- حسن عبادي/ مخيم بلاطة-حيفا
نلتقي اليوم مرّة أخرى في مركز يافا الثقافي الذي صار حاضنة لأدب الحريّة؛
وتزامناً مع ذكرى النكبة نحتفي بديوان "خلل طفيف في السفرجل" للأسير أحمد تيسير عارضة؛
خير ما نستهل به هذا الحفل السلام الوطني + قراءة الفاتحة على أرواح الشهداء
حكايتي مع االصديق الأسير أحمد شرحها يطول؛
ديوانه "خلل طفيف في السفرجل" وليد عام 2009؛ وأوهمه من أوهمه أنّ الديوان صدر في حينه في لبنان؛ وحين بانت الحقيقة بأنّ الديوان لم يصدر في حينه؛ كان الخذلان كبيراُ.
بعد نشري على صفحتي حول ذاك الخذلان، عمِل من عمل، وكدّ من كدَّ، حتى صدر الديوان أخيراً في أواخر أيار 2022! بعد مخاض وحمل استمرا ثلاثة عشر عاماً، بالتمام والكمال.
قال لي أحمد: "فرحتي لن تكتمل إلّا حين أعود مع الديوان ويكون الإشهار في يافا"؛ وفعلاً كان له ما أراد والتقينا هناك لنحقّق له أمنيته وحلمه ونطلق ديوانه هناك في يافا.
في لقائي الأخير بأحمد في سجن الجلبوع قال لي: "عندي طلب صغير منك، بدّي حفل إطلاق للديوان في مركز يافا الثقافي لنغلق الدائرة". فأجبته في الحال: "هاي مقدور عليها". في طريقي من الجلبوع بعثت لصديقي تيسير نصر الله برنقيّة (رسالة نصيّة قصيرة) مع صورة الغلاف ورغبة أحمد فكتب لي دون تردّد: "إنت فصّل واحنا بنلبس" وها نحن نلتقي اليوم.
لك جزيل الشكر أخي تيسير من أحمد ومن الحركة الأسيرة ومنّي.
*** حين نشرنا الدعوة لندوة يافا عقّب الدكتور عادل الأسطة وعبّر عن رغبته في المشاركة ولكن تعذّر الأمر وعاتبني أحمد آنذاك.
وكم كان سعيداً حين علم بمشاركة الدكتور عادل لدعوة حفل اليوم على صفحته.
أدعو الدكتور عادل ليتحفنا برأيه حول الديوان
كتب الأديب إبراهيم نصر الله في التقديم: "هذا الديوان، لا يُقدم لنا قصائد، وأحاسيس، وحسب، بل يُقدم لنا شاعرًا يقظًا، جميلًا، يعدُنا بتجربة شعرية ستعطينا الكثير في المستقبل".
ليافا حضور وارف في قلب أحمد وفي قصائد الديوان.
جاء في قصيدة بعنوان "خَلَلٌ طَفيف":
"خللٌ طفيفٌ في السَّفرجل
قادني للنَزفِ دَهرًا
حين يافا
قد بَدَت في دائريّتها
سَفرجلةٌ صغيرة.
شكرًا أحمد على هذه الكلمات وعلى اللمّة في ظلال مركز يافا الثقافي... يافا تجمعنا.
تزامناً مع ذكرى النكبة، قام الفنّان الأسير جمال هندي، بوحي فكرة الصديق حسام زهدي شاهين، برسم لوحة بعنوان "الذاكرة اللانهائية" وها نحن نهديها لتيسير ومركز يافا:
فكرة بوستر النكبة: "الذاكرة اللانهائية"
تحتوي فكرة هذه اللوحة على الذاكرة الفلسطينية المتجددة، حيث يولد الطفل الفلسطيني من رحم النكبة المتجسد بحلقة المفتاح، حتى يكبر وينمو ضمن تعاقب الأجيال، ويواصل مسيرته صعوداً على درب ذاكرة العودة نحو فلسطين الوطن، كما وتجسد نافذة المفتاح وحدة الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، وتؤكد الحجارة القديمة عروبة فلسطين وتجذر شعبها العربي الفلسطيني في أعماق التاريخ.
شكراً حسام وجمال!
كتب صديقي الدكتور محمد حسين السماعنة حول الديوان: "قال لي الدكتور محمد حور، الشاعر لا يسجن، يا محمد! نعم صدق شيخي، فهذا أحمد عارضة مثال وأنموذج، إذ لم تستطع البوابات الحديدية العالية، والإسوار الإسمنتية، العالية، المدججة بكاميرات المراقبة، والأسلاك الشائكة، والكشافات، وعيون كلاب الحراسة أن تمنعه من التجول في مدن فلسطين وشوارعها والجلوس تحت أشجارها والأكل من ثمارها واستنشاق هوائها بما فيه من شذى بيارات وأشجار وأزهار لم تمنعه كل تلك الحجب من ركوب بحر فلسطين والجلوس على رمال شواطئها."
*** أدعو الدكتور خليل قطناني، ويحلو أن أناديه "أبو الشباب" وأن أعرّفه بتلميذ الدكتور عادل ليتحفنا بمداخلة حول الاتجاه الإنساني في الديوان.
***والآن سنكون مع فرقة "عائدون" للدبكة الشعبية في مركز يافا بقيادة مرح عرفات التي عادت من جولة خارج البلاد ووصلة دبكة ملتزمة.
حين رأت الصديقة الكاتبة صفاء أبو خضرة الدعوة لهذا الحفل، بعثت لي برسالة خجولة وسألت إذ بإمكانها أن تبعث ببرقية؛ وكتبت: "عدة مؤبّدات لم تثنِ أحمد عارضة عن الكتابة، بل لم تثنيه عن الإبداع، لن أتحدث كثيراً عن هذا الديوان، فقد شغفتني كتاباته منذ ديوانه "أنانهم"، وعرفتُ حينذاك أننا أمام شاعر في طريق تسبّحُ فيه كائنات الشعر إليه..
تتعدد في هذا الديوان الرؤيا وتتشكل الأحاسيس الجياشة تجاه المرأة والوطن في آن، وتجيش الأحلام والآمال التي نعتقد في لحظة من لحظات يأسنا أمام بشاعة الاحتلال وأساليب قمعهِ أنهُ ما من أمل أمام أسير محكوم بعدة مؤبدات سوى أن يضع رأسه على وسادته ويطيل في نومه..وكم يسعدني ويؤلمني في آن أن أقرأ عملاً مثل هذا العمل يفيض بكل الجمال والمحبة ليعطينا أحمد درساً في الحياة..درساً يذكرنا بأن لنا أجنحةً نستطيع التحليق بها وقت نشاء لذلك علينا أن نحياها لأن ثمة ما على هذه الأرض يستحق كلّ ذلك.. فالمرأة حاضرة بقوة في قصائده نكاد نشعر مع علمنا الأكيد أنّ كلّ ذلك حلماً وتخيلات ليعطينا درساً آخر أيضا ينبئنا أن لا نكون عاطفيين زيادة ونجعل من الأسرى عظماء بما يكفي ليعفيهم من الضعف..وما الضعف إلا تأكيد على بشريتهم التي من الواجب الدفاع عنها وعن حاجاتها وضرورة تلبيتها، كما الأرض التي لا تنبت شيئاً دون متطلبات الحياة من ماء وشمس وهواء، كذلك الأسير، من أهم متطلباته امرأة يحبه ويحبها وتمنحه السكينة والمتعة..ويمارس حريّته وتحليقه..
يمتاز الديوان بصور مدهشة، بل مدهشة جداً، توقفت عند الكثير منها واحترت في اختياري، يقول أحمد:
-كالحلمِ جاءت
واستمرّت في المسير
ولأنني صرتُ الزجاج
وكل بصمات التلهف كستني
لم أقبّل خدّها
ورأيتها بحراً تصير..
كل التحية والاحترام للأسير الحر، الحرّ أبدا أحمد عارضة..سائلةً المولى أن يجمعنا في وطن محرر...لنبحر في بحر يافا الحبيبة..يافا الحلم..يافا الأمل..يافا الحب..يافا الروح..
وكل التحية لأسرانا في سجون الكيان الاسرائيلي"
***للدكتور عادل الأسطة حضور طاغٍ في هذا الحفل؛ تلميذ آخر من طلّابه، حامل شهادة الدكتوراه في الأدب والنقد الحديث من جامعة اليرموك، أدعو د. معاذ اشتيه ليتحفنا بقراءة سيميائية في عنوان الديوان
أحمد شاعر مرهف الإحساس رُغم عتمة الزنازين،
أحمد شاعر أسير،
هو المهاجر والمُهجَّر والمغامرُ والشهيدْ، هو في وطنه مهاجر، شبح بلا جسد، ورغم ذلك تبقى يافا-أم الغريب المبتدأ والخبر؛ وتبقى الحكاية:
"شامٌ وتموزُ الحكايةِ
يبحثُ عن عروسٍ يعربيةِ
مهرُها سهلٌ تُعَبِئُهُ الشقائقُ والزنابقُ والدماء"
نعم؛ سيحقّق أحمد حلمه بالعودة إلى يافاه المُشتهاة.
***ختامها مسك؛ أدعو محمد عارضة (ابن عم الأسير أحمد) ليلقي على مسامعنا قصيدة "إقرأ" لأحمد وكلمته من خلف القضبان، وبعها سيكون التكريم وتوقيع الديوان.
نعم؛ الحريّة خير علاج للسّجين.
أعيد وأكرّر مثنى وثلاثًا ورباع؛ تحرير البلاد بتحرّر آخر أسرانا.
الحريّة للعزيز أحمد ولكافّة رفاق دربه الأحرار.
***عرافة حفل إطلاق ديوان "خلل طفيف في السفرجل" في مركز يافا/ مخيم بلاطة يوم السبت 20.05.2023
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت