قد تسهم خيبة أمل المواطنين الفلسطينيين إزاء السياسة في تحديد نتائج الانتخابات المقررة الأسبوع المقبل في إسرائيل، والتي يسعى من خلالها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى العودة للسلطة بعد عام واحد فقط من انضمام حزب عربي إلى الحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى.
وفي ظل استطلاعات رأي تظهر أن الزعيم الإسرائيلي السابق ما زال غير واثق من الحصول على الأغلبية، يمكن للأحزاب العربية أن تساعد في تشكيل التكتل المناهض لنتنياهو وتحديد شكل الحكومة إذا كان الإقبال بين الناخبين الفلسطينيين عاليا بما يكفي.
ولكن قبل أقل من أسبوع من الانتخابات المقررة في أول نوفمبر تشرين الثاني، أظهرت بعض استطلاعات الرأي أن نسبة المشاركة بين الناخبين الفلسطينيين قد تنخفض إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وأظهر أحد الاستطلاعات أن 42 بالمئة فقط من المؤكد أن يدلوا بأصواتهم.
وفي الوقت نفسه، تشير استطلاعات أخرى إلى أن نسبة المشاركة الفلسطينية قد ترتفع بشكل طفيف من 44.6 بالمئة العام الماضي إلى ما يصل إلى 50 بالمئة، ولكنها ما زالت أقل بكثير من نسبة التصويت العامة في إسرائيل والتي بلغت 67.4 بالمئة في انتخابات العام الماضي.
ويشكل العرب في إسرائيل نحو 20 بالمئة من السكان البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة ومعظمهم أبناء الفلسطينيين الذين ظلوا داخل إسرائيل بعد تأسيسها في أعقاب حرب عام 1948. ولطالما دارت نقاشات بشأن تمثيلهم في السياسة الإسرائيلية، والموازنة بين تراثهم الفلسطيني وجنسيتهم الإسرائيلية.
ويُعرّف البعض منهم أنفسهم على أنهم فلسطينيون، على الرغم من جنسيتهم الإسرائيلية، بينما يفضل البعض الآخر أن يُطلقوا على أنفسهم اسم عرب إسرائيل، لأنهم يريدون التأكيد على المساواة في الحقوق مع اليهود الإسرائيليين.
ومع بقاء احتمال إنشاء دولة فلسطينية مستقلة بعيدا مثلما كان الأمر دائما، أدى بزوغ نجم القائمة العربية الموحدة، المعروفة اختصارا باسمها بالعبرية (راعام)، إلى تغيير مسار النقاشات في السياسة العربية الإسرائيلية.
وفاز الحزب العربي المسلم بأربعة مقاعد في البرلمان الإسرائيلي المؤلف من 120 عضوا في انتخابات العام الماضي، وخالف التقاليد بانضمامه إلى حكومة ائتلافية واسعة.
وتخلى الحزب عن الخطاب القومي، وركز بدلا من ذلك على مكافحة الجريمة المنظمة والعمل على تحسين التخطيط والبنية التحتية في المناطق العربية، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى أنها تأتي على رأس أولويات المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
ووفقا ليوسف مقلدة، مؤسس ومدير معهد أبحاث ستات نت، أتت مقامرة القائمة العربية الموحدة بالانضمام إلى الحكومة ثمارها. وأظهرت استطلاعات أجراها المعهد أن أكثر من 70 بالمئة من الناخبين الفلسطينيين المؤهلين أصبحوا يؤيدون الآن مشاركة حزب عربي في ائتلاف حكومي، بغض النظر عما إذا كانوا يعتزمون التصويت من عدمه.
ويقول كرامي عامر، وهو مهندس كهرباء يبلغ من العمر 47 عاما ويقيم في كفر قاسم الواقعة في وسط إسرائيل على حدود الضفة الغربية المحتلة، إنه سيصوت لصالح القائمة العربية الموحدة.
ويضيف "هذا الخط (القائمة العربية الموحدة) عايش الواقع ويجتهد ويجدد الطرق والأساليب على أساس أن يثبت أهله ويثبت ناسه ويقدم في مجتمعه".
ولكن حتى بعد إيجاد مكان لهم على طاولة الحكم، يقول كثير من الفلسطينيين في إسرائيل إنهم فقدوا الأمل في قدرتهم على إحداث تغيير باعتبارهم أقلية عربية في دولة يهودية.
وأشار مقلدة إلى أن العبارة الأكثر تكرارا خلال مقابلات أجراها معهده مع 200 مواطن فلسطيني في إسرائيل كانت "نحنا نصوت على الفاضي".
وستكون الانتخابات المقرر الثلاثاء القادم هي الخامسة في إسرائيل في أقل من أربع سنوات.
وأظهر تقرير صادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في 2021 وجود فجوات اجتماعية واقتصادية كبيرة بين المواطنين اليهود والعرب، ومنهم أيضا المجتمع الدرزي الصغير في الشمال والمجتمعات البدوية التي تعيش بشكل أساسي في الجنوب. وذكر التقرير أن معدل الفقر بين العرب ما زال أعلى بثلاثة أمثال من اليهود.
* العائلات مقسمة
أثارت تكتيكات القائمة العربية انتقادات بعض الناخبين العرب، لا سيما لتجنبها القضية الفلسطينية الأوسع، وهي حصار إسرائيل لغزة واحتلالها للضفة الغربية، التي تظهر استطلاعات الرأي أنها تحتل مرتبة متدنية في قائمة مخاوف الناخبين اليهود.
وحتى داخل العائلة الواحدة أصبحت هناك انقسامات في بعض الأحيان.
ويقول رامي عامر (43 عاما) وهو صاحب مطعم وشقيق كرامي "هذا التنازل هو اللي بدها إياه دولة إسرائيل"، في إشارة إلى قرار القائمة العربية الموحدة بالانضمام إلى الحكومة.
ويضيف "مرة بكينا نحكي عن دولتين لشعبين. اليوم منحكي على أن نعيش بأمن وأمان، نعيش بكرامة، نحافظ على الأرض. طلعي قديش سياسة الدولة صغرت مطالبنا".
وفي مقابلة إذاعية في الآونة الأخيرة، قال زعيم القائمة العربية الموحدة منصور عباس إنه يريد إنشاء دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، ولكنه يؤمن بأن أفضل خدمة يتم تقديمها للمجتمع العربي في إسرائيل هي انضمام الحزب إلى الائتلاف الحاكم القادم.
وتقاطع مجموعة صغيرة نسبيا من الناخبين الفلسطينيين في إسرائيل الانتخابات العامة منذ سنوات. ووفقا لمقلدة، يبلغ عددهم 12 بالمئة من الناخبين الفلسطينيين الذين يملكون حق التصويت.
وتؤكد حملة مقاطعة لانتخابات الثلاثاء القادم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن إسرائيل تستغل مشاركتهم لإظهار نفسها كدولة ديمقراطية والتغطية على سياساتها القمعية.
وفي خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، وصف رئيس الوزراء المنتمي إلى تيار الوسط يائير لابيد إسرائيل بأنها "ديمقراطية ليبرالية قوية" يتمتع فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون بحقوق مدنية متساوية.
وقال محمد خلايلة، الباحث في شؤون المجتمع العربي في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، إن الأحداث الأخيرة ربما أثنت بعض الفلسطينيين عن المشاركة.
وأوضح أنه منذ مايو أيار 2021، عندما أثارت مواجهات استمرت 11 يوما مع حماس في غزة اضطرابات في ما يسمى بالمدن المختلطة بين اليهود والعرب في إسرائيل، ازداد ارتباط المواطنين العرب بالفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.
وأضاف أن انهيار القائمة المشتركة، وهو تحالف من أحزاب يقودها العرب تشكل عام 2015، أضعف الآمال في مواجهة ما يعتبره بعض المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل سياسات عنصرية، مشيرين إلى قانون الدولة القومية لعام 2018 والذي ينص على أن اليهود فقط هم من يملكون الحق في تقرير المصير في البلاد.
وقال خلايلة إن التغييرات في المنطقة حولت أيضا أولويات المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
وأوضح أنه مع إقامة بعض الدول العربية في الآونة الأخيرة علاقات مع إسرائيل وعدم وضع إنهاء الاحتلال شرطا لعلاقات سلمية، تحول نظر بعض الناخبين العرب إلى الداخل، وأعادوا تركيز انتباههم على القضايا اليومية، وهو أمر قد يفسر صعود القائمة العربية الموحدة.
وإذا تراجعت نسبة المشاركة الفلسطينية إلى مستويات قياسية منخفضة، فإن الأحزاب الثلاثة التي يقودها العرب قد لا تنجح في تجاوز حاجز 3.25 بالمئة اللازم لدخول البرلمان.
ومن شأن ذلك أن يترك الفلسطينيين في إسرائيل دون تمثيل في البرلمان بعد انتخابات قد تسفر عن تشكيل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل إذا ما شكل نتنياهو ائتلافا مع حزب القوة اليهودية.
وتقول أريج صباغ خوري، وهي محاضرة في علم الاجتماع السياسي بالجامعة العبرية في القدس "تخيلي البرلمان، الكنيست من غير عرب. (الانتخابات) رح تكون مفصلية حسب النتائج".