- بقلم: طه خالد منصور
تحليلات وتوقعات وقراءات سياسية متعددة أعادها منطاد الصين الشارد فوق سماء أمريكا إلى الواجهة، ما بين رهانات على أنه عملية مقصودة لأغراض خفية، وأخرى تراه مجرد منطاد ظل طريقة ليدخل أجواء دولة تتخبط في خلافات لا منتهية مع الصين، هذا الشبح الذي كان بإمكانه أن يعيد مصطلح حروب النجوم، وحروب الفضاء من جديد، في وضعية تشابه الحرب الباردة حين كانت المناطيد والقمر الصناعي سبوتنيك السوفييتية تدق أجراس الإنذار لدى الأمريكيين.
التوتر في العلاقات الأمريكية الصينية عاد من جديد بين الفعل ورد الفعل حول المنطاد الذي حلق فوق رأس الأمريكيين لأيام، والذي اعتبرته واشنطن منذ الوهلة الأولى ذا أغراض تجسسية بالنظر إلى التوجّس الأمريكي الكبير من سياسات بكين، وخصوصا حين يتعلق الأمر بالجوسسة عبر المجال الجوي، أو عبر تقنيات الإنترنت الحديثة، ما يعيد بنا الذاكرة إلى حادثة تطبيق "تيك توك"، وكيف اعترفت شركة التطبيق الشهير، في كانون الأول/ديسمبر الماضي أنها استخدمت التطبيق للتجسس على مراسلين صحافيين أمريكيين، وأن المعلومات تلك وصلت إلى مقرات الشركة في الصين.
أصرت بكين على رواية يصعب تصديقها معطية تفسيرا أن المنطاد كان يستخدم لبحوث الطقس وخرج عن مساره، وهنا يمكن القول أن السبب رغم سخافته إلى أنه قد يكون صحيحا، فالصين لن تغامر بمنطاد تجسس وهي تعلم جيدا أنه في أي وقت يتم الكشف عن عملية تجسس تحصل الدولة المستهدفة على امتيازات، وكيف سيكون الأمر لو كانت تلك الدولة أمريكا!!. غير أن تحليق منطاد صيني فوق مواقع أميركية حساسة قد يكون له سبب آخر، فالتوقيت اللافت التي دخل فيه المنطاد خط الأزمة، والذي تزامن مع عشية زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين بعد قطيعة لسنوات، حيث كانت اخر زيارة لوزير خارجية أمريكي للصين سنة ،2018 والرهانات الكبيرة التي كانت معلقة على تلك الزيارة على رأسها تحسين العلاقات بين البلدين، غير أنها أجلت لوقت غير معلوم، وهو ما فتح باب الشك فيما إذا كان المنطاد الصيني يهدف إلى تأجيل الزيارة بشكل غير مباشر.
إلغاء زيارة بلينكن يضاف إلى التوترات المتصاعدة بين القوتين العظميين، في وقت تتزايد فيه السياسات الحساسة بين القادة الديمقراطيين والجمهوريين الذين يرغب كل منهما في أن ينظر إليه على أنه متشدد بما يكفي حيال الصين. في وقت لا تبدي فيه هذه الأخيرة أية بوادر ملموسة لتحسين علاقاتها مع أمريكا، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من عدم اليقين في العلاقات الثنائية المتوترة بالفعل خلال الأشهر القادمة.
لم تكن زيارة بلينكن وحدها السبب في تفاقم أزمة المنطاد، فحتى استِخدام القُوّة وليس الدبلوماسيّة في التّعاطي مع هذا الاختِراق ومن الرئيس الأمريكي شخصيًّا، أدى بشكل مباشر إلى المزيد من سوء التقدير والتعامل مع المشاكل بطرق لا ترقى إلى مستوى خفض التوتر، غير أن الرد الصيني على إسقاط هذا المِنطاد باستِخدامِ القُوّة غير معروف لغاية اللحظة، ولكنّ الأمر شبه المُؤكد أن رد الصين سيكون بإحدى الطرق التي اعتادت عليها كزيادة التنسيق بدرجة أكبر مع الحليف الروسي في الحرب الأوكرانيّة، أو بشكل مشابه لرد أمريكا بإسقاط أيّ طائرة، أو سفينة أمريكية تخترق الأجواء أو المِياه الإقليميّة الصينيّة في خليج تايوان أو بحر الصين، وهو ما قد يزيد من حدة التوترات بين بكين وواشنطن.
واقعة المنطاد ليست أول الخلافات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فلدى البلدين ما يكفي من الأسباب لتصعيد النزاع بينهما، على رأسها موضوع تايوان، وكذلك الدعم الصيني لروسيا وإيران وكوريا الشمالية، غير أنه لا يمكن انكار أن هذه الحادثة أدخلت العلاقات الأمريكية الصينية، منعطفا جديدا، وأيا ما تكن تبعات عملية إسقاط المنطاد، فإن الجهود الأخيرة التي بذلت لتفادي صدام مباشر واشنطن وبكين، لن تكون قادرة على تفاديه في حال ما اذا واصل احدى الطرفين استفزاز الآخر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت