يقف الشاب خالد أبو الرب صامتا يحدق بعينيه حلم حياته وتعب سنين عمره ينهار بلحظة واحدة بعد هدم آليات إسرائيلية منزله المكون من طابقين في قرية جلبون شرق مدينة جنين شمال الضفة الغربية الأسبوع الماضي.
وبقى خالد أبو الرب (28 عاما) واقفا أمام مشهد هدم المنزل المكون من طابقين بمساحة 450 مترا مربعا وكأنه يعيد شريط سنوات تعبه في عملية بناء المنزل ليأويه وزوجته، حيث لم يمض على زواجهما نحو أسبوعين.
وأخطرت السلطات الإسرائيلية خالد أبو الرب بهدم منزله قبل نحو أربعة أشهر، مرة بحجة أن البناء يقع في المنطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وتارة أخرى بحجة قربه من الجدار المقام على أراضي القرية في عام 2002.
ويقول خالد أبو الرب بينما يقف على أنقاض منزله المدمر رغم امتلاكه أوراق ثبوتية بملكية الأرض لوكالة أنباء "شينخوا" إن السلطات الإسرائيلية انتظرت أشهر طويلة من انتهاء مرحلة البناء والتشطيب ودفع تكاليف باهظة تقدر بحوالي 150 ألف دولار لإخطاري بهدم المنزل.
ويضيف أن السلطات الإسرائيلية كانت ترى كل مرحلة وخطوة من عملية بناء المنزل وكان بإمكانها إبلاغي بذلك منذ البداية و"لكنها أرادت قتل حلمي وطموحي بالحياة أمام نظري".
وكان خالد أبو الرب قد شرع بإجراءات قانونية لمنع عملية الهدم، مشيرا إلى أن أحد المحامين الموكلين بقضيته أبلغه بأنه سيحصل على قرار بذلك ولكن الآليات استبقت تلك الخطوة بهدم المنزل الذي سوي بالأرض وأصبح كومة من الحجارة صباح الأربعاء الماضي.
ولساعات طويلة رفض الشاب العشريني الحديث أو التصوير مع جموع الصحفيين الذين وصلوا لتغطية الحدث كونه "لا يستوعب ما حدث وأن أشهر طويلة من البناء والتعب أصبح من الماضي".
وبحسب تقرير صدر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في منظمة التحرير الفلسطينية الأسبوع الماضي، إن إسرائيل هدمت 43 مبنى ومنشأة تجارية في الضفة وشرق القدس في أكتوبر الماضي بحجة البناء دون ترخيص.
ويشكو الفلسطينيون من صعوبة الحصول على تراخيص للبناء في مناطق (ج) من الضفة الغربية وشرق القدس، بسبب ما يصفوها بشروط "تعجيزية" تضعها إسرائيل لذلك.
وعادة ما تبرر السلطات الإسرائيلية عمليات الهدم أو المصادرة لمبان فلسطينية بأنها تقام من دون الحصول على الترخيص اللازم، فيما يقول الفلسطينيون إن ذلك يتم لصالح التوسع الاستيطاني.
وعلى مقربة من منزل خالد أبو الرب هدمت ذات الآليات الإسرائيلية منزل سكني مأهول قائم منذ سنوات بمساحة 120 مترا يعود للفلسطيني أمير أبو سيف بحجة البناء دون ترخيص.
وتفاجأ أمير أبو سيف الذي كان يتواجد في عمله بطلاء وتشطيب المنزل صباح الأربعاء الماضي باتصال من قبل ضابط إسرائيلي يخبره بقدوم آليات لهدم منزله.
ويقول أمير أبو سيف بينما بدا عليه علامات الحزن والغضب لـ"شينخوا"، إنه اضطر لترك عمله والعودة مسرعا إلى المنزل لإيقاظ زوجته وطفلته من النوم وإخراج الأثاث والمقتنيات بعد منحه مهلة لمدة 10 دقائق فقط.
ويسكن أمير أبو سيف في منزله منذ نحو 6 سنوات وأقامه دون أن يتلقى إخطارا أو يسلم منع بالبناء وتركته السلطات الإسرائيلية حتى استقر داخله لتأتي وتنفذ عملية الهدم بصورة فجائية.
ويقول إن السلطات الإسرائيلية تراقب كل كبيرة وصغيرة قرب الجدار المقام حول القرية وكانت تشاهد عملية بناء المنزل خطوة بخطوة وبقت صامتة حتى الانتهاء والسكن فيه لتأتي وتدمره في دقائق.
وأخطرت السلطات الإسرائيلية سبعة منازل في القرية بحجة إقامتها في مناطق مصنفة (ج) إلا أن الأهالي يؤكدون أن السبب الرئيسي وراء عمليات الهدم هو الجدار المقام على أراضيهم.
ويخشى السكان من التضييق عليهم بعد هذا الهدم وخنق النمو الطبيعي في القرية، علما أنها محاطة بثلاث مستوطنات من ثلاث جهات باستثناء الجهة الغربية وهذا ما يزيد من العبء على المواطنين في عمليات البناء والتوسع.
وسبق أن أقامت إسرائيل الجدار على أراضي سكان القرية البالغ عددهم نحو 3000 نسمة ما يعني مصادرة نحو 1500 دونم (الدونم يعادل 1000 متر مربع) من أراضيها وأقيم على بعد عشرات الأمتار فقط من منازل بعض المواطنين.
وتقسم الضفة الغربية وبلدات في شرق القدس حسب اتفاق ((أوسلو)) للسلام المرحلي الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993، إلى ثلاث مناطق الأولى (أ) وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة والثانية (ب) وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية، والثالثة (ج) وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.
ويقول إبراهيم أبو الرب رئيس مجلس قروي القرية لـ"شينخوا"، إن السلطات الإسرائيلية أخطرت 7 منازل بوقف البناء إلى جانب عمليات الهدم التي تمت بينما ترفض إسرائيل منح التراخيص لهذه المنازل.
ويضيف أن سكان المنازل يحصلون على أوراق ترخيص من البلدية ولكن إسرائيل لا تأخذ بها، لافتا إلى أن المواطن الفلسطيني بحاجة إلى فتح ملف لدى الجانب الإسرائيلي في مقر الارتباط العسكري غرب جنين.
ويتابع أن المواطن فور فتحه الملف يتم استصدار قرار بالهدم من قبل السلطات الإسرائيلية، بمعنى أنهم يخطرون بهدم منزله بحجة البناء دون ترخيص ويمنعون استصدار تلك التراخيص بشكل متعمد.
ويشير إبراهيم أبو الرب إلى وجود حالة من القلق والخوف تنتاب سكان القرية من البناء على أراضيهم خشية من أن تتعرض للهدم من قبل السلطات الإسرائيلية.
وهدمت السلطات الإسرائيلية حتى منتصف العام الجاري ما مجموعه 300 مبنى في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية بحجة البناء دون ترخيص، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية.
وأكد تقرير صدر عن المكتب في يونيو الماضي صعوبة حصول الفلسطينيين على مثل هذه التصاريح نظرا لسياسة التضييق التي تتبعها السلطات الإسرائيلية في القدس ومناطق (ج) التي تتحكم إسرائيل في البناء فيها.
وقال التقرير إن السلطات الإسرائيلية تعمل على تكريس الأراضي والحيز المتاح للبناء في القدس ومناطق (ج) لصالح التوسع الاستيطاني المنافي للقانون الدولي، واصفا الوضع في الضفة بأنه "صعب وتواجه العائلات والتجمعات الفلسطينية بيئة قسرية".
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في العام 1967 وأقامت عليها المستوطنات، التي تعتبر مخالفة للقانون الدولي، ويعد الاستيطان الإسرائيلي من أبرز ملفات الخلاف بين الفلسطينيين وإسرائيل في ظل توقف مفاوضات السلام بينهما منذ العام 2014.