ذاته إلى "إنهاء جميع مظاهر الصراع في الأمة، وتحقيق المصالحات والتفاهمات بين مكوناتها ودولها وقواها عبر الحوار الجاد، بما يحقق مصالح الأمة ويخدم قضاياها".
وترى صحيفة "العرب" اللندنية أنّه لم يعد أمام حركة حماس منفذ لاستعادة البعض من قوتها المادية والعسكرية سوى إقامة تقارب جديد مع دمشق بعد قطيعة دامت لسنوات، همّها في ذلك أن تستعيد متانة العلاقات مع إيران وتكتسب نفوذا في مواجهة الدول العربية التي باتت تضيّق عليها الخناق
قيام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية زيارة العاصمة الروسية موسكو حالياً تحمل أبعاد ودلالات ، حيث تفرض التغيرات في التحالفات الإقليمية والدولية تعاملا جديدا بين الطرفين رغم الأهداف المتباينة، وهو ما يصب في اتجاه الخلاف مع الولايات المتحدة و إسرائيل.
ولا تعتبر علاقة حماس بموسكو جديدة، حيث تعود جذورها إلى ما قبل عام 2006، خلال تواجد الحركة في العاصمة السورية دمشق، قبل أن تتطور بشكل واضح مع فوزها في الانتخابات التشريعية في قطاع غزة خلال الفترة ما بين 2006 و2007.
وتريد حماس توصيل رسالة تفيد بأن زيادة انفتاحها على إيران يقود أيضا إلى انفتاح مواز على روسيا وسوريا، ما يعقد مهمة الإدارة الأميركية في التعامل مع بعض قضايا المنطقة، والتي يمكن أن تتسرب من بين يديها إذا استمرت في تجاهل الحركة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تتقاطع مع العديد من الأزمات الإقليمية.
لكنّ سياسيين في موسكو يعتقدون أن حماس مثلها مثل الكثير من الدول والجهات العربية الراغبة في تطوير العلاقات مع روسيا؛ كلما ضاقت بها السبل في علاقتها مع الولايات المتحدة توظّف التقارب مع موسكو لجلب بعض المكاسب من واشنطن أو حضها على تقديم تنازلات.
وبرأي خبراء ومحللين سياسيين أن التغيرات على أرض الواقع تفرض على حماس تغيير نهجها وإستراتجيتها إذ لم يعد أمام حركة حماس أي منفذ لاستعادة البعض من قوتها المادية والعسكرية سوى إقامة تقارب جديد مع دمشق بعد قطيعة دامت سنوات، همها في ذلك أن تستعيد متانة العلاقات مع إيران وتكتسب نفوذا إقليميا يسمح لها بالمناورة لاستعادة مكانتها على المستوى الفلسطيني والاقليمي والدولي والعربي ، ورغم الفوائد التي قد تعود على الحركة من وراء استعادة العلاقات، أشار مراقبون إلى وجود العديد من التداعيات السلبية التي قد تلحق بها وخاصة على صعيد “حاضنتها الشعبية وعمقها العربي”.
وينظر إلى هذه العودة على أنها انتصار للخط الإيراني داخل حماس نفسها، حيث عارضت “كتائب القسام”، الجناح العسكري للحركة، مسار خالد مشعل في القطيعة مع إيران وحزب الله، كما تؤكد نجاح إيران في الضغط على الحركة عبر التحكم في درجة التمويل وكميات الأسلحة لإجبارها على العودة إلى قوى “الممانعة ، وفي الثالث من مارس 2020 كشف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أن الأمين العامّ لحزب الله اللبناني حسن نصرالله لا يمانع، وهو جاهز لو طُلب منه أن يؤدّي دوراً يتعلق بالعلاقة مع دمشق.
وأعرب هنية وقتها عن أمانيه الدائمة لسوريا بالاستقرار والأمن ووحدة أراضيها، وهو ما اعتبره البعض عرضاً لإذابة الجليد بين الطرفين. ورأى مراقبون أن تلك الخطوة كانت بمثابة تغير استراتيجي في توجهات حماس ، ويأتي ترجمة لرغبتها المتكررة في طيّ صفحة الخلاف مع دمشق عبر إرسال رسائل إيجابية في إدانة ضمّ الجولان والقصف الصاروخي الإسرائيلي على سوريا". سيناريو آخر هو أن حماس قرأت المشهد من جهة أخرى في ظل التحول التدريجي لإقامة عدد من دول المنطقة علاقات مع إسرائيل.
ويعتقد أن "حماس ليست في بحبوحة (أي لا خيارات كثيرة لديها) من علاقاتها العربية والإسلامية في ظل تصاعد حالة التطبيع مع إسرائيل، وسوريا في هذا الاعتبار كانت تشكّل لها أرضية مهمَّة ،
وتحدثت تقارير عديدة سابقة عن أن سوريا أبقت أبوابها مغلقة بوجه حماس بسبب موقفها من الأزمة السورية بعد أن استضافها على الأراضي منذ عام 2000 وقدّمت لها التسهيلات التي طلبتها، وهو ما لا تنكره حماس.
لم يكن من السهل رفع الحظر عن عودة علاقات حماس مع دمشق " لولا تدخل روسيا وإيران وحزب الله". وعودة العلاقات ، لم يكن خيار حركة حماس لوحدها في المنطقة، إنما سبقتها في ذلك عدد من الدول في ذلك. وهي تأتي في سياق هذه التحولات ضمن جهود عربية تُبذل لمحاولة إنهاء الأزمة السورية".
وعن تداعيات عودة العلاقات بين دمشق وحماس قالت دراسة رفيعة المستوى إن التقارير التي ظهرت في الأيام الأخيرة والتي تفيد بعودة العلاقات بين سوريا وحماس بعد عقد من الانقسام بينهما تمثل مصدر قلق “لإسرائيل”.
وبحسب تقرير لرويترز: “قررت حماس إعادة العلاقات مع سوريا بعد 10 سنوات من ابتعاد قيادتها عن دمشق بسبب معارضة حملة الرئيس بشار الأسد على التمرد ضد حكمه”، وذكر التقرير أن أحد المسئولين الذي طلب عدم نشر اسمه قال: “إن الجانبين عقدا عدة اجتماعات رفيعة المستوى لتحقيق هذا الهدف”.
قال “مايكل باراك” الباحث البارز في “معهد مكافحة الإرهاب” في هرتسليا، لشبكة الأخبار اليهودية: “إن التقارير بخصوص انفراجة جديدة في العلاقات بين دمشق وحماس تبدو ذات مصداقية”. وأضاف: “حزب الله في لبنان شارك في هذه المصالحة، وأدت هذه الجهود إلى تحسين العلاقات بين حماس والنظام السوري، لماذا حدث ذلك الآن؟ لقد استغرق حزب الله وقتاً للتوسط ولتحسين العلاقات”.
“هذا مصدر قلق لإسرائيل لأننا نعلم أن حماس تعزز وجودها في شمال لبنان، وحذر باراك من أنه إذا فتحت حماس مقراً لها في سوريا، فيمكنها أن تبدأ في بناء القدرات في سوريا أيضاً”. “مع وجود جزء كبير من سوريا تحت السيطرة الإيرانية، فإن لدى حماس فرصة جديدة للحصول على أسلحة من القوات المدعومة من إيران في المنطقة، مثل حزب الله والميليشيات الشيعية الموالية لإيران في سوريا”.
وتطرق باراك إلى التغييرات التي حدثت منذ عام 2012، ما سمح بالمصالحة، فقال: “علينا أن نتذكر أن الظروف الجيوستراتيجية قد تغيرت، في عام 2012 صعد [رئيس جماعة الإخوان المسلمين المصرية] محمد مرسي إلى السلطة، ما دفع حماس إلى إلغاء العلاقات مع سوريا، وأوضح أن: “حماس خلصت إلى أنه من الصواب أولاً تحسين العلاقات مع إيران من خلال توسط حزب الله، الآن ساعد حزب الله في تأمين المصالحة بين حماس وسوريا، هذا جزء من حساب إستراتيجي إيراني لتحويل سوريا إلى منطقة نشاط أخرى -للمنظمات " الإرهابية الفلسطينية”. بحسب قوله
في 23 يونيو الماضي التقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بيروت في أول لقاء بينهما منذ عام، وناقش الاثنان “محور المقاومة” ضد “إسرائيل”، بحسب قناة المنار الإعلامية التابعة لحزب الله، كما عُقدت في بيروت سلسلة لقاءات مع فصائل فلسطينية أخرى وحزب الله في الأيام الأخيرة، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجهاد الإسلامي في فلسطين. " وأشار باراك إلى أن “الهدف هو إيجاد طريقة لتوحيد الصفوف ومناقشة كيفية تقوية الكتلة الفلسطينية في محور المقاومة”.
كما قال باراك: “تحاول حماس إنشاء آلية قيادة وسيطرة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى في لبنان حتى تتمكن من العمل بطريقة أكثر فاعلية من لبنان، والآن أصبح باب سوريا مفتوحا أيضاً، وهذا بمثابة قوة مضاعفة”، وأضاف: “أن الأردن قد يكون أقل إثارة من العثور على خلايا حماس تعمل بالقرب من حدوده”.
وأردف قائلاً أن مصر، التي تشعر بالقلق أيضاً من تطلعات الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، ستأخذ نظرة قاتمة على اندماج حماس المتزايد مع المحور الإيراني، “وهذا يجعل حماس تبدو أسوأ في عيون المصريين، وكأنها تقترب من الهلال الشيعي الإيراني”.
عودة حماس إلى دمشق يؤمل منها تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام وان تلعب دمشق دورا مهم في هذا الملف ضمن استعادة دمشق لدورها العربي وممارسة ضغوطها على حركة حماس بهذا الاتجاه وفرملة أي خطوات تقود لانشقاق في وحدة التمثيل الفلسطيني على اعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية ممثل وحيد للشعب الفلسطيني
الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته يدين الاعتداءات الاسرائيليه وتواجد القوات الامريكيه على الأراضي السورية ومع وحدة الأراضي السورية ويدين أي تدخلات خارجية بالشأن السوري وكان هذا موقفه مع بداية الأحداث التي عصفت في سوريا على اعتبار أن سوريا تشكل العمق الاستراتيجي للأمن القومي العربي ويأمل من القيادة السورية أن تلعب دور مهم في توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام الفلسطيني من خلال ممارسة الضغوط على كافة الأطراف الفلسطينية لتحقيق هذا الهدف الذي يصب في صالح القضية الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت