- لقمان الشيخ
مشهد ضبابي يلتف حول ملف المصالحة الفلسطينية بعد شهرين من توقيع فتح وحماس على اتفاقية الجزائر، فيض من أسئلة لا تنتهي حول جدية هذا الاتفاق وأين وصلت مراحله من الخطة التنفيذية، على الرغم من لقاء بيروت الشكلي بين عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق، والتصريحات الإيجابية العامة حول الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام ، إلا أن الصلح الواقعي لم يبصر النور لحد الساعة، في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلي التوحد تحت قيادة واحدة وتحقيق المصالحة الحقيقية على أرض الواقع وتجديد الشرعيات لكل المؤسسات الفلسطينية على أسس الشراكة والوحدة الوطنية.
اختلافات جوهرية تعترض انهاء الصدع الداخلي للبيت الفلسطيني حالت دون تحقيق مصالحة شاملة، إذ تريد فتح أولاً إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لإنهاء الانقسام في السلطة، ثم بعد ذلك يمكن إجراء انتخابات في المنظمة على قاعدة الاعتراف بالشرعية الدولية، وهو الطلب القديم المتجدد الذي ترفضه حركتا حماس والجهاد الإسلامي والتي تسعى إلى إبقاء سيطرتها على القطاع مع دخول منظمة التحرير، وهي أحد المتطلبات التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب باعتبارها تلغي شرعية السلطة الفلسطينية وحقها في إدارة القطاع باعتباره جزء لا يتجزأ من فلسطين.
ومع استمرار هذه الخلافات أصبح الحديث عن المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس تقليد فلسطيني، يعاد طرحه بين الفترة والأخرى، مع كل جولة من جولات المصالحة المتجددة ، والمختلفة في شكلها الخارجي إلا أنها متشابهة في مضامينها، والتي كان اخرها قمة الجزائر التي جمعت الطرفين على مائدة مستديرة واحدة شملت حوارات ونقاشات قدمت من خلالها الرئاسة الجزائرية مخرجات عديدة لخصت في وثيقة واحدة أو يعرف بـ"إعلان الجزائر" إذ لم يبقى مجال للهروب من المصالحة باستثناء الحسابات الضيقة التي عرقلت التنفيذ النهائي لنص الصلح، والصعود إلى مستويات الدولة الموحدة خاصة بالنظر إلى الظروف الراهنة في فلسطين والتي تترجم واقع الانشقاق والتشتت هذا إن لم نقل الضياع بين وجهتين، استغل فيهما الطرف الثالث (الحكومة الإسرائيلية) هذه الحالة وكشر عن انيابه بصعود اليمين المتطرف والذي يعمل على بسط عقليته العنصرية الفاشية، وهو تطور كبير يستوجب وحدة فصائلية وقيادية لمواجهته، وبالرغم من خطورته على الأوضاع في فلسطين إلى أنه يمكن أن يقدم فرصة كبيرة لإزالة القناع عن الديمقراطية الزائفة التي تدعيها إسرائيل وظهور بغطاء الإرهاب الفاشي، هذا ما يستدعى الاسراع في لم الشمل داخل البيت الفلسطيني لمواجهة هذا الخطر الوجودي، خاصة مع توقيع الحكومة المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير لقرار يقضي بضم الكامل للمنطقة "سي" بالضفة الغربية مما يعني تقسيم وتشتيت الضفة وهنا لا يسعني إلا القول أن المسألة أصبحت مصيرية فإما أن يكون الشعب الفلسطيني نحت ظل سلطة واحدة أو لن يكون أبدا، وإذا كانت المصالحة الكاملة مستحيلة، فعلى الأقل لا بد من التوحّد الفوري لإفشال ما تسعى إليه هذه الحكومة وبرنامجها، أو على الأقل ادراج الأحزاب الفاشية المشاركة فيها على قائمة الإرهاب.
في ختام كل هذا لا بد من القول أن السلطة الفلسطينية تواجه الكثير من التحديات التي تستدعي أن تضع يدها بيد وحماس وجميع الفصائل الفلسطينية للنجاة وإلا فإن القارب سيغرق بالجميع، وعليه فإن السعي وراء المحافظة على الأراضي الفلسطينية بما فما فيها قطاع غزة المحاصر والوقوف في وجه الفاشية اليهودية ومدّ جسور الثقة وإقامة كل أشكال التنسيق والعمل المشترك والتكامل بين مختلف القوى والتجمعات الفلسطينية، أهم بكثير من الخلافات الإيديولوجية التي لن تجدي نفعا، والمطلوب الأن هو استغلال الاجتماع التنسيقي التي تنوي الجزائر عقده بين الفصائل الفلسطينية، نهاية الشهر الجاري، كفرصة لتحقيق ما لم يتحقق من قبل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت