- إعداد وتقرير المحامي علي ابوحبله
حقيقة وواقع ما يعيشه عالمنا العربي تستدعي من المسئولين الغيورين على المصلحة الوطنية والقومية والاسلاميه إعادة التفكير والدراسة المعمقة عن أسباب ومسببات التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وان مخطط ما يستهدف أقطار الوطن العربي هدفه إحداث فراغ وتحويل أقطار الوطن العربي المستهدفة لتتحول إلى دول فاشلة وان ذلك يمهد إلى اقتسام النفوذ والمصالح بين قوى متصارعة لا هدف لها سوى تحقيق مصالحها ، وتحويل أقطار الوطن العربي المستهدفة إلى ممالك متناثرة يتم اقتسامها بين ملوك الطوائف وبهذا يتم تقسيم أقطار الوطن العربي إلى دويلات ضمن مفهوم إعادة القبلية ومصالح النفوذ بغياب ألدوله المسيطرة والمتحكمة والتي بمستطاعها ان تحافظ على وحدة النسيج الاجتماعي ووحدة المجتمع ضمن مفهوم السيادة الوطنية للدولة .
إن حقيقة وواقع المخطط هو استهداف السيادة الوطنية ووحدة الأقطار العربية المستهدفة وتفكيك الجيوش العربية واضعافها وشرذمتها بما يخدم امن إسرائيل ، و المخطط يستهدف إيجاد ميليشيات تكون مهمتها تحقيق الأمن لإسرائيل وعقد الاتفاقات مع الكيان الإسرائيلي لتحقيق امن الكيانات المستجدة والمستحدثة .
ان شعار حرية ولقمة العيش والكرامة هو شعار يبتعد عن المعنى الحقيقي للثورات بمعناها الحقيقي وان هذه الشعارات والتحركات وغيرها تبعدنا عن هدفنا في تحقيق أهداف الثورة الحقيقية التي يجب ان تكون ثوره تهدف للتحرر من التبعية للاستعمار بمختلف أشكاله وأنواعه وتهدف للتحرر من التبعية ألاقتصاديه والسياسية والحفاظ على السيادة الوطنية والاستقلال الوطني ضمن توحيد قدرات ألامه العربية لمواجهة مخاطر ما تتعرض له من مخطط أصبح يستهدف شق وحدة الصف العربي وإشعال نيران الفتنه المذهبية والطائفية والقبلية وال اثنيه .
كانت الشعوب العربية تواقه لتحقيق الوحدة العربية وأصبحت ثورات الربيع العربي تهدف لتجسيد الانقسام والانفصال والابتعاد عن تحقيق الوحدة العربية ، كانت المواثيق العربية تجمع على اتفاقية الدفاع العربي المشترك وأصبحت اليوم الدول مدفوعة لعقد اتفاقات الحماية مع أمريكا والغرب وإسرائيل .
كانت القواعد الاجنبيه على الأرض العربية مرفوضة من قبل الشارع العربي وأصبحت اليوم مطلبا للحماية لهذا النظام العربي وذاك الذي قبل بالخنوع وقبل بالذل حيث أن العدوان على ألامه العربية أصبح بتشريع من منظومة عربيه قبلت بالاستظلال والحماية بالاجنبي المستعمر بثوبه الجديد ووجدت العديد من القوى ضالتها للوصول إلى كراسي الحكم وتنفيذ الأجندات للقوى المستعمرة والمهيمنة
حين توحدت سوريا ومصر وأعلنت الوحدة فيما بينهما في خمسينات وستينات القرن الماضي عمت المظاهرات الوطن فرحا وابتهاجا بهذه الوحدة وحين تحققت وحدة اليمن ابتهج الجميع لهذه الوحدة وحين تم الإعلان عن حلف بغداد الاستعماري أسقطته جماهير ألامه العربية بتظاهراتها واحتجاجاتها وانتصر العرب بوحدتهم في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر وتخطى العرب نكسة حزيران بلاءات الخرطوم لا صلح ولا اعتراف بإسرائيل ورفع شعار ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة
وها نحن اليوم أمام هزيمة منكره لكل أمالنا وأحلامنا بهذه الفرقة العربية والقبول بما أصبح يستهدف امن ألامه العربية وباتت العديد من أنظمة الحكم جزء من منظومة التآمر على وحدة ومصير الوطن العربي بهذا الاستسلام للمخطط الهادف لتصفية القضية الفلسطينية وأصبح النظام العربي يلهث وراء لقاءات مع قادة الكيان الإسرائيلي وأصبح التطبيع مع إسرائيل غاية البعض من النظام العربي ، هذا البعض شرعن لاحتلال العراق وقبل بتقسيم العراق وانخرط في مخطط تقسيم العراق والانقضاض على وحدة الشعب العراقي ، وان ألجامعه العربية بمنظومتها أفرغت من مفهومها وأذعنت واستسلمت للمخطط التآمري ، شرعنت لحلف الناتو بإسقاط ألدوله الليبية وها هي ليبيا تعاني من الفوضى ومخطط التقسيم واستكمالا للمؤامرة التي تستهدف امن امتنا العربية كان التآمر على سوريا والانخراط بمخطط تآمري استهدف سوريا ولبنان وشرعن المستعربين العرب التدخل الخارجي ضد سوريا ووصل الأمر بالبعض منهم للتخطيط والتنسيق مع إسرائيل للنيل من سوريا وقوى المقاومة .
وأمام الخطر الداهم والغفوة العربية ها هو السودان يدخل حلقة المؤامرة التي تستهدفه وتستهدف تقسيمه ضمن عملية استكمال حلقة التآمر التي تستهدف الأمن القومي العربي
ونحن نبحث في عمق المؤامرة التي يتعرض لها السودان بهذه الحرب بين فرفاء الصراع لا بد للمتابع أن يقرأ كتاب صدر عام 2015 تحت ما يسمى "مهمة الموساد في جنوب السودان" ليؤصل لجهود الموساد في الانفصال؟ وها هي مخططات تقسيم وتفتيت السودان تكتمل حلقتها وفق مخططات كبار الباحثين الصهاينة بالولايات المتحدة وإسرائيل؟
التطبيع مع السودان ليست غاية ما تريده إسرائيل من السودان الآن وهناك مطامع أبعد بكثير من التطبيع ؟ وهنا يطرح سؤال مهم عن غاية وأهداف الدعوة بعودة اليهود الذين عاشوا بالسودان إلى السودان رغم أن أصولهم بالأساس غير سودانية؟ فهل عودة اليهود الى السودان أمر قاصر على السودان أم أنه مشروع صهيوني أكبر ؟ وما الغرض منه؟
ما هو المخطط للسودان وما حقيقة تقسيم السودان لولايات وعلاقة اسرائيل بهذا المخطط وعلاقة ذلك فيما أطلق عليه صفقة القرن أيام حكم ترامب
أصدر جهاز الموساد الإسرائيلي كتابا يفتخر خلاله بما أسماه "الانتصار الإسرائيلي" في انفصال جنوب السودان عن دولة السودان. وتضمن الكتاب ملامح وأبعاد الدور الإسرائيلي وأبرز الأدوات التي استخدمتها إسرائيل في انفصال جنوب السودان التي بدأت من ثلاثينيات القرن الماضي بدأ بشكل مقبول عبر إرسال قافلة إنسانية شملت أدوية ومواد غذائية لتكون بداية لكسب الثقة ومعرفة طبيعة المجتمع السوداني وتنوعه بتنوع قبائله واثنياته وسرعان ما بدء الموساد في ستينات القرن الماضي بإرسال صفقات أسلحة إسرائيلية للجنوب عبر الأراضي الأوغندية ثم الإثيوبية ، لتقوم إسرائيل فيما بعد بتدريب المتمردين في أوغندا وكينيا وإثيوبيا.
حركة أنيانيا الانفصالية قد تمت بفضل ثلاثة ضباط من الموساد الإسرائيلي منهم أيلي كوهين المستشار السياسي للانفصاليين. ووصل الدعم إلى انتقال بعض ضباط القوات الخاصة الإسرائيلية لتدريب الانفصاليين في جنوب السودان أثناء خدمة السفير الإسرائيلي أوري لوبداني سفير إسرائيل في أوغندا وإثيوبيا.
وفي سبيل استكمال مخطط فصل الشمال السوداني عن جنوبه أنشأت إسرائيل مدرسة لتخريج الكوادر العسكرية لقيادة فصائل التمرد واشتركت عناصر إسرائيلية في المعارك لنقل خبراتهم للجنوبيين. وفي أواخر السبعينيات إلى الثمانينيات مدت إسرائيل جون جرانج بأسلحة متطورة بل ودربت 10 طيارين على مقاتلات خفيفة والتقطت القوات الحكومية بالأقمار الصناعية وسلمتها للانفصاليين، بل وأرسلت إسرائيل بعض قادتها العسكريين لوضع خطط القتال بجوار الانفصاليين.
في أواخر التسعينيات من القرن الماضي مولت إسرائيل الانفصاليين بمبلغ 500 مليون دولار لتقوي موقفهم خلال تفاوضهم مع الحكومة المركزية الشمالية. وجاء عام 2003 لتكشف إسرائيل عن أهم ادوار يهود الفلاشا في الصراع حيث أرسلتهم كقوات محاربة بجانب غارنج مستغلة الملامح الشكلية المتشابهة. واستخدمت قوتها الناعمة مع الولايات المتحدة لدعم الانفصاليين حيث أعلنت عن استعدادها لإرسال قواتها المتواجدة في ارتريا وكينيا للتدخل في السودان لحماية الجنوبيين.
ومع عام 2011 أرسلت إسرائيل ممثل لها في مراسم استقلال جنوب السودان وكانت أول دولة اعترفت بجنوب السودان بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد يوم من إعلان استقلال الجنوب السوداني وانفصاله عن الدولة الأم
تأتي مخططات الخبراء والساسة ومراكز الفكر الإسرائيلية والأمريكية للسودان في إطار مخططات لاستهداف كافة أقطار الوطن العربي فجميعها مستهدف بالتقسيم عبر استغلال تغذية الطائفية والمذهبية واستغلال الأقليات لتحقيق ذلك ، ومن أبرز تلك المخططات مخطط برنارد لويس ليفي المفكر الصهيوني وشغل منصب مستشار الرئيس الأمريكي بوش الأب الذي نشر مخطط كامل لتقسيم كافة الأقطار العربية وبينها السودان ، ومخطط عوديد بينون –الباحث الإسرائيلي- عام 1982 وكلاهما اتفقا على أن مستقبل السودان هو التقسيم واقترح الأول تقسيمها لأربعة أقسام "دولة النوبة عاصمتها أسوان، دولة السودان في الوسط، دولة دارفور، ودولة جنوب السودان" وعوديد كان نفس السيناريو ولكن بدون دولة دارفور. ومع مخططات التقسيم فان المنطقة التي شهدت نجاح لتلك المخططات كانت السودان عبر انفصال جنوب السودان عن شماله
وجرى استغلال النزاع حول حلايب وشلاتين وإقامة مخطط يسمى بـ "مملكة الجيل الأصفر" لإثارة خلافات كامنة لبداية التجزئة والتقسيم والتفتيت بدعم أمريكي صهيوني بالأساس.
هناك أصوات تعلوا وتدعي وتطالب أن السودان عليه التجرد من عروبته كما ينادي أنصار الولايات السودانية المتحدة، و هذه المخططات تستغل ويتم تغذيتها لتحقيق أهداف سلخ السودان عن محيطه العربي ويستخدم الغرب "حق تقرير المصير" لإثارة النزعات والمخططات وهذا بسبب ما تمتلكه من موارد طبيعية تعتبر ثروة لا تقدر بثمن فلا ننسي امتلاك السودان للموارد الطبيعية من أراضي زراعيه شاسعة وخزان نفط وذهب ويورانيوم وغيره الكثير . علاوة على موقعه الجيوسياسي وموقعه الجغرافي المتميز والاهم وجود نهر النيل الذي تعتبره إسرائيل أرثا لها بحكم خرافة "أرض إسرائيل الكبرى"
هل التطبيع هو غاية إسرائيل أم هناك ما هو أبعد من التطبيع ؟
فقد كان لقاء البرهان – رئيس المجلس السيادي الحاكم بالسودان- مع نتنياهو في فبراير 2020 بأوغندا بداية للكشف عن مرحلة جديدة من العلاقات بين السودان وإسرائيل، تلاه الإعلان عن فتح المجال الجوي السوداني للطيران الإسرائيلي للعبور ، مما دفع الكثيرون من السودانيون والعرب والفلسطينيون بانتقاد خطوة البرهان للتقارب مع إسرائيل
ووفق كل المعطيات والمؤشرات تدلل لا بل تؤكد أن إسرائيل لها غاية أبعد من التطبيع ، وهي تسعى لتنفيذ مخطط تقسيم السودان والهيمنه على موارده ومقدراته كما يحصل اليوم في جنوب السودان
على السودانيين التنبه لمخاطر وتداعيات صراعهم اليوم وألا يتناسوا هويتهم ونطالب القارئ العربي والسوداني للإطلاع على كتاب العودة إلى مكة لضابط الموساد الإسرائيلي "أيفي ليبكن" الذي تحول لإيديولوجية حزبه الجديد Bible Bloc حيث يهدف لهدم الكعبة لأنها سبب تطرف المسلمين وتفكيرهم الضيق، بل وتضمن الكتاب إدانة للمصريين حيث كان القطر المصري يضم القطرين السوداني والمصري معا. علاوة على كراهية للفراعنة المصريين والسودانيين وتحميلهم عبء ما فعله فرعون في أهل موسي عليهم دفعه ليوم الدين فلا تسامح وأنما الدم والخراب هو مصير الشعبين وأن هذه العقيدة تورث للشعب اليهودي ليوم الدين.
مخطط إسرائيل هو في تفتيت الوطن العربي وتقسيم المقسم وتجزئة المجزئ ثم الإفريقية منها وتقسيمها لتكون دولة الأقليات الأولي في المنطقة لتجمعهم تحت اتحاد يسمى بـ "الولايات المتحدة الإبراهيمية" كما طرحته جامعة فلوريدا عام 2015 كمدخل لإقامة اتحاد فيدرالي تحكمه إسرائيل مركزيا وتتحكم من خلاله في موارد المنطقة ابتدأت بالشرق الأوسط وها هي تتمدد في القارة الافريقيه ، وتتضمن الخطة النص على الموارد الأبرز المستهدفة على سبيل الذكر لا الحصر "النفط- الماء- الغاز"
لابد وأن يدرك الباحثين والمحللين عن أن دعوات عودة اليهود لا تتعلق بالسودان وحدها بل هو مخطط صهيوني يتم في أكثر من دولة لإثبات دعاوي زائفة للتأصيل بأن اليهود هم الشعب الأصلي. ومن ثم يحق له العودة والإدارة والتحكم في الموارد باعتبارهم أصحاب الحق الأصلي تمهيدا لتطبيق مخطط ارض إسرائيل الكبرى. وتتقاطع هذه الدعوات مع خطوات روجت لها وزارة الخارجية الإسرائيلية وبعض المنظمات الصهيونية العالمية أبرزها:
رفع قضايا تعويضات على كل من مصر والسعودية وليبيا سابقا للمطالبة بحق اليهود الذين سافروا من الدول العربية بإدعاء تهجيرهم مرغمين خلافا للواقع ودورهم التخريبي في اقتصاد الدول العربية لصالح إسرائيل قبيل سفرهم طواعية وتسلمهم المقابل المادي لممتلكتهم التي باعوها
مشروعات حفظ التراث اليهودي بمختلف دول العالم بما فيها العديد من الدول العربية بدعاوي توثيق ما يسمى بالتاريخ اليهودي وحينما نتحدث عن التاريخ اليهودي ينفتح الباب أمام الكذب والادعاء وتزوير التاريخ بدعاوي زائفة
إصدار وزارة الخارجية الإسرائيلية لخرائط جينية تدعي بأن جميعنا مسلمين ومسيحيين أصلنا يهود أي ننحدر من أصول يهودية ومن ثم هم الشعب الأصلي
إصدار وزارة الخارجية الإسرائيلية لخرائط جغرافية توضح أماكن تواجد اليهود بدول العالم المختلفة بما فيها الدول العربية والافريقية بالأساس بحكم امتلاكها للموارد والثروات
المشترك الإبراهيمي كمدخل لقبول اليهود بإعتبارنا أمة ابراهيمية - "بحكم أن سيدنا ابراهيم ابو الانبياء"- واسرة ابراهيمية واحدة فلا مجال للاختلاف حول الأرض والموارد بل والقبول بالمشترك للاندماج في اطار جغرافي واحد يحق لمن يمتلك التكنولوجيا التحكم المركزي في الموارد بحجة ندرتها في ظل تغير المناخ والصراع حول الموارد. وهنا تأتي إسرائيل في المقدمة بحكم تقدمها التكنولوجي مقارنة بدول المنطقة وهذا ما تروج له خطة جامعة فلوريدا وجامعة هارفارد "الولايات المتحدة الأبراهيمية" و"مبادرة مسار ابراهيم".
ما لم يتدارك السودانيين لمخاطر ما يتعرضون له و تغذية صراعاتهم ، فان التقسيم وارد لا محالة وأن الولايات السودانية المتحدة هي فكرة يروج لها البعض على أنها نموذج مدني للحياة الديمقراطية التي يحلم بها الشعب السوداني. ولكن على السودانيين استقراء حقيقة ما جرى في العراق بعد احتلال وتقسيمه إلى فدراليات وكيف كان حال العراقيين قبل الغزو والاحتلال وأصبح حاله اليوم
المخطط الصهيوني بحسب برنار ليفي ومفكرين صهاينه يكمن في إقامة اتحاد كونفدرالي يجمع الولايات السودانية: اي تقسيم السودان اعمالا بمدئ تقرير المصير وإقامة رابطة تجمع دول مستقلة ذات سيادة دولية. ويعني تفتيت السودان لدويلات صغيرة تتعاون اقتصاديا فيما بينها وفق مخطط " برنارد لويس او عوديد بينون"
عروبة السودان امر مرتبط بالثقافة وليس العرق او التاريخ: هذه المقولة تتوافق مع مقولة الصهيونية حول وصف القومية العربية والشعب العربي بأنها امر زائف وادعاء فلا يوجد شيء مشترك يجمع الشعوب العربية وتحديث الشخصية العربية يتم عبر تلاشي الشخصية العربية نفسها هكذا تتبخر الهوية الجامعة وتظهر دويلات اثنية ودينية على النمط الإسرائيلي. فالهوية العربية هى حديث زائف لا يعبر عن واقع وأنما عن أوهام كما يقول هودا شنهاف.
إن ما يتم طرحه اليوم التعاون مع الدول العربية يجب أن يتم بشكل ثنائي: نفس المنطق الصهيوني والاستعماري الرافض للتعاون العربي وإنما الفردية والتعاون الثنائي كبديل عن الوحدة والاتحاد لتغيب العقل.
إن المؤامرة الكبرى التي يتعرض لها السودان من قبل الكيان الصهيوني عبر الموساد ومؤسساته الاستخباراتية ، باستغلال الصراع وتغذية الفتن القبلية أو العنصرية بالقدر الذي يمهد لتقسيمه إلى عدة كيانات أو دويلات أسوة بما حدث في جنوب السودان، وإسرائيل فيما يبدو تمضي قدما في تنفيذ هذا المخطط في ظل غياب عربي فاعل وقادر على إفشال تقسيم السودان
وكل التقارير الاستخباراتية والدراسات الإسرائيلية التي بدأت تظهر في الإعلام في السنوات الماضية أكدت أن البداية كانت منذ خمسينيات القرن الماضي، وكشفت تركيز الكيان الصهيوني على السودان منذ استقلاله في الأول من يناير عام 1956 ، حيث ترى إسرائيل أنه من أهم واجباتها ومهماتها في المنطقة هو عدم تمكين السودان من الاستقرار والتنمية الاقتصادية تلك التي قد تجعله قوة إقليمية عربية وافريقية، وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن السودان لو تمكن من استثمار موارده الطبيعية والمائية وتنمية أراضيه الزراعية والباطنية "المعادن والغاز والنفط" سيصبح قوة لا يمكن الاستهانة بها ويحسب لها ألف حساب في المنطقة العربية والقرن الأفريقي. وعملت إسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية على إنشاء ما يعرف بالتحالف الدائري وهو تحالف يستهدف استقطاب الدول المجاورة للدولة التي تشكل لها قلقا ، وفي حالة السودان كان التحالف الدائري يتمثل في أوغندا و إثيوبيا وأرتريا وزائير سابقا "الكونغو الديمقراطية حالياً". ولعبت أوغندا دورا بارزا في ذلك وخير شاهد أنها احتضنت أول لقاء رسمي سوداني - إسرائيلي في الثالث من فبراير الجاري.
كما كشفت تقارير إخبارية أن جميع الرؤساء الذي تعاقبوا على الكيان الإسرائيلي " بن غوريون وليفى أشكول وجولدا مائير وإسحاق رابين ومناحيم بيغن ثم شامير وشارون وأولمرت وصولا لنتنياهو" دعموا المخططات والمؤامرات التي ترتكز على إضعاف السودان عبر صنع الأزمات القبلية والمناطقية والحروب الداخلية التي من شأنها أن تشكل عائقا أمام بناء دولة مستقرة سياسيا واقتصادية وعسكريا معادية لإسرائيل ويمكن أن تلعب دورا فاعلا في المشهدين الإقليمي والعالمي.
بعد كل ذلك جاءت قمة اللاءات الثلاث "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض" مع الكيان الصهيوني طالما أن حقوق الفلسطينين مازالت مغتصبة .. وهي مخرجات القمة العربية التي استضافتها العاصمة السودانية الخرطوم عام 1967 والتي جاءت في أعقاب هزيمة 67 أو ما عرف بـ"النكسة" أو حرب الأيام الستة بين مصر وسوريا والأردن من جهة والكيان الإسرائيلي من الجهة الأخرى، القمة أكدت أيضا على ضرورة وحدة الصف العربي والتنسيق والقضاء على كل الخلافات العربية العربية .. الأمر الذي شكل هاجسا أمام إسرائيل وأكد صحة مخاوفها من السودان، فاتفاق العرب على أجندة واحدة وتضامنهم ووحدتهم يعني إنتهاء حلم إنشاء اسرائيل الكبرى . لذا كثفت إسرائيل ومنظماتها عملها من أجل إحداث شروخ في الجسم العربي والإسلامي على كافة المستويات وأجلها خصوصا السياسية والاقتصادية ..
كما شكل الدور الذي لعبه السودان خلال حرب الإستنزاف " 1970 - 1968" ودعمه اللامحدود لمصر في تلك الفترة، قلقا مزمنا لإسرائيل والمنظمات اليهودية العالمية الداعمة لها ، وعلى إثر ذلك اعتبر الكيان الإسرائيلي أن السودان عدوا حقيقيا يجب العمل على إضعافه وتفكيكه، فطيلة هذه الفترة وبعد مضي أكثر من 53 عاما إلا أن إسرائيل كانت ولا تزال تعتبر السودان خطرا كبيرا يهدد مصالحها ومخططاتها في المنطقة والقرن الأفريقي، إذ أنها تعتبر السودان واحدا من الدول التي تتمتع بموقع استراتيجي في قلب القارة الأفريقية وإطلالته المميزة على البحر الأحمر لذا جعلت هدفها الأول هو خلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي في السودان وشغله بالخلافات المناطقية في الأقاليم الحدودية مثل جنوب السودان ودارفور والنيل الأزرق والعمل على زرع بذور الفتنة الداخلية تمهيدا لتقسيمه، ونجح الكيان الإسرائيلي في ذلك إلى حد كبير عندما قدم دعمه وتشجيعه لانفصال جنوب السودان وهذا ما حدث بالفعل عقب توقيع اتفاق نيفاشا الذي أفضى إلى انفصال جنوب السودان ليصبح دولة مستقلة في العام 2011.
ومثلما وجدت إسرائيل في جنوب السودان "حلفاء" لتنفيذ أجندتها فربما وجدت هذه المرة حلفاء قادرين على تنفيذ أجندتها الجديدة الساعية إلى إحداث أزمة في إقليم دارفور تمهيدا لتكملة مخططاتها الرامية إلى تقسيم السودان إلى عدة دويلات
وبالرجوع إلى الوراء قليلا نجد أن وجود نظام فاسد "نظام الرئيس المعزول عمر البشير" قد وفر بيئة خصبة لتمرير المخططات والمؤامرات الإسرائيلية التي نجحت بقدر كبير في قطع شوط بعيد ، مع انخراط قيادات من الحركة الشعبية في جنوب السودان في مؤامرة التقسيم وتنفيذ المخطط الإسرائيلي الامريكي، هذا علاوة على نظرة قيادات الحزب الحاكم في عهد البشير، والتي رهنت مصالح السودان الوطنية والإستراتيجية مقابل إحكام السيطرة على السلطة والثروة في البلاد ، فكانت النتيجة انفصال الجنوب، وتعاظم الخلافات مع الحركات المسلحة في غرب السودان والتي أدت إلى اشتعال الحرب في إقليم دارفور وهو أحد الأقاليم التي ركز الموساد الإسرائيلي عليه.
وما يشهده السودان في الوقت الراهن يثبت ما ذهب إليه مسئول الأمن الإسرائيلي ديختر ، فحكومة رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك أصبحت تسير في حقل من الألغام ، يتمثل في الأزمات الاقتصادية المفتعلة، وتصاعد الخلافات بينها وبين المجلس السيادي، بينما تواجه في الوقت نفسه فلول النظام السابق التي تعمل على إشاعة الفوضى وصنع فجوة بين الشعب والحكومة الانتقالية، وهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى دور فلول نظام البشير في تأزيم الأوضاع وخلق الأزمات خصوصا ما يتعلق بالجانب الاقتصادي لإثارة غضب الشارع ضد الحكومة الانتقالية.
وتقوم مرتكزات المؤامرات الإسرائيلية تجاه السودان والمنطقة على ما أكدته غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني "1969 - 1974" عندما كانت وزيرة للخارجية عام 1967 ، حيث قالت إنه يجب إضعاف الدول العربية الكبرى واستنزاف مواردها ومكتسباتها ، معتبرة أن ذلك من أوجب واجبات إسرائيل بل وضرورة ستمكن إسرائيل من زيادة قوتها ومنعتها لمواجهة أعدائها، وفي سبيل ذلك ستستخدم إسرائيل الحديد والنار مرة ومرات أخرى الدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية".
هناك أيادي خفية وأجنبية تؤثر في المشهد السوداني تكشفت ملامحها مؤخرا، وهي تدفع بالسودانيين لأتون الصراع ودعوة إسرائيل لحلفائها أقطاب الصراع البرهان وحميدتي للتوسط فيما بينهما هو استكمال لحلقة التآمر والمخطط الذي يستهدف السودان العربي و ربما ستشهد إطالة أمد الصراع ما يمهد الطريق أمام كيانات وشخصيات، مدعومة من حلفاء إسرائيل في المنطقة، على خط السلطة مرة أخرى وتكريس إعلام الظل لخلق حالة من القلق في ذهن الشعب السوداني تجعله ينظر إلى هذه الكيانات بأنها أفضل الخيارات المتاحة في الساحة حاليا وتمهد لتهدئة الصراع عبر مخطط التقسيم الذي يقوم على الهيمنه والاستحواذ
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت