- بقلم: ميساء أبو زيدان.
ضاجت الأوساط السياسية فور إعلان نتائج الكنيست داخل إسرائيل وخارجها، فسيطرة اليمين الكاهاني* على المشهد السياسي بهذه الأحجام يؤشر بالضرورة لمستقبل الكيان (استراتيتيجاته وسياساته وعلاقاته) ويوحي للمعنيين بملامح أزمات المنطقة القادمة، ما يدفعنا لاستحضار المناخ الذي ساد جمهورية فايمر الألمانية، عبر إجراء مقاربة بينه وبين المناخات التي رافقت دوامة الانتخابات الإسرائيلية منذ عام 2019 ، والتي ستُفضي بنا إلى نتيجة واحدة وهي تأصل اليمينية القومية المتطرفة بما يُهيّئ لتكوين "رايخ ثالث" صهيوني، سيفشل محاولات قادة الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بازل لإضفاء الطابع الديمقراطي والمدنية على الكيان الوظيفي الذي أفلتَ من عقال الغرب المستعمر.
ويبدو أن إسرائيل تشهد تأطيراً رسمياً للتيارات التوراتية العنصرية المتطرفة كحركتي كاخ وغوش إيمونيم، من خلال إعادة تشكيلها بقوالب شُرِّعتْ بمفاعيل الديمقراطية الإسرائيلية، رغم تناقض جوهر فكر هذه التيارات مع قيم الدولة الديمقراطية، فهو المدرسة التي نشأ فيها أعضاء الحكومة السادسة لنتياهو، حيث يتّخذ معظمهم من غولدشتاين قدوةً لهم، ويؤمنون بأن الترانسفير هو قاعدة لأي حل للصراع مع العرب وبكل وسائله، وقُدِّمت بحق العديد منهم لوائح اتهامات كرئيسها الذي لا زال يواجه تهم الفساد، وجميعهم يؤيدون (فقرة التغلب) كونهم يعتبرون المحكمة العليا "عدو لشعب إسرائيل"، ومجتمعين يقدمون اليهودية التوراتية المتشددة على أية معايير وطنية أو دولية.
وبينما تعصف التحديات بمكونات إسرائيل وعناصر مدنيتها المزعومة، تبرز أخرى بمستويات ثلاث (فلسطيني وعربي ودولي)، فعلى الصعيد الأول يجد الفلسطينييون أنفسهم أمام تجدد عصابات الصهيونية السالفة كالهاغانا وشتيرن والآرغون، ولكن بأردية مواكِبة تجلت بدهاء نتنياهو،وبرهنت على جوهر الفكر الصهيوني الذي لم يتبدل عبر عقود من الصراع. فها هو النزاع يحتدم بين المعسكرين العسكري- الأمني والسياسي- اليميني المتطرف، حول كيف تقود مؤسسات وأجهزة دولة الاحتلال عملية تطهير الأرض الفلسطينية وضم "يهودا والسامرة"، أي أن الجدل الدائر بينهما يتناول الكيفية لا جوهر السياسات.
بذات السياق؛ يظهر أن ما فرضه الاحتلال الإسرائيلي من وقائع منذ عام 1948 على أرض فلسطين وضد شعبها، مستثمراً التواطؤ الغربي المكوِّن الرئيس للإرادة الدولية، ستُجمله حكومة نتنياهو برؤيتها المُستَمَدّة من فكر قطبيها (الصهيونية الدينية وقوة يهودية) لتهويد كامل الأرض عبر برنامج الترانسفير التطهيري والذي ينطوي على كثير من المخاطر. العبء الجديد الذي سيقع على كاهل حركة "فتح" التي تقود مساري التحرر والبناء عبر منظمة التحرير الفلسطينية، خاصةً بظل مسعى اليمين الإسرائيلي المتطرف إسناد روايته التلمودية عبر مشروعٍ مقابل يمنحه المبررات أمام اليمين الشعبوي حول العالم، على أن تبعد حدوده (المشروع) عن يهودا والسامرة والقدس الموحدة! وعليه؛ فإن كل ما من شأنه تقويض إرادة الفلسطينيين الوطنية سيغدو هدفاً لحكومة نتنياهو، ولعل استحداث المسميات الجديدة لوزارات ومناصب فيها، لهو تجسيدٌ لما تم الاتفاق عليه بين نتنياهو وقاعدته الائتلافية، ويوحي بأن هذه الحكومة بصدد ارتكاب المزيد من جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، وعزلهم عن محيطهم وعالمهم.
أما على الصعيد العربي؛ فإن ما تؤسس له نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة يؤكد على أن التوجه العام في إسرائيل يستند لفكرة التطهير العنصري القائم على طرد العرب الفلسطينيين إلى "دول الجوار ليمارسوا قوميتهم فيها"، الحقيقة التي يتبعها فكرة إقامة الوطني القومي لإسرائيل والذي لا يكتفي بحدود فلسطين التاريخية. وإن أي حديث لهذه الحكومة عن السلام مع الجوار فهو حديثٌ قائم على مبدأ التفوق ومصالح إسرائيل التي باتت تحتكم لِمَن يتخذ من عبارة "الموت للعرب" شعاراً له، الحال الذي سينعكس بمزيدٍ من الأزمات على دول المنطقة وتحديداً دول الطوق وبالتالي غياب الاستقرار والأمن فيها. ما ينقلنا للمستوى الدولي حيث اجتهد الغرب بحل المسألة اليهودية خلال القرن المنصرم عبر استحداث "المسألة" الفلسطينية، ما يشير إلى تواطؤ غربي ساهم في جريمة التطهير العرقي التي ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني، سيّما وأن قرارات الشرعية الدولية لا تُلزِم إسرائيل.
لقد ثارت حفيظة الغرب عندما وصف الرئيس "محمود عباس" ما ارتكبته الصهيونية من مذابح ومجازر بأنها تجاوزت الخمسين محرقة، كونها في النتيجة أزهقت أرواح الأبرياء، أم أن العربي الفلسطيني لا وزن له بميزان الغرب! الذي ندعوه لقراءة معمقة في بنود الاتفاقات التي عُقِدت بين أطراف الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل، والتي تتفق في جوهرها على ممارسة ما هو أبشع مما اقترفه الرايخ الثالث ضد الإنسانية. رغم هذا كله سيستمر الفلسطيني في سرد روايته الحق، وسيغدو أحرار العالم أكثر مقدرةً بظل المتغيرات الدولية التي ستذهب بنا لعالم متعدد القطبية، وما انتصار فلسطين في الأمم المتحدة بالأمس إلا خير دليل على ذلك وبأنه القضايا العادلة لا بدّ وأن تنتصر.
*كاهاني: نسبةً لمائير كاهانا حاخام إسرائيلي ومؤسس حركة كاخ المتطرفة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت