- المحامي علي أبوحبله
قضية ما بعد الرئيس محمود عباس –أطال الله في عمره، في ظل غياب المجلس التشريعي هو أمر في غاية التعقيد، إذ إن شغور منصب الرئيس في الوضع الطبيعي لأي سبب كان يترتب عليه تلقائيًا حلول رئيس المجلس التشريعي محله لمدة ستين يومًا تجرى فيها الانتخابات وفقًا للمادة (36) فقرة (2) من القانون الأساسي، لكن حلّ المجلس التشريعي وعدم إجراء انتخابات تشريعيه كاستحقاق دستوري أوجد أزمة دستورية واجتهادات مختلفة حول كيفية حلها.
إن حل معضلة الخلافة/الرئاسة يكمن أساسا من خلال الاتفاق الوطني على إنهاء الانقسام، وتحديد موعد لإجراء انتخابات تشريعية، لقطع الطريق أمام حملات التضليل والخداع التي يتعرض له الشعب الفلسطيني من آلة الإعلام الإسرائيلي في بورصة الترويج للأسماء التي تخلف الرئيس ضمن حملات تستهدف زعزعة الثقة، والابتعاد عن الأساسي وهو تحقيق استقلال دولة فلسطين المحتلة، وتعميق الخلافات في الفصيل والتنظيم الواحد والمستهدف الاكبر تنظيم حركة فتح الذي تعلب به الانواء حاليًا. ويكاد يفقد تألقه لولا عدد من المبادرات الميدانية العظيمة المتواصلة.
من المفيد التوقف عند نقطة في منتهى الأهمية، وهي أن مختلف الأطراف واللاعبين المحليين والخارجيين لا يزالون لأسباب مختلفة متفقين على بقاء الرئيس أبومازن اطال الله في عمره إلى حين ترتيب أمر الرئاسة، أو ترتيب الوضع الفلسطيني بعده، لأن غيابه من دون معرفة من يخلفه (أوالاتفاق الوطني على آلية الخلافة) يعني أن كل الاحتمالات ستكون مفتوحة بما في ذلك احتمال انهيار السلطة ونشوء فراغ لا يعرف أحد كيف ومتى ومن سيملؤه.
يوجد عدد كبير نسبيًا من قيادات حركة التحرير الوطني الفلسطيني-"فتح"، وفي أطر السلطة من فتح وغيرها يمكن أن يتنافسوا على مقعد الرئاسة للسلطة، ما يجعل الأمر، في ظل عدم وجود آلية قانونية متفق عليها، مفتوحًا على احتمالات عدة، بعضها مخيف مثل الدخول في الفوضى والفلتان الأمني، وما يمكن أن يجرانه من ويلات. فضلًا عن خوض صراع على السلطة والرئاسة (الرئاسة لحركة فتح وللمنظمة وللسلطة معًا) يمكن أن يأخذ في طريقه السلطة وكل شيء، خصوصًا أن المتنافسين لا يتنافسون في جزيرة معزولة، فهناك أطراف داخلية وخارجية تؤثر على تحديد هوية الرئيس القادم.
داخليًا: يهم فصيل "حماس" أن تشارك في تقرير هوية الرئيس المقبل، لا سيما أن القضية الفلسطينية دخلت منعطف خطير ومفصل تاريخي في ظل تصاعد الأحداث الداخلية ومواجهة العدوان الإسرائيلي والمؤشرات تدفع بتسارع نحو انتفاضه ثالثه يمكن أن تغير من قواعد اللعبه، فلا يمكن إيجاد قيادة فلسطينية لها وزن وتمثل الفلسطينيين بكفاءة يمكن لها التنازل عن أي من حقوق الشعب الفلسطيني، أو أن تكون من اختيار إسرائيلي بحت، وفق مفهوم فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني ما هو منطق الإدارة العسكرية المتحكمة في "بيت إيل".
هناك أطراف خارجية تؤثر على هوية الرئيس القادم، وفي مقدمتها "إسرائيل" (بالحقيقة هي خارجية متداخلة في صدورنا)، التي تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز فرص بعض المرشحين أوإضعافها، كونها تملك أوراقًا عديدة تستطيع التأثير من خلالها. فمثلًا الأخ مروان البرغوثي المعتقل في السجون الإسرائيلية، الذي يحظى بأكبر شعبية بين المتنافسين (مانديلا فلسطين)، يمكن أن يحول اعتقاله دون قدرته على المنافسة، وإذا نافس رغم اعتقاله وفاز لن يتمكن من ممارسة مهامه إذا بقي وراء القضبان وهناك آخرين لهم وزنهم وثقلهم في الساحة الفلسطينية ومهما كان للتدخل الإسرائيلي في الدفع نحو هذا أو ذاك في المحصلة لن يكون الأمر بالسهولة.
كما أن هناك عددًا من الدول العربية والإقليمية والأطراف الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، تحاول التأثير على مسألة الرئيس القادم، وقد سبق للرباعية العربية أن أثارت موضوع خلافة الرئيس محمود عباس ومحاولات تمرير أسماء ضمن عملية جس النبض والاختبار تساوقت تلك الحملات مع الحملات مع الحمله الاعلاميه الاسرائيليه والتي تصر على تغيير الرئيس محمود عباس تحت وهم إسرائيلي لا يوجد شريك للسلام في القيادة الفلسطينية.
الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان سبق له أن كتب في صحيفة معاريف في عام 2018 فنقل عن تقارير غربية تفيد بأن "إسرائيل" تجري اتصالات مع عدة أطراف إقليمية بشأن الإطاحة بالرئيس الفلسطيني (أبومازن)، واستبداله بمحمد دحلان، بمشاركة من الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن، وأن الأطراف التي تقوم على هذه الاتصالات تأمل تجدد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
وأشار ميلمان -المقرب من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية- إلى أن دحلان استقر في الإمارات العربية بعد أن تسلمت حماس عام 2007 إدارة قطاع غزة، حيث كان يترأس أجهزة الأمن الفلسطينية، وحصل على الجنسية الصربية مقابل استمراره في بناء قوته التنظيمية (داخل فتح فيما أصبح تحت مسمى تيار الإصلاح الانفصالي بالحركة)، وإقامة علاقات جيدة مع القيادة المصرية والأردنية والإماراتية.
وأوضح الخبير الأمني الإسرائيلي أن هذه الاتصالات الجارية تتزامن مع توفر قناعات بأن أبي مازن (عباس) لن يقدم استقالته الطوعية، وكل تصريحاته السابقة بشأن إعادة مفاتيح السلطة الفلسطينية ليست دقيقة، علما بأن المرحلة الأولى في تصدير دحلان إلى الساحة الفلسطينية تشمل ترؤسه البرلمان الفلسطيني، ثم السلطة الفلسطينية، وصولا ليكون زعيما لحركة فتح، مع أن "إسرائيل" تأمل أن يكون الرئيس القادم للسلطة الفلسطينية هو أحمد قريع (أبو علاء) أحد زعماء فتح التاريخيين، الذي أجرى مفاوضات سرية مع "إسرائيل" أسفرت عن اتفاق أوسلو عام 1993.
وختم بأنه وفقا للخطة المقترحة، فإن دحلان سيقوم بإبرام مصالحة مع حماس، لكن مصر وضعت عدة شروط لإبرام هذه المصالحة، أهمها وقف حماس أي عمل عسكري ضد "إسرائيل" من داخل غزة، ووقف أي تعاون مع تنظيم الدولة في سيناء، لكن كل ذلك لا ينفي الحديث عن ضعف دحلان كزعيم فلسطيني، بسبب اتهاماته بالفساد، وعلاقاته مع المخابرات الإسرائيلية، وعدم امتلاكه شعبية في أوساط الفلسطينيين.
وكان السؤال في حينه وفق ما نقل عن الخبير الأمني الإسرائيلي يوسيي ميلمان هل الأسماء المطروحة كبديل لخلافة الرئيس محمود عباس وهي أسماء عديدة بالمناسبة تتم بالتنسيق مع "إسرائيل"، وتشكل بديل مقبول على "إسرائيل" ويقبل بالتنازلات العربية التي سبق وعرضتها الرباعية العربية على جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ورفضها الشعب الفلسطيني
السيناريو يعيد نفسه فقد ذكر موقع "نيوز1" الإخباري العبري، اليوم السبت، أن الولايات المتحدة الأمريكية "منحت أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، غطاء من الشرعية لخلافة محمود عباس، في ظل مخاوفها من حالة انفلات أمني كبير، في الضفة الغربية. وأوضح الموقع أن حالة من القلق تنتاب واشنطن جراء الفوضى الأمنية التي تضرب مناطق السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، وحالة الضعف التي تعتري أداء رئيسها محمود عباس.
ورأى أن الشيخ يعد حاليًا "الرجل الأقوى" داخل السلطة الفلسطينية ويأتي موقعه كوزير للشؤون المدنية، ليمنحه صلاحيات كبيرة للغاية، تضعه كثاني أهم شخصية بالسلطة بعد عباس، مضيفًا أنه أصبح على صلة بكل ما يتعلق بالحياة بالضفة.
ووصف الدور الذي يباشره الشيخ بأنه "يدير منظومة دولة عميقة بالضفة، وأن كل شيء لا يمر إلا من خلاله، إذ يمتلك علاقات قوية مع منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية بالأراضي المحتلة، اللواء غسان عليان، ومع رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار".
وأوضح أن لدى الشيخ أيضًا علاقات قوية مع مكتب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكذلك مكتب وزير الدفاع بيني غانتس، وكان قد عقد اجتماعًا مع رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد قبل بضعة أشهر، أي قبل أن ينتقل المنصب إلى الأخير.
وتابع التقرير أن لدى الشيخ رأيًا ثابتًا، مثله مثل عباس، بأنه يتعين الحفاظ على السلطة الفلسطينية بأي ثمن، والحيلولة دون انهيارها، إذ تعد في حد ذاتها الإنجاز الوطني الأهم على الساحة الفلسطينية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتعد بالنسبة لمنظمة التحرير، كيانًا سياسيًا مؤقتًا تمهيدًا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وذهب المحلل السياسي الإسرائيلي "يوني بن مناحم"، وفقًا لما أورده الموقع، إلى أن الأمريكيين "منحوا الشرعية للشيخ، حين دعوه لزيارة واشنطن، كممثل رسمي للسلطة الفلسطينية، هناك حيث أجرى محادثات سياسية وأمنية لم تجرِ الولايات المتحدة مثلها مع أي مسؤول فلسطيني منذ 5 سنوات". وعبَّر عن اعتقاده بأن الأمريكيين "أرادوا معرفة إذا كان الشيخ مؤهلًا بالفعل لخلافة عباس، وجاءت الدعوة لفهم هذا الأمر عن قرب".
ويذكر بالحقيقة أن هناك العديد من التحليلات للمحلل السياسي "يوني بن مناحيم" خاصة فيما يخص خلافة الرئيس محمود عباس وجميعها تحمل تناقضات والهدف منها تغذية الصراعات الداخلية بين أجنحة فتح وإحداث الفتنة، وتأجيج للصراعات الداخلية الفلسطينية.
ويشير بن مناحم في تحليله إلى رغبة واشنطن في إعادة النظام بشكل عاجل إلى الضفة الغربية، وقال إن وجهة نظر الشيخ التي عرضها في واشنطن، تنص على ضرورة الضغط على "إسرائيل" لمنع قواتها من التوغل إلى مراكز المدن ومخيمات اللاجئين بالضفة الغربية، وبالتحديد المناطق التي تندرج تحت المنطقة (أ) تلك الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو.
تناسى بن مناحيم أن يذكر في تقريره توصية "الاستخبارات-الشاباك" الإسرائيلي وهي قبل زيارة الشيخ " حيث أوصى "الشاباك" الإسرائيلي، أن تبدأ المنظومة الأمنية الإسرائيلية وجيش الاحتلال بفرض إغلاق على مدن شمال الضفة الغربية، مع التركيز على محافظة جنين قبل أن يخرج الوضع الأمني عن السيطرة، وفقاً لما أفادت به قناة "كان" العبرية.
وقال الصحفي الإسرائيلي "إيتاي بلومنتال": "إن الشاباك أوصى بفرض حصار باسم (التنفس) على المدن التي لا يوجد فيها إرهاب واضح من أجل التمييز بين النشطاء الإرهابيين والسكان الأبرياء". على حد تعبيره!
وكانت مصادر عبرية قد ذكرت أن مناقشات تدور بين مسئولين إسرائيليين بعضهم يعارضون مواصلة اقتحام مناطق شمال الضفة بهدف الاعتقالات الأمر الذي يؤدي لحصول اشتباكات مسلحة تخلف إصابات أو شهداء أو مواجهات، وآخرون يؤيدون هذه الاقتحامات الإرهابية العدوانية التي أصبحت شبه يومية.
كان رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أهارون هاليفا"، قد قال إن "حدوث انتفاضة ثالثة شعبية واسعة وعنيفة سيناريو محتمل للغاية". وأشار إلى أن "الجيل الفلسطيني الناشيء الجديد هو الأخطر بالنسبة ل"إسرائيل"، حيث يمارسون مقاومة عنيفة ويتم تشغيلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكل هذا يخلق أجواء متفجرة للغاية بحيث يمكنهم بسهولة الضغط على الزناد". على حد قوله ؟؟؟
أمام كل محاولات التضليل الإعلامي وإثارة الفتنة، والعبث الإسرائيلي في الساحة الداخلية الفلسطينية بما يتعلق بموضوع ما بعد الرئيس محمود عباس وطرح الأسماء بهدف إثارة الصراعات وحرف بوصلة الشعب الفلسطيني عن أولوية الصراع، نرى أنه على الشعب الفلسطيني أن يرفع صوته عاليًا بالقول: لن نكون قطيع من الأغنام، لفرض الوصاية على شعبنا الفلسطيني لأن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق والشرعية لاختيار من يمثله، وشرعية الاختيار حددها القانون الأساس الفلسطيني في المادة (2 ) وهو أن الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساس.
والمادة الخامسة من القانون الأساس نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخابا مباشرا من قبل الشعب وتكون الحكومة مسئوله أمام الرئيس والمجلس التشريعي
فالاختيار للرئيس القادم للسلطة بعد الرئيس محمود عباس أطال الله في عمره هو الشعب صاحب الشرعية في الاختيار (بالقانون أو بالتوافق الوطني الشامل) وليس فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني من الأصابع العابثة من الداخل أو الخارج لفرض الخيار عليه فرضًا وجبرًا وقسرا وهذا لن يكون ولن يمر. فالشعب الحر والمرابط والثابت فوق أرضه سيصوب انحرافات المنحرفين الداخليين حتى داخل الفصائل إن وجدوا، وبالتالي لن يفقد البوصلة أبدًا ففلسطين وتحريرها هي البوصلة وكما كان يردّد الراحل الخالد ياسر عرفات يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لمنتصرون.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت