سابقة للرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة.. ترامب يمثل أمام القضاء بتهم جنائية

ترامب لدى وصوله إلى محكمة مانهاتن (رويترز).jpg

قام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتسليم نفسه إلى السلطات، يوم الثلاثاء، للمثول أمام قاض في محكمة مانهاتن بمدينة نيويورك، حيث يواجه اتهامات جنائية، وهذه سابقة للرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، سواء كانوا سابقين أو في السلطة.

وبثت وسائل الإعلام لقطات مباشرة لوصول الرئيس السابق إلى مجمع المحاكم الجنائية في مانهاتن وسط استنفار أمني مشدد. وصار ترامب محتجزا من قبل السلطات، حيث ستؤخذ بصماته قبل مثوله أمام القاضي.

وقال ترامب لدى دخوله المحكمة "سيعتقلونني ولا أصدق ذلك"، وأضاف أن مثوله أمام المحكمة سريالي، بينما قال البيت الأبيض إنه لا تعليق لديه على القضية وإنه مستعد لأي تهديد.

وأفادت مراسلة قناة "الجزيرة" بيسان أبو كويك من أمام المحكمة بأن مئات من مؤيدي ترامب ومعارضيه تجمعوا في المكان، وأن الشرطة قامت بالفصل بين التجمعين بحواجز حديدية وعدد من رجال الأمن.

ورفع مؤيدو ترامب شعارات تدعم الرئيس السابق وتؤيد ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في حين أطلق معارضوه هتافات تدعو إلى الزج به في السجن.

وقبل ساعة من بدء الإجراءات، قال ترامب إنه يجب نقل المحاكمة إلى منطقة ستاتن آيلاند، لتكون "أكثر عدلا وأمنا". وتقع هذه المنطقة جنوبي مدينة نيويورك.

وكرر ترامب انتقاده لاختيار قاضي المحكمة، قائلا إن "من المستحيل الدخول في إجراءات المحاكمة مع قاض معروف بمعارضته لي".

واستقطبت محكمة مانهاتن -التي أحيطت بانتشار أمني واسع- اهتماما إعلاميا كبيرا، فقد وثقت وسائل الإعلام المحلية والعالمية أمس الاثنين خطوة بخطوة وفي غالب الأحيان ببث مباشر، رحلةَ ترامب من مقر إقامته في فلوريدا وصولا إلى نيويورك.

لكن لن يسمح بالكاميرات داخل قاعة المحكمة، بعدما قرر أحد القضاة ذلك مساء الاثنين، بحسبما ذكرته وسائل إعلام أميركية.

 وفي أحدث التصريحات بشأن سير الإجراءات، قال جو تاكوبينا محامي الرئيس السابق إنه لن يتم تقييد يدي ترامب، وإن الإجراءات لن تستغرق أكثر من 30 دقيقة.

وأوضح تاكوبينا أن فريق الدفاع لا يعلم كل الاتهامات الموجهة لترامب، لكنهم يعلمون أصل الادعاءات في لائحة الاتهام، بحسب قوله.

وأضاف المحامي أن ترامب لن يقر بالذنب في التهم الموجهة له، و"نعتقد أن هذه القضية لن تمضي قدما".

في الوقت نفسه، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مصدر أن ترامب سيملأ بنفسه استمارة عدم الإقرار بالذنب في المحكمة، وليس بواسطة المحامي.

ويثير هذا الحدث غير المسبوق الذي قد تكون له تداعيات سياسية مدويّة، مخاوف أمنية لدى السلطات، إذ يخطط أنصار ترامب للتظاهر في نيويورك حيث وضعت الشرطة في حالة تأهب.
 
لائحة الاتهام

وقد وجهت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن يوم الخميس الماضي لائحة اتهام للرئيس الجمهوري السابق، على خلفية اتهامات له بدفع أموال لشراء صمت ممثلة إباحية قبل 7 سنوات.

وقالت وسائل الإعلام الأميركية إن لائحة الاتهام -التي لم يكشف عنها- تتضمن أكثر من 30 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية، من بينها تهمة واحدة على الأقل ترقى إلى مستوى الجناية.

وترامب متهم بدفع مبلغ 130 ألف دولار لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز، واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، لشراء صمتها قبيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وتقول دانيلز إنها كانت على علاقة بترامب، لكن الرئيس السابق ينفي ذلك.

ولم يصرح عن هذا المبلغ في حسابات حملة المرشح الجمهوري يومها، في انتهاك محتمل لقوانين الولاية الانتخابية، وسجل على أنه "نفقات قانونية" في حسابات شركته ومقرها في نيويورك.

ونقل موقع "ياهو نيوز" عن مصدر قوله إن مكتب المدعي العام لمانهاتن رأى بعد مشاورات مع الحرس الرئاسي ومسؤولي المحكمة أنه لا داعي لتكبيل يدي ترامب أو تصوير وجهه من الجوانب كافة، كالموقوفين.

وأضاف الموقع أن تهمة تزوير السجلات التجارية تعد جنحة في نيويورك، لكن مكتب المدعي العام قرر رفع التهم الموجهة إلى ترامب إلى جنايات من الفئة الأدنى، واعتبر أن سلوك ترامب كان "يهدف لإخفاء جريمة أخرى".

 انتقادات ترامب

من جهته، قال ترامب -في بيان أصدره الليلة الماضية- إن المدعي العام لمانهاتن سرب بطريقة غير قانونية معلومات عن لائحة الاتهام.

وأضاف أن ذلك يستوجب توجيه الاتهام للمدعي العام على الفور، وأنه "إذا أراد المدعي العام حفظ سمعته فعليه أن يتهم نفسه".

وكان ترامب قد ذكر في وقت سابق أن القاضي المكلف بالنظر في القضية "يكرهه"، ولذلك اختاره المدعي العام لمانهاتن، بحسب قوله.

وضرب ترامب -الساعي لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2024- موعدا لأنصاره في فلوريدا مساء الثلاثاء، حيث سيعقد مؤتمرا صحفيا.

مخاوف أمنية

من جهة أخرى، تُولي السلطات الأمنية في نيويورك أهمية قصوى ليوم مثول الرئيس السابق أمام المحكمة، وفي ذاكرتها صور اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

وقد أمرت شرطة مدينة نيويورك -التي تضم 36 ألف شرطي- جميع عناصرها وضباطها بالانتشار بلباسهم الرسمي على الطرق العامة لمدة أسبوع.

ومن المقرر أن يتجمع أنصار ترامب احتجاجا على اتهامه جنائيا. وأعلنت النائبة اليمينية مارغوري تايلور غرين -وهي من أبرز مؤيدي ترامب- أنها ستحضر هذا التجمع.

من جانبه، توقع رئيس بلدية نيويورك الديمقراطي إريك أدامز أن يحافظ المتظاهرون على الهدوء، لكنه حذر من احتمال وجود "مثيري اضطرابات" بينهم.

مهاجر من أصول كولومبية هو قاضي نيويورك الذي بيده "مصير" ترامب؟

وقبل مثوله المتوقع  أمام القضاء في نيويورك، كأول رئيس أميركي يقف ذلك الموقف، سارع  ترامب إلى اتهام القاضي الذي سيتولى محكمته بـ "بغضه" وكرهه.. فمن هو قاضي محكمة نيويورك "خوان ميرشان" الذي ستتوجه إليه الأنظار ويكون محط اهتمام وسائل الإعلام خلال الفترة القادمة؟

يعرف عن ميرشان أنه قاض مخضرم ذو خبرة طويلة في القضاء، وهو مدع عام سابق قضى 16 عاما في المحكمة. ومن المتوقع أن يترأس اليوم إجراءات الاستدعاء غير المسبوق للرئيس السابق.

ورغم أنه سيتعامل في إطار هذا الملف مع قضية غير مسبوقة بالتاريخ الأميركي (وهي جلب رئيس سابق إلى القضاء) فإنه تعامل الفترة الأخيرة مع أكثر من ملف ذي صلة بترامب، فقد ترأس قضايا جنائية ضد شركته ومديرها المالي السابق، كما تولى النظر في قضية أحد مساعدي ترامب السابقين بالبيت الأبيض، وهو ستيف بانون.

ينحدر ميرشان البالغ من العمر 60 عاما من أصول كولومبية، فقد هاجر رفقة عائلته المتواضعة من البلاد عندما كان عمره 6 سنوات، ثم نشأ وعاش في مدينة نيويورك التي يتبوأ اليوم أحد أعلى المواقع القيادية بأجهزتها القضائية.

ورغم الهجرة وقساوة الظروف، فقد تمكن ميرشان من شق طريقه من خلال الدراسة والتعلم، فكان أول فرد من عائلته يذهب إلى الجامعة، وحصل على شهادة في القانون من جامعة هوفسترا عام 1994.

وفي مساره المهني، عمل ميرشان مدعيا عاما في مانهاتن، كما عمل بمكتب المدعي العام للولاية قبل أن يعينه العمدة السابق مايكل بلومبيرغ قاضيا في محكمة الأسرة عام 2006.

وبعد 3 سنوات، تم تعيين ميرشان في المحكمة العليا الابتدائية في نيويورك. وتشمل واجباته الخاصة الآن الإشراف على محكمة الصحة العقلية في مانهاتن حيث يحصل بعض المتهمين على فرصة لحل قضاياهم بالعلاج والإشراف، وهو برنامج يعتبره قصة نجاح.

ومن المرجح أن ميرشان سيكون تحت ضغط هائل خلال الفترة القادمة، من وسائل الإعلام وأنصار ترامب (الترامبيين) وسيمثل تعاطيه مع هذا الملف محطة فارقة في حياته المهنية.

ولكن باترشيا هولمز، القاضية الفدرالية السابقة بولاية إلينوي، نصحت ميرشان بتجاهل الضغط، وعدم الاستماع لوسائل الإعلام، وخاطبته قائلة "عليك أن تفعل ذلك بشكل صحيح.. يجب أن يكون قرارك عادلا، وعلى الجمهور أن يعرف أنه عادل، ومن ثم تكون النتيجة هي النتيجة.. تأكد من أنك تبتعد عن السياسة، لأن الأمر يتعلق فقط بالقانون".

لماذا أثار غضب ترامب؟

لا أحد يعرف بالضبط الأسس الذي بنى عليها ترامب موقفه واتهامه للقاضي ميرشان بكرهه، وربما تعود بعض أسباب غضب ترامب من قاضيه الجديد أن ميرشان قد ترأس في السابق قضيتي احتيال ضريبي جنائيتين مرتبطتين بشركة ترامب العقارية، ومديره المالي السابق، وكلاهما أدى نظر القاضي المذكور فيها إلى نتائج غير مواتية لشركات ترامب.

فقد أشرف هذا القاضي على قضية الاحتيال الضريبي ضد شركة ترامب ورئيسها المالي ألين ويسلبرغ.

وشارك ميرشان بشكل كبير في المفاوضات التي أدت إلى إقرار ويسلبرغ بالذنب عام 2022 بسبب الالتفاف على الضرائب على امتيازات الوظائف الكبيرة، بما في ذلك شقق مانهاتن والتعليم المدرسي.

وبموجب الصفقة، حكم على فايسلبرغ بالسجن لمدة 5 أشهر مقابل الموافقة على الشهادة ضد الشركة.

ولم يتهم ترامب نفسه بهذه القضية، ولكن عندما حان وقت المرافعات الختامية، سمح ميرشان للمدعين العامين بالادعاء بأن ترامب كان على علم بمناورات الغش الضريبي. وقال القاضي إنه يريد إبعاد السياسة عن المحاكمة التي أجراها بنبرة معتدلة ولطيفة إلى حد كبير.

وبشكل منفصل، فإن ستيف بانون، الخبير الإستراتيجي السابق بالبيت الأبيض في إدارة ترامب، كان أحد الذين واجهوا القاضي ميرشان.

ووصف بانون، المتهم بخداع المانحين الذين قدموا أموالا لبناء جدار حدودي جنوبي للولايات المتحدة، القضية بأنها "هراء" قبل أن يعفو عنه الرئيس السابق قبل ساعات من مغادرته البيت الأبيض رفقة عشرات آخرين.
 

 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - الجزيرة + وكالات