- بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تعجُ السنة العبرية بالأعياد الدينية اليهودية والقومية الصهيونية، فهي أعيادٌ بالمقارنة مع أتباع الأديان والقوميات الأخرى كثيرةٌ جداً، ولا تقتصر غالباً على يومٍ واحدٍ فقط، بل قد تمتد لأيامٍ طويلة، يؤمن بها اليهود عامةً، ويحرصون على إحيائها ويلتزمون طقوسها المختلفة، وإن كانت غريبة الشكل متعددة الأطوار، وهي أعيادٌ شبه شهرية، وأحياناً يشهد الشهر الواحد أكثر من عيدٍ ومناسبةٍ.
أغلب أعياد اليهود توراتية دينية، لكنها متجددة ومتغيرة وفقاً للعصور والدهور التي مرت بها الديانة اليهودية، والأحداث التي واجهها اليهود أنفسهم، وفيها يكثر الصوم بطريقتهم الخاصة، والاستغفار والتوبة والتخلص من الخطايا، ونفخ الأبواق والصلاة، وذبح القرابين وسوق الأضاحي، ولا تخلو أعيادهم من الخزعبلات والخرافات، والأساطير والنبوءات، فكانت أعياد رأس السنة ويوم الغفران والفصح والعُرُش وذكرى خراب الهيكل وغيرها من الأعياد الدينية التي وردت في توراتهم، وأوصى بها حاخاماتهم، وحرصوا على فرضها على حكوماتهم وإحيائها في مجتمعاتهم.
أما الأعياد القومية والوطنية اليهودية، فهي كثيرةٌ أيضاً وتوصف بأنها أعيادٌ دنيوية، حيث يكثر فيها الهرجُ والفرح، والزينة والبهرج، والمزامير والمساخر، ويحيون فيها الحفلات الراقصة والمهرجانات الماجنة، ويحتسون فيها الخمور ويتبادلون فيها التهاني.
وهي أعيادٌ جديدةٌ وقديمة، موروثةٌ ومستحدثة، وفيها جوانب دينية وملامح توراتية، لكنها أقل بكثير من المظاهر الدنيوية، كيوم خراب الهيكل، وأعياد المساخر والشجرة، والاستقلال والتاسع من آب، والأنوار وعيد الأسابيع، وغيرها الكثير مما يستجدونه ويفرضونه، ويسمونه ويثبتونه رسمياً، ويجعلونه يوم عطلةٍ للفرح وإحياء الذكريات والمناسبات.
أما يوم السبت الذي يدعون قدسيته، ويبالغون في التمسك به والالتزام بتعاليمه والعمل بموجب قوانينه، فهو يومٌ مباركٌ عندهم، يمتنعون خلاله عن الحركة والعمل، وتتعطل لديهم الحياة العامة بدءً من الساعات الأولى لليلة السبت حتى فجر يوم الأحد، فلا محلات تجارية ولا أسواق، ولا بنوك ولا مؤسسات، ولا مدارس ولا جامعات، ولا سفر ولا ركوب للسيارات والطائرات، وغيرها من وسائل النقل التي يلزم تحريكها الطاقة "النار"، وهو الأمر الذي يتناقض مع حرمة إشعال النار في أيام السبت.
الكيان الصهيوني، بانتمائه الديني وقوميته اليهودية، وبهويته العنصرية العدوانية، بات في أعياده ومناسباته يعتدي على الفلسطينيين ويؤذيهم، ويضيق عليهم ويخنقهم، ويحاصرهم في مناطقهم ويمنع انتقالهم وحركتهم، في الوقت الذي يقوم فيه مستوطنوه بالاعتداء على القدس والمسجد الأقصى المبارك، وكأن أعياده باتت لعنة على الفلسطينيين وشؤماً عليهم، وحرماناً لهم وعدوانهم عليهم.
حَوَّلَ الإسرائيليون أعيادهم وأفراحهم، ومناسباتهم وذكرياتهم، إلى أحزانٍ فلسطينيةٍ وأتراحٍ، وأيام معاناةٍ وبؤسٍ، وحزنٍ وألمٍ، فيها يعتدون على الفلسطينيين ويمنعونهم من الحركة، ويحاصرونهم ويفرضون عليهم حالة منع التجوال، ويفرضون في مناطقهم حالة الطوارئ القصوى، وخلالها يقتلون عشرات الفلسطينيين ويعتقلونهم، ويعتدون عليهم ويضربونهم.
وفي أعيادهم يقتحمون المسجد الأقصى ويدنسون باحاته، ويهددون هويته ويعتدون على رمزيته، ويفرضون فيه طقوساً يهودية مستفزة، وصلاةً تلمودية غريبةً، تحمل رسائل خطيرة وإشاراتٍ مرفوضة، ويسمحون خلالها لمن شاء من اليهود بالدخول عنوةً إلى المسجد الأقصى، بينما يمنعون أهله من الدخول إليه والصلاة فيه، ويخرجون من فيه من المصلين والمرابطين، ليهنأ اليهود بعدوانهم، ويفرحوا بأداء طقوسهم، التي لا تخلو من معاني التحدي والمواجهة والغطرسة والغرور.
لا نعيب على اليهود أعيادهم الدينية الكثيرة، ولا نتدخل في شؤونهم الخاصة، كأتباع دينٍ سماويٍ نعترف به، بل نؤمن بدينهم ونحترم طقوسهم، ولا نعترض على عاداتهم وتقاليدهم في مناسباتهم وأعيادهم، وقد رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يصومون يوم عاشوراء، فسأل عن صيامهم، ولم يعترض عليهم أو يعيب فعلهم، بل دعا أمته إلى صيام يوم العاشر من محرم، إيماناً منه بأن المسلمين أولى بموسى عليه السلام منهم.
فليحتفلوا بأعيادهم بعيداً عنا، وليحيوا مناسباتهم حيث كانوا يقيمون في "الديسابورا"، في الشتات الذي كانوا يعيشون فيه، والغيتوات التي فرضوها على أنفسهم، وفضلوا العيش فيها بعيداً عن الفضاء الواسع والعالم الممتد الفسيح، وقبلوا أن يعيشوا في"غيتوات" خلف الأسوار والجدران، حيث لم يكن أحدٌ يعترض على خرافاتهم وأساطيرهم، ولا على عاداتهم وتقاليدهم، طالما أنهم لا يعتدون على أحدٍ، ولا يزاحمون الآخرين على حقوقهم ومقدساتهم، ولا يضيقون عليهم سبل العيش ويحبسونهم، أو يفرضوا عليهم الحظر ومنع الحركة.
لكننا لا نقبل أبداً أن يحتل اليهود أرضنا، وأن يطرودونا من ديارنا، وأن يزاحمونا على مقدساتنا، وأن يحيوا مناسباتهم الدينية ويحتفلوا بأعيادهم القومية على حساب أصحاب الأرض وأهل فلسطين التي احتلوا أرضها، واغتصبوا حقوقها، وطردوا منها أهلها، ودنسوا مقدساتها، ونهبوا خيراتها، وزوروا تاريخها، وغيروا واقعها، وبدلوا هويتها، وحاولوا فرض طابعهم الديني وهويتهم الصهيونية عليها، فهذا العدوان لن يستمر، وهذا البغي لن يبقى، وهذا الفساد لن يطول، وهذا العلو حتماً سيتلوه سقوطٌ مدويٌ وزوالٌ أخيرٌ.
بيروت في 7/10/2022
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت