- عبد المنعم فياض
أصاب الصراع دولة مزقتها عقود من الصراعات والانقلابات والديكتاتورية والوعود الكاذبة بالتحول الديمقراطي. كان حوالي ثلث السكان بحاجة بالفعل إلى المساعدة الإنسانية قبل اندلاع القتال الأخير. حذر مارتن غريفيث ، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ، من أن السودان وصل إلى “نقطة الانهيار” الإنسانية. بعد جهود الوساطة من واشنطن والرياض ، التقى مبعوثون من الفصائل المتحاربة في المملكة العربية السعودية للتفاوض بشأن الممرات الإنسانية. فالمتوقع إذا استمر الصراع أن تقوم بعض الجيوش والتنظيمات والميليشيات والجماعات المسلحة فى دول الجوار بالتدخل فى الشئون السودانية لنصرة هذا الطرف أو ذاك. وإذا حدث ذلك فإن الأزمة سوف تشهد مزيدا من التعقيد والتمدد والانتشار ما يسمح بتوفير أجواء مثالية للتنظيمات الإرهابية ودعاة الفوضى ناهيك عن الدول التى لا تريد للسودان أن يستقر ويتقدم.
والمؤكد أننا ربما تكون مصر الأكثر تضررا من هذا الصراع خصوصا إذا استمر وتوسع بحكم العلاقات الكبيرة والمتشعبة والتاريخية بين البلدين. وبالتالى فهذا الموضوع يحتاج اهتماما وبحثا وتنقيبا شاملا عن كل تفاصيله واحتمالاته من كل المسئولين والخبراء وذوى الشأن حتى نستطيع مواجهته وتحييد آثاره أو على الأقل تقليل أضراره إلى أدنى مستوى ممكن.
نزوح السودانيين لمصر
ويواصل مئات السودانيين نزوحهم نحو مصر فارين من المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وفي الايام الماضية شهدت المعابر البرية الجنوبية بين مصر والسودان تزاحما شديدا لعبور عشرات الحافلات التي تقل السودانيين والاجانب المقيمين بالبلاد الى مصر
تسبب الصراع في فرار 335 ألف شخص من أماكنهم، لجأ 115 ألفا منهم إلى الدول المجاورة. سيكون لطول الحرب تأثير اقتصادي واجتماعي وأمني على إثيوبيا ومصر وجنوب السودان وتشاد التي تعاني بالفعل. وقد يتحول السودان لحاضنة للجماعات المتطرفة الموجودة في جنوب الصحراء الكبرى، وهو ما سيهدد دول الجوار كذلك.
وأن الصراع قد ينتقل لدول الجوار بسبب تداخل قبلي وأسباب إثنية. هناك دول جوار ليس لديها منفذ على البحر، مثل إثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى، وتعتمد على السودان في الصادرات والواردات، واستمرار الصراع سيشل حركة تجارتها.
كما أن السودانيون هم أكبر جالية أجنبية في مصر، ويقدر عددهم بنحو 4 ملايين نسمة أو يزيد، وقالت الأمم المتحدة إن 56 ألف شخص عبروا من السودان إلى مصر في الأزمة الأخيرة، بينما عبر أكثر من 12 ألفا إلى إثيوبيا، و30 ألفا
الامم المتحدة تحذر
وتحذر الأمم المتحدة من النقص الموجود حاليا في التمويل المطلوب لدعم اللاجئين السودانيين، إذ يقدر برنامج الغذاء العالمي، حجم الميزانية المطلوبة بنحو 127 مليون دولار أمريكي لتوفير الإمدادات الكافية للأشهر الستة المقبلة. أن تزايد أعداد اللاجئين السودانيين في مصر سلاح ذو حدين، فمن ناحية يمكن أن يكون عبئاً كبيراً على الاقتصاد المصري لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم، أو يكون رقما إضافيا مميزا في بيئة العمل بالبلاد. فتحت مصر أبوابها لدخول السودانيين إلى أراضيها، بعد نشوب معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أدت إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف.
تقضي عائلات سودانية أيامًا بائسة في توفير المال والوقود، وساعات من القيادة في ليل حالك الظلام مرورا بعشرات نقاط التفتيش، من أجل القيام برحلة طولها ألف كلم إلى الحدود المصرية، هربا من ويلات الحرب في الخرطوم.وتوقع كاميرون هدسون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن "نزوحا جماعيا للمدنيين" بمجرد سريان وقف دائم لإطلاق النار، مع "محاولة ملايين الأشخاص عبور الحدود" إلى بر الأمان.
ووفقا لروايات سودانيين نازحين، فإن سعر بطاقة السفر من الخرطوم إلى ولايات دارفور وبورتسودان، بات يتراوح مابين 120 و 150 ألف جنيه سوداني(200 و250 دولار)، بينما يصل سعر بطاقة السفر إلى كسلا شرقي البلاد، إلى 85 ألف جنيه (142 دولارا)، وبلغت بطاقة السفر إلى المناطق القريبة نسبيا من الخرطوم، مثل مدينة مدني بولاية الجزيرة والأبيض في شمال كردفان نحو 30 ألف جنيه سوداني( 50 دولارا)، وهي زيادات تصل نسبتها في المتوصط إلى ، 140 في المئة، مقارنة بالأسعار التي كانت سائدة قبل اندلاع الاقتتال الداخلي في السودان.
وبجانب تكبدهم مبالغ باهظة، وغير متناسبة مع ما يحصلون عليه من خدمة نقل، عبر سيارات هي في معظمها متهالكة، فإن النازحين يعانون الأمرين، على طريق طويل وفي درجات حرارة مرتفعة مع عدم وجود أية استراحات على الطرق، وحيث يضطر معظمهم إلى أخذ قسط من الراحة في العراء، مع انعدام وجود أدوات نظافة شخصية.
وانتشرت حالة من الغلاء الفاحش للسلع الغذائية، مع حصار فى المنازل بسبب أصوات الطلقات الدائمة التى تسببت فى مقتل العديد من المدنيين، وصل عددهم لأكثر من 500 قتيل وأكثر من 3000 مصاب- وفقًا لبيانات نقابة الأطباء السودانيين.
كل هذه المشاهد أجبرت العديد من السودانيين من أبناء مدينة الخرطوم على لنزوح والخروج منها خوفا من الجوع والعطش، خرجوا تاركين منازلهم وكل ما يملكون بدون خطة واضحة، ومن بين البلاد التى نزحوا لها مصر، التى يسكنها أكبر جالية سودانية مهاجرة، فيها حوالى 4 ملايين مهاجر سودانى، وفقا لبيانات منظمة الهجرة الدولية، بالإضافة إلى علاقات المصاهرة بين المصريين والسودانيين والتشابه فى الكثير من العادات والتقاليد التى جعلت مصر الاختيار الأنسب للعديد منهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت