- المحامي علي ابوحبله
خلال بضعة ايام سقط عدد من الشهداء على ايدي قوات الاحتلال لمجرد الاشتباه وتحت مبرر القتل لمجرد القتل والتعطش لاستباحة الدم الفلسطيني واخر تلك الجرائم ظهور مقاطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي توثق إعدام شاب فلسطيني بدمٍ بارد في حوارة قضاء نابلس. وقد عم الغضب الشارع الفلسطيني لمشهد الإعدام في حوارة_نابلس بدم بارد ويعكس الوجه الحقيقي للاحتلال الذي يمارس السادية دون أي رادع من المجتمع الدولي.
ثمة تأصيل «شرعي» لإبادة العرب الفلسطينيين مستقر في الثقافة الاسرائيلية، يتعين الانتباه اليه وصرف بعض الجهد لتسليط الضوء عليه، و بصرف النظر عما اذا كان حقيقيا أو مكذوبا ، صحيح ان ثمة تعتيما على الفتاوى الاسرائيلية بشأن ابادة الآخر، الاغيار، في مصطلحهم، الا انه بقليل من الجهد يمكن الحصول على نصوص تلك الفتاوى ، خصوصا ان أغلبها ينشر على الملأ في الصحف العبرية .
أن متابعة تلك الفتاوى العدوانية والاستعلائية هي بوسع كل أحد، اذا أراد بطبيعة الحال ان يطلع عليها ليكتشف حقيقة العقليه الصهيونيه واذا عدنا الى اوائل القرن الواحد والعشرين فقد ، نشرت وسائل الاعلام الاسرائيلية في 7 /9 نص رسالة وجهها كبار الحاخامات الى رئيس الحكومة ارييل شارون ، حثوه فيها على عدم التردد في المس بالمدنيين الفلسطينيين خلال المواجهات المندلعة في الأراضي المحتلة، وجاء في الفتوى التي وقعها الحاخامات المسؤولون عن المدارس الدينية ، وفي المقدمة منهم الحاخام دوف لينور، رئيس حاخامات المستوطنات، ما نصه : «نحن الموقعون ادناه، ندعو الحكومة الاسرائيلية والجيش الاسرائيلي الى العمل حسب مبدأ، من يقم لقتلك ، سارع الى قتله» . وأضافت الرسالة: «لا وجود في العالم لحرب يمكن فيها التمييز بشكل مطلق، بين المدنيين والجيش، لم يحدث ذلك في الحربين العالميتين، ولا في حرب الولايات المتحدة في العراق، وحرب روسيا في الشيشان، ولا في حروب اسرائيل ضد اعدائها ، قومية تحارب قومية ، قومية تنتصر على قومية »، على حد تعبير الرسالة . وأردف الحاخامات : «والسؤال المطروح أمامنا هو هل نحارب العدو من خلال هجوم يقتل خلاله مدنيون من صفوفه، أو نمتنع عن الحرب بسبب المدنيين فنخاطر بذلك بالمدنيين لدينا؟ الجواب على السؤال نجده ببساطة لدى الحاخام عكيفا، الذي قال : حياتنا أولى».
واعتبر الحاخامات ان هذا ما دأب عليه ملوك اسرائيل على مر التاريخ ، مضيفين هكذا تصرف شعب اسرائيل منذ ايام النبي موسى ، الذي حارب أهل مدين ، وهكذا تصرف بفتاح الجلعادي ، شاؤول، داوود ، وكل قادة اسرائيل على مر العصور ، وهكذا تصرفت دولة اسرائيل في حرب الأيام الستة، وهكذا هو المتعامل به في القانون الدولي، لا حاجة ولا فائدة من انتظار المهاجم حتى يبدأ هجومه ، بل يجب استباقه ومنعه من تنفيذ مآربه . وحذر الحاخامات مما سموه التقليد النصراني في التعامل في النزاعات القائل «ادر خدك الثانية »، وفي اشارة الى نشطاء السلام الاسرائيليين قال البيان «لن نتأثر بمن بلغوا الدرك الأسفل منطقيا واخلاقيا من خلال تفضيلهم لحياة الاعداء على حياتنا».
هذا الكلام ليس بجديد ومستجد والقتل لمجرد القتل له اصولا في الثقافة التوراتية ، وهذا ما أكده اسرائيل شاحاك، الناشط الاسرائيلي المعروف في مجال حقوق الانسان، حين قال في دراسة له عن « الترانسفير اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وطردهم في العقيدة الصهيونية». ان تدقيق النظر في السلوك الموصوف في التوراة تجاه غير اليهود أو غير الاسرائيليين المقيمين على أرض اسرائيل يكشف عن جانب مثير في الخطاب التوارتي، يتمثل في عدد المرات التي يذكر فيها ان الله نفسه يأمر اطفال اسرائيل بعدم ترك ولو واحد غير يهودي حيا على أرض اسرائيل، بل يأمر بإبادة غير اليهود ، وبالفعل ـ والكلام لا يزال له نصا ـ فإن الفرض المقدس فوق كل الفروض، القاضي بإبادة أي شعب غير يهودي يعيش على الأرض المقدسة، يسيطر بدرجة فائقة على التاريخ التوراتي .. حتى ان الترانسفير يعد عند الشخص المشبع بالمفاهيم التوراتية كحل انساني الى حد كبير.
المثل الأكثر نموذجية الذي دلل به شاحاك على رؤيته هو تلك الوصية الواردة في سفر التثنية ، وفيها ان سيدنا موسى أصدر تعليمات قضت بأنه في حالة المدن البعيدة التي لا تقبل الخضوع والتي انتصر عليها ابناء اسرائيل ، فانه فقط جميع ذكورها اي الراشدين، سيتم قتلهم ، وتستبعد النساء والأطفال ( 10 ـ 15)، وباسم الخالد، نبه موسى بمهابة الى أن هذا التسامح لن يسري علي أرض اسرائيل نفسها : وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريما ( الآصحاح 16 ـ 17) وتتبعها قائمة بالشعوب المطلوب ابادتها كليا كما أمرك الرب إلهك.
وكذلك يبدأ الاصحاح 7 من سفر التثنية بما يلي : متى أتى بك الرب إلهك الى الأرض التي أنت داخل اليها لتمتلكها وطرد شعوبا كثيرة من أمامك، الشعوب التي كانت تقطن البلاد ، ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم فإنك تحرمهم، لا تقطع لهم عهدا ولا تشفق عليهم ( الآصحاح 1 و 2) وهنا عدد لا يحصى من الفقرات المشابهة التي تختارها المدارس الاسرائيلية في كتبها لأسباب تاريخية وأدبية معروفة.
هناك أيضا عدد كبير من الآيات التي توصي بذبح الأطفال الصغار وإن كانوا من سجناء الحرب ، كما جاء في القصة الشهيرة التي لام فيها موسى بمهابة جيش اسرائيل، لأنه ترك الأطفال الذكور والنساء المتزوجات على قيد الحياة ، ثم ألقى بهذا الأمر : فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال .. ( سفر العدد الاصحاح 31، الآيات 13 ـ 18)، وفي الأسفار التالية : تتناول متقطفات عديدة موضوع الإبادة الجماعية ، حيث تظهر كفعل ومرض تماما ، وتقوي الانطباع بوجود أمر لإبادة الجنس .. بل ان بعض الأخصائيين الاسرائيليين من أكثر المتبحرين في التوراة والأكثر نفوذا ـ مثل يحزقيل كوفمان ـ يعتقدون ان عمليات الإبادة قد حدثت بالفعل ، ويبرهنون على وقوعها في عدة مؤلفات علمية.
أورد اسرائيل شاحاك نصوصا وشواهد أخرى عديدة أبرزت الفكرة التي سلط الضوء عليها ، وكان من بين الخلاصات التي انتهى اليها قوله انه بات من الصعب جدا أن نجد حاخاما اسرائيليا ذا وزن القى في يوم من الأيام كلمة توحي بالعدالة أو الرأفة تجاه العرب ، وهو أمر لا غرابة فيه، فإذا كانت الابادة هي الأصل ، فإن أي اشارة الى العدالة أو الرأفة تجاه غير الاسرائيليين تعد لغوا لا محل له.
هذه الخلفية تفسر العديد من فتاوى الحاخامات التي تستهين بحياة العرب وتتعامل معهم بازدراء شديد، في ذلك مثلا ان صحيفة «معاريف» نشرت في 16/6/2003 فتوى للحاخام دوف لينور رئيس لجنة حاخامي المستوطنين (يشع) ، قرر فيها حظر تبرع اليهود باعضائهم للاغيار ، لكنه اباح لهم عند الضرورة تلقي تبرعات مماثلة من أولئك الاغيار.
وأمام احتجاج رابطة تبرع الاعضاء في اسرائيل غير صاحبنا فتواه قليلا ، بحيث اباح لليهودي ان يتبرع بعضو لشخص يحتاج في حالة الضرورة وقال ان اليهود اذا ما امتنعوا عن التبرع للاغيار ، فإن هؤلاء الأخيرين لن يعطوهم شيئا بالتالي، وهذا قد يسهم في الاضرار باليهودي الذي قد يحتاج الي الحصول على عضو بديل ينقذ به حياته ، ومن ثم فإنه اعتبر ان السماح بتبرع اليهودي لأي واحد من الاغيار، هو في حقيقة الأمر احتياط هدفه تحقيق مصلحة اليهودي في أي فترة لاحقة، غدا أو بعد غد .
انطلاقا من الخلفية ذاتها نقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» في 5/7/2002 عن الزعيم الروحي لحزب «شاس» عودباديا يوسف قوله انه حتى يأتي المسيح المنقذ ، فإنه سيرسل كل العرب الى جهنم. واضاف في كلمة ألقاها : لماذا لا يفعل ارييل شارون ما يجب فعله؟ انه يخاف من شعوب العالم ، لكن المسيح المنقذ حين يأتي فإنه لن يخشى احدا ، وسيرسل كل هؤلاء العرب الى جهنم . والامر كذلك فليس مستغربا ان يصدر أحد الحاخامات ـ اسحاق غينزبرج ـ كتابا بعنوان «باروخ البطل» جاء تخليدا لاسم الدكتور باروخ غولد شتاين، الذي قام بعمل جليل ومجيد تمثل في قتل أكثر من عشرين عربيا أثناء ادائهم صلاة الفجر في الحرم الابراهيمي قبل سنوات قليلة ، فرفعه الاسرائيليون الى مرتبة القديسين، وجعلوا من قبره مزارا يتبركون به !
وهذا اليمين المتطرف الفاشي بقيادة ايتمار بن غفير وسومتيرش امتداد لفكر غولدشتاين وان عمليات القتل واستباحة الدم الفلسطيني هو انعكاس لفتاوى الحاخامات واستهتار بالقيم والاخلاق وخرق فاضح للقوانين والمواثيق الدوليه واستهتار بحياة الانسان الفلسطيني
ما جرى في حواره وما جرى في رام الله ونابلس وجنين هو انعكاس للعقليه والثقافه الصهيونيه التي تعكسها فتوى الحاخامات ونتيجتها تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين وسياسة الكيل بمكيالين
جريمة حواره والجرائم التي ترتكبها يوميا قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني تتطلب من محكمة الجنايات الدولية سرعة التحقيق بالمجازر والاستهتار بأرواح الشعب الفلسطيني الأعزل.
وتتطلب من الامين العام للامم المتحده غوتيرش الدعوه لعقد اجتماع طارئ لمجلس الامن وعلى جدول الاعمال سرعة تامين الحمايه الدوليه للشعب الفلسطيني من بطش وجرائم الاحتلال وفقا لما نصت عليه قوانين ومواثيق الامم المتحده
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت