- *كتب: المحامي محمد احمد الروسان*
- *عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الاردنية*
هل ستكون أذربيجان أوكرانيا ثانية ولكن ضد طهران؟.
ثالوث الشر الأمريكي وتحريك القوقاز ضد روسيّا.
الى حد ما، جبهة الخليج إزاء ايران، تم وقفها وعرقلتها وتجميدها ولا نقول شطبها، بفعل مفاعيل وتفاعلات، الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، والذي يتراوح في وصفه بين: أنّه حدث تكتيكي أم حدث استراتيجي؟.
وهنا وعبر تفاهمات سابقة، ومحادثات سريّة، ومنذ فترة طويلة، ها هو الرئيس الأذري الهام علييف، يقدم البديل الجبهوي الميداني، للكيان الصهيوني كخيار، لجعل بلاده منصّة عدوان إزاء ايران، ووجدت أمريكا والناتو وإسرائيل عبر أذربيجان، فرصة ذهبية لاحت لها، في أفق الانسداد في الخيارات والاستعصاء العسكري، لتحريك جغرافيا القوقاز القاتلة، عبر ألاعيبها وخدعها، ضد الثلاثي الروسي والصيني، وخاصة ايران الجارة الجنوبية لباكو.
في الماضي القريب، العديد من العمليات الإرهابية، حصلت في ايران، والفاعل الموساد ومن داخل الأرضي الأذرية، حيث النشاط المخابراتي الإسرائيلي في عروق جغرافيا أذربيجان في أوجه، لا بل ومن الناحية العملياتية، الكيان الصهيوني يسيطر على قرار باكو الداخلي، ولا سيما في السياسات الخارجية.
هذا وقد تناست باكو، أنّ فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، تدخل لصالح باكو، عندما تقدمت أرمينيا في الحرب الأولى، وقائد فيلق القدس الحالي، شارك شخصيا بالقتال لصالح باكو.
من جهة مختلفة: تحالف(باكو، أنقرة، تل أبيب)مكّن أذربيجان، من ربح الحرب الأخيرة عام 2020 م بدعم إسرائيلي، وعبر مقاتلين من داعش، الذين دخلوا أولاً إقليم كراباخ، وايران حتى اللحظة لم تقدم على أي خطوة قويّة إزاء باكو، وتنتظر دور موسكو في فرملة أو عرقلة الاندفاعة الأذربيجانية، مع الكيان الصهيوني ضد ايران، وقد بحث وزير الخارجية الإيراني هذا الملف، في زيارته الأخيرة لموسكو ومع المخابرات الروسية، وأكد حسين أمير عبد لهيان، أنّ ايران ترفض كافة التغيرات الجيوسياسية في جنوب القوقاز.
بالمناسبة يا سادتي القرّاء: الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان، هو الذي يقود مسألة اعادة احياء تحالف القومية التركستانية، التي تشمل المسلمين السنه والشيعة، والمتهودين الخزر، الأشكناز، والسفارديم، انطلاقا من تركستان الشرقية في الصين، وحتى دولة الكيان الصهيوني.
من هنا كان التحالف الأذري التركي الإسرائيلي، في الهجوم عبر الحرب الأخيرة، على أرمينيا عام 2020 م، وتحقيقه انتصارات ضخمه عاجله .
وفي المعلومات، تسعى العاصمة الأذرية باكو، بدعم أمريكي إسرائيلي ومن الناتو والغرب، الى قطع أنابيب الغاز الإيرانية، التي تمر في القوقاز الجنوبي، لا بل قطع أي تواصل إيراني مع أرمينيا وما بعد أرمينيا.
وفي ظل وجود سلّة المصالح المتخادمة والمتقاربة، لإيران وروسيا في القوقاز، فهل تتحرك موسكو باتجاه موقف جديد، يراعي المصالح الثنائية المشتركة هناك؟ بحيث يكون موقفها مختلف كما كان في الحرب الأخيرة عام 2020 م.
روسيّا لا تريد حضوراً اسرائيلياً وازناً، في باكو والقوقاز الجنوبي والقوقاز الشمالي أيضاً، لأنّه في النهاية، هو حضور أمريكي نيتوي بالدرجة الأولى، حيث هذا الكيان الصهيوني المتهالك الان، يقوم بدور البروكسي لأمريكا، في تلك الجغرافيا القاتلة والهامة.
باكو تعمّق علاقاتها وباندفاع مع الكيان الصهيوني، وهي دولة إسلامية تقول عن نفسها وجاره لدولة إسلامية أخرى، على حساب دول الجوار الأذري، وهذا خطأ قاتل له ما بعده يا باكو، وان استمر الهام علييف في التفكير القاتل في مواجهة ايران، فسوف يكون على شاكلة زيلنسكي، لكن ليس ضد روسيّا، بل ضد ايران الجاره المسلمة، حيث ثالوث الشر الأمريكي الإسرائيلي الغربي، يسعى جاهداً، الى تحويل أذربيجان الى أوكرانيا ثانيةً، لكن ضد ايران وليس ضد روسيا على الأقل مرحلياً، وفي النهاية يسعى الناتو الى ضم أذربيجان وجورجيا اليه، عبر تحريك هنا وهناك، لإثارة الفوضى لتعم الحروب في القوقاز الجنوبي والقوقاز الشمالي.
وقد تم بحث كل ما ذكر سابقاً، عبر وزير الخارجية الإيراني في موسكو، في زيارته الأخيرة، بجانب أنّه بحث خيارات ايران اتجاه أي تحركات مثيرة في القوقاز، وموسكو غير راضية عن تصرفات الهام علييف، رغم غضبها من رئيس الوزراء الأرمني.
وثمة سؤال: أي موقف لتركيا من اللعب والعبث الإسرائيلي مع باكو في جغرافيا القوقاز القاتلة؟.
حيث أذربيجان تتمتع بموقع استراتيجي ممتاز، وتوظيف ذلك لغايات العبث تحديداً بإيران، عبر إسرائيل ودعم خلفي أمريكي مفيد جداً، من خلال تعزيز وتوطيد خطوط العلاقات الأدرية الإسرائيلية، وهذا ما يجري الآن، وبكل صفاقة سياسية نادرة وذات عمق.
أذربيجان الساحة الإسلاميّة الخلفيّة لإسرائيل لضرب إيران، هكذا يراد لها عبر ثالوث الشر الأمريكي الغربي الإسرائيلي، والموساد افتتح ممثليّةً في باكو منذ سنيين، وأقام مطارين هناك، وستنطلَق الطائرات لتدمير النوويّ الإيراني عند الخيار صفر مثلاً منهما، وتعد أذربيجان، أكبر حليف إسلامي للكيان الصهيوني المتهالك والمتلاشي، يبيع النفط له، مُقابِل الأسلحة وموطئ قدمٍ للكيان في عروق ساحات ومساحات القوقاز.
تتحدث المعلومات: أنّ عشرات الرحلات الجويّة تنطلق من أحد المطارات الإسرائيليّة متوجهةً إلى العاصمة الآذريّة، باكو، وهي محملة بأطنان من العتاد العسكريّ، الذي يُباع للدولة الإسلاميّة الصديقة الأولى، للكيان الصهيوني بالعالم الإسلاميّ، حيث إسرائيل تبيع لأذربيجان أسلحةً بقيمة مليارات الدولارات، وبالمُقابِل تحصل على النفط، وأيضًا تكون قريبةً جدًا من إيران، وتضع في المكان موطئ قدمٍ، لافتةً في ذات الوقت، إلى أنّه في الآونة الأخيرة وحالياً، شهدت العلاقات الآذريّة توترًا، مع إيران ومع أرمينيا.
وفي المعلومات التي تم تقاطعها مع أكثر من مصد مطلع وحافل، فإنّ أذربيجان سمحت لجهاز الاستخبارات الخارجيّة الإسرائيليّ(الموساد)فتح ممثليّة له في العاصمة باكو، بهدف التجسس على إيران، كما أنّها سمحت لإسرائيل بإنشاء مطارٍ على أراضيها، سيتّم استخدامه في حال قامت إسرائيل بشنّ هجومٍ عسكريّ، لتدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ.
ومن المعروف لمجتمع المخابرات الإقليمي والدولي، أنّ الموساد الإسرائيليّ، الذي سرق قبل أكثر من سنتين ونصف الأرشيف النوويّ الإيرانيّ، قام بنقله إلى أذربيجان اولاً وبمساعدة من المخابرات الآذرية، مع اخطار أمريكا لاحقاً بذلك، ومن هناك – من باكو إلى الكيان الصهيوني.
والرئيس الأذربيجانيّ إلهام علييف، عيَّن سفيرًا لبلاده لدى إسرائيل من أشهر، بعد 30 عامًا من العلاقات الثنائية، وذلك وسط توتر متصاعد بين أذربيجان وإيران الجارة الكبرى من جهة الجنوب.
ووقّع علييف مرسومًا رئاسيًا في حينه، بتعيين مختار محمدوف، حيث شغل مناصب في وزارتي الخارجية والتعليم، ليكون أول سفير لأذربيجان لدى إسرائيل، مع العلم أن الكيان الصهيوني له، سفارة في العاصمة الأذربيجانية باكو منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، وكانت داعمًا عسكريًا مهما لأذربيجان في السنوات الأخيرة، كما أيدت باكو دبلوماسيًا في نزاعها مع أرمينيا، حول إقليم ناغورني قره باغ.
وتقول المعلومات: أنّ باكو تزود إسرائيل بنحو 40 بالمائة من وارداتها النفطية، وقد أشاد كلٌّ من الرئيس علييف ورئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، بقوة العلاقات بين الجانبين.
وفي ظلّ التوتر بين أذربيجان وإيران بسبب علاقات باكو مع إسرائيل، أقر البرلمان الأذربيجانيّ في تشرين الثاني(نوفمبر) الماضي، قانونًا يُمهِّد الطريق لفتح أول سفارة للدولة في إسرائيل، وسيكون مقرها في تل أبيب، وهذا ما تم مؤخراً، وشاهدنا وزير الخارجية الصهيوني، في لقائه مع السفير الأذري يقول: أن إسرائيل وأذربيجان جبهة واحدة، ولم تعلّق باكو على ذلك، بل وجهت اتهامات ضد ايران، وعلى لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الأذرية، بعد ان طالبت طهران بتوضيحات من باكو، على تصريحات كوهين بحضور مختار حمدوف سفيرها، ويبدو أن باكو تدعم ضمنياً ما قاله كوهين لحمدوف، في حفل افتتاح السفارة الأذرية في تل أبيب – تل الربيع المحتلة.
السلطات الإيرانية اتهمت وعلى لسان وزير خارجيتها، إسرائيل قبل عام، بإنشاء وجود عسكري في أذربيجان، وإقامة تحالف سري معها، لغايات العبث في ايران، ورفضت باكو تلك المزاعم، لكن إيران نظمت تدريبات عسكرية واسعة النطاق على طول حدودها مع أذربيجان، وردّ علييف بالتقاط صور له مع طائراتٍ مسيّرة انتحارية إسرائيلية تصنع في أذربيجان.
وتعد أذربيجان واحدة من الدول القليلة، ذات الأغلبية المسلمة، التي تعترف بإسرائيل بشكل كامل، وتطبع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة اليهودية، حتى أنه قيل إنّه لا يوجد بلد في أوراسيا، تربطه علاقات أوثق أوْ أكثر دفئًا مع إسرائيل من أذربيجان، وقد ذهب العديد من خبراء السياسة الخارجية أبعد من ذلك ليشمل العالم، عندما وصفت أذربيجان بأنها أقرب شريك إسلامي لإسرائيل.
وتتويجًا لهذه العلاقات الدبلوماسية، أدركت الحكومة الإسرائيلية، أهميّة التعاون مع هذا البلد المسلم، الذي تقع على حدوده الجنوبية إيران، في المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية، وهرولت نحو نفط أذربيجان وغازها، حتى أصبحت تحصل على ثلثي نفطها المستهلك من هذا البلد، ما يعادل 40 بالمائة من نفط أذربيجان المصدّر للخارج، وتوسّعت التجارة بين البلدين، نحو مجالات اقتصادية عدة، كالزراعة والتكنولوجيا والتعاون العسكري والمخابراتي، فبلغت قيمة التجارة السنوية بين البلدين نحو 4.5 مليار أهمها صناعة النفط والغاز.
وبالنتيجة من زاوية أذربيجان، أخذت باكو بالنهم من الأسلحة الإسرائيليّة، حتى أصبحت أحد أكبر أسواقها، فخلال العامين الأخيريْن اشترت باكو أسلحة إسرائيلية بقيمة 385 مليون دولار، وفي العام 2016م كانت أذربيجان ثاني أكبر متلقٍ للأسلحة الإسرائيلية، والثالثة في العام 2017 م.
أعمدة ظلال كارتلات مفاصل وتمفصلات الحكم الأمريكي، وعبر الإدارات الأمريكية المختلفة، من جمهوري الى ديمقراطي، وديمقراطي بأجندة جمهورية، كحال إدارة جو بايدن الحالية، مع جمهوري بأجندة ديمقراطية، عندما بدأت بالهندسة والعمل، على خلق وتخليق "الداعشية" العسكرية كهدف وأجندة ووسيلة فوق استراتيجية، عبر توجيه أسباب انتاج ظروف بيئتها في المنطقة الشرق الأوسطية، بجانب مناطق وساحات ومساحات القوقاز، عملت على خلق وتخليق "الداعشية" الثقافية والفكرية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية والقضائية، وجلّ المتعدد من الأخيرة، ضرورة لاستمرارية الأولى في فعلها وتفاعلاتها ومفاعيلها، والإرهاب الخيار الاستراتيجي لنواة الدولة الأمريكية، كون الاقتصاد الأمريكي، اقتصاد حرب وحروب عبر الجيش الأمريكي، الذي لا يستريح بالمطلق، دفاعاً عن الدولار فقط، وقيمته كعملة أممية، والادارة الأمريكية كحكومة بلوتوقراطية في الداخل الأمريكي حكومة الأثرياء، هي صدى حيوي للمجمّع الصناعي الحربي الأمريكي، والشركات المتعددة الجنسيات، كذراع فاعل، وهي التي تمارس فن الأقناع بالإرهاب، بالمعنى الرأسي، وبالمعنى العرضي، ان لجهة الداخل الأمريكي، وان لجهة الخارج الأمريكي.
في السياسة الكونية، تعتبر لندن وواشنطن بأنهما قوّة بحرية، أمّا روسيّا والصين والهند وحتّى ألمانيا قوّة بريّة، والهدف الرئيس للندن وواشنطن من الحرب العالمية الأولى والثانية، كان السيطرة على كافة الطرق البحرية في العالم، وعلى الشواطئ البريّة القريبة من هذه الطرق، وقد نجحتا في ذلك لفترات زمنية محدودة، فمشروع الناتو الذي كان من أهدافه الانتشار في آسيا، وشق القوى العظمى فشل فشلاً ذريعاً، فمثلاً أفغانستان التي أريد لها أن تكون المحطة الأولى لهذا المشروع في نهايات العام 2014 م، ها هي، تخرج من السيطرة الأمريكية، وتدخل ضمن نطاق التأثير الروسي الصيني الايراني، وهي خرجت فعلاً، بعد إعادة التموضع الأمريكي في شبه القارة الهندية وأفغانستان، وقدوم جلّ القوّات هناك الى الأردن، وانتشارها في ستة عشرة قاعدة عسكرية أمريكية، في عروق الجغرافيا الأردنية، عبر اتفاقية الدفاع الأمريكية الأردنية المشتركة، ومنظمة شانغهاي المعادل العسكري للناتو، بدأت بالمناورات المبكرة من أجل ذلك، قد تتبعها مناورات بالأسلحة الاستراتيجية لجلّ دول البريكس، المعادل المدني والعسكري للاتحاد الأوروبي.
الشرق الأوسط يشكل قلب الحروب الاستراتيجية الدولية، وروسيّا تعلم وتعي أنّ القاعدة وجلّ مشتقاتها ومجتمعات الدواعش والزواحف والقوارض، تخضع للحماية الأمريكية، وتشكلت في مصانع الاستخبارات الأمريكية، لمواجهة الفدرالية الروسية والصين وايران، لذا وقّع الرئيس الروسي مؤخراً، على مفهوم عقيدة جديدة للسياسة الخارجية الروسية - تعتبر فيه أمريكا أكبر تهديد يواجه العالم، وهي المحرك الرئيس للسياسة المعادية لروسيا – هو مفهوم جديد، على وقع تداعيات وعقابيل المواجهة الروسية الأطلسية.
بلا شك ليس في صالح الفدرالية الروسية، اندلاع حرب في مناطق القوقاز الجنوبي، أو الابقاء على حالة من عدم الاستقرار هناك، كما تريد أمريكا والناتو والغرب واسرائيل، بفعل مفاعيل وتفاعلات الأزمة الأوكرانية وعقابيلها أممياً، واستخدام تركيا كمغفر متقدم للناتو، وجلّ حلف تآخي اللصوص لشيطنة الخصوم والمنافسين، في عروق تلك الجغرافيا القوقازيّة القاتلة والهامة، وأنّ بؤرة الصراع الأرميني الاذربيجاني(اقليم كاراباخ)مثلاً، بجانب العملية العسكرية التصحيحية الروسية الموضوعية الضرورية الحالية في الداخل الأوكراني، والذي يعج بالنازيين الجدد والراديكاليين من القوميين الأوكران، ويجري العمل على عولمتها أمريكيّاً وبريطانياً واسرائلياً ونيتويّاً، وجلّ ساحات أوروبا القارة العجوز المتصابية، كرد من الردود الأنجلوسكسونية على الفدرالية الروسية ودخولها الموضوعي والضروري، في عمق جغرافية أوكرانيا منذ أكثر من عام، وضم مناطق عبر استفتاءات شعبية قويّة – فهل من أحد منّا ذكراً وأنثى، يكره الضم، وما أدراك ما الضم؟... انّه صورة عشق يتألم بحسيس جمر، وما تزال تهدد بتزايد التوتر على خطوط العلاقات الأمريكية الروسيّة الغربية، على النحو الذي يهدد بالمزيد، من التدويل وتنشيط مفاعيل الاستقطابات العالمية والدولية، ومزيد من عسكرة خيوطها، وحالات اسهال عسكري مفرط، وخير مثال المسألة الأوكرانية بتشعباتها وعقابيلها – انّها لعنة كوسوفو وتستمر، وهذا الثالثوث الأمريكي الغربي الإسرائيلي، يريد أن تكون أذربيجان، أوكرانيا ثانيةً، بنسخة متقدمة، ولكن ليس ضد روسيّا، وانما ضد ايران.
لا شك أنّ متغير الأهمية الجيوستراتيجية، الذي يقوم على اعتبارات أهمية المكان في الصراعات، بحيث ينظر الجغرافيون إلى العالم، باعتباره يتكون من قارات وبحار ومحيطات، وينظر السياسيون إلى العالم، باعتباره يتكون من دول وتكتلات ومنظمات، وهكذا كلما تعددت الاختصاصات تعددت بالمقابل الرؤية إلى العالم، وفي هذا الصدد نقول: ينظر خبراء الصراعات والنزاعات إلى العالم، باعتباره يتكون من مناطق هادئة، سهلة الانقياد، ومناطق ساخنة مضطربة صعبة الانقياد.
حاولت جميع وسائل الاعلام العالمية بما فيها الرقمية والسوشيال ميديا، وصحف العالم المقروءة والمسموعة تقديم خارطة العالم، على أساس اعتبارات مناطق الصراع والهدوء، وسنحاول وبشكل مختلف أنّ نشتبك بهذه الجزئية: وفقاً لمتغير الأهمية الجيوبولوتيكية، الذي يقوم على اعتبارات معايرة وزن القوة الكلية، ولمتغير الأهمية الجيوستراتيجية الذي يقوم على اعتبارات أهمية المكان في الصراعات.
تتكون منطقة القوقاز من منطقتين فرعيتين هما: القوقاز الشمالي: وتطلق عليه تسمية منطقة عبر القوقاز، وتضم جمهوريات الاتحاد الروسي: داغستان، الشيشان، أنغوشيا، أوسيتيا الشمالية، كاباردينو بلغاريا، أدايجيا، شركيسيا.
والقوقاز الجنوبي: ويضم ثلاث دول هي جورجيا، أذربيجان، أرمينيا، إضافة إلى إقليم أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، وتالي الموجودة، ضمن الأراضي الجورجية، إضافة إلى إقليم ناغورنو – كرباخ الموجود في أذربيجان، وإقليم تاخشيفان الموجود في أرمينيا.
تتميز منطقة القوقاز الشمالي بوجود الحركات الإسلامية السنية المسلحة التي تطالب بالانفصال عن روسيا، وتكوين دول مستقلة على غرار دول آسيا الوسطى ومنطقة البلطيق، ومنطقة القوقاز الجنوبي التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي، وكذلك تتميز منطقة القوقاز الجنوبي، بوجود الصراعات الداخلية وتزايد قيام الأطراف الثالثة، بتفعيل تدخلاتها الهادفة والطامحة، إلى تعزيز حلفائها المحليين كبروكسي عميل مزدوج، بما يتيح استخدام هذه المنطقة في المخطط الجيو- ستراتيجي الهادف لحصار روسيّا، بعد الدخول العسكري في عروق جلّ الجغرافيا الأوكرانية.
في القوقاز الشمالي: تحاول السلطات الروسية فرض سيطرتها الشديدة على مناطق القوقاز الشمالي، باستخدام شتى السبل، ومنها إغراء مناطق القوقاز الشمالي بالمزيد من المزايا الجديدة سواء عن طريق دعم التنمية أو إعطائها قدراً أكبر من الاستقلال الذاتي الإقليمي، إضافة لذلك فقد لجأت موسكو إلى توطيد وتعزيز قدراتها بنشر المزيد من الفرق العسكرية الروسية في مناطق القوقاز الشمالي.
في القوقاز الجنوبي: يدور صراع دبلوماسي – أمني بين موسكو وواشنطن لجهة السيطرة على الترتيبات الإقليمية، وفي هذا الاتجاه نلاحظ قيام تركيا بالدور الرئيسي الهادف لضبط التفاعلات الإقليمية في منطقة القوقاز الجنوبي، وهو دور تحاول روسيا التأثير عليه، بما يؤدي إلى عدم حصول واشنطن على المزايا عبر تركيا كمغفر متقدم لها في تلك المنطقة، وتحاول واشنطن التأثير عليه لجهة عدم إتاحة الفرصة لتغلغل موسكو في تركيا، وتحاول أنقرة أيضاً استخدامه كوسيلة لفرض شروطها على موسكو وواشنطن، وذلك بما يتيح لأنقرة فرض نفوذها الإقليمي على كامل القوقاز.
وإضافة لذلك، فقد انتقلت تداعيات عدوى صراع موسكو – واشنطن على خلفيات الحرب الجورجية – الروسية عام 2008 م، وكذلك عدوى صراع موسكو – الناتو على خلفيات الحرب الروسية – الأوكرانية الحالية، بجانب خلفيات اشعال الحروب وتسخين بؤر الصراع بين فترة وأخرى في عروق جغرافية القوقاز الجنوبي(قرّه باغ نموذج)، بحيث انتقلت تداعيات ذلك باتجاه الشمال الشرقي، وتحديداً إلى المناطق الآتية:
منطقة البحر الأسود: الذي أصبح ساحة لدبلوماسية البوارج بين قطع الأسطول البحري الروسي وقطع الأسطول البحري الأمريكي وغيره، وخاصة بعد ضم القرم الى الفدرالية الروسية، وكذلك بفعل عدوى صراع موسكو – الناتو على خلفيات الحرب الروسية – الأوكرانية الحالية، وتقول المعلومات، بأن الصراع قد تجاوز البحر الأسود وجزيرة القرم، وعمق الساحة السياسية الأوكرانية وكارتلات حكمها من النازيين الجدد والفاشست، الى الحد الشرقي للناتو وكل ساحات أوروبا، مما يجعل هياكل أمن القارة العجوز المتصابية في مهب الريح، وبسبب فعل ومفاعيل وتفاعلات الأزمة الأوكرانية الحالية.
تساؤل: هل توجهات أوكرانيا المستقبلية، مهما كانت نتائج العملية العسكرية الروسية القيصرية الضرورية المشروعة الحالية، ستجبرها أن تكون غير عدائية ازاء روسيا – حياد أوكرانيا، بما يتيح لها تمرير أنابيب النفط والغاز الروسية وتفادي تهديدات موسكو، أم إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية بما يتيح لها الحصول على المعونات والمساعدات؟.
هذا وتقول المعلومات، بأن دول الاتحاد الأوروبي تحاول أن تلعب لعبة مزدوجة إزاء الملف الأوكراني، فهي من الناحية المعلنة لا تعارض وقوف أوكرانيا إلى جانب الولايات المتحدة، ولكنها من الناحية غير المعلنة تفضل عدم سيطرة واشنطن على أوكرانيا، لأن ذلك سيتيح لواشنطن التحكم بإمدادات النفط الروسي القادم من خلال أوكرانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، التي تحاول المضي قدماً في الاستقلالية الأوروبية والتخلص من التبعية المفروضة عليها بواسطة واشنطن عبر علاقات عبر الأطلنطي، وما زالت أوروبا تفشل.
منطقة شرق أوروبا: يدور الصراع بين واشنطن وموسكو حول ملف مشروع نشر شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية في جمهوريتي بولندا والتشيك، وتقول المعلومات أن روسيا تسعى لإجهاض فعالية هذا المشروع عن طريق مشروع يتمثل في نشر بطاريات الدفاع الصاروخي الروسية في كل من بيلاروسيا ومناطق شرق أوكرانيا الموالية لموسكو والتي تم ضمها مؤخراً – وهذا ما تم ويتم الان بفعل الدخول الروسي الى الجغرافيا الأوكرانية، مع نشر سلاح نووي تكتيكي في بيلاروسيا، والأخيرة لا تمانع حتى من نشر صواريخ نووية استراتيجية.
منطقة البلطيق: برغم نمو الروابط والعلاقات الوثيقة بين دول البلطيق الثلاثة (أستونيا – لاتفيا - ليتوانيا)فإنّ روسيّا، ما زالت قادرة على فرض نفوذها الجيوبوليتيكي على هذه الدول الثلاث:
- تأمين إمدادات النفط والغاز، التي لن تستطيع الحصول عليها، لا من أوروبا ولا من أمريكا.
- تفعيل النفوذ الاقتصادي الروسي.
- استخدام الأقليات والجماعات الموالية لروسيا داخل هذه البلاد.
- تهديد أمن هذه البلدان لجهة تعزيز إدراكها أنها ستكون في مرمى الحظر الروسي المباشر في حالة تورطها إلى جانب خصوم موسكو.
وتقول التحليلات، أن الرأي العام في دول البلطيق الثلاثة أصبح أكثر وعياً إزاء أهمية الحفاظ على أمن المنطقة، عن طريق تعزيز العلاقات المتوازنة مع الجميع، بحيث تستمر في التعاون مع واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي، مع عدم السماح لها بتوظيف هذا التعاون، لأضرار روسيا بشكل مؤلم، بسبب الموقف من المسألة الأوكرانية ضد روسيا.
منطقة آسيا الوسطى: وتقول المعلومات بأن دول آسيا الوسطى أصبحت أكثر تفضيلاً لخيار التعاون مع روسيا، ما عدا دولة تركمانستان التي تحاول الآن القيام بالمزيد، من المناورات الخطرة وبهذا الخصوص تقول المعلومات، أن تركمانستان تقوم في الوقت الحالي بمحاولة إعطاء الشركات النفطية الأمريكية المزيد من التسهيلات والمزايا التفضيلية، ويقول الخبراء أن هذه المزايا لو حصلت عليها هذه الشركات، فإن ذلك سيؤثر على علاقات دول آسيا الوسطى مع روسيا، وذلك لأن تركمانستان هي بوابة آسيا الوسطى على بحر قزوين.
ومن المحتمل حدوث مواجهة روسية – أمريكية، لا في القوقاز الجنوبي، ولا في القوقاز الشمالي، ولكن هناك توافقاً حول احتمالات حدوث الآتي:
صراع أوكراني – أوكراني بين حلفاء روسيا وحلفاء واشنطن وحدث وجرى بصمت في السابق، ويجري الان علناً مع وجود روسي عسكري في أوكرانيا وبشكل عميق – صراع روسي أوكراني.
صراع تركماني – تركماني بين حلفاء روسيا وحلفاء واشنطن.
خلافات أمريكية – تركية، حول أبعاد الدور الإقليمي التركي، وامتدادات الحكومة السرية الأمريكية في مفاصل الدولة التركية واضحة - وأدوارها في اللعب بنتيجة، انتخابات الرئاسة التركية القادمة.
خلافات جورجية – جورجية، حول مستقبل توجهات الدولة الجورجية في الفترة المقبلة.
خلافات أرمينية – أذربيجانية حول إقليمي ناغورنو – كرباخ، وتاخشيفان وجرت المواجهات في الماضي القريب، وبشكل عنيف ولكن لم تصل الى حرب بلا هوادة، تزعزع جلّ القوقاز الجنوبي، والان يريد ثالوث الشر الأمريكي، أن تكون حرب بلا هوادة، لاستنزاف ايران وروسيا والصين معاً وكسلّة واحدة.
وعلى هذه الخلفية المحتملة، فإنّ دور واشنطن قد يتناقص في المنطقة، وعبر تشجيعها لحروب الوكالة عنها من خلال النازيين الجدد والفاشست – أوكرانيا نموذجاً، حيث تعتمد من جهة واشنطن الان التدخلات العسكرية – الأمنية، كما تعتمد ادارة جو بايدن من جهة أخرى، على التدخلات الاقتصادية – المالية، لكن من الواضح أنّ أي إدارة أمريكية، لن تستطيع القيام بالتدخلات الاقتصادية – المالية، لأن الأزمة المالية الأمريكية الحالية بسبب المواجهة الروسية الأطلسية، وجائحة كورونا قبلها، ستؤثر سلباً على أي ادارة ديمقراطية أو جمهورية في المستقبل في الانتخابات القادمة، في تقديم المعونات والمساعدات المالية لحلفاء أمريكا في القوقاز، سواء الشمالي أو الجنوبي لغايات ضرب واضعاف الفدرالية الروسية.
سؤال يحفّز على التفكير:
هل ستتطور الأمور على طول خطوط المواجهات الأذربيجانية الأرمينية على حديقة فلادمير بوتين الخلفية(قرّه باغ)، الغنية بموارد الطاقة ومسارات خطوط أنابيب الطاقة في عروق جغرافيتها، الى صراع اقليمي ودولي متفاقم، بفعل الأزمة الأوكرانية، والحرب الروسية الأوكرانية الحالية، أم يبقى تحت السيطرة؟.
لا شك أنّ اكتساب أذربيجان وأرمينيا قدرات عسكرية جديدة، لا سيما في ما يتعلق بالطائرات المسيّرة، والنيران غير المباشرة والاستخبارات والمراقبة وسواها، بجانب، حصول تغيرات كبيرة على صعيد سياسات الطاقة في جنوب القوقاز، مع تعرّض الحكومتيْن الأذرية والأرمينية لضغوط المشاكل الاقتصادية وحاجتهما إلى إلهاء شعبيْهما، مع تصاعد شعبية النزعات القومية والشعبوية في أذربيجان وأرمينيا، وهو الدافع وراء تبنّي الرئيسيْن إلهام علييف ونيكول باشينيان مواقف أكثر تصعيدية في السابق أثناء الحرب بينهما، مع بحث موسكو، على ما يبدو، عن فرصة لإضعاف حكومة باشينيان، التي تُعتبر أقل صداقة مع موسكو بالمقارنة مع الإدارات الأرمينية السابقة، كل ذلك من شأنه أن يتحكم في تقرير وجهة الصراع على ناغورنو كراباخ مستقبلاً، الى صراع متفاقم اقليمي ودولي بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، أم صراع تحت السيطرة لجلّ اللاعبين؟.
وفي لغة الميدان، نجد أنّ المسيّرات المتفجّرة، وهي عنصر جديد في أرض المعركة، تستهدف وتتصيّد أهدافاً قيمة جداً، وتستخدم من قبل طرفي الصراع، وعلى صعيد الصواريخ الباليستية، فلا أحد يستخدمها حتّى اللحظة، لا من أذربيجان ولا أرمينيا، ولم يتم استخدامها في السابق، علماً أنّ أرمينيا تمتلك صواريخ باليستية روسية من طراز اسكندر(يبلغ مداها 280 كيلومتراً)، أمّا بالنسبة إلى ترسانة أذربيجان فتتضمن صواريخ إسرائيلية من طراز لورا يبلغ مداها 300 كيلومتر.
وانطلاقاً من المعطيات السياسية، لا يمكن لطرفي الصراع(أذربيجان وأرمينيا)استخدام صواريخهما الباليستية من دون موافقة روسيا، وخطوة نشر الطائرات الحربية والصواريخ الباليستية، تمثّل مقدّمة لاندلاع حرب تقليدية.
وتستعمل أذربيجان مسيّرات تركية متفجرة من طراز “TB2” و”Kargu-2″، وهي من شأنها تغيير طبيعة الاشتباكات في القوقاز، ويبدو أنّ أرمينيا تلقت ضربات قوية من هجمات المسيّرات في الحرب الأخيرة، مع سخونة حرب المعلومات ودور وسائل التواصل الاجتماعي: يحاول الأذريون إظهار قوتهم، عبر نشر مقاطع لضربات المسيّرات على وسائل التواصل الاجتماعي، في آخر حرب مع أرمينيا، في حين تركز البروباغندا الأرمينية، على التقارير المضلًلة بشكل أساسي، بهدف استعطاف دعم روسي وغربي.
وتُعدّ منطقة القوقاز حديقة روسيا الخلفية، وترغب موسكو في منع حلف شمال الأطلسي الناتو من استغلال نزاع إقليمي للدخول إليها، ولذلك، تبدي روسيا مصلحة في عدم بلوغ الاشتباكات مستوى المواجهة العسكرية التقليدية، في أي حرب مستقبلية بين أذربيجان وأرمينيا، بفعل تحالف تآخي اللصوص الأنجلوسكسون ضد روسيا، وخاصة بعد عقابيل الحرب الروسية الأوكرانية الحالية.
كما وتقع تركيا وإيران في قبضة الأزمات الاقتصادية وترغبان في تفادي تداعيات حرب إقليمية، بما يشمل التكاليف الأمنية والهجرة وتأجيل المبادرات السياسية والتجارية الإقليمية، كما تحرص تركيا على ضمان استمرارية إمدادات الطاقة من حوض بحر قزوين، هذا وتحذر تركيا من تأثّر علاقتها مع روسيا في سوريا وليبيا، الواقع الذي يستدعي منها إبقاء نزاع ناغورنو كاراباخ على مستوى معارك الإلهاء الخفيفة بين فترة وأخرى، وفي مراحل لاحقة تأجيجه من جديد.
ومن شأن الأحوال الجوية الشتوية ووعورة التضاريس كذلك، أن تحد من اتساع رقعة العمليات العسكرية في أي نزاع مستقبلي، وكذلك الظروف الاقتصادية في كل من أذربيجان وأرمينيا ستمنعانهما من الدخول في مواجهة عسكرية تقليدية.
ولم تكن مناورات فتح خيبر، التي أجرتها وحدات عسكرية إيرانية، على الحدود الإيرانية ـ الأذربيجانية، مناورات روتينية عادية، حيث شاركت فيها قوات مدرّعة، ومدفعية، ولواء جوي، بمقدار ما كانت رسالة تنبيه وتحذير لقادة أذربيجان، والتي قوبلت بنشر قوات أذربيجانية وتركية على طول الحدود مع إيران.
لا تبتغي إيران بهذه المناورات استفزاز أذربيجان، وإنما أرادت أن تعبّر عن هواجسها، ورفضها وامتعاضها من القيادة الأذربيجانية على تماديها في علاقاتها مع إسرائيل، والتصريحات والتحركات الاستخبارية، والعمليات الإرهابية الإسرائيلية التي تتخذ من الأراضي الأذربيجانية منطلقاً لاعتداءاتها في الداخل الإيراني.
على رغم أن أذربيجان تعرف حجمها المتواضع الذي لا يقارن بحجم إيران مساحة وتعداداً بشرياً وقوة عسكرية ضاربة، وتفاوتاً كبيراً في الموازين العسكرية بين جيشي البلدين، إلا أن أذربيجان تعتمد على الدعم التركي المتواصل لها، دعم ترجمته أنقرة على الأرض بوضوح، أثناء الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان، والتي قلبت موازين القوة لصالح باكو.
إضافة إلى اعتماد أذربيجان على الدعم الإسرائيلي الذي وجد ملاذاً فيها، من خلال تزويدها بالأسلحة المتطورة، والمسيّرات الدقيقة، حيث باكو ترى في تركيا وإسرائيل أنهما تشكلان دعماً وحماية لها، أمام أي صدام عسكري قد يحصل مع إيران أو غيرها في المستقبل.
العلاقات الإيرانية ـ الأذربيجانية، ليست على ما يجب ان تكون عليه كجارين مسلمين وتشوبها الحذر، إذ بعد خروج أذربيجان من الاتحاد السوفياتي، وتقلّد حيدر علييف السلطة في البلاد عام 1993 م بدأت المخاوف كما الحذر، والقلق، يثير حفيظة إيران، مما يجري على مقربة من حدودها، بخاصة بعد أن بدأت تعلو نبرة الخطاب القومي لباكو، الذي يذكّر من آن إلى آخر بأذربيجان الجنوبية، وهي المنطقة الواقعة داخل إيران والتابعة لها، بموجب اتفاقيتي كلستان عام 1813 م وتركمنشاي عام 1828 م، الموقعتين بين روسيا القيصرية، وفارس(إيران)، واللتين كرّستا حق إيران فيها.
أمريكا وإسرائيل والغرب يعملون على تحريك النزعة الانفصالية للمنطقة الأذرية الجنوبية داخل إيران، إذ تشكل مساحة جمهورية أذربيجان، فقط ثلث مساحة أذربيجان الجنوبية التابعة لإيران، ما يجعل تحريك وإثارة النزعة الانفصالية، أن تنتقل عدواها مستقبلاً إلى القوميات الأخرى في إيران، ومن ثم تفتيت وحدتها ونسيجها الوطني، وهو هدف ترمي إليه إسرائيل وأذربيجان وتركيا ومن ورائها واشنطن.
وثالوث الشر الأمريكي يهدف الى إبعاد وعزل التأثير السياسي، والعقائدي والديني، والثقافي، للجمهورية الإسلامية الإيرانية، عن جمهورية أذربيجان ذات النظام العلماني، إذ إن كلا الشعبين، يشكلان الغالبية العظمى من المسلمين الشيعة، وإنّ أيّ تواصل بين الشعبين بنظر باكو وأنقرة سيصبّ في صالح إيران، وسيستنهض من جديد المشاعر الروحانية، والانتماء الديني عند الشعب الأذربيجاني.
ثالوث الشر الأمريكي يعمل على تعزيز الحضور الاستخباراتي الإسرائيلي عبر الموساد في أذربيجان، وذلك من خلال ما يقوم به من أعمال التجسّس وجمع المعلومات العسكرية والأمنية والعلمية عن إيران، وبالذات عن كلّ ما يتعلق ببرنامجها النووي.
ومن جهة منفصلة وفي العمق، نجد أنّ تركيا، من تطمح جغرافياً، بوصل أذربيجان الغربية نخجوان، التي تقع على حدودها، بأذربيجان باكو، حيث تفصل بينهما أرمينيا، عبر ممر يربط أرمينيا بإيران، ومن شأن هذا الوصل الطموح لتركيا والذي يشكل لأنقرة، أهمية استراتيجية كبيرة، يعزز من تأثيرها ونفوذها وامتدادها التركي، إلى دول وسط آسيا وصولاً إلى قيرغيستان.
كما يعمل ثالوث الشر الأمريكي، بجانب أنقرة وباكو، على تفكيك العلاقة المتينة والقوية التي تربط إيران بأرمينيا، إذ تزوّد طهران بارافان بالطاقة التي تحتاجها، كما أن أرمينيا توفر لإيران ممراً آمناً للنقل البري إلى روسيا، ومنها إلى أوروبا، سلة تخادم مصالح مشتركة، لا سيما أن أرمينيا تقع بين فكي كماشة لعدوين لدودين لها: أذربيجان من الشرق، وتركيا من الغرب.
إنّ الشراكة الإيرانية ـ الأرمينية تثير عدم ارتياح باكو وأنقرة لها، ومن ورائهما عدم ارتياح ثالوث الشر الأمريكي، وهذا ما يعمّق الفجوة بين إيران وأذربيجان، حيث تجد باكو في تركيا معبراً لنفطها وغازها إلى أوروبا، لينافس مصادر الطاقة الإيرانية، وكما يسعى ثالثوث الشر الأمريكي بجعل أذربيجان مصدر تهديد دائم لإيران من الشمال، فمنها تنطلق الزمر والمجموعات المسلحة، والعناصر الإرهابية القادمة من الخارج، مدعومة من الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، وبمباركة ضمنية تركية – مباركة المخابرات التركية، للقيام بعمليات إرهابية داخل الأراضي الإيرانية، تطال أهدافاً مدنية وعلمية وعسكرية، لضرب الأمن القومي والاستقرار الداخلي الإيراني.
وهناك زمر تديرها وتدرّبها وتخطط لها الاستخبارات الإسرائيلية، بشكل مباشر من داخل الأراضي الأذربيجانية، إذ أصبحت أذربيجان بمثابة حصان طروادة للكيان الصهيوني ضدّ إيران، وجبهة متقدّمة لها للتجسّس الإسرائيلي المباشر عليها، وفي ما بعد، القيام بعمليات تهدّد في الصميم سلامها وأمنها القومي.
فلماذا نجد زعيم الجبهة الشعبية لأذربيجان الموحدة والذي يعمل ضد ايران، قدرت حسن غولييف، ذهب بعيداً عندما طالب بمراجعة المعاهدتين الموقعتين كلستان وتركمنشاي المشار إليهما آنفاً؟ وما هي علاقاته مع مجتمع المخابرات الإسرائيلي والامريكي والتركي؟
إنّ أيّ عمل عسكري إسرائيلي ضدّ إيران من أذربيجان او غيرها، لن يضير باكو، ولن يثير حفيظة واشنطن، ولن يزعج أنقرة، التي ترى في العمق، أن ليس من صالحها وجود دولة كبرى قوية على حدودها، وإنّ سماح باكو للقوات الجوية الإسرائيلية والأميركية، باستخدام قواعدها العسكرية القريبة من طهران للانطلاق منها، لضرب أهداف إيرانية استراتيجية، سيفجّر المنطقة القوقازية والمشرقية على السواء، إذ إن روسيا لن تتقبّل تغييراً استراتيجياً على مقربة من حدودها، يعزز من الحضور العسكري الأميركي والتركي والإسرائيلي على حساب أمنها القومي ومجالها الحيوي.
فأيّ عدوان عسكري إسرائيلي أو أميركي، ينطلق من المنصة الأذربيجانية أو غيرها على إيران، ستكون له تداعياته الخطيرة، ولا أحد يستطيع التنبّؤ بنتائجه المدمرة، بخاصة أن إيران ستردّ وستلاحق من يعتدي عليها مباشرة أو بالواسطة، في عقر داره، فهي لا تفرّط بأمنها القومي وبوحدة أرضها وسيادتها مهما كلف ذلك من ثمن.
هل تعي باكو خطورة ما تفعله من استفزازات ضدّ إيران، قد تشعل حرباً تحترق هي بها، ولا تصبّ في صالحها؟ أم أنها أرادت من تلقاء نفسها أن تكون مطية لواشنطن وأنقرة، وحصان طروادة لدولة العدوان الإسرائيلية، ومن دون أن تدرك أن على حدودها دولة كبرى، حاضرة، واثقة، متأهّبة في كلّ وقت للتصدي لأيّ عدوان، ولبتر اليد التي تريد النيل منها.
ولكن لا يمكن استبعاد احتمال نشوب حرب استنزاف طويلة ومتفاقمة أحياناً، تتخللها جولات نزاع منخفض الحدة وحرب بالوكالة، وحرب مسيّرات ومعلومات، وخاصةً أنّ الأنجلوسكسون وعبر تركيا قد يعملون على تأجيج الصراع أي صراع في كل القوقاز، واثارته من جديد بين باكو وأرمينيا، لمحاصرة روسيا، وضرب هياكل أمنها القومي، وعبر فن صناعة الكذبة وفقاً لما جرى في سوريا(السيناريو السوري)في الداخل الأوكراني من خلال القوميون الأوكران، واتهام الجيش الروسي بارتكاب المجازر بحق المدنيين عبر فبركات اعلامية من خلال الاستخبارات الأمريكية والمخابرات البريطانية الخارجية، ووفقاً للمعلومات: فانّ مدير المخابرات البريطانية - الفرع الخارجي الأم أي سكس، هو زار دائم لأوكرانيا، مع فريق كامل من المخابرات البريطانية، لتنفيذ عمليات راية مزيفة على نمط وطريقة الخوذ البيضاء في سورية، وهو صاحب فكرة هندسة حكومة أوكرانية في المنفى، اذا ما تطورت الأمور الى اللحظة النووية أو سلاح نووي تكتيكي، وكرد على الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، لشيطنة الفدرالية الروسية ورئيسها فلادمير بوتين وكارتلات حكمه، ومجتمع المخابرات والاستخبارات الروسي، وتعد المخابرات البريطانية لسلسلة تفجيرات داخل شبه جزيرة القرم، وما تفجير جسر القرم السبت 8 – 10 – من العام الماضي 2022 م – أوكتوبر، تقف خلفه المخابرات البريطانية الخارجية، بالتعاون مع السي أي ايه والموساد، كونه في غاية الدقة، وكما كشفت مصادر المخابرات الروسية، ولا يمكن لجهاز المخابرات الأوكراني وحده القيام بذلك، وكذلك تفجير خط السيل الشمالي عبر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت