- *كتب: المحامي محمد احمد الروسان*
- *عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
انّها الأفعى الأمريكية الإسرائيلية التي تسعى في القارة السمراء.
الهدن لوقف اطلاق النار في السودان العربي، تترنح وستبقى تترنح وتفشل، بسبب أوار لهيبه وصراعه، والوضع الميداني غير معروف، وتجاوز صراع القتلة الجوز: البرهان وحميدتي دقلو، من أسباب داخلية مركبة، الى جعل الجغرافيا السودانية ساحة، حسابات إقليمية ودولية، وحرب الجنرالين القاتلين، حرب الغاء الآخر، تشي الى مخاطر تقسيم جديد، بعد فصل جنوب السودان، وجعله دولة قائمة، اعترفنا بها كعرب، باستثناء دولة واحدة لم تعترف بها، حيث دولة جنوب السودان، إسرائيل أفريقيا يا عرب، ودولة شمال غرب السودان قادمة، دولة دارفور عبر القاتل حميدتي، حيث لا وجود لتوافق إقليمي، لأقناع الطرفين القاتلين بوضع حد للقتال، وما زالت التطورات الميدانية غامضة، والحسم بين السلاح والسياسة، فلا أفق سياسي يلوح، وطرفا الصراع عاجزان عن الحسم العسكري، وبالتالي: قتال الأخوة سيطول، وستصنع أمريكا عبر الحدث السوداني، أوركسترا إرهابية في جلّ القارة الأفريقية، ومسألة حماية الدبلوماسيين الأجانب، قد تكون ذريعة لتدخل عسكري إقليمي، ومع الأسف الحسابات العربية اتجاه السودان تزيد من تعقيدات الأزمة، والتدخلات الخارجية، من شأنها أن تنقل صراع الجنرالين القاتلين، الى حرب إقليمية في جلّ القارة الأفريقية، حيث الاستقرار في منطقة البحر الأحمر يشغل أمريكا، وإسرائيل تريد انقاذ اتفاق التطبيع مع السودان، والأطماع في ثروات السودان، من ذهب ويورانيوم، حاضر في المعادل التدخلي الإقليمي والدولي، وعبء التفاوض المائي، بخصوص سد النهضة مع أثيوبيا، يضعف موقف السودان، ويزيد العبء على مصر.
الوجود العسكري الأمريكي والغربي يعود الى الصومال.. لماذا؟، وترتيبات أمريكية إسرائيلية للمسرح الأفريقي - القنفذ الشائك، وحروب الوكالة في القارة الأفريقية والصراع عليها وفيها، لمحاصرة روسيّا والصين وايران وحزب الله، وفي عمق جلّ الحدث السوداني، وعمق المسألة السودانية: انقلاب بهندسة وتدبير أمريكا وإسرائيل، وبعض عرب، وعبر الأدوات السودانية الداخلية، دقلو والبرهان، وكلاهما منفتح على الكيان الإسرائيلي، ومعهم بعض المكون المدني السوداني، انّها الأفعى الصهيونية والأمريكية التي تسعى، في السودان العربي .
الولايات المتحدة الأمريكية، نفوذها بدأ يتراجع في المنطقة، وهي تنسحب منها، والأولوية لديها، هي الحرب الأوكرانية، في محاولتها الفاشلة لكنها مؤلمة: شطب وتقسيم الفدرالية الروسية، لكن نجد بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية، مازالت تعيش كالضباع، التي لا تستطيع العيش الاّ على جيف متقيحة، وهي من افتعلت الأزمة في السودان.
المسألة السودانية، مركبة وهجينة وقادحة، بأسباب داخلية وخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، حيث تحاول واشنطن رد الصاع صاعين إلى السعودي، بسبب الاتفاق السعودي الإيراني، حيث الرياض متأرجحة بين دقلو والبرهان، وتميل إلى دقلو " حميدتي" كما أسلفنا، ومعها الإماراتي.
وفي التقدير السياسي والتحليل: أمريكا تدعم البرهان، وقد وجدت السعودية في دعمها لحميدتي، بطريقة غامضة الى حد ما، رسالة لمصر، حيث أمريكا ومصر مع إلبرهان، والسعودية والإمارات مع حميدتي، لذلك هي تميل لدقلو وقوات الدعم السريع، كونها تجد مصر عائق لها أمام طموحها في قيادة العالم العربي، والزيارة الأخيرة، زيارة الفجر الرمضاني للسيسي إلى السعودية، فشلت فشلاً ذريعاً، ولم يستطع الحصول على الأموال السعودية، لدعم الاقتصادي المصري والذي يعاني كثيراً، ومعرّض لانهيار مبرمج.
وزيارة وزير الخارجية السعودي إلى سوريا، وهي زيارة سياسية مشكورة، حيث الدور السعودي الذي بدأ يتصاعد في المنطقة، بعد الاتفاق الأخير مع إيران، تجاه سوريا واستعادتها، الى الجامعة العربية، والأخيرة – الجامعة، التي لم تعد تعني الشعوب العربية بشيء، كمنظمة إقليمية متهالكة، لذا وفي العمق، نجد الأردن لديه تحفظ على الدور السعودي المنفرد، في المسألة السورية، حيث الأردن طرحت مبادرة قديمة جديدة، لاستعادة سوريا الى الحضن العربي، الذي لم يعد دافىء ولا يفيض بالحنان، تريد أن تضع لها إطاراً ما بالتشارك مع العرب، ولكن السعودي ومن باب المنافسة، أختطف هذا الدور من الأردن، لذلك غادر الملك عبدالله الثاني إلى الإمارات أواخر رمضان، بناء على دعوة من الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة، حيث العلاقات الإماراتية السعودية في كلّ شيء، تنافس رأسي وعرضي، بنكهة الصراع.
وفي الهدف: وحسب ما أعتقد: قد تكون زيارة ملك الأردن إلى الإمارات، لإنشاء تكتل ما محدد، ينافس الدور السعودي المتصاعد في المنطقة، وهذا من حقه كلاعب سياسي، بعد اتفاق السعودية مع إيران وسوريا(تجري منذ فترة، لقاءات مخابراتية أردنية إيرانية، على قدم وساق، لاستعادة العلاقات الأردنية الإيرانية، الى مستويات دبلوماسية معقولة)، والعلاقات الأردنية السعودية ليست على ما يرام، حيث الرياض سحبت أو جمّدت استثماراتها في الأردن، والمتعلقة بسكك الحديد، دون انذار مسبق، وغيرها من الاستثمارات، عبر الصندوق المالي السيادي السعودي.
وفي التكتل الأردني الإماراتي، قد يلتحق به المصري لاحقاً، خصوصاً وأنّ العالم العربي كلّه، مستهدف من قبل أمريكا والكيان الصهيوني، بعد التراجع العميق للمخابرات المصرية وأدوارها الوطنية والقومية في عهد الرئيس السيسي، ونحن نأسف ونحزن على ذلك، حيث المستهدف من الأزمة السودانية: مصر ودورها القومي، وصيانتها للأمن القومي العربي.
وأكرر وأعشق التكرار: حميدتي والبرهان، كلاهما تربطهما علاقة مع الكيان الصهيوني، و ما يجري في السودان في جزء منه، هو نتيجة الصراع الأمريكي البريطاني الخفي وانعكاس له، والبريطانيون يدعمون حميدتي، الذي قاتل إلى جانب السعودي والاماراتي، في العدوان البعض العربي على الشعب اليمني، وبالمقابل: أمريكا وبريطانيا، تتهمان موسكو بالفتنة في السودان، وذلك لحرف الأنظار عن دورهما، للندن وواشنطن التخريبي في السودان، حيث علاقات دقلو بروسيا قوية جدا، كما تقول: واشنطن ولندن.
مشهد لهيب السودان الان، بين ركل الذهب وابتلاعه: حيث في الجيش السوداني، المشير سوار الذهب(رحمه الله)، الذي اقتلع وشلع العسكر شلعاً واقتلاعاً، وركل السلطة وامتيازاتها السياسية والمالية والذهب بحذائه ركلاً، وفي العسكر السوداني القتلة، ومكان العسكر الثكنات: النميري و البشير، والبرهان والحميدتي دقلو، نهبوا الذهب والوطن، فكان السوار ذهباً خالصاً، هو الجيش العربي، وهم العسكر والعار العربي.
وعليه ثمة تساؤلات هنا: ما هو جذر المسألة الطبقي؟ وكيف تشكل هذا الانسان المأزوم؟ ومن أسبق الأزمة أم الأنسان المأزوم، والعلاقة بينهما؟ وكيف هبط الفكر الوطني والقومي، الى حد الانحلال والانحطاط ؟.
يتكون الوباء الذاتي للعروبة، من بعض بعض الحكّام، عسكر ومدنيين، ومن بعض بعض مشايخ الدين، وجلّهم بل وجميعهم طائفيين، في خدمة الحكّام، ومن مثقفي الأنظمة القطرية(بضم حرف القاف)وغياب مثقفي العروبة أو تذيلهم وتغييبهم – أو تذيلهنّ وتغييبهنّ، هكذا نقرأ مذبحة السودان ولهيبها قي جزء منها!.
وتتضح الصورة في السودان الملتهب شيئاً فشيئاً، عن انقلاب اللواء محمد حميدتي(دقلو)، والذي يحمل رتبة فريق، بأنّه انقلاب بدعم أمريكا لرفيقه كمال البرهان، وبريطانيا والأمارات لدقلو - حميدتي، وتأرجح الرياض بين دقلو والبرهان تريثاً لما ستؤول اليه الأوضاع، وصحيح ان البرهان تطبيعي بالكامل مع الكيان الصهيوني، لكن انتصار السلطة في الخرطوم، يحول دون تفكك البلد، وهو التفكيك الذي يشتغل عليه بعض العرب والغرب مجتمعاً، والكيان الصهيوني والذي يحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه من اتفاق التطبيع، وصحيح أن الطرفين – "الجوز": البرهان ودقلو تابع وخانع، ولكن منع التفكيك للسودان مهم جداً.
بعض العرب وقادتهم، حاولوا ويحاولون ضد سوريا، وطبقوه في العراق، ويحاولون في مصر، وطبقوه في ليبيا، لذلك انفتاح بعض أنظمة العرب على سوريا، ليس بريئاً وملغوماً ملغوماً تماماً، ونراقب بحذر وهذا من حقنا، بما فيه جذر الاتفاق السعودي الإيراني، ومراحل تظهيره تدرجاً، ما بين التكتيكي والاستراتيجي كحدث.
بعض بعض العرب، أداة الإمبريالية والتي تتفاقم، ويقوم بدور الكيان الإسرائيلي – الدور الوظيفي: لن يتخلى بعض بعض حكام العرب عن دورهم، في تفكيك الوطن العربي، ويُدينون للإمبريالية في مساعدتها لهؤلاء، في توليهم على الشعب وحكمه، ويقدمون خدماتهم للإسرائيلي بطريقة مباشرة وغير مباشرة، كما لو كانت بعض الجفرافيا العربية هرتسليا، يشلّحون ثم يسلّحون أعداء العروبة، من حاكم إثيوبيا إلى حميدتي/السودان – دقلو، وحتى ميليشيات ليبيا، فهل تنجو سوريا؟! حيث الانفتاح ملغوم كما قلنا وأسلفنا.
مفارقة عجيبة: تطالب دول الخليج الآن - بالتنسيق مع الغرب وإسرائيل وامريكا - بوقف إطلاق نار وتهدئة، تصب في صالح الدعم السريع، ولن تعني سوى توسعة انتشاره، الأسرع - تقنياً - بالفعل من قدرة الجيش التقليدية، على الانتشار والملاحقة، ما سيجلب المزيد من الفوضى، وسيجعل احتواء القوة العسكرية لحميدتي مستحيلاً، في تكرار لمسعى إضعاف المركز، ودعم قوى دون الدولة في الأطراف.
وقد تم تظهير ذلك، في آخر عامين في شرق السودان، بتصاعد فاعلية ونفوذ الإمارات والسعودية هناك، مع تكرار قطع طرق الشرق، حيث ميناء ومدينة بورت سودان الحيوية، التي تربطه بالخرطوم وباقي البلد، بفاعليات احتجاجية أقامتها أحياناً قوى لوّحت بالمطالبة بالانفصال بالفعل، ما جذّر شكلاً من الانفصال الجغرافي للشرق في الشهور الماضية، ومثّل غطاء لتمرير السلاح إلى الدعم السريع، الذي لم يرتكز قبل ذلك في بورت سودان وكسلا، لكنّه يمتلك الآن نقطتيّ ارتكاز هناك، هي ذاتها نقاط استقبال العتاد والسلاح القادمين من إثيوبيا بحراً، وسددت ثمنهما الإمارات والسعودية، وقد راكم ذلك، قوّة عسكرية أكبر من ذي قبل، موضوعياً، وربما أعلى نوعياً، وذات ولاء للمموّل الخليجي الذي أعطى له رحيل البشير، هامش حركة أعلى، مثل إثيوبيا، وجمعته بالدعم السريع، أرضية تنسيق مشتركة في حرب اليمن وتجارة الذهب لسنوات، وصولاً إلى الهبة الإماراتية التي سبقت اندلاع المواجهة مباشرة، وكانت عدداً كبيراً من سيارات الدفع الرباعي فئة لاندكروزر، بلغ 200 سيارة.
لقد كشف الخطاب الإعلامي الخليجي، تكاملاً سياسياً مع مواجهة حميدتي للجيش السوداني، مثل احتواء الإمارات والسعودية له نفسه، وتغذية قواه الصلبة، بصفته مقدّم خدمات عسكرية وسياسية، ومتعهّد مرتزقة، وبطموحه الشخصي لمقعد الرئاسة وتقلّباته الانتهازية في الداخل، التي جعلته الآن حليفاً، تحت مظلّة الإمارات، لمكوّنات مدنية، تطالب بالديموقراطية، وبادل بعضها العداء سابقاً، أحدها ياسر عرمان المُعادي لمصر، المنشقّ عن الحركة الشعبية لتحرير السودان ــ الشمال مشكّلاً ما سُمّي(التيار الثوري الديموقراطي)لها، الذي شجّعه على الاتجاه شمالاً حيث مطار مروي، ويطمح بدوره للسلطة والترشّح للرئاسة.
لهيب المشهد السوداني، يقود إلى تهديد خطير لمصر، من زاوية قطع اتّصالها الجغرافي بمنابع النيل وإثيوبيا وسد النهضة، ما يحجّم الخيارات الشحيحة أصلاً، مع الضغط الدولي على الدولة السودانية ذاتها، الذي عكسه تمديد مجلس الأمن العقوبات قبل شهر فقط من المواجهة الحالية، وهرولة المبعوث الأوروبي إلى الخرطوم لطرح وقف إطلاق النار بالوضع الحالي، أي إخلاء الطريق للدعم السريع وعرقلة مواجهته، بعد إخفاقه خلال يوم الاشتباك الأول في تثبيت نقاط سيطرة منيعة في العاصمة، أو تحقيق هدفه بأخذ منشأة حيوية رئيسية.
ولا يبدو أفق مصر وفق تلك المعطيات الحالية، والواقع المحلّي المصري، وانكماش بنيته الإنتاجية بالبيع لنفس الطرف الداعم لحميدتي، سوى نسخة أفريقية من باكستان، حيث الشحّ المائي وتدنّي الإنتاج الزراعي، والاعتماد على العمالة منخفضة المهارة والقيمة المنتَجة، مع تصدير الأعلى تعليماً إلى الغرب.
نقطة التقاء مثالية بين مصالح الغرب ومصالح بعض العرب وإسرائيل، التي استهدفت تاريخياً العلماء العراقيين ونرى استهدافها المنشآت البحثية العلمية السورية، حين يصبح كامل المحيط القريب للنفط استهلاكياً، ويخلو من أي بؤر صناعية أو علمية، ويحدَد تأثير مصر وتُستغل إمكاناتها بالمزيد من التحجيم، في سياق فقد تحكّمها بمقدراتها الاستراتيجية لصالح القوى الأخرى.
انّ مسألة نشر الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة، منذ الحرب العالمية الثانية وما بعد انتهاء الحرب الباردة، وما يجري الان من سيولة عسكرية متفاقمة، بسبب تداعيات المواجهة الروسية الأطلسية عبر أوكرانيا، وحروب الوكالة وادارتها من الخلف، للمرة الأولى تنشر الفرقة 101 في رومانيا، مع حشود عسكرية إضافية في بلغاريا ورومانيا أيضاً، وهذا يعني أن الناتو كمنظمة هجومية عدوانية، يتحسّب لتوسع الحرب بفعل المواجهة الروسية الأطلسية، وتزامن ذلك مع عودة وتنامي الإرهاب، بفعل أمريكي أطلسي في القرن الأفريقي والقارة السوداء أو السمراء، وما يجري الان في السودان، من نذر حرب أهلية، قد تتوسع وتنقل العدوى الى جل ساحات ومساحات القارة الافريقية، لمواجهة النفوذ الروسي والصيني والإيراني ونفوذات حزب الله، ولمنع موسكو ويكين وطهران وحزب الله، من التمدد داخل السودان.
وفي تفصيل صغير: صار الصراع الجيوسياسي ينطلق باتجاه منطقة البحر الأسود بين روسيا والأطلسي، ونحو القرن الأفريقي والبحر الأحمر والساحل الأفريقي، بين محور الأنجلوسكسون وإسرائيل وفرنسا من جهة، وروسيا والصين وايران وحزب الله من جهة أخرى.
ما نلاحظه الان وبعمق، هو أنّ حروب الوكالة مع الإدارة من الخلف لها، باتت تدور في القرن الأفريقي – الصومال، ضمن مشهد يتم هندسته بشكل جيد، لمواجهة تصاعد في النفوذ الروسي والصيني، مع تنامي نفوذ إيراني ولحزب الله ليس فقط هناك، بل وفي جلّ القارة الأفريقية السمراء، ووفقاً لنقاط الصراع هنا وهناك، صارت القوى العظمى، تعتبر منطقة القرن الأفريقي، ومساحات وساحات البحر الأحمر، مركزاً مهماً للمنافسة الجيو – سياسية، حيث لاحظ المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، ومستعمرتها في الشرق الأوسط "إسرائيل"، دخول لاعبين كبار وعظام ودول إقليمية عظمى، وذو وزن أممي في القرن الأفريقي خاصةً، وجلّ عروق الجغرافيا الأفريقية السمراء، مثل الصين والفدرالية الروسية وايران.
لاحظ الجميع أنّ هناك تكاثر أفقي ورأسي لجهة النوعية للجماعات الإرهابية في القرن الأفريقي والقارة السوداء، تزامن مع تصاعد للوجود العسكري والمخابراتي للمعسكر الغربي وأمريكا، وفي المعلومات: هناك هجرة بتذكرة باتجاه واحد، للجماعات التكفيرية الإرهابية من سورية والعراق وليبيا، الى السودان عبر حدثه الحالي، والصومال والقارة الأفريقية، حيث الفاعل المتفاعل والناقل هو: أمريكي وبريطاني، وفرنسي واسرائيلي، لكبح تصاعد النفوذ الروسي والصيني هناك، وفي الساحل الأفريقي، وما وجرى ويجري في اليمن من عدوان انجلوسكسوني إسرائيلي، عبر السعودي والإماراتي، يقع ضمن سياقات ميكانيزميات هذا الصراع على القارة السوداء.
وما موضوعة ومسألة الحدث السوداني الحالي ولهيبه، وتصاعد الهجمات الإرهابية مؤخراً في الصومال، الاّ لخلق وتخليق، سلّة أسباب متعددة، لغايات التبرير اللازم والمقنع، للوجود التدخلي لمحور الانجلوسكسون، مع العلم أنّ هناك قوّات عسكرية أمريكية وبريطانية وفرنسية في الصومال، مع تواجد قوّات تركية وازنة، وكل ذلك تحت عنوان عريض: تدريب القوات الصومالية لمواجهة الإرهاب، أو ما يسمى بالإرهاب المعولم وفقاً لمعايير الانجلوسكسون.
ولا نكشف شيئاً جديداً، عندما نقول: انّ أجهزة ومجتمعات المخابرات الغربية والأمريكية والاسرائيلية، تخترق الجماعات الإرهابية التكفيرية، وتقوم باستخدامها وتوظيفها وتوليفها، ضد الروس والصين وايران وحزب الله، وما يحصل اليوم في القارة الأفريقية والقرن الأفريقي بشكل خاص والسودان، وما سيحدث في إقليم دارفور عبر الجنرال دقلو – حميدتي لاحقاً، وما سيحصل لأحقاً هناك في كل ساحات ومساحات أفريقيا، هو مشابه لما حصل ويحصل في الشرق الأوسط، الذي عانى ويعاني من سيولة عسكرية مفرطة، درجة الإسهال العسكري والمخابراتي القذر، وما جرى أيضاً، خلال عشرية النار المعروفة للجميع.
انّ منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وجلّ الساحل الأفريقي، منطقة تنافس وصراع جيو – استراتيجي غير عادي، وخاصة بعد أن تم طرد فرنسا من مالي، ومع توسعات للحضور الروسي والصيني والايراني وحزب الله في أفريقيا، جرى ويجري تحريك الجماعات الإرهابية، لغايات إيجاد التبرير للحضور الغربي العسكري هناك، ومع العلم أن الصين بذلت جهوداً جبّارة لحل مشكلة المياه في مالي قبل وبعد طرد فرنسا من هناك، الاّ أن الغرب عرقل ومنع هذا الأمر.
واشنطن، تحاول أن تسبق موسكو وبكين في حضورهما في السودان وفي القرن الأفريقي، وجلّ القارة السمراء، الغنية بالذهب واليورانيوم والغاز والنفط، وعظيم الثروات النفيسة الأخرى، وان كان الوجود الأمريكي الان في الصومال ضعيف، لكنه قوي في جيبوتي، وما يجري من صراع في القرن الأفريقي والقارة السمراء، ليس بعيداً عن المواجهة الروسية الأطلسية عبر أوكرانيا، وليس بعيداً عن الصراع الأمريكي الصيني، وما يجري في تايوان، والتي هي بمثابة قنفذ شائك.
السياسة الأمريكية تقوم على سياسة الأخطاء نفسها، بعبارة أخرى تقول: كوادر الدولة العميقة في الكارتل الحاكم في أمريكا: نحن امبراطورية الآن، وعندما نقوم بأي شيء فاننا نخلق واقعنا الخاص، وفيما يواصل الأعلام والمفكرون والباحثون دراسة ذلك، سنقوم بشيء آخر مجدداً لنخلق أشكالاً جديدة أخرى من الواقع، وسيكون بامكان الجميع دراستها أيضاً وبهذا الشكل سوف تترتب الأمور، فالتاريخ يصنعه صانعوا الحروب، أمّا كل ما يفعله الآخر من مراكز الدراسات والبحوث وحتّى في أجهزة المخابرات، هو دراسة ما نفعله نحن بعمق.
ولفهم جلّ المشهد الدولي وانعكاساته على المشاهد الأقليمية في أكثر من منطقة وأزيد من مكان وساحة وتفاعلات ذلك وتداعياته، لا بدّ من استدعاء الجغرافيا والتاريخ كلسان لها، الكيان الصهيوني يعمّق امتداداته الأفقية والعامودية في القارة الأفريقية، حيث جل أجهزة المخابرات الأممية ذات المكانة والنوع، وبالتعاون مع المافيات المحلية والأقليمية المعولمة، تعمل هناك تحت عناوين الأستثمارات وعمليات الأغاثة الأنسانية، وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة، باسناد من ما تعرف باسم مؤسسات المجتمع المدني والشركات المتعددة الجنسيات، فأين الدور المصري والدور المغربي والدور الجزائري من هذا الدور الصهيوني والذي تتفاقم هندسة فعله، ودور باقي العرب وساحاتهم، الدور المضاد بالمفهوم الأستخباري والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي والمالي؟!.
وتل أبيب والتي صارت تل حبيب، تسعى إلى أن تكون عضو في الإتحاد الأفريقي كعضو مراقب أو كامل العضوية، وهذه مهمة الموساد الأفريقية – الموساد والتوغو، فأين المخابرات العربية والتوغو؟ الدولة الوطنية السورية ومجتمع مخابراتها ورغم الحرب الكونية عليها، هي الدولة الوحيدة التي أشارت ونبّهت إلى خطورة هذا التمدد وأثره على الأمن القومي العربي والإسلامي، وتعمل وبعمق مع المخابرات الروسية والأيرانية والصينية ومخابرات حزب الله في القارة الأفريقية، في متابعة هذا الأنتشار السرطاني لدور الكيان الصهيوني والحد منه، عبر عمليات مخابراتية وعسكرية واقتصادية ساكنة نمسك عن ذكرها الان، كل ذلك رغم الحرب والمؤامرة عليها، حيث باتت الحرب في نهايتها عبر فعل البوط العسكري السوري المتفاعل مع مناخات انجازاته.
اذاً سورية ورغم كل ما جرى لها، فرعها الخارجي لمجتمع مخابراتها يعمل بعمق مع حلفائه في ساحات القارة الأفريقية، صوناً للأمن القومي العربي والاسلامي، والدول العربية الساكنة في حراكاتها، أجهزتها الأمنية متفرغة لمواطنيها؟ يا الله كم هي مضحكة مبكية هذه المفارقة بهندسة احداثياتها وقولبتها.
التي تفرض استراتيجيات الدول المختلفة الفاعلة والمقرّرة ازاء أي منطقة هي الثوابت الطبيعية الجغرافية، وتعمل الدواعي التاريخية على تحريكها لتلك الأستراتيجيات الخاصة، بالفاعلين من الدول أو حتّى الحركات والجماعات ذات الأذرع العسكرية، والتي تكون أقل من دولة وأكبر من حزب أو حركة أو جماعة.
والجغرافيا أي جغرافيا، نعم قد تكون صمّاء لكنّ التاريخ هو لسانها، وصحيح أنّ التاريخ هو ظلّ الأنسان على الأرض، فانّ الجغرافيا الصمّاء هي ظل الأرض على الزمان.
حال البعض منّا ليس أسوأ من معظم علماء الأركولوجيا المنوطة بهم مهمة دراسة آثار المجتمعات الإنسانية الغابرة وتراثها الحضاري والثقافي، ولكن يبقى المغفّلون والسذّج منهم أقلّ ضرراً وخطراً من الأشقياء الدهاة المأجورين أو المتحيزين الذين يصنعون متاهات التاريخ والجغرافيا.
نعم العرب كثبان بشرية على غرار الكثبان الرملية تتقيأ المال مثلما تتقيأ الدم والطعام، وأمريكا صارت ضرورة شيطانية لبعض العرب(يا للعار)، وعندما تبعثر السوريون الطبيعيون تبعثر العرب معهم، والأمريكان تسكنهم قعقعة المصالح بينما العرب تسكنهم قعقعة الغرائز، ولا أحد يستطيع أن يغسل تلك الخطيئة التي تدعى العرب(مع كل أسف)، والخلاف بين العربان حول تقاسم الجثث والموتى فقط.
العرب كأصول سامية انغمسوا في هاجس اللحظة، في حين الأصل السامي الآخر(اليهود)انغمسوا في هاجس الزمن، بعبارة أخرى العرب الآن يعيشون اللحظة ويلعبون فيها وردودهم انفعالية ويحكمهم منطق قبلي، واليهود يعيشون الزمن ويلعبون فيه ويحكمهم منطق الأمبراطورية.
كلانا عرب ويهود ننحدر من أصول سامية لا جدال في ذلك، ومن يقول من اليهود ومن تحالف معهم: أنّ العرب ضد السامية هو جاهل بامتياز، لأنّه لا يمكن للأنسان أن يكون ضد نفسه فنحن ساميون حتّى العظم، لكن المفارقة العجيبة والغريبة تكمن في الفارق في الرؤى والأستراتيجيات بين العرب واليهود، وكلانا ساميون حتّى النخاع.
اليهود ضاربون وموغيلون في علم الخرافة، ولكنّهم شغّلوا أدمغتهم في حدودها القصوى، فأنتجوا أشياء وأشياء وصنعوا، في حين العرب ضاربون وموغيلون في علم الكلام والنحو والمنطق والفلسفة، شغّلوا أدمغتهم في حدودها الدنيا، فأنظر الى حالنا وكيف يستخدمنا الآخر لمحاربة بعضنا البعض، ضمن استراتيجيات الخداع الأستراتيجي(حروب عربية عربية)كنهج ولاياتي أمريكي وهي انعكاس لأستراتيجية الصبر الأستراتيجي، لصناعة حروب متنقلة(عربية عربية)والبدء من اليمن، وكلا الأستراتيجيتين وفّرتا الغطاء للعملية العسكرية والتي ما زالت جارية على اليمن الطيب والفقير – رغم تجميدها الان ولا نقول انهائها، حيث لعنة الجغرافيا تلاحقه فما ذنبه؟.
الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تشكيل بازارات من الحروب الطائفية والمذهبية، والتي يجري انضاجها على نار حامية في جلّ المنطقة العربية، وتجعل اسرائيل تتموضع في خارطة العمل العسكري الحالي على اليمن في الظل، حيث تتقاطع مصالحها(أي اسرائيل الصهيونية)مع البعض العربي الآخر، والذي بلع الطعم اليمني حتّى اللحظة بنهم، حيث آعاد التاريخ نفسه ولكن بالمقلوب في الحالة اليمنية الآن، حيث شعبها طيب وفقير وخطيئته الوحيدة هي الجغرافيا ولغتها.
أمريكا تحارب العرب بالعرب عبر عملها الدؤوب لتشكيل حلف ناتو عربي(أو تحت عنوان تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، وقد يولد في لحظة زمنية ممكنة الآن في ظل عالم متعدد الأقطاب، بشكل رسمي – راجع تحليل لنا بعنوان: عملية تهريب الخوذ البيضاء كرد فعل لعملية أطمة الأخيرة في شمال ادلب)بدافع الرجولة الوهمية مع كل أسف، لأشعال حرب بسوس القرن الحادي والعشرين، ولمحاربة كل من لا يسير في الفلك الصهيوني والأمريكي من العرب، فالى من تبقى من العرب ولم يطق عرق الحياء فيه، لنعيد انتاج أنفسنا وفقاً لمصالحنا القومية ولنبدأ بالخطوة الأولى الآن، ولنصل الى تفاهمات شاملة ولو بحدها الأدنى مع النسق السياسي السوري لنعيد الروابط من جديد.
واضح أنّ ما يجري في شرقنا الأوسط، هو حرب السيطرة على هذه المنطقة الحيوية، حيث الغاز ومسارات خطوط أنابيبه عصبها ومحركها، والأطراف الرئيسيّة المشاركة في هذه الحرب، بجانب إيران وتركيا والسعودية وقطر "واسرائيل"، الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، والأخيرة لا تملك حقول غاز في منطقتنا وان كانت تملك محميات أمريكية، لكنها تريد امتلاك الفيتو على تحديد مساراتها إزاء شمال أوروبا وجنوبها، كون واشنطن استراتيجياً تعمل على إضعاف كل دول القارة الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وحصتها من العوائد(تضررت السياسة الأمريكية من خروج بريطانيا من الأتحاد الأوروبي، كونها حصان طروادة الأمريكي والأسرائيلي في القارة الأوروبية العجوز ولكنها متصابية)، ومن المحتمل أن تدخل مصر إلى ساحة الصراع في المستقبل، من هنا يجب تفهم الوضع الحسّاس لإيران، حيث تقف بكل وضوح وقوّة في وجه تغيير النسق السياسي في سورية وعنوانه الرئيس الدكتور بشّار الأسد، لأنها تعتبر أنه إذا ما سقطت الحكومة السورية، فهذا يعني تعاظم في قوّة منافسيها في المنطقة، وأنّ استراتيجيات إدارات التوحش الأمريكية سوف تستهدفها ومن ورائها الفدرالية الروسية والصين وعبر تركيا ذاتها، حيث إيران نفسها الخاصرة الروسية الضعيفة.
اذاً ما يجري في المنطقة، هو حصيلة جمع نتائج التصادم الدولي حول المصالح الاقتصادية وأوثق استثماراتها وعلاقاتها، بجانب صناعة الأزمات والإرهاب والاستثمار في العلاقات العسكرية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وعلى منابع الطاقة ومسارات عبورها ووصولها، بأقل تكلفة وبأسرع وقت إلى مصانع ومجتمعات منظومات الدول المتصارعة.
إن الاتفاقيات الإستراتيجية بين أقوى المكونات الدولية موجودة، والخلافات صارت محصورة في الأهداف وكيفية المعالجات، ومقاربات المصالح الدولية الاقتصادية والسياسية، خاصةً مع وصول الفدرالية الروسية إلى المياه الدافئة، حيث منابع النفط والغاز والصخر الزيتي واليورانيوم واستثمارات موسكو الحقيقية في ديكتاتوريات الجغرافيا، للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب وحالة من التوازنات الدولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
أمريكا لا تريد انهاء الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما تريد ادارة الأزمات، لا بل وأزيد من ذلك، تستخدم الأزمات عبر الوكلاء من بعض عرب، كأسلوب ادارة لذات الأزمات، لذلك واشنطن دي سي تدرك أنّ العقدة الحقيقية في المنطقة تكمن في أنّ كل شيء ممكن وفي ذات الوقت ليس كلّ شيء متاح، وتدرك أنّ وكلائها في المنطقة لا يدركون ذلك، وان أدركوه تناسوه وبادروا الى الفعل لغايات آنية ضيقة، وجعلوا صراعاتهم كدول صراعات شخصية بل وطفولية.
وهناك بون شاسع بين الممكن والمتاح، وهو المسؤول عن تموضع الشكل والجوهر الذي ينتهي اليه مسرح العمليات، حيث تضيق الخيارات كل الخيارات، وزمن المتاح بدأ يتلاشى قبل الكارثة القادمة التي ستمزّق المنطقة وعبر حرب العرب بالعرب، حيث العرب ما زالوا يمارسون استراتيجية اللهاث وراء ايران، والأخيرة توظف وتستثمر في الأيديولوجيا لأحداث اختراقات جيواستراتيجية تخدم مصالحها، في حين أنّ العرب الأيديولوجيا عندهم تستخدم لحماية الأنظمة حتّى ولو قادت الى تفتيت المجتمعات أو حتّى الغائها.
الحرب والعدوان على اليمن فضيحتنا الكبرى كعرب، نقول: ايران وصلت الى هناك.. حسناً، من الذي أوصلها وفتح أمامها الأبواب؟ ألسنا نحن العرب؟ من الذي ترك اليمنيين طوال عقود خلت على تخوم العدم؟ ألسنا نحن العرب؟ أرادوا لليمن أن تكون رجولته عند حدود الجنبيّه(الخنجر)، انّ الحفره اليمنية بمثابة برمودا عربي، صحيح أنّه في اليمن شعب بهياكل عظمية بفعلنا كعرب، وصواريخ تنهال عليه، ولكن جلّ العرب هياكل عظمية بعد أن دمروا جيوشهم بآياديهم فصارت المقاومة وجهة نظر والأرهاب وجهة نظر، والأسرائيلي يشترط على قادة العدوان العربي على اليمن، تسليم قاعدة تعز اليمنية الجويّة لتقديم المساعدات العسكرية الفاعلة والفعّالة بشكل أعمق مما هي عليه الآن، بشكل متزامن مع زيادة الأمريكي لعديد قوّاته في اليمن كما أعلن البنتاغون ذلك.
فمن يفشل في المعركة كما هو حاصل الآن في عدم تحقيق أي هدف من بنك أهداف الحرب على اليمن، والتي صارت تعصف بأصحابها، لن يكون قادراً على تكرارها بالمطلق لا على ذات الميدان اليماني ولا على الميدان السوري ان فكّر وقدّر(المجازر في دير الزور بحق السكّان، الذين يلتقطون الأكمه، كانت محاولة أخيرة)، ولا حتّى في وعلى ميدانه الداخلي، حيث وحدهم ووحدهم فقط أصحاب القضية من يكرر المحاولة، أمّا أصحاب المشارييع سواء كانوا من الأصلاء أو الوكلاء للغربي، فيبحثون دوماً عن البدائل تنفيذاً لدور مرسوم ومقدّر لهم بامتياز.
كارل روف ومعه ثلّة من أمراء ليل، هو جنيّ البيت الأبيض، وأحد أهم مهندسي حروب القرن الحادي والعشرين، وعلى رأسها حرب العراق واحتلاله، والتي خطط لها لتصل لسورية الدولة والشعب والنسق السياسي والجغرافيا، ولباقي الساحات العربية الضعيفة والقوية.
فالإمبراطورية الأمريكية، هي امبراطورية الجمهوريون المحافظون الجدد، الذين يعتبرون الخطاب الديني ركيزة لأجل ضمان أمن أمريكا ورفاهية شعوبها، من خلال ما يشبه المصالحة مع اليهود.
ولمّا كانت القارة الأفريقية السمراء أو السوداء، بمجملها تشكل العمق الأستراتيجي العربي والأسلامي أو قل الجبهة و\أو الحديقة الخلفية لعالمنا العربي والأسلامي معاً، ظلّت القارة الأفريقية في دائرة الأهتمام لللأستراتيجية الأسرائلية الصهيونية ودبلوماسيتها المزدوجة، منذ وجود هذا الكيان العبري السرطاني، والذي لا يقر بحدود لدولته ولا لأطماعه، ويسعى للتوسع اقتصادياً( مثال: مشروع قناة البحرين الثلاثي الذي تمّ توقيعه مؤخراً، ومشروع تصدير الغاز الأسرائيلي من سواحل المتوسط الى شركة البوتاس العربية على الجانب الأردني من البحر الميت كما صرّح وآفاد عوديد عيران السفير الصهيوني الأسبق في عمّان)لتذويب الصراع العربي الأسرائيلي بعد أن تم وقف توسعه الجغرافي الى حد ما، عبر ما تسمى بمعاهدات السلام العربية معه، ان عبر مصر، وان عبر عمّان، وان عبر منظمة التحرير الفلسطينية، وان عبر اتفاقيات إبراهيم، مع التسليم برفضها شعبويّاً ومن جانب كاتب هذه السطور.
وعلى ساحاتها وميادينها للقارة السوداء، ان لجهة القوي منها، وان لجهة الضعيف أيضاً، تشكل ويتشكل بعمق متجدداً الصراع العبري الأسرائيلي الصهيوني مع ايران وحزب الله دائما وأبداً، والصراع العميق بين البلدربيرغ في الداخل والخارج، مع النواة الصلبة في بكين ومثيلتها في الفدرالية الروسية، وتصارع فرنسا عبر مجموعات دول الفرانكفونية مع كل تلك القوى رغم ضعفها، باعتبار أفريقيا مناطق نفوذ فرنسي قديمة تعود الى حقبة الأستعمار.
لقد أسفر المخاض العالمي المضطرب آنذاك في 15ايار عام 1948 م عن ولادة قيصرية لهذا الكيان العبري في وسط المنطقة العربية، ولم تكن هذه الولادة مفاجأة بل سبقها فترة حمل طويل حقيقي عانت وما زالت المنطقة بأسرها من ويلاتها ومن المؤامرات التي آحاطت بها، فتم زرع هذا الكيان في قلب العالم العربي بدعم ومباركة من الدول الغربية وفي غيبة الوعي والأرادة العربية أنذاك، فعجزت جيوش الدول العربية مجتمعةً عن اقتلاع هذا الوباء من الجسد العربي المتهالك، ومنذ ذلك الوقت والمنطقة تعج بالصراعات بين هذا الكيان السرطاني البغيض من جهة، وبين دول عربية جريحة، وما زالت ساحات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ضعيفة، وتمثلت جهودها(أي الدول العربية الجريحة) فقط في محاولات عروبية على حصاره ومنع انتشاره والحيلولة دون توغله في الجسد العربي ولم تفلح.
مقابل ذلك تجهد الدولة العبرية وبشكل دوؤب على كسر هذا الحصار والعمل على النفاذ داخله تارةً، والألتفاف حوله تارةً أخرى، وها هي اسرائيل الصهيونية الطارئة على كل شيء، تجد متنفسها الآخر في القارة الأفريقية، بعد فشل مشروعها في سورية والعراق ولبنان، فهي(أي أفريقيّا) ميدان سياسي واقتصادي وعسكري واستخباري رحب، نحو تحقيق أهدافها في الألتفاف حول الطوق الذي فرض عليها الى حد ما من الدول العربية سابقاً(قمة التوغو قبل خمس سنوات من الآن، بين الكيان الصهيوني وجلّ دول القارة السوداء، خير مثال على عميق العلاقات الأسرائلية الأفريقية في لحظة الغفلة العربية، والتي وصلت لدرجة كوما من مستوى متقدم).
لقد كانت ما تسمى بعملية التسوية السياسية السلمية بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991 م، قد أدّت الى تأمين هذا الكيان العبري بالمعنى العضوي والسياسي، وبالتالي أمّن ذلك لهذا الكيان تنفيذ استراتيجيته في القارة السوداء، لملء الفراغ الذي خلّفه العرب بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
وكم حذّر الملك الحسين رحمه الله تعالى، العرب مجتمعين ومنفردين من خطورة الفراغ العربي في أفريقيّا، وحاول مراراً وتكراراً على ضرورة ملئه بعد وفاة عبد الناصر ولكن لا حياة لمن تنادي.
ويستغرب كاتب هذه السطور بعدم متابعة ما كان يعمل عليه الملك المرحوم الحسين، من قبل نواة الدولة الأردنية السياسية والمخابراتية، وأذكر وأنّه وقبل سنوات ما يسمى بالربيع العربي وبمبادرة من الجانب الأردني، عقد الملك عبدالله الثاني والرئيس اليمني السابق المتوفي علي عبدالله صالح والرئيس المصري السابق المتوفي محمد حسني مبارك، اجتماعاً ثلاثياً في العقبة في نهاية عطلة عيد الأضحى المبارك أنداك، لبحث موضوعة القرصنة في مياه البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والدور والوجود العربي المرجو في مياه البحر الأحمر وعلى سواحله، وبحضور المرحومين عمر سليمان مدير المخابرات المصرية، والمشيرسعد خير مدير وكالة الأمن الوطني آنذاك، والمرحوم سميح عصفورة مدير المخابرات الأردنية، ومدير المخابرات اليمني في عهد صالح لا أتذكر اسمه، وبحضور خبراء من الأطراف الثلاثة مسنّدة بالمعلومات والخرائط، حيث صرفت الجهود وساعات عمل ولجان كثيرة.
وبعيداً عن سياسات تدوير الزوايا، الغريب في هذه المسألة أيضاً، أنّه لم يتم البناء على ما بدأه الملك عبدالله الثاني بعد وفاة والده الملك الحسين، لا من الجانب الأردني ولا الجانب المصري ولا اليمني وكأنّنا بلا أفق سياسي استراتيجي، ولا نفكّر أبعد من أرنبة أنوفنا بعكس عدونا الأسرائيلي الصهيوني الأستراتيجي.
الصورة تتغير وبسرعة الآن لغير صالح العرب والمسلمين، حيث بدأت حكومة هذا الكيان السرطاني تتسلل تدريجياً وبقوّة الى أفريقيا، عبر التعاون الأمني والفني مع بعض دول القارة، أو من خلال الروابط التجارية والأقتصادية، والعدوان العربي على اليمن يأتي ضمن هذه السياقات حيث كلمة السر فيه مضيق باب المندب.
في المعلومات، جميع رؤساء أجهزة مجتمع المخابرات الصهيوني، قاموا بزيارات بعضها معلن والكثير منها سريّة الى القارة الأفريقية تركز على دول محددة ومعينة دون غيرها في القارة السوداء، تلك الدول التي تتميز بروابطها التاريخية والتجارية والأقتصادية والأمنية – الأستخبارية، مما يطرح بعض التساؤلات من طبيعة نوايا الدبلوماسية الأسرائيلية الصهيونية لاحقاً نحو أفريقيا على شاكلة التساؤل التالي: هل التركيز العبري الصهيوني سيكون على تلك الدول ذات العلاقات القويّة مع تل أبيب؟! أم استخدام وتوظيف وتوليف هذه الدول في سياق قواعد شاملة بما فيها الأستخباري – الأمني، تتيح لتل أبيب توسيع علاقاتها الأفريقية لمنافسة دور ايران الصاعد في أفريقيا(أحسب أنّ إدراك الإسرائيليين الصهيونيين المتزايد باستمرار، بأن إيران دولة الضرورة للجميع على وشك أن تصبح قوة نووية)، ومن خلفه أدوار شاملة لحزب الله اللبناني، والدور الصيني العميق ومن خلفه أو أمامه أدوار روسية تطوّر وتبني على الموجود وتسعى الى الاستراتيجي الأوسع؟!.
تعتبر كينيا الأفريقية، الدولة التي تستضيف أكبر وأهم قاعدة استخبارية للموساد الأسرائيلي، حيث العلاقات الكينية – الأسرائلية متنوعه ومتميزة تجارياً واقتصادياً بسبب الروابط التجارية والأقتصادية بين اسرائيل والشركات اليهودية العالمية( الناشطة في تجارة التبغ والبن والشاي )من جهة، وكينيا من جهة أخرى، أضف الى ذلك توجهات مجلس الكنائس الكيني الداعم للمسيحية الصهيونية.
أمّا أثيوبيا فحدّث ولا حرج، فهي تمثل الحليف الأستراتيجي لأسرائيل و واشنطن في القرن الأفريقي(على سفارتنا هناك أن تقوم بدور عميق وطني وعروبي ومخابراتي، لمتابعة النفوذات الصهيونية وأدوارها خاصة وأن عمّان لديها سفير هناك)، اذا ما استثنينا فترة حكم الرئيس الماركسي مانغستو هايلي مريام فقط، في حين تمتاز العلاقات التركية الأثيوبية بالتطور النوعي وفي المجالات السياسية والعسكرية والأقتصادية والأستخباراتية، ولنا في قصة وموضوعة سد النهضة على منابع النيل مؤشرات سيناريوهات الصراع التركي المصري الآن، واستغرب وأتعجب كيف تم التوقيع مؤخراً من قبل الرئيس السيسي، على اتفاق اعلان مبادىء بخصوص سد النهضة الذي تبنيه أثيوبيا، حيث تلك التفاهمات لها أثر خطير وكبير على الأمن القومي المصري بشقه المائي وبالتالي على العربي، فهل هو توقيع اتفاق الضرورة لغايات الناتو العربي في حربه العدوانية على اليمن الآن، ولاحقاً مثلاً ازاء ايران ان فكّروا وقدّروا؟.
فحصّة مصر من مياه النيل وحسب اتفاقية 1929 م 55 مليار متر مكعب، فهل ستلتزم أثيوبيا في ملء سد النهضة بالماء سنوياً حيث يحتاج الى 63 مليار متر مكعب وأكثر من حصة مصر منه؟ كيف ذلك أجيبوا يا عرب؟.
وعمليات الحروب السريّة الإسرائيلية في أفريقيا كثيرة ومتعددة وتتجدد باستمرار، وما يجري في ما تسمى بدويلة جنوب السودان الآن من صراع ونزاع مسلّح، كيفما حسبته وحلّلته يقع في هذه الخانة، رغم عمق العلاقات الأسرائيلية الصهيونية مع تلك الدويلة المسخ(اسرائيل أفريقيّا) في الجنوب السوداني العربي، وهي أعمق خسائر الأمن القومي المصري بشكل خاص، والعربي بشكل عام، والمحزن المفجع أن جلّ العرب ومعهم الأردن اعترفوا بتلك الدويلة المسخ، الدويلة المولودة بالزنا والسفاح في فراش الأممية الغربية، والنتائج أبناء حرام وزانيات لديهنّ نزق مجنون، انّها نبته شيطانية رؤوسها كأنّها الشياطين.
لقد بكى كاتب هذه السطور(ذاكرتي ليست مثقوبة عربان)عندما أعلن المارشال عمر حسن البشير ذو العصا المارشالية الرئيس السوداني السابق، في ذات مساء يوم قمة عربية في شرم الشيخ، بوضع فخامته مائة ألف جندي سوداني تحت تصرف القوّة العربية المشتركة، فأين كنت يا فخامة المارشال حين اقتطعت دولة جنوب السودان 700 ألف كم وبكل ثرواتها المعدنية والنفطية والمائية من بلادك؟ واقليم دارفور يستعد لذات الخطوة دولة دارفور القادمة، وسيعترف بها العربان رغم أنفهم جميعاً الاّ من رحم ربي.
كذلك المدعي العام في الجنائية الدولية(سكّر ثمه الآن)لطالما تناهى الينا صراخه وزعبرته، كلّما انتقل فخامة الرئيس السابق المارشال من مكان الى مكان، بحجة أنّه مطلوب للعدالة بسبب جرائم الحرب في دارفور، والعرب قالوا ويقولوا: ايران عدونا، حسناً هي كذلك من زاويتكم يا عرب، ولكن اين اسرائيل؟ فكيف تسقط اسرائيل من العقل العربي ومن الذاكرة العربية؟ كذلك امدادات الأسلحة العبرية في الماضي القريب، وهذا الزمن العربي المأزوم والمتهالك، تكمن وتتمثل عبر أوغندا باتجاه حركات التمرد الناشطة، ليس فقط في جنوب السودان وشرق زائير، بل في كل البؤر الساخنة من شمال أفريقيّا الى جنوبها ومن شرقها الى غربها، والآن الرئيس الأوغندي وجهاز مخابراته بإيعاز من المخابرات الفرنسية، بعد أن اجتمع مدير الفرع الخارجي الفرنسي الجديد معه لبعض سويعة كما تقول المعلومات، يتوسط بين رئيس الدويلة المسخ ونائبه، لا بل ويرسل قوّات لحماية المدنيين، وتفعل الأمم المتحدة(فراش الأممية) وترسل قوّات فصل، انّها مفارقة عجيبة مضحكة مفجعة.
بجانب حلفاء اسرائيل الصهيونية في رواندا وبوروندي، هناك نيجيريا فهي مهمة للدولة العبرية الصهيونية، كونها تمثل الدولة النفطية الأكبر في أفريقيا، اضافةً الى وجود شبكات غسيل الأموال التي تشرف عليها المؤسسات المالية العالمية اليهودية، ومن تحالف معها من الشركات العالمية الأخرى ذات الطابع المسيحي الغربي، أضف الى ذلك وجود الشركات النفطية الأمريكية الأفريقية مثل: شيفرون والبريطانية مثل: كبريتيش بتروليوم الداعمة لأسرائيل الصهيونية، ويكفي ما يجري بحق المسلمين في نيجيريا من مذابح وحرق لهم وهم أحياء، في أخاديد عميقة وعبر صراع اثني طائفي عرقي ديني... ففتش عن اسرائيل الصهيونية يا عربي ويا مسلم.
وغانا حليف آخر للكيان الصهيوني، كونها تمثل الدولة المرشحة للقيام بدور رئيسي في استضافة القيادة الأمريكية الأفريقية، وقد زارها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في فترة رئاسته الأولى، كما قام الرئيس السابق دونالد ترامب بزيارتها، وقام بجولة افريقية عرّج على معظم الدول والساحات في القارة الأفريقية، وأجرى سلسلة تفاهمات عسكرية وسياسية وأمنية استخبارية ناجعة وناجحة مع القيادة الغانية، لذلك تسعى اسرائيل الصهيونية للتنسيق مع هذه الدولة، بما يتيح لتل أبيب القيام بدور المكمل والمساند للدور الأمريكي المرجو والمرتقب في غانا.
وما يتسنّى لنا من معلومات، نجد بعد التدقيق في طبيعة الوفود الأسرائيلية الصهيونية التي تزور القارة السوداء، أنّها تتكون بشكل أساس من قادة ورموز الصناعات العسكرية الأسرائيلية، وهو مؤشر على نتائج توقيع عقود الصفقات العسكرية الأسرائيلية مع الدول الأفريقية المعنية، فمتغير تجارة الأسلحة حاضر في أجندات جلّ الوفود الأسرائيلية الصهيونية.
أمّا فيما يتعلق بمتغير تهديد الأمن القومي المصري، نجد أنّه من بين الدول التي تزورها الوفود العبرية الصهيونية، هناك ثلاثة دول تسيطر على منابع نهر النيل، فأثيوبيا تسيطر على بحيرة " تانا " التي ينبع منها النيل الأزرق، وكينيا و أوغندا تسيطران على بحيرة " فكتوريا " التي ينبع منها النيل الأبيض، وتشي المعلومات الأستخبارية أنّ تفاهمات هذه المجاميع الصهيونية، مع زعماء هذه الدول تشمل ملف المنشآت المائية التي وعدت اسرائيل الصهيونية، اقامتها عند نقطة خروج النيل الأزرق من بحيرة " تانا " ونقطة خروج النيل الأبيض من بحيرة " فكتوريا "، وهذه المنشآت هي عبارة عن خزّانات مائية ضخمة تهدف الى رفع مستوى المياه في هذه البحيرات، اضافةً الى التحكم والضبط لتدفقات مياه النيلين الأزرق والأبيض.
وتسعى اسرائيل الصهيونية الى استيعاب المزيد من الآفارقة، ضمن دائرة النفوذ اليهودي عن طريق عمليات التبشير اليهودي التي حققت المزيد من النجاح في أوغندا وكينيا وجنوب أفريقيا، بحيث أصبح هناك عدد متزايد من اليهود الآفارقة الذين ستحاول اسرائيل خلال المراحل القادمة ليس تهجيرهم الى اسرائيل، وانما دعمهم ودعمهم، بحيث يصعدون على سلم النخب الحاكمة في بلدانهم، فتكون فائدتهم لأسرائيل أكثر نوعية وأهمية من توطينهم في الشمال الفلسطيني المحتل(اسرائيل الصهيونية الآن).
كما تجهد "اسرائيل" الى تنظيم الجماعات اليهودية في أفريقيا، مع نشر المزيد من الشركات اليهودية العالمية في القارة السوداء، بما يتلائم مع قيام الأقتصاد العبري بدور قطاع الخدمات الذي يقدم المساندة لمعاملات هذه الشركات، مع الدول الأوروبية والأمريكية من تقديم القروض وتنفيذ الترتيبات المصرفية وخدمات التأمين والشحن البحري.
ومن أهداف الدولة العبرية الصهيونية أيضاً في القارة السوداء، يتمثل في عزل الدول العربية عن القارة الأفريقية، بما يؤدي الى قطع الطريق أمام قيام أي علاقات عربية – افريقية حقيقية، وذلك بما يترتب عليه سيطرة الشركات الأسرائيلية على الخامات الزراعية والمعدنية والأفريقية، كذلك كسب السند الدبلوماسي الأفريقي لصالح اسرائيل في المنظمات الدولية ومحافلها وكواليسها، ففي أعقاب حرب تشرين عام 1973 م قطعت كل الدول الأفريقية وبشكل جماعي علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان العبري الصهيوني، مما جعل القارة السوداء قارة خالية من اسرائيل الصهيونية نوعاً ما، وقد أثّر هذا الموقف على توازن القوى التصويتي داخل الأمم المتحدة، والآن هاهي اسرائيل الصهيونية تحاول جاهدةً وبكل السبل لملء الفراغ الحاصل الآن، فكما هو معروف أفريقيا كانت لفترة طويلة واقعة تحت دائرة النفوذ الفرنسي(الفرانكفوني والبريطاني) الأنجلوفوني، وبقي النفوذ الفرنسي الآن رغم تراجعه، وتراجع لا بل انتهاء النفوذ البريطاني لصالح النفوذ الأمريكي، والذي تسعى اسرائيل الصهيونية جاهدةً، لأستخدامه كغطاء تتحرك بحرية تامة تحته ومن خلاله، بما يتيح القضاء وبشكل نهائي على تقدم الثقافة العربية والأسلامية، فحجم المخططات الأسرائلية الرامية الى انهاء ما تبقى من الوجود العربي في القارة السوداء كبيرة ونوعية، وعبر استغلال حالة الفراغ السياسي والأقتصادي والأمني الناجمة عن الأهمال الرسمي العربي لهذه القارة، لأنّه بخلاف ذلك تخشى اسرائيل الصهيونية الى نشوء النفوذ(العربفوني)المهدد لها في أفريقيا. ومن المعروف للعامة والخاصة في العالم، أنّ دولة إرتريا تملك أكثر الجزر المسكونة والصخرية الخالية في البحر الأحمر والبالغ عددها 126 جزيرة، وقد اشتريت منها مؤخراً(جزر أرخبيل دهلك) فاستأجرت إسرائيل ثلاثا منها «ديسي ودهول وشومي»، وتقول المعلومات وعلى لسان بعض الخبراء الدوليين، أنّه لم تكن مصادفة أيضاً أن تستأجر إيران جزيرتين من هذا الأرخبيل «فاطمة ونهلقه»، وجاء توقيع إيجار هذه الجزر ذات المواقع الإستراتيجية من خلال زيارات رسمية قام بها رئيس جمهورية اريتريا «أفورقي»، فكانت زيارته الأولى لإسرائيل الصهيونية سريّة لغرض العلاج في نوفمبر عام 1995م من القرن الماضي، وتم من خلالها التوقيع على اتفاقيات ثنائية عديدة أهمها دخول أرتريا ضمن فصول الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية في البحر الأحمر، وعلى أثر ذلك تم إنشاء برج مراقبة بحري ذي مدى بعيد، ليشرف على حركة الملاحة في البحر الأحمر من مضايق تيران حتى باب المندب، وتم استيطان(أكثر من ألف إسرائيلي إفريقي صهيوني من يهود الفلاشا) ليعملوا في المزارع المقامة للتمويه عن الغرض العسكري لها.
وقدمت حكومة "إسرائيل" بالمقابل عدداً من الزوارق الحربية السريعة المزودة بالصواريخ متوسطة المدى، مع زرع منظومة رادار بحري وبطارية صواريخ آلية «جبراييل» بإشراف مجموعة تدريب إسرائيلية صهيونية تقدم خبراتها للقوات البحرية الارترية.
وقد وصف «الرئيس أفورقي» علاقات بلاده المميزة مع إسرائيل الصهيونية قائلاً: إسرائيل دولة موجودة على الخريطة وعضو في الأمم المتحدة ومعترف بها دولياً، ونحن نتعامل معها على هذا الأساس وحسب مصالحنا القومية»، ونسي أو تناسى الرئيس الإرتري الحق العربي في وطنه السليب فلسطين المحتله، ومصالح بلاده العديدة في الدول العربية، وتعريض الأمن القومي العربي للخطر في منطقة جغرافية مهمة من البحر الأحمر، وهو الذي يتفاخر مع حاشيته بوصفه «جيفارا إفريقيا» ويرتاح شخصياً لهذه التسمية.
وتقول المعلومات وعلى لسان بعض الخبراء الأمميين، أنّ المستأجر الآخر الثاني هو النظام الإيراني المسلم، حيث أثمرت زيارة الرئيس أفورقي لطهران في 20 مايو 2009، والتي جاءت بدعوة من الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، وحققت نتائج هامة لكلا البلدين، منها اتفاقية ثقافية وعلمية مع مذكرة تفاهم لتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية وتفعيلها لحركة التبادل التجاري بين البلدين، واحتل الجانب العسكري حيزاً كبيراً في مباحثات الطرفين، حيث تمت الموافقة الإرترية بالسماح لإيران لبناء قاعدة بحرية تطل على باب المندب في ميناء «عصب»، وتقديم بترول إيراني بأسعار رمزية لدولة إرتريا، والمشاركة في التنقيب لاستخراج الذهب الذي اكتشف مؤخراً بكميات كبيرة في الجبال المجاورة للحدود الإثيوبية، علاوة على منح مالية خاصة لنظام أفورقي!
يعتقد كاتب هذه السطور ويحسب بعمق، أنّ البلدربيرغ يتحوصل تحوصلاً سياسياً في الداخل الأمريكي والخارج الأمريكي، ويطلق عمليات تمرين ذهني حي وتسويقي لجلّ الفكرة التالية للتشكيك بنوايا ايران الأسلامية ولأحداث الفتن حيث فكرة البلدربيرغ هي:- "إسرائيل" وإيران تلتقيان بوجودهما متجاورين في جزر ارتريا جغرافياً، وأيضاً في أهدافهم المشتركة الجيوسياسية، للسيطرة على مواقع مهمة وذات ميزة عسكرية في مياه البحر الأحمر القريبة من القرن الإفريقي ومنفذ باب المندب، وحتى لا يكون الوجود الوحيد بحرياً للدول العربية المطلة على سواحل البحر الأحمر، بل إن تدخل إيران و"إسرائيل" لتقاطع هذا الوجود العربي لمراقبة الحركة الملاحية التجارية والعسكرية في مياه البحر الأحمر، وتثبيت وجودهم في موانئه، لاستغلال الاستعداد الارتيري المتعاون معه بشكل ميكافيلي، دون الاهتمام بأمن وسلامة البحر الأحمر، وأن تقوم ارتيريا بدور الوسيط لهذا الالتقاء "الإسرائيلي" الإيراني وبتوجيه من "إسرائيل" وحلفائها، فهذا المشروع العدائي تم تخطيطه وتنفيذه في تل أبيب وأسمرة وطهران( كما يسوّق البلدربيرغ ونواته الصلبة، ومجتمع الميديا العالميه ومجتمعات الميديا العربيه من عرب روتانا الكاميكازيين المتحالفين مع جنين الحكومة الأممية)وليس من المعقول أبداً أن يقوم الرئيس أفورقي في وقته، تحت تداعيات الأحداث السياسية الإقليمية الحالية بدعوة إيران لاستئجار الجزر الإرترية، والمجاورة للقواعد الإسرائيلية الصهيونية، دون حصوله على الضوء الأخضر من "إسرائيل" وأصدقائها.
وتتحدث المعلومات، أنّ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قامت مؤخراً(وبشكل غير معلن)بإرسال وفد من أروقتها الأستخبارية، يسانده فريق مختص من الخبراء في شؤون خطوط العلاقات الأمريكية الأفريقية، وبناء على توصية من مجلس الأمن القومي الأمريكي برئاسة جيك سوليفان، لزيارة العديد من دول القارة السوداء، ولجولة هذا الفريق أهداف وأسباب عديدة تمتد ما بين المعلن وغير المعلن(ستؤسس لزيارة قادمة لجو بايدن للقارة السوداء قبل نهايات هذا العام)، بعيداُ عن المعلن لوسائل الميديا العالمية، وان كان هناك شيء معلن أصلا، سنبحث في غير المعلن للجولة، حيث تنطلق جولة هذا الفريق الاستخباري من مربعات الصراع الأمريكي الروسي الفرنسي البريطاني الصيني الإيراني وحزب الله على القارة الأفريقية، رغم التساوق في المواقف الفرنسية الأمريكية، إن لجهة المسألة السورية، وان لجهة باقي مسائل نتائج ما سمّي بالربيع العربي.
أفريقيا غنية بالموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن كثيرة وعديدة و نفيسة مثل الذهب والماس، وكذلك تتضمن أفريقيا وبشكل وافر الكعكه الصفراء(اليورانيوم)، كما تتمتع أفريقيا بالموارد الزراعية والأماكن السياحية الطبيعية الخلاّبة وتضم ثلث دول العالم الحالي، وكانت الإدارات الأمريكية السابقة تهمل الأهتمام بالقارة الأفريقية، ولكن بعد عام 1999 م بدأ الأهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية وانطلقت عجلة الحراك السياسي للخارجية الأمريكية، عبر جولات وجولات امتدت من جولة مادلين أولبرايت الى جولة كولن باول فجولة كوندا ليزا رايس الى جولات رئاسية قام بها كل من بيل كلنتون عام 1998 م وجورج بوش الأبن في عامي 2003 م و 2008 م، وبموازاة الحراك الدبلوماسي للخارجية الأمريكية ثم الرئاسي كان هناك المسار الأمني المخابراتي الأستخباري والذي ما زال يعمل في كل القارة الأفريقية متابعاً للنشاط الصيني والروسي والبريطاني والفرنسي والإيراني ونشاط حزب الله بشكل خاص، والأوروبي بشكل عام .
فكما هو معروف للمتابعين والخبراء في السياسة الدولية ومن الزاوية التاريخية التقليدية أنّ القارة الأفريقية هي مسرحاً للنفوذ الأوروبي الغربي وخاصةً فرنسا وبريطانيا بشكل كبير ونوعي، كذلك نفوذ لأسبانيا والبرتغال وبلجيكا بشكل أقل من الأول، وبعد حركات الأستقلال الأفريقية لدولها في حينها عن من كان يستعمرها، بقي النفوذ الفرنسي تحت عنوان وغطاء عريض اسمه "غطاء الفرانكفونية" وتراجع نفوذ الانجليز، بسبب ضعف نوعي وكمي للندن في تعزيز عنوان وغطاء الكمنولث "الأنجلونية"، وبسبب هذا الضعف وتراجع النفوذ الإنجليزي، تولد فراغاً استراتيجياً في كينيا ونيجيريا، كذلك فراغ آخر في أنجولا وموزامبيق بسبب تراجع النفوذ البرتغالي والأسباني، وفي الكونغو وزائير بسبب تراجع النفوذ البلجيكي.
وعليه: فقد ترتب على ذلك أن سعت واشنطن الى التقدم وبخطى حثيثة لملىء هذا الفراغ عن طريق بناء اتفاقات الشراكة، وتوطيد الروابط الثنائية مع معظم دول القارة الأفريقية .
أفريقيا القارة تشهد الآن حرباً ذات نسخة جيو سياسية استخبارية بين واشنطن وحلفائها من جهة، والصين والروس وفرنسا وإيران وحزب الله من جهة أخرى، في صراع النفوذ على القارة السوداء"لحلبها"، وما يتم رصده استخبارياً الآن أنّ فرنسا، ما زالت أكثر سعياً لجهة تأمين مناطق نفوذها التقليدية في أفريقيا، بالمقابل واشنطن تحاول السعي وبجدية متناهية لحرمان الصين والروس وإيران، من بناء تحالفات استراتيجية في القارة الأفريقية وتحديداً مع دول خليج غينيا النفطية(نيجيريا، زائير، انجولا، غينيا الاستوائية، والكونغو ).
وتشي المعلومات الاقتصادية بإطارها الأستخباري الأحصائي التحليلي، أنّ صادرات نفط بلدان خليج غينيا الى الولايات المتحدة الأمريكية تفوق صادرات الخليج العربي النفطية اليها .
انّه من الصعب بمكان أن نحكم على نجاح باهر لجولة هذا الفريق الأمريكي الحالية للقارة السوداء، لكنها تأتي تحت عنوان مهم ضمن جهود ترتيب المسرح الأفريقي، بما يتيح لأمريكا العمل على ترويض دول خليج غينيا النفطية، ودفعها للدخول في التحالفات العسكرية – الأمنية الأمريكية.
وفي السابق حاولت ادارتي الرئيس بوش الأبن الى احتواء تللك الدول الآنف ذكرها عبر ترويضها وكذلك ادارتي الرئيس أوباما وإدارة الرئيس دونالد ترامب، لجهة استقبال القيادة الأفريقية الأمريكية، فانّ إدارة الرئيس جو بايدن الأن، تستخدم الوسائل الاقتصادية في ترويض هذه الدول، لكي تتقبل أفريقيا تمركز القيادة الأفريقية الأمريكية وشبكات القواعد البرية والجوية والبحرية التابعة لها، بالإضافة إلى محطات الاستخبارات الأمريكية وذيولها وذيول محطّات استخبارية تابعة لحلفائها من عرب روتانا الكاميكازيين وغيرهم.
منزل – عمّان : 5674111 خلوي: 0795615721
سما الروسان في 26 – 4 – 2023 م.
هاتف المنزل: 5674111 خلوي : 0795615721
* عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:
https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت