- فاضل المناصفة
في أي انتخابات يتم إجراؤها بنزاهة، سيتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى هزيمة انتخابية، كانت تلك مقدمة لمقال طويل خصصه موقع بوليتيكو الأمريكي للحديث عن حظوظ أردوغان في السباق الرئاسي والذي تراه بوليتيكو ضئيلا لأسباب عديدة منها وجود تحالف سباعي ملتف على المرشح الأبرز كمال كيليجداروغلو، وسوء إدارة كارثة الزلزال والتي كشفت خفاياها فسادا كبيرا في قوانين ورخص البناء وسوء تخطيط حضري أدى الى تدخل العامل البشري في مضاعفة فاتورة الكارثة الطبيعية،
لا شيء قد حسم بعد ولا وجود لمؤشرات قوية تؤكد صدق كلام بوليتيكو: لاتزال حظوظ أردوغان في الحفاظ على كرسي الرئاسة وفيرة خاصة وأن استطلاعات الرأي التي جاءت بعد كارثة الزلزال أتت لتؤكد بأن القاعدة الشعبية للرجل لم تتأثر بتبعات سوء إدارة الأزمة وهو ما أكدته شركة متروبول المتخصصة في الاستطلاعات في بداية شهر مارس، لا ننسى أيضا أن هجوم إسطنبول الأخير كان له وقع إيجابي على شعبية الرئيس بعد نجاح الأجهزة الأمنية في الإيقاع بالمنفذين في ظرف وجيز وتعاملها مع الخطر خارج حدود تركيا كان يكتسب نوعا من القبول والارتياح في أوساط الشارع التركي، وحتى فيما ما يخص السياسة الخارجية فالأتراك شعروا بفخر لرؤية تركيا تقود دور الوساطة في صفقة الحبوب وتؤثر بشكل إيجابي في الحرب الدائرة في أوكرانيا لدرجة أنه تم اعتبارها الرابح الأكبر دولياً، في لعبها دور الوسيط بين موسكو وكييف.
كل هذا حصل في الماضي القريب، اما إذا تحدثنا عن الماضي البعيد فيمكننا القول إن انقلاب 2016 كان له الفضل الكبير في ترسيخ صورة أردوغان في الأذهان كحامي الديمقراطية وحامي البلاد من عودة حكم العسكر الذي ينبذه الأتراك، ولكن في الحقيقة لقد ساهم هذا الحدث في تقويض حرية التعبير بشكل كبير بعد اغلاق مئات الصحف والمواقع الالكترونية المعارضة وهو ما عاد بالمنفعة على أردوغان، بعد أن أصبحت السلطة الرابعة محاصرة بل وسيلة تدعم نظام الحكم وتذهب في اتجاه الرأي الواحد وهو ما يعني أن المشهد الإعلامي في تركيا بعد2016 أصبح خاضعا لسلطة أردوغان ولا يمكن لإعلام المعارضة أن يوازيه .
خلال السنوات الأخيرة عمل أردوغان على تصحيح أخطاء السياسة الخارجية بما يتماشى مع المرحلة الحساسة التي مر ويمر بها العالم بعد الجائحة، وكان لهذا التحول في السياسات الخارجية لتركيا نتائج ملموسة على الشق الاقتصادي فبعد التقارب مع أبو ظبي وقّعت تركيا والإمارات العربية المتحدة اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة ستصل بالتبادلات التجارية الى 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة وهو رقم معتبر يعد إنجازا للديبلوماسية الاقتصادية يسجل مع دولة واحدة، وحتى في تقاربه مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاوز أردوغان مسألة الخلاف السياسي مع تل أبيب لتحقيق مكاسب اقتصادية و بلغ إجمالي حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل حوالي 8 مليارات دولار أمريكي في عام 2021 حيث تم تسجيل هذا الرقم كأعلى حجم تجاري في تاريخ البلدين. وفقًا لبيانات معهد الاحصائيات التركي، واستقطبت تركيا بعد إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل أزيد من نصف مليون سائح إسرائيلي في عام 2022، وبفضل التقارب مع مصر ارتفعت الصادرات التركية الى أزيد من 3 مليارات دولارات خلال عام 2022 وهي مرشحة للارتفاع في ظل الأجواء السياسية الإيجابية بين البلدين، كما شكل الانفتاح على السعودية طفرة نوعية في حجم المبادلات التجارية بين البلدين ووصل حجم الاستثمارات السعودية في تركيا الى 18 مليار دولار وهو رقم مرشح الى أن يتضاعف الى 3 مرات بحسب ما جاء به منتدى الأعمال والاستثمار التركي السعودي الذي انعقد في أواخر سنة 2022 ، كل هذه الأرقام وغيرها تعكس مدى نجاح الديبلوماسية الجديدة التي اعتمدها أردوغان في تحقيق مكاسب لاقتصاد بلاده وهي منطق الإنجازات الذي يستميل الناخبين أكثر من أي شيء آخر .
من خلال هذه الأرقام الاقتصادية المحققة سابقا والاغراءات بالزيادات في الأجور وخفض تعرفة الكهرباء في حال فوزه بالانتخابات يبدوا أردوغان في رواق جيد للفوز بعهدة جديدة، ويبقى الشيء الوحيد الذي يمتلكه كيليجداروغلو هو استمالة الراغبين في التغيير، خاصة وأن أردوغان ونظامه عمّرا طويلا في المشهد السياسي التركي، ولكن الخبرة السياسية والقدرة على الاقناع ببرنامج اقتصادي قوي تعد أحد الأوراق المؤثرة في نتائج الانتخابات التي يفتقدها كيليجداروغلو على الرغم من حصوله على تفويض الاجماع ولكن وفي خضم هذا العالم المليء بالفوضى التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي، فان لغة التحالفات والبرامج السياسية الجديدة لا تعني شيئا أمام لغة الأرقام والاقتصاد بالنسبة للناخب التركي الذي يرى أن الخبرة والحنكة السياسية ضرورية لمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، بل انها مطلوبة اكثر من أي وقت مضى، وهو ما يدفعنا للقول بأن الحسم في نتائج الانتخابات سيكون حسما مبنيا على لغة الاقتصاد لا على لغة الخطاب السياسي .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت