- أشرف صالح
إعتقدت إسرائيل أن الخطر الذي يهدد أمنها يكمن في فصائل المقاومة في غزة فقط , كون غزة مختلفة عن الضفة تماماً من حيث "الكم" بمعنى أن المقاومة في غزة منظمة ولها إدارة مالية وهيكلية إدارية وغرفة مشتركة , ومدعومة من الخارج أيضاً , وتعتبر المنظومة الصاروخية في غزة هي السلاح الأقوى كونها مفصولة تماماً عن باقي أجزاء الوطن الأم , وبناء على هذا الإعتقاد الخاطئ عمل الإعلام الإسرائيلي بكل قوة على أن غزة هي الخطر الأكبر الذي يهدد دولة إسرائيل (...) , ولكن مرت الأيام سريعاً حتى بدأت إسرائيل أن تشعر بأن المقاومة ليس "بالكم" كما كانوا يعتقدون , بل إنها "بالكيف" ومن هنا تبدأ المشكلة الحقيقية لدى أمن إسرائيل , فهل تستطيع إسرائيل شراء "الكيف" بالمال كما فعلوا مع "الكم" وهل تستطيع إسرائيل السيطرة على كيفية المقاومة في الضفة الغربية كما إستطاعت أن تقايض كمية المقاومة في غزة ؟
إن عملية الجلمة الأخيرة والنوعية لها دلالات كثيرة , وهذه الدلالات أثبتت فشل إسرائيل في تقدير الواقع الأمني في فلسطين ككل , وأثبتت فشل إسرائيل أيضاً في حماية نفسها في المحيط الذي يحيطها وتحاول السيطرة عليه جغرافياً وهي الضفة الغربية , وبصفة أن الضفة الغربية هي الغلاف الذي يحيط بالمدينة المقدسة , وأيضاً تعتبر مهداً للأنبياء والديانات والمعالم الدينية , فهي تعتبر ذات الأهمية لإسرائيل من الناحية الجغرافية والتاريخية والدينية , ولذلك فسقوط أمن إسرائيل في الضفة الغربية يعتبر سقوط لحلمها في السيطرة الدينية والتاريخية لفلسطين ككل .
أما الدلالة الأكثر خطورة على إسرائيل هو إعتقاد إسرائيل أن حركة فتح لا تمتلك إلا خيار المفاوضات , ولا تتبنى إلا المقاومة الشعبية والسياسية والمؤسساتية , وبذلك خلطت إسرائيل بين عمل حركة فتح كحركة تحرر وبين السلطة كنظام دولة ومؤسسات , وتصرفت على هذا الأساس حتى باتت ترفع شعار أن الضفة الغربية تحت سيطرت السلطة وهذا يعني عدم وجود عمل عسكري مسلح , ولكن المفاجئة كانت لإسرائيل هي أن حركة فتح هي التي تقود المقاومة في الضفة الغربية بجانب سرايا القدس وبعض الفصائل الصغيرة , والمفاجئة أيضاً كانت تحت شعار أن إبن السلطة الوطنية الفلسطينية يستطيع أن يعمل كموظف دولة كأي موظف في العالم , ويستطيع أيضاً أن يقاتل في صفوف حركة فتح وقتما يشاء .
أما الدلالات الواضحة على فشل إسرائيل في عملية الردع , وخاصة ردع العمليات الفردية والنوعية في الضفة الغربية , فهي تتمثل في عدم قدرة إسرائيل تحصيل ثمن يساوي ثمن العمليات الفردية , بمعنى أن العمليات الفردية والنوعية في الضفة تكبد إسرائيل خسائر بشرية مقابل عدم وجود خسائر بشرية جماعية لسكان الضفة الغربية , وأيضاً عدم وجود خسائر مادية في الضفة الغربية مقابل هذه العمليات النوعية , ففي غزة مثلاً يكون مقابل كل صاروخ عشر شهداء وعشرات الإصابات على الأقل , وأيضاً قصف بيوت ومؤسسات وخسائر إقتصادية تلحق الضرر بنا أضعاف أضعاف ما يفعله الصاروخ بإسرائيل , وهذا الفارق بين إنجاز المقاومة في غزة وإنجاز المقاومة في الضفة , فالمقاومة هي المقاومة , ولكن هناك فرق في الإنجازات وفي الخسائر وفي دفع الأثمان .
أعتقد أن إسرائيل باتت تشعر أن السلطة اليوم كما وكأنها في عهد الرئيس الشهيد ياسر عرفات , مقاومة مقابل إنسداد أفق سياسي , وباتت تلمح للسلطة بذلك , وبالفعل بدأت قلب ذلك بحصار السلطة مالياً بحجة دفع رواتب الجرحى والأسرى وأسر الشهداء , وبحجة وقوف السلطة خصم لإسرائيل أمام المحاكم الدولية , وكل الدلالات الآن تشير الى إنسداد باب المفاوضات وفتح باب المقاومة بكل أشكالها , والسلطة اليوم وجدت نفسها أمام خيار المقاومة وأمام خيار حركة فتح , سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد , والسبب في ذلك هو أن إسرائيل لا تريد إعطاء السلطة
أي شيئ , ومقابل ذلك ستكون الأيام القادمة مختلفة عن ما مضى , ففتح هي التي ستحتضن السلطة على قاعدة تفعيل المقاومة بكل أشكالها , وكما تغيرت حسابات حركة فتح والسلطة ستتغير حسابات إسرائيل أيضاً , فالأيام القادمة ستشهد تغيرات جذرية في الخارطة السياسية والنضالية الفلسطينية .
أشرف صالح
فلسطين – غزة
كاتب وإعلامي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت