- بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
إنه يومٌ من أيام الله عز وجل المجيدة، وهي ساعاتٌ من عمر الأمة خالدةٌ، ومشاهدٌ من العزة والكرامة عظيمةٌ، وصورٌ من القوة والقدرة واعدةٌ، ومظاهرٌ كثيرة تشي بالعظمة والرفعة، ولوحاتٌ ملحميةٌ تمتاز بالجرأة والشجاعة، ومهاراتٌ فنيةٌ وعسكريةٌ مبتكرةٌ، وعروضٌ فرديةٌ وجماعيةٌ تحمل الأمل وتطرق أبواب النصر، وحركاتٌ تحاكي الحلم وتنهض بالآمال، وجبالٌ شاهقاتٌ تطل على الأرض المباركة، تمدُ إليها يدها مصافحةً، وترنو بعيونها إليها صادقةً، وهي تقف أمامها شامخةً، وتهمس في آذان أهلها واثقةً أن النصر قادمٌ، وأن فجر الحرية عما قريبٍ آتٍ، وما هي إلا سويعاتٌ وينبلج الصبح وتشرق الشمس على فلسطين من جديدٍ بلا عدوٍ يحتلها، ولا وافدين غرباء يستوطنون أرضها ويضطهدون شعبها، ويعيثون فساداً في أكنافها.
إنها المناورة العسكرية الحية التي نفذتها المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان بالقرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعت إليها نخبةً من الإعلاميين العرب والأجانب، وثلةً من الشخصيات اللبنانية والفلسطينية، الذين لبوا الدعوة مبتهجين، وعجلوا بحجز أماكنهم شاكرين للجنة الإعلامية في حزب الله دعوتهم، وقد مَنَّوا أنفسهم بسبقٍ إعلاميٍ كبيرٍ، واستعدوا لتغطيةٍ إعلاميةٍ مختلفةٍ، وهي المناورة التي كانت قيادة حزب الله قد أعلنت عنها وتهيأت لها، وحددت مكانها وزمانها، وقد بدا منذ الإعلان عنها أنها ستكون استعراضاً عسكرياً مختلفاً، وستكون لها رسائلها المباشرة المتعددة العناوين والاتجاهات، والمختلفة المضامين والمعاني، وستتجاوز الأسلحة والقدرات إلى النوايا والتوجهات والمقاصد والغايات.
بكل فخرٍ واعتزازٍ لبيتُ الدعوة وشهدتُ المناورة، وقد سعدتُ أنني واحدٌ من الذين شاهدوا بأم العين فعاليات مناورة النصر، وتابعوا عن قربٍ مشاهد المعركة وسيناريوهات الهجوم والتحرير، فشعرتُ بزهوٍ كبيرٍ وطمأنينةٍ عاليةٍ إلى قدرات المقاومة وإمكانياتها، واطمأنت نفسي إلى جاهزيتها واستعدادها، وإلى إقدامها وصدقها وعزمها وجدها.
فقد كانت المناورة هجوميةً ولم تكن دفاعية، وكانت أحداثها تجري داخل مستوطنات العدو، بعد أن هاجمتها المقاومة بمختلف الأسلحة المناسبة، في إشارةٍ واضحةٍ لا تحتمل التأويل، ولا يختلف في تفسيرها الأعداء والمحبون، فقد قالت المقاومة الإسلامية في مناورتها للعدو وغيره، بلغةٍ واضحةٍ صريحةٍ مباشرةٍ، أننا اليوم نغزو ولا نُغزى، ونهاجم ولا يعتدى علينا، وأننا بتنا على أعتاب النصر ومشارف التحرير، وأن المعركة القادمة بيننا وبينه هي المعركة الفصل وهي الحرب الخاتم، التي ينتهي فيها كيانهم ويزول ملكهم، في الوقت الذي تشرق فيه شمس فلسطين وقد تحررت من الاحتلال، وعاد إليها أهلها واللاجئون.
أكاد أجزم أن غالبية من شهدوا المناورة لم يكونوا على علمٍ بتفاصيلها، ولا يعرفون شيئاً عن فقراتها، وكثيرٌ منهم قد شهد حروباً سابقة، أو شارك في تغطية يوميات معارك وحروب طاحنة، لكنهم وقد أخذوا مواقعهم أمام المنصة، وتهيأوا لمشاهدة فقرات المناورة، ما كانوا يعلمون أنهم سيشهدون معركةً حقيقيةً متعددة الجبهات، وملحمةً بطوليةً مختلفة المشاهد، وسيرون أسراب المسيرات، وعربات ودراجات الهجوم والاقتحام، وأفراد فرقة الرضوان وفرق النخبة الأخرى وهم ينفذون مهام قتالية وعملياتٍ هجومية مختلفة، ويجرون محاكاةً دقيقة لاستهداف آلياتٍ عسكريةٍ وتدميرها، ويسوقون طواقمها أسرى ويسحبون جثت القتلى، وأخرى للهجوم على مستوطنةٍ والسيطرة عليها، وإنزال الأعلام الإسرائيلية ورفع أعلام المقاومة مكانها.
إلا أنني أجزم أن العدو الإسرائيلي قبل غيره قد أدرك أنه المقصود وحده بهذه المناورة، وأنه المستهدف بها دون غيره، وأن نارها ستحرقه، وأن المقاومة تحذره، وأن الصواريخ التي أطلقت تستهدفه، وترسل له رسائل واضحة ومباشرةً، بأنها ومحور المقاومة تتربص به وتتهيأ له، وتستعد لقتاله وتتجهز لمواجهته، وأنها لن تسكت عنه ولن تخاف منه، وأنها سترد عليه وستردعه، وأن الزمان الذي كان يظن فيه أنه يملك الجيش الأقوى والأكثر فتكاً قد ولى وانتهى، فقد بات في مواجهة مقاومةٍ مدربة ومؤهلة، وقادرة وجاهزة، وموحدة القيادة ومنسقة الجهود، وتملك القدرة والشجاعة على مواجهته، ولديها الثقة واليقين أنها ستغلبه وستنتصر عليه.
أما الفلسطينيون وأنا أحدهم، وقد خرجنا للتو من معركة "ثأر الأحرار"، فقد شعرنا بأن هذه المناورة العسكرية التي أقلقت العدو وأزعجته، وزادت من عمق أزمته وشرخ جبهته، قد أفرحتنا وأسعدتنا، وأشعرتنا بأننا لسنا وحدنا في المعركة، وأن هناك من ينتصر لنا ويعمل معنا، ويعد العدة ويتجهز لخوض المعركة إلى جانبنا والانتصار لنا، وكأن هذه المناورة هدية لنا على صبرنا، ومكافأةً لنا على صمودنا، ورسالةً لنا من على أرض المعركة وميادين القتال أن لكم جنداً ينصرونكم، ومدداً يردفكم، ومقاومةً تقاتل معكم.
بحول الله عز وجل وقدرته، وبعد التوكل عليه والاستعانة به، فإننا لن نغلب اليوم من قلةٍ، ولن ينتصر علينا العدو لضعفٍ أو عجزٍ، ولن يرهبنا ويخضعنا لقوةٍ فيه أو تفوقٍ لديه، ولن يستفرد بنا أو يستقوي علينا لفرقةٍ بيننا أو خلافٍ يعصفُ بنا، ولن ينال من فريقٍ منا ويستفرد بآخر فينا، فقد بتنا اليوم بفضلٍ من الله ونعمةٍ، نمتلك قوةً رادعةً، وقدرةً فائقةً، وأسلحةً متفوقةً، ومن قبل لدينا الصدق واليقين والعزم والإيمان، والجاهزية والاستعداد، والإرادة الحرة والقرار المستقل، ونجحنا بحمد الله وفضله من فرض قواعد للحرب جديدة، ورسمنا معادلاتٍ للصراع كاسرةً وألزمنا العدو بها وأخضعناه لها، ولعله اليوم أكثر من يعيها ويفهمها، ويخاف منها ويخشاها، تماماً كما قرأ المناورة ووصلته رسائلها، وساء وجهه بسببها، وتكدرت حاله لتداعياتها.
بيروت في 25/5/2023
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت