- الكاتب والباحث: بهاء الدين الغول
مقدمة:
تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) الأم التي خرجت من رحمها السلطة الفلسطينية بناء على اتفاق المبادئ (أوسلو ١٩٩٣)، وهي في هذا السياق ذات ولاية محددة من حيث الوصاية الشعبية والسلطة التشريعية والمالية، غير أن الواقع قد تأثر بشكل كبير، خاصة بعد انهيار اتفاق التسوية وعدم استكمال نقاش "قضايا الحل النهائي"، ما فرض وجود سلطة ومنظمة في وقت واحد، وعدم التحول إلى مشروع "الدولة"، كما أن إعادة احتلال الضفة بعد عملية السور الواقي، حول "السلطة" إلى سلطة بلا سلطة، وكيان يخفف تكاليف الاحتلال ويلقي بالتكاليف المالية والإدارية على الفلسطينيين تحت الاحتلال، فما هي أبرز التوجهات لدى تيار السلطة للتعامل مع ازدواجية السلطة، وتعارض الوصاية، خاصة في ظل تغييب المجلس التشريعي وتعطيل الانتخابات؟
أولا: من يستبدل الآخر، السلطة أم المنظمة؟
- السلطة بديلا:
كتب عرفات حجازي عضو المجلس الوطني لـ (م.ت.ف) في جريدة الدستور الأردنية يوم 6/2/2006 أنه عندما انعقدت دورة 1996 قال له ياسر عرفات بكلّ جدية "إن هذا المجلس الوطني هو آخر المجالس الفلسطينية، وإنه لن ينعقد بعد اليوم في أي مكان"!![1]
يشير هذا التصريح بوضوح إلى انتهاء مرحلة المجلس الوطني الفلسطيني، وبالتالي (م.ت.ف) نفسها بنظر القيادة الفلسطينية متمثلة برئيس المنظمة في حينه، غير أن توجه السلطة عام 2012 إلى الأمم المتحدة لانتزاع تمثيل فلسطين تحت مسمى "دولة مراقب غير عضو"، يؤكد استبدال السلطة عمليا بالمنظمة.
وهو استبدال معنوي إلا أنه ناتج أيضا عن سياسات متصاعدة منذ تأسيس السلطة لإخضاع المنظمة، فقد أصبحت ذات إمكانيات عملية ومادية أكبر[2]، غير أن توجهات الاستبدال صارت أكثر وضوحا بعد القرار بقانون المؤرخ إصداره بتاريخ 2022/2/8، الذي اعتبر منظمة التحرير دائرة من دوائر "الدولة"[3].
- المنظمة بديلا:
وعلى الرغم من وجود حراك ملموس لاستبدال السلطة بالمنظمة، إلا أن التفكير لم يتوقف عن العكس من ذلك، حيث سمعنا الراحل د. صائب عريقات يتحدث عن اللجنة التنفيذية بصفتها "حكومة الشعب الفلسطيني"، وهو ما أشار إليه د. أحمد جميل عزم عضو مجلس إدارة مركز الأبحاث التابع لـ (م.ت.ف)، وعضو المجلس المركزي الفلسطيني، فهناك "طروحات أن تصبح اللجنة التنفيذية للمنظمة بديلا عن الحكومة الفلسطينية، وأن يصبح المجلس المركزي مكان المجلس التشريعي"، وهي أفكار يتم تداولها من قبل أعضاء في اللجنة التنفيذية، وأعضاء في المجلس المركزي، بل وصيغت على شكل أوراق عمل للنقاش، ونوقشت ووقعت كمقترحات في بعض الحالات"[4].
قد لا تكون هذه الأفكار قد تحولت إلى واقع، إلا أنها ما زالت تستخدم في إطار الالتفاف على مشروع الانتخابات الفلسطينية -التشريعية والرئاسية-، وقد اتضح هذا بحل المجلس التشريعي وإعادة تشكيل المجلس المركزي، في الدورة الـ31 لاجتماعات المجلس، التي جاءت تحت عنوان "تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية".
ثانيا: التشابك بين المؤسسات
- التشابك المالي:
على الرغم من أن الصندوق القومي الفلسطيني هو الدائرة المالية والإدارية والرقابية لمنظمة التحرير الفلسطينية[5]، إلا أن وزارة المالية الفلسطينية تدرج نفقاتها تحت بند "نفقات منظمة التحرير الفلسطينية"[6] في موازنة السلطة الفلسطينية، وهي نفقات باهظة قياسًا على الحضور الحقيقي لهذه المؤسسات في الشارع.
- التشابك الإداري:
تتشابك المنظمة والسلطة بشكل عميق في الملفات السياسية والإدارية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال أدى استحداث منصب وزير شؤون المفاوضات، وكذلك منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية بدلاً من منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي، إلى تهميش الدائرة السياسية للمنظمة، بل إن "قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني" يشير في مقدمته بوضوح إلى هذا التشابك، ويسميه "تكامل الأداء الفلسطيني وبخاصة بين الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية ووزارة الشؤون الخارجية في السلطة الوطنية الفلسطينية."[7]
كما أن المجلس المركزي لـ (م.ت.ف) تدخل بوضوح في بنية السلطة الفلسطينية، حيث لجأ محمود عباس إلى المجلس المركزي للمنظمة لتجديد ولايته[8]، وبالتالي فإن هذا التداخل البنيوي الذي لا يستند في كثير من الأحيان إلى القانون يشكل في حد ذاته أزمة للكيانين.
ثالثا: منطلقات الاستبدال في حالتيه
تشير الشواهد المذكورة إلى أن استخدام قادة السلطة والمنظمة لمشاريع الاستبدال يهدف إلى:
- حسم الصراع مع خصوم تيار السلطة وفي مقدمتهم "حماس والجبهات".
- إضفاء الشرعية على مؤسسات السلطة كوسيلة للتهرب من استحقاق الانتخابات.
- التلاعب ببيانات المال العام.
الخلاصة:
تبدو حالة التشابك بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية عميقة للغاية من حيث البنية المؤسسية والمالية، وبالنظر إلى وزارتي الخارجية والمالية، فإن هيمنة السلطة أكثر بروزا، وهو ما يعني أن السلطة بوضعها الحالي، استطاعت بالفعل تقليص أهمية منظمة التحرير وحضورها وطنيا، وسحب الصلاحيات والقرار الوطني منها، متأثرة بضعف شرعية هياكل المنظمة، واعتمادها بشكل أساسي على مزاجية محمود عباس وقراراته بعيدا عن الالتزام بالقوانين التي تنظم شؤون الكيانين؛ لذلك فإن من واجب الفلسطينيين جميعا العمل على حل أزمة التمثيل، ابتداء من حل إشكالية منظمة التحرير الفلسطينية، ووقف حالة الجمود والانتظار.
[1] محسن صالح، قراءة نقدية في تجربة المجلس الوطني الفلسطيني، الجزيرة نت، (11/6/2006)، انظر https://www.aljazeera.net/opinions/2006/6/11/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-2
[2] أحمد عزم، واقع منظمة التحرير الفلسطينية ومستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية، مركز مسارات، 2022، ص (٤)
[3] قرار بقانون: منظمة التحرير الفلسطينية دائرة من دوائر الدولة، منشور على موقع معا، بتاريخ 17/02/2022، انظر (https://www.maannews.net/news/2060961.html)
[4] أحمد عزم، مرجع سابق، واقع منظمة التحرير...
[5] الصندوق القومي الفلسطيني، منشور على موقع منظمة التحرير، انظر (http://www.plo.ps/category/91/1/)
[6] كم تبلغ نفقات منظمة التحرير الفلسطينية، منشور على موقع الاقتصادي، بتاريخ 11 نيسان 2016، انظر (https://www.aliqtisadi.ps/ar/article/16553/csr)
[7] قانون السلك الدبلوماسي، منشور على موقع وزارة الخارجية، انظر https://mofa.ps/ar/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A/
[8] عماد أبورحمة، المجلس الوطني الفلسطيني وإشكالية الشرعية، مركز مسارات، ص (٩) انظر https://www.masarat.ps/files/content_files/thlyl_wd_-_lmjls_lwtny_wtakl_lshry_-_md_bw_rhm.pdf
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت