قراءة في كتاب «جولة أفق»

بقلم: أسامة خليفة

أسامة خليفة.jpg
  •  أسامة خليفة   باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»،

« جولة أفق » هو الكتاب الثالث والأربعون في سلسلة «الطريق إلى الاستقلال» التي يصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»، يتضمن الكتاب ستة فصول تصور مشهدين ، فصل واحد لـِ مشهد عالمي و إقليمي و تطوراته الهامة وتخوفات السياسة الأميركية من التطورات الحالية على الساحة الدولية ، وموقع القضية الفلسطينية - المهمشة أمريكياً - من هذه التطورات ، بالإضافة إلى مشهد فلسطيني في خمسة فصول كاملة .

يرصد كتاب «جولة أفق» ما يلوح في الأفق برؤية علمية تستهدف الواقع الدولي بالتحليل، وتستشرف المستقبل انطلاقاً من مقدمات ليصل إلى نتائج تلزم عنها، حيث تتطور دول، وتنشأ تحالفات، وتبرز قوى، وتتصارع مصالح، مؤشرات ودلائل تحدد مسار المستقبل، تنبئ بتحولات عالمية كبرى ، نحو عالم متعدد الأقطاب ، تفقد السياسة الأميركية قدرتها على إخضاع الشعوب، ومحاصرة الأنظمة الخارجة عن الإرادة الأميركية ، سياستها لم تعد مجدية في استمرار وإبقاء هيمنة الولايات المتحدة على العالم، حيث سادت ظاهرة العولمة الأمريكية بكل أشكالها هذه المرحلة ، والتي تميزت عن غيرها من المراحل التاريخية بسماتها من التفرد والسيطرة الأمريكية والإبقاء عليها وفرضها بكل الوسائل ، و باللجوء إلى استخدام القوة العسكرية برعونة غير مسبوقة.

 والآن تأتي المواجهات التي تخوضها في أنحاء متفرقة من العالم بنتائج عكسية للتوقعات الأميركية، سواء جرت بالتدخل العسكري المباشر، أو الحرب الاقتصادية «الناعمة»، أو الحرب بالوكالة، كتلك الحرب التي تحدث في أوكرانيا بالوكالة عن حلف الناتو، في محاولة لتوظيف أوكرانيا لإضعاف روسيا، ففي حين نرى أن الاقتصاد الروسي ينتعش وقيمة الروبل ترتفع، نرى في الجهة المقابلة النتائج السلبية على الاقتصاد الأميركي، وعلى اقتصاد تابعيه من الأوروبيين ولا سيما ألمانيا، من تضخم واحتمالات ركود اقتصادي.

الخمسة فصول الأخرى، تتناول قضايا فلسطينية ، في مشهد فلسطيني يضج بالحيوية والإبداع والحياة، مشهد حافل بالنضال والتضحيات ، حافل بالمتناقضات في حركتها وتفاعلها، فيرصد الكتاب ثلاث تناقضات :

  • تناقض أول بين وحدة الشعب في الميدان ، وانقسام القوى الفاعلة سياسياً.
  •  وتناقض ثانٍ في التوافق على أهداف النضال، وخلاف على سبل تحقيقها.
  • تناقض ثالث قوة و صمود وتضحيات وبطولات تحبط مخططات العدو ، و ضعف في القدرة على حصد مكاسب سياسية لما يزرعه الفعل النضالي.

في هذا يجب التغلب على العقبات الماثـلة أمام إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية لمواجهة التناقض الرئيسي والوجودي مع الاحتلال، عبر حوار وطني شامل يضم جميع القوى والفصائل لبناء أطر وإقرار آليات عمل وتوجهات تصون الوحدة الشعبية التي تحققت في معركة سيف القدس، حوار يؤدي إلى إجراء انتخابات عامة وشاملة .

يضم هذا الكتاب في فصله الأول ، مقدمة و خمسة عناوين فرعية ، في العنوان الفرعي الأول ، يخبرنا عن تحولات كبرى وأحداث جارية على أرض الواقع في مناطق متفرقة من العالم، يعم آثارها وتداعياتها بلدان العالم كلها ، لعل الحرب الروسية – الأوكرانية أشدها أثراً ، سببت إلى الآن أزمة كونية في الغذاء والطاقة ستضع النظام العالمي على مفترق طرق يحدد الوجهة نحو مرحلة قادمة مختلفة عن سابقتها مرحلة القطب الأوحد ، إلى عالم متعدد الأقطاب، لن يبقى فيها الدولار الأمريكي سيد الأسواق المالية والتجارة العالمية ....

توقعات التحولات هذه أوجدت تخوفات أمريكية على موقعها كسيد للعالم في مرحلة امتدت على مدى ثلاثين عاماً في مرحلة القطب الأوحد، ، منذ العام 1991 بانهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، وصولاً إلى اندلاع الحرب الأوكرانية بالوكالة عن حلف الناتو والمستمرة حتى الآن .

نشطت الدبلوماسية الأميركية، في محاولة لحكومة بايدن لتحشيد القوى وتجييشها لمواجهات في أماكن مختلفة من العالم، يتحدث هذا الكتاب عن نوعين من النشاط الدبلوماسي الأميركي:

أولاً- دبلوماسية التحالفات: تحالفات امتدت وتوزعت على مختلف المناطق والقارات، تحالف أوكوس، التحالف الرباعي للحوار الأمني، تحالف 2I + 2U، ومجموعة G12، والرابط بين هذه التحالفات؛ التحالف الأساس والرئيس «حلف الناتو» .

ثانياً- دبلوماسية الزيارات: وقد نشط وزير الخارجية الأميركي بلينكن، في زياراته المتعددة لشمال إفريقيا وفلسطين المحتلة والخليج ، ونشطت نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس في زيارتها لشرق آسيا فأغضبت الصين ، ونشط الرئيس الأميركي في زيارة فلسطين المحتلة والسعودية ، وأرضى اسرائيل.

من كل ذلك ما الذي أحرزه النشاط الدبلوماسي الأميركي من مكاسب اقتصادية أو سياسية أو عسكرية ؟! ... هل تستطيع الولايات المتحدة أن توقف الحضور الصيني والروسي في جنوب الصحراء الافريقية ؟ أو في أمريكا اللاتينية ؟. وهل تستطيع أن تحاصر الدور الإيراني الإقليمي؟. يجيب الكتاب على هذا السؤال الأخير بتحليل سياسي للقمة الثلاثية الروسية – الإيرانية – التركية في 19 يوليو/تموز الماضي، والتي نجم عنها شراكة استراتيجية ثنائية بين ايران وروسيا في مجالات شديدة الأهمية والحساسية ، تعطي الدولتين قوة ومنعة في مواجهة ما يتعرضان له من حصار وعقوبات اقتصادية .

وماذا في الموضوع الفلسطيني؟ وموقعه من السياسة الأمريكية ؟. يبدو هامشياً في النشاط الدبلوماسي الأميركي، بل عدائياً منحازاً كلياً لإسرائيل ، يتمثل في إعلان القدس الصادر عن اجتماع جو بايدن و يائير لابيد، تكرار بنود «صفقة القرن»، وتأكيد أميركي جديد بأن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وكلام فارغ من مضمونه عن «حل الدولتين».

نال الفضاء الجيوسياسي العربي نصيبه الوافر من اهتمام الإدارة الأميركية، مستثنية فلسطين بتهميش قضيتها ، ومهتمة بالتطبيع واندماج إسرائيل في الإقليم، ومتطلعة إلى توريد النفط وزيادة انتاجه ، ومن المؤكد أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فلسطين المحتلة والسعودية ، ومشاركته بقمة "جدة للأمن والتنمية"، ولقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي ، لها علاقة بالحرب  في أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي ، وما يمكن أن يستجد من تداعيات على النظام السياسي العالمي ، و كما وترتبط الزيارة بقضايا أخرى في العالم ، ومنها الملف النووي الإيراني ، وارتفاع أسعار النفط .

يضم هذا الكتاب في فصله الثاني ، مقدمة وعنوانين فرعيين ، يتحدث في مقدمته عن عقد المجلس المركزي دورته 31 في شباط 2022 ، وجدول أعماله الذي تناول المقترحات والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، وانتخاب هيئة جديدة لرئاسة المجلس، وانتخاب أعضاء جدد في اللجنة التنفيذية، واتخاذ قرارات سياسية وتنظيمية أدرجت في البيان الختامي .

هذا الفصل يحوي مفاهيم تشكل مفاتيح فكرية مرتبطة بالواقع النضالي، تشخصه وتحدد ضروراته، ذلك نجده في مفاهيم ( استحقاقات ، وأولويات ، ومهمات ) ، مفاهيم ثلاثة متداخلة يجمع بينهما معنى الإنجاز وأهميته :

  • الاستحقاقات الوطنية هي مهمات تنجز في وقتها وزمنها وتواريخها، بالتأكيد على مواعيدها حتى لا تفقد بالتأخير أو التأجيل بعضاً من ضروراتها وفوائدها أو تفقدها كلها.
  • الأولويات الوطنية مهمات تتسابق في درجة الأهمية للتأكيد على إنجازها حسب ترتيبها.

الأولويات والاستحقاقات مهمات ملحة إذا وضعت في الأدراج دون تنفيذ فقدت معناها، أو أنها شعارات ينادي عليها بائع بضائع بائتة فقدت صلاحيتها.

إنه فصل من الكتاب يدعو للتساؤل أمام حيرة ما بين الطرح والتنفيذ، أسئلة ثلاثة مهمة طرحتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الدورة 31 للمجلس المركزي، فهل تم الرد عليها في هذه الدورة ؟!...

والرد ليس كلمات وأقوال، بل بالفعل والتنفيذ العملي الملح والفوري لوضع النضال الفلسطيني في المسار المؤدي إلى حقوق شعبنا.

• السؤال الأول: لماذا لم تجد قرارات الإجماع الوطني طريقها للتنفيذ؟

• السؤال الثاني: لماذا لم تنجز الانتخابات العامة؟

• السؤال الثالث: لماذا الترويج لإمكانية استئناف العملية السياسية ؟.

ليست أسئلة مستجدة، والإلحاح على تكرارها؛ هو إلحاح لوضع القرارات و الانتخابات موضع التنفيذ في سقوف زمنية ملزمة، الإلحاح على تكرارها هو لرفعها من درجة توصيات توضع بين أيدي القيادة الفلسطينية، ليس لتتصرف بها كما تشاء، بل لتصبح قرارات ملزمة .

 ما الجديد في قرارات المجلس المركزي ؟. وما هي ضمانات التنفيذ ؟.

  لقد أكد المجلس المركزي في دورته ال31 القرارات الوطنية السابقة المتخذة في المجلسين الوطني و المركزي ، وحقق خطوة إلى الأمام في إنهاء الالتزام بالاتفاقيات الموقعة كافة وتعليق الاعتراف بدولة الاحتلال، الجديد فيها أنها لم تعد توصيات بل قرارات ناجزة ونافذة بالفعل، لأنها اتخذت في الهيئة التشريعية ذاتها التي صادقت على وثيقة الاعتراف بإسرائيل.

الانتخابات الفلسطينية أولى الاستحقاقات التي تقود إلى نظام سياسي فلسطيني، يستمد قوته من الشرعية الشعبية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية أولى الأولويات، بمبادرة متكاملة متوازنة اقترحتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لم يفت وقتها، صالحة ومطروحة للعمل بها، للخروج بالحركة الوطنية من أزمتها الراهنة، وتجاوز مرحلة وحالة الضعف الذي سببها استمرار الانقسام لنحو 15 عاماً.

وثاني الأولويات الانتقال من المقاومة المشتتة التي لا ينظمها خط عمل واحد ومرجعية موحدة إلى مقاومة منظمة متواصلة منهجية وشاملة ، وثالثها ، الخروج من عملية أوسلو بأسرها .

هذه هي الأولويات الثلاث التي جاءت في العنوان الفرعي الأول موقف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من اجتماع المجلس المركزي 31 ، وتلك التي سبق الحديث عنها كانت ثلاثة أسئلة عن التنفيذ وردت في كلمة الجبهة أمام المجلس ، وفي بيان صادر عن المكتب السياسي جاءت الإجابة عن السؤال لماذا شاركت الجبهة في أعمال الدورة 31 للمجلس المركزي ؟.

من أجل الدفاع عن قرارات الاجماع الوطني ، بشأن الخروج من مسار أوسلو ، والحيلولة دون الارتداد عنها أو تمييعها ، والدفع قدماً بعملية تنفيذها ، اتخذ المكتب السياسي للجبهة القرار بالمشاركة في أعمال الدورة 31 للمجلس المركزي بعد حوار ديمقراطي واسع في الهيئات القيادية لمختلف منظمات الجبهة داخل الوطن وفي الشتات .

في العنوان الفرعي الثاني يستعرض الكتاب مواقف القوى السياسية والشخصيات المستقلة والمعارضة لعقد المجلس المركزي دورته 31، ومنها البيان المشترك الصادر عن حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي جاء فيه أن عقد دورة المجلس الوطني خطوة انفرادية تعمق الانقسام في الساحة الفلسطينية ، تكرس عوامل الضعف الذاتي ، وتعزز من الشرذمة الداخلية .

في فصله الثالث ، يتكون الكتاب من مقدمة وستة عناوين فرعية ، يضع في إحداها مخرجات المجلس المركزي تحت المجهر ليتفحص المشهد الفلسطيني في مسألة السلطة والانقسام والانتخابات والقرارات... ليكون عنوان فرعي آخر إنما العبرة في التنفيذ .

يعقد الكتاب مقارنة بين دورتين لمجلسين فلسطينيين مركزي ووطني متشابهين إلى حد التوأمة، في العضوية، والصلاحيات، ويذكر الكتاب أيضاً، التشابه في مقدمات الانعقاد التي سبقت الدعوة لحضور جلستيهما، مقدمات أهمها :

  • رد فعل على الانحياز الأميركي لإسرائيل.
  • فشل الرهان على الوسيط الأميركي الذي يدعي زوراً بدعمه لـ«حل الدولتين».
  •  تعطل عملية السلام .
  • تهميش القضية الفلسطينية.

تعلقت القيادة الفلسطينية بآمال واهية بفوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية، وانتهاء عهد ترامب، لكن خابت الآمال بمجرد تسلم بايدن السلطة في البيت الأبيض.

بين فترتي حكم ترامب وحكم بايدن ، فترة زمنية فاصلة بين دورتي المجلس المركزي والمجلس الوطني، الدورة 23 للمجلس الوطني في 30/4/2018، والدورة 31 للمجلس المركزي في 6/2/2022، فترة امتدت ما يقارب أربع سنوات، إلا أن المهام الوطنية ما زالت هي نفسها، فتشابهت قراراتهما الوطنية على كل المستويات، في رسم علاقة الصراع مع الاحتلال، والموقف من الولايات المتحدة الأميركية وسياستها المنحازة، والقرارات على المستوى الدولي، والقرارات على المستوى العربي والإسلامي، وأخيراً والأهم القرارات على المستوى الفلسطيني الداخلي.

وتشابهت كذلك المواقف الرافضة للحلول المطروحة أميركياً وإسرائيلياً لإسقاط ملفات القدس، المستوطنات، اللاجئين، والحدود.

وتشابه المجلسان في الدعوة إلى مقاومة شعبية، مع التأكيد على أنها ليست بديلاً عن سائر أشكال النضال التي يشرعها القانون الدولي لشعب واقع تحت الاحتلال، وبهذا فإن قرارات المجلسين – كما يقول الكتاب – يوفر سلاحاً بيد الحركة الوطنية.

والمجلسان باعتبارهما يشكلان البرلمان الممثل لعموم الشعب الفلسطيني، يؤكدان مرة بعد مرة، أن منظمة التحرير الفلسطينية هي منظمة راسخة لها مكانتها في عقول وضمائر الشعب الفلسطيني، باقية حتى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

في فصله الرابع، في الاقتصاد و«السلام الاقتصادي »،وفي عنوانين فرعيين يتناول الاقتصاد الفلسطيني في ظل الاحتلال والاستيطان والانقسام ، وتجاوز بروتوكولات باريس الاقتصادي .

هذا الفصل يُرجع مشكلات الاقتصاد الفلسطيني وسببها الأساس إلى واقع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، حيث تقوم سلطات الاحتلال بمصادرة الأراضي الزراعية والسيطرة على أحواض الماء، وتقطيع أوصال الجغرافيا بالحواجز والحصار وإغلاق المناطق، والاستيلاء على الموارد، وتفرض قيوداً ثقيلة على الاقتصاد الفلسطيني، وتحول دون تطوره وازدهاره، وحولته إلى اقتصاد تابع خاضع للهيمنة الإسرائيلية.

كما وتفرض على الاقتصاد الفلسطيني، ولأسباب سياسية عقوبات، منها:

عقوبات على المصارف العاملة في فلسطين، تجميد ومصادرة أموال المقاصة، خصم كافة ديون المؤسسات والشركات الإسرائيلية مباشرة من هذه الإيرادات، ربما ذلك كله يأتي في سياق محاولة فرض السلام الاقتصادي، الذي جاءت به «صفقة القرن».

هذا يطرح سؤالاً: هل من فارق بين الاقتصاد تحت الاحتلال في مرحلة ما قبل تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، والاقتصاد في عهد السلطة؟ وهو ما يطرح موضوع اقتصاد الدولة وبناء مؤسساتها بمقابل الاقتصاد المقاوم أو اقتصاد الانتفاضة.

الاقتصاد في عهد السلطة الوطنية ارتبط بـ«اتفاقات أوسلو» و«بروتوكول باريس الاقتصادي»، هذا الأخير سمح لسلطات الاحتلال السيطرة والتحكم بالتجارة الداخلية والخارجية بين المناطق الفلسطينية مع بعضها ومع باقي أنحاء العالم، وفرض غلافاً جمركياً واحداً في سوق موحدة مع إسرائيل، مما ألحق ويلحق الضرر بحركة التجارة والاستثمار والتنمية.

 كما ربط «بروتوكول باريس الاقتصادي» السياسة المالية والنقدية بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي وبالعملة الإسرائيلية، حيث يتم التداول والتبادل والادخار وحفظ الودائع بالشيكل، مما قد يجعل المناطق المحتلة مكباً للشيكلات.

هذا الفصل من الكتاب لا يغفل عوامل داخلية لضعف الاقتصاد الفلسطيني، الذي يعاني بشدة من الفقر والبطالة، وضعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتزايد العمالة الفلسطينية التي لا تجد فرص عمل بسبب طبيعة المشاريع الاقتصادية الصغيرة، وتراجع الاهتمام بتنمية وتمويل القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الزراعة، وسيطرة قطاعي الخدمات والتجارة على حساب قطاعي الصناعة والزراعة.

إلى ذلك يضيف الكتاب تأثير الانقسام على الاقتصاد الذي زاد الوضع الاقتصادي سوءاً، وأدت الضرائب المزدوجة إلى ضعف القدرة الشرائية في غزة تحديداً، وظهرت الأمور شائكة صعبة الحل، في القضايا الاقتصادية كما في القضايا السياسية، الأمر الذي يطرح السؤال التالي:

هل يستحيل بناء اقتصاد مستقل تحت الاحتلال والاستيطان، وقيود اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، وفي ظل ضعف الاقتصاد الفلسطيني وندرة موارده؟

يجيب الكتاب أن لا مستحيل، ويقدم رؤية للنهوض الاقتصادي، تشمل خمس عشرة خطوة، إنما لا بد من البدء بالانفكاك الاقتصادي التدريجي، ومقاطعة المنتج الإسرائيلي، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتج المحلي، وتعميق العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية المجاورة.

هذا الكتاب في فصله الخامس، بعنوان نظام التمييز العنصري الاسرائيلي ، قد أصاب الحقيقة عندما ربط بين الاستيطان والعنصرية في عنوانيه الفرعيين الاستيطان ..البداية والمسار، و سمات بنيوية لنظام الفصل العنصري ، فالاستيطان هو الممارسة العملية الأبشع للأيديولوجيا العنصرية، التي تسمح لمجموعة منغلقة و متعالية على آخرين من البشر بالتطهير العرقي ، فتهجّرهم من قراهم ومدنهم ، وتستبدلهم بمستوطنين - مؤدلجين بالفكر العنصري وبمقولة دينية عن شعب الله المختار- يحلون مكانهم ، تُسرق أراضيهم وبيوتهم، وتُصادر ممتلكاتهم ، وتُسلب ثرواتهم ومواردهم الطبيعية، و تستباح مقدساتهم ، وتُهدم قراهم وأجزاء من مدنهم، ويُسفك دمهم، كل ذلك تبيحه الأيديولوجيا الصهيونية العنصرية لأن الفلسطينيين بنظرها صنف ليسوا من البشر، ليس لهم حق العيش على أرضهم بأمان واطمئنان، محرومون من حقوقهم الشخصية والمدنية ، مثلما هم محرومون من حقوقهم السياسية.

يقسم الكتاب الاستيطان في الضفة الغربية تحديداً إلى ثلاث مراحل:

• مرحلة أولى: ما بين 1967 – 1977؛ هدفت سياسة الاستيطان إلى ضم القدس بإقامة مستوطنات داخلها وفي محيطها، وإقامة شريط مستوطنات على امتداد وادي الأردن لفصل شرق الأردن عن غربه.

• مرحلة ثانية: ما بين 1977 – 1993؛ هدفت خطة الحكومة الصهيونية إلى نشر الاستيطان على أوسع نطاق في الضفة الغربية.

• مرحلة ثالثة: بعد «اتفاق أوسلو» ، تضاعف الاستيطان، فقد حولت أوسلو الأرض الفلسطينية من أرض واقعة تحت الاحتلال إلى أرض متنازع عليها، وتم من خلال الاتفاقيات تقسيم الضفة إلى ثلاث مناطق:

المنطقة (أ): مناطق التجمعات البشرية الفلسطينية، تخضع للسيطرة الفلسطينية أمنياً وسياسياً، لكن يستبيحها الجيش الإسرائيلي بالاقتحام والاعتقال والاغتيال بشكل متكرر.

المنطقة (ب): خرق الإسرائيليون الاتفاقات بشأنها ، واستولوا على أجزاء واسعة منها لزراعتها واستيطانها.

المنطقة (ج): هي تحت السيطرة الكاملة للحكومة الإسرائيلية.

لقد حوّل الاستيطان القرى والمدن والمخيمات ، إلى مناطق متفرقة متباعدة مقطعة الأوصال، وهذا يشابه ما فعله نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، مما جعل أكثر من طرف، ومنهم الأسكوا، يتهم إسرائيل بتأسيس نظام أبارتهايد للهيمنة على الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه الإنسانية والسياسية.

تتعدد إجراءات سلطات الاحتلال التي تقع في دائرة التمييز العنصري، ومنها :

  • جدار الفصل العنصري، الذي يعتبر عقاباً جماعياً يسرق أراضي القرى والمدن الفلسطينية، ويبعد المزارعين عن أراضيهم وجني محصولهم، ويمنع تواصل الفلسطينيين والوصول إلى المدن للحصول على خدماتها.
  • حصار غزة وعزلها عن محيطها والعالم، وجعلها سجناً كبيراً لكل ساكنيها.
  • القوانين التي تميز اليهودي - مهما تكن جنسيته، والدولة التي ينتمي إليها - عن الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ، تميز بينهما فتعطي الحق لأي يهودي في العالم «بالعودة» إلى «أرض الميعاد» فلسطين التاريخية، ولا يحق للفلسطيني أن يعود إلى بيته وبيت أجداده، إلى القرى والمدن التي هجّروا منها، إنها سياسة التطهير العرقي وسياسة التهويد المخطط والممنهج.
  • التمييز العنصري في المحاكم و أمام القانون .
  • التمييز في وضع قيود على الفلسطينيين في الحركة والتنقل .
  • التمييز العنصري على مستوى الحق في البناء والسكن

هذا الكتاب في فصله السادس، في قضايا الأونروا وحركة اللاجئين ، مقدمة وأربعة عناوين فرعية ، يتحدث عن اللاجئين الفلسطينيين متناولاً محورين هامين أساسيين، تقوم عليها قضيتهم، هما حق العودة وفق القرار194، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، يضاف إلى ذلك، محاور تتعلق بخصوصية وضع اللاجئين في كل منطقة من مناطق اللجوء، مثل القضية الإنسانية للفلسطينيين في لبنان، التي يتناولها الكتاب باعتبارها تتطلب خطة طوارئ شاملة ومستدامة من قبل وكالة الغوث، لتلبية الاحتياجات المتزايدة باستمرار.

من جانب آخر، إزاء ما يطرح من إمكانية توطين اللاجئين الفلسطينيين، والتخوف من آثاره على استقرار لبنان، يتطلب لبنانياً وفلسطينياً، إزالة هواجس البعض حيال الوجود الفلسطيني في لبنان، من خلال حوار لبناني – فلسطيني شامل ، يعمل على تنقية الملفات السياسية من رواسب زمن الحرب، وخلق مناخات إيجابية منفتحة لدى جمهور الأحزاب اللبنانية، ولا سيما من الشباب الذين لم يشهدوا الحرب الأهلية.

ومطلوب من البرلمان اللبناني وضع الحالة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، في إطار قانوني موضوعي وسليم، لتحسين حالتهم المعيشية لحين العودة إلى أرض الوطن، والتي يجب التأكيد عليها من الجانب الفلسطيني برفض التوطين والتمسك بحق العودة.

فيما يتعلق بالمحور الثاني حول وكالة الغوث، يتحدث الكتاب عن تآمر تتعرض له الوكالة تمهيداً لحلها باعتبارها الشاهد السياسي على النكبة، يقود حملات التآمر ضد الوكالة، الولايات المتحدة وإسرائيل، وبعض أحزاب اليمين في أوروبا ، حملات تبرز من خلال التالي:

1- التعريف الأميركي للاجئ الفلسطيني كبديل لتعريف الأمم المتحدة، وحصر اللاجئين فيمن شردوا خلال النكبة فقط، واستثناء نسلهم والأجيال اللاحقة.

2- تحويل قضايا اللاجئين إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وحل وكالة الغوث لأنها تبقي مشكلة اللاجئين رهناً بتنفيذ القرار 194.

3- حملة اتهامات تستهدف الوكالة بأنها مسيسة وتخالف حيادية المنظمات الدولية.

4- اتفاق الإطار بين الولايات المتحدة ووكالة الغوث، لتعريف اللاجئ اللائق الذي يستحق الدعم فعلاً.

5- اتهام الأونروا بالفساد المالي والأخلاقي، وسوء الإدارة.

6- استخدام أميركا الدعم المالي كوسيلة ضغط على السلطة الفلسطينية ووكالة الغوث، وافتعال أزمة تمويل للوكالة.

7- تجاوب بعض الأحزاب الأوروبية مع الولايات المتحدة في استهداف الوكالة.

8- اتهام الوكالة بالتحريض على العنف والكراهية، طالما تطبق المناهج العربية ومناهج السلطة في مدارس الوكالة.

9- الضغط على الموظفين الأجانب وعلى مراكز بحثية من أجل المس بوكالة الغوث

 

306273410_649929926475358_3340225109313181856_n.jpg


 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت