إبراهيم أبراش
الكيان الصهيوني بالغ في إرهابه وسياساته العنصرية لدرجة استفزت حتى الدول والشعوب الغربية التي كانت دائماً تنظر لهذا الكيان كواحة للديمقراطية تحيط بها دول وشعوب همجية تريد القضاء عليها، كما كانت تعتقد أن دولة الكيان دولة مسالمة والفلسطينيون والعرب معادون للسلام وهدفهم القضاء على دولة اليهود.
جاءت الممارسات الصهيونية وخصوصاً في ظل الحكومة الأخيرة التي يقودها الثلاثي العنصري نتنياهو وبن غفير وسموتريتش لتكشف زيف الرواية الإسرائيلية وتؤكد أن هذا الكيان ليس فقط استعماري غير شرعي بل ويمارس سياسة الأبارتهايد التي اعتقد العالم أنه قضى عليها بعد القضاء على النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وتؤكد هذه الممارسات أن هذا الكيان هو مصدر الإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم وهو معاد للسلام حيث تنكر لكل الاتفاقات التي وقعها مع الفلسطينيين للتوصل لحل عادل كما أنه يتنكر لقرارات الشرعية الدولية ويرفض تنفيذ مئات القرارات والتوصيات الدولية، كما أن مد دول عربية يدها للسلام وتطبيع علاقاتها معه والتزام القيادة الفلسطينية بنهج التسوية السياسية كل ذلك قابلته دولة الكيان الاستعماري العنصري بمزيد من التطرف والعنصرية والإرهاب.
العنصرية ليست بحالة مستجدة في الكيان الصهيوني بل هي متأصلة في العقيدة الصهيونية بل وفي نصوص توراتية يستمد منها ويستلهمها أحزاب اليمين في ممارساتهم، فما كتبه أحبار اليهود عن هذه الديانة وجمعوها في كتب دينية أصبحت مرجعية ليهود العالم يوظفونها لخدمة المشروع الاستعماري الصهيوني- وهي مرجعية عنصرية لأنها تقوم على مقولتي "وعد الرب" و"شعب الله المختار" و هاتان المقولتان تتناقضان ليس فقط مع الفهم الصحيح للديانات السماوية التي ينبني وجودها على أن الله رب العالمين لا يمكنه أن يفرق بين الشعوب أو تفضيل شعباً على شعب آخر بل تتناقض مع العقل والقوانين التي تحكم الشعوب المتحضرة وخصوصاً القانون الدولي الإنساني، لأن الزعم بأن شعباً أفضل من بقية الشعوب هو نفسه المبدأ الذي تقوم عليه العنصرية والفاشية والنازية.
عنصرية هذا الكيان دفعت مبكراً الأمم المتحدة عام 1975 لاتخاذ قرار باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، و تراجعت عن القرار عام 1992 عندما تعهدت إسرائيل بالدخول بالتسوية السياسية والانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، إلا أن تراجع الجمعية العامة عن قرارها/ توصيتها لم يؤثر كثيراً على المواقف الدولية التي تدين العنصرية التي تمارسها دولة الكيان، وكان أقوى اتهام وإدانة للعنصرية الإسرائيلية هو الصادر عن لقاء دوربان في جنوب إفريقيا 2/9/2002 للمنظمات غير الحكومية، حيث صدر بيان باسم ثلاث آلاف منظمة غير حكومية من كل قارات العالم يعتبر أن إسرائيل: "دولة عنصرية ترتكب بطريقة منظمة جرائم ضد الإنسانية وتمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني" ودعا البيان إلى "وقف فوري للجرائم العنصرية التي ترتكبها إسرائيل بانتظام ومنها جرائم حرب وأعمال إبادة وتطهير عرقي وإرهاب دولة بحق الشعب الفلسطيني".
وفي أبريل 2021 اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المدافعة عن حقوق الإنسان ومقرها نيويورك في تقرير لها إسرائيل بارتكاب "جريمتين ضد الإنسانية" عبر إتباعها سياسة "الفصل العنصري" والاضطهاد" بحق عرب إسرائيل والفلسطينيين، نفس الموقف اتخذته منظمة أمنستي لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة حيث اتهمت إسرائيل بممارسة الابارتهايد.
في تقرير لمنظمة العفو الدولية في الأول من فبراير 2022 يحمل عنوان الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين جاء فيه أنه: "نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية كما أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية تشكل كلها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي. ويتم الحفاظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات التي تَبَيّن لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلاً عنصرياً وجريمة ضد الإنسانية كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري)".
كما أن العنصرية تكمن في جوهر مطالبة دولة الكيان باعتراف الفلسطينيين والعالم بـ (يهودية الدولة) وهو الشرط الذي وضعته دولة الكيان العنصري كأحد الشروط لقبولها بخطة خارطة الطريق عام 2002، والحكومة الحالية شرعت قوانين كما طرحت مشاريع قوانين على الكنيست تؤكد على يهودية الدولة من خلال التمييز في المعاملات بين اليهود وغير اليهود.
من المهم تثمين مواقف كنائس وجامعات ومنظمات حقوقية دولية ومؤسسات مجتمع مدني وكافة التحركات الدولية والفلسطينية لوصف الكيان الصهيوني بأنه عنصري، ولكن يجب الحذر من أن يؤدي ذلك لتغيير طبيعة وأصل الصراع ، فهذا الكيان استعماري استيطاني، وإن كان الاحتلال تعبيراً فجاً ومكثفاً عن العنصرية إلا أنه من الخطورة تحويل الصراع من صراع ضد الاحتلال إلى صراع ضد عنصرية دولة اسرائيل فقط، كما أن أدوات وأهداف النضال ضد الاحتلال تختلف عن أدوات وأهداف النضال ضد العنصرية. تحويل الصراع الى صراع ضد العنصرية يمكن حله بتعديل قوانين (الدولة) أما النضال ضد الاحتلال فهدفه إنهاء دولة الاحتلال ولهذا أدواته النضالية الوطنية والدولية التي تتجاوز تعديل القوانين الداخلية للدولة.
النضال الوطني الفلسطيني كما الرواية الفلسطينية يحتاجان لاستراتيجية متعددة المسارات لكن دون القطع أو التناقض بين مسار وآخر، ويكفي الاختلاطات والتداخلات التي تجرى، ما بين الحقوق المستمدة من الشرعية التاريخية وتلك المستمدة من الشرعية الدولية، والخلط بين السلام ومشاريع التسوية السياسية، وبين حالة التحرر الوطني ومرحلة السلطة وبناء مؤسسات الدولة قبل الاستقلال، و الخلط والتداخل بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية والدولة الموعودة، وأخيراً بين النضال ضد عنصرية الكيان الصهيوني والتي تصلح في حالة فلسطينيي الداخل، والنضال من أجل الحرية والاستقلال والعودة والذي يخص كل الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والشتات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت