اعتبر محللون عسكريون في الصحف العبرية الصادرة مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين بنيران شرطي مصري، صباح أمس السبت، بأنه "إخفاق" كبير للجيش الإسرائيلي، يستوجب تحقيق عسكري معمق، "من أجل الكشف عن الخلل" الذي مكّن شرطيا مصريا من "التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية.
وكذلك من أجل إعادة النظر في المفهوم الدفاعي على طول الحدود، التي وضعها الجيش الإسرائيلي في أدنى سلم أولوياته بسبب الهدوء النسبي فيها"، حسب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل.
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، إلى أن هذا ثاني تسلل للحدود الإسرائيلية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وذلك بعد أن تسلل شخص من لبنان لمسافة 70 كيلومترا تقريبا، في آذار/مارس الماضي، وتمكن من الوصول إلى مفترق مجدو، ووضع عبوة ناسفة، تسبب انفجارها بإصابة خطيرة لمواطن. وقتل جنود إسرائيليون المتسلل عند الحدود مع لبنان لدى عودته إليها.
وأضاف يهوشواع أن "الادعاء بأن الحدود المصرية الإسرائيلية بطول 230 كيلومترا، ولذلك مستوى الاستنفار (في القوات الإسرائيلية) متدن، لا أساس له أبدا. ففي هذا المحور توجد عمليات تهريب ليليا، ومطاردات ساخنة تشمل اشتباكات مسلحة مع مهربي مخدرات وأسلحة. والتوتر العسكري هناك مرتفع أكثر من جبهات أخرى مصل غزة ولبنان".
واعتبر أن "المنظومة الدفاعية الإسرائيلية انهارت، أمس. وهذا حدث يفترض أن يذكّر قيادة الجيش الإسرائيلي، وكذلك وزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذين يتحدثون كثيرا عن مهاجمة إيران، بأن يبحثوا قبل ذلك في جهوزية قوات البرية".
ولفت يهوشواع إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، أفيف كوخافي، "بذل جهودا كثيرة في عوالم الميزان الدقيقة لسلاحي الجو والاستخبارات، ويتعين على رئيس أركان الجيش الحالي، هيرتسي هليفي، أن يبذل جهدا من أجل إغلاق الفجوة في ذراع البرية الضعيف".
ومنذ الأمس، تجري محادثات مكثفة بين جهاز الأمن الإسرائيلي وقوات الأمن المصرية، "في محاولة للتأكد من عودة الهدوء إلى الحدود واستيضاح ما إذا كان للشرطي المصري شركاء، علموا بخطته أو بتخطيطها"، وفقا لهرئيل.
ورجح هرئيل أن الشرطي المصري نفذ الهجوم "بعد تحول أيديولوجي راديكالي، سواء كان ذلك بتأثير منظمة إرهابية إسلامية أو كتماثل مع الكفاح الفلسطيني ضد إسرائيل". وأشار إلى أن اتجاها آخر يجري التحقيق فيه هو أن الشرطي المصري "انتقم لعملية تهريب مخدرات جرى إحباطها".
وأضاف هرئيل أن القوات الإسرائيلية عند الحدود مع مصر، "حيث مستوى الخطر فيها يعتبر متدن نسبيا" ليست مدربة بشكل كبير. ويتم نشرها في هذه المنطقة "من أجل تحرير الألوية العسكرية النظامية للقيام بتدريبات وعمليات عسكرية في المناطق الأكثر اشتعالا، مثل حدود لبنان والمناطق" الفلسطينية المحتلة.
واعتبر أن "المطلوب استيضاحه الآن هو ما إذا هناك مؤشر على تغيير كبير للأسوأ عند حدود مصر، وبشكل يستوجب نشر قوات أخرى". ورفض هرئيل أقوال التيارات الدينية في إسرائيل بأن ضعف القوات المنتشرة عند هذه الحدود نابع من أنها مختلطة، يخدم فيها الرجال والنساء. "الأبحاث التي أجراها الجيش تدل على أن المستوى العسكري للمجندات معقول وحوافزهن أعلى من معظم الرجال الذين يخدمون في هذه الكتائب".
ولفت هرئيل إلى أنه "معلوم منذ سنوات أن مستوى العمل الاستخباراتي في هذه المنطقة منقوص. وهذا مرتبط بسلم الأولويات من حيث رصد موارد. كما أنه بالرغم من أن الجدار الذكي نسبيا الذي أقيم عند الحدود مع مصر، قبل عشر سنوات، يمنع مجيء طالبي اللجوء والباحثين عن عمل من أفريقيا، إلا أنه ليس مغلقا بإحكام. وشبكات التهريب البدوية، من كلا جانبي الحدود، تنجح في الالتفاف على الجدار غالبا، بالرغم من نجاحات إحباط التهريبات التي يسجلها الجيش الإسرائيلي والشرطة".
واعتبر أن نجاح الشرطي المصري بالتسلل عبر الحدود ومهاجمة الجنود الإسرائيليين، "من شأنه أن يقود إلى محاولات أخرى لعمليات تقليد، وبضمن ذلك إمكانية إرسال مخربين من غزة إلى سيناء ومنها إلى إسرائيل، أو إمكانية اختطاف جندي إسرائيلي عند الحدود".
وتشير التحقيقات الرسمية، وكذلك التقارير الإعلامية على أن هناك فشل وإخفاق كبير من قبل الجيش الإسرائيلي في التعامل مع الحدث، إلى جانب أن العملية خطط لها بشكل دقيق ومسبق ولم تكن عابرة.
وتشير التحقيقات إلى أن الحدود المصرية ملتهبة باستمرار في ظل عمليات التهريب التي تكاد لا تتوقف، ولذلك التوتر العملياتي التشغيلي فيها أعلى من الحدود الأخرى مع غزة ولبنان لأن عمليات التسلل هناك أقل.
وتتواجد العديد من الوحدات العسكرية الإسرائيلية على الحدود المصرية، إلى جانب الدبابات التي من المفترض أن توفر استجابة عملياتية للتحديات على الحدود، رغم التعاون الدائم مع المصريين، لكن النظام الدفاعي الإسرائيلي أنهار أمس تمامًا، وهذا ما لا ينبغي أن يحدث، وهذا ما يجب أن يذكر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه يؤاف غالانت، اللذين يتحدثان باستمرار عن هجوم على إيران، بالتحديات الأخرى، وللتحقق مسبقًا مما قد يحدث عند المواجهة الحقيقية على الأرض.
وبحسب "يديعوت أحرونوت"، فإن التحقيق في الحادث، يوضح أنه عند الساعة 2:30 ليلًا، تم إحباط عملية تهريب ناجحة للمخدرات، وتم نشر القوات بشكل زوجي في نقاط عسكرية في وقت مبكر من الساعة التاسعة مساءً، وتبين أن منفذ العملية لم يدخل من خلال اختراق السياج ولم يتسلقه، بل دخل من خلال ممر طوارئ مخصص لمرور القوات الإسرائيلية إلى الجانب المصري عند الحاجة.
وكان آخر اتصال يوم أمس مع الجنديين اللذين كانا في الموقع، الساعة 4:15 فجرًا، وبعد 5 ساعات، حوالي الساعة التاسعة صباحًا، عثر عليهما جثث هامدة، وتبين أن المنفذ قتلهما عند نحو الساعة 6:30 صباحًا، سريعًا ولم يكن لديهما الوقت للرد عليه، وبعد ملاحقة واسعة رصدت طائرة بدون طيار المنفذ حين كان على عمق كيلو متر ونصف داخل "الأراضي الإسرائيلية"، وتم ملاحقته وتبادل إطلاق النار معه، وقتل جنديًا ثالثًا وأصاب آخر قبل تصفيته.
وتتعزز التقييمات لدى الجيش الإسرائيلي، أن المنفذ تصرف بمفرده وليس على صلة بأي منظمة.
وتؤكد الصحيفة العبرية، أن هناك اخفاق عملياتي سيء، يضاف إلى الاخفاق إلى المتعلق في إحباط عملية التسلل، مشيرةً إلى أنه كان بالإمكان قتل المنفذ قبل تسلله بحكم القدرات المتعلقة بوسائل المراقبة، أو على الأقل بعد الحدث الأول، مثل تصفيته من الجو.
وتكشف الصحيفة، أن قائد لواء منطقة "فاران" طلب مساعدة سلاح الجو، لكن اتضح أن المروحيات القتالية استغرقت وقتًا طويلًا للوصول، ولذلك قرر إرسال قوة لتصفية المنفذ، وفي غضون ذلك جرى الاشتباك وقتل الجندي الثالث، قبل تصفيته.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، كانت هناك أوامر بعدم تحليق الطائرات منذ يوم الأربعاء الماضي بسبب خلل، ورغم ذلك إلا أن سلاح الجو كان في حالة تأهب عملياتي للاستجابة لأي طارئ.
ويحقق الجيش الإسرائيلي حاليًا في سبب عدم الكشف عن التسلل من خلال أدوات المراقبة المختلفة، ولماذا لم يتم التحقق من الاتصال بالجنود كل ساعة، وفيما إذا كان ينغي أن يصل سلاح الجو بشكل أسرع من ذلك، وفيما إذا كان قرار مواجهة المنفذ قبل وصوله "للمدنيين" الإسرائيليين كان صحيحًا، أو كان من الضروري الانتظار وعزل المنفذ حتى وصول الطائرات المروحية.
وتقول الصحيفة: "هذا حدث خطير يتطلب تعلم الدروس في جميع وحدات الجيش الإسرائيلي، الآن، وقبل فوات الأوان، وقبل أن يكون الوقت تأخر، ويكون لذلك نتائج سيئة للغاية".
وفي تقرير آخر لها، ركزت صحيفة "يديعوت أحرونوت" على الإجراءات الأمنية المتبعة والسياج الأمني الطويل الذي تم تجهيزه بأحدث أجهزة المراقبة والمتابعة وكلف مليارات الشواقل، إلا أنه لم يمنع عمليات تهريب المخدرات، ومحاولات تسلل الأفارقة بشكل كامل، مشيرةً إلى أن كل هذه الوسائل لم تنجح أمس في منع الشرطي المصري من تنفيذ عمليته.
من ناحيتها، قالت صحيفة "هآرتس" العبرية، إن التحقيقات تشير إلى أن منفذ العملية دخل عبر ممر طوارئ مغلق بالأصفاد على بعد مئات الأمتار من نقطة الحراسة التي تم فيها قتل المجندة والجندي، ولا يزال من غير الواضح فيما إذا كان القتيلين على علم بذاك الممر الذي تسلل منه، ولم يعرف بالضبط متى تسلل الشرطي المصري.
وتشير الصحيفة، إلى أنه بالرغم من الأجواء الحارة، إلا أن الجنود يضطرون البقاء مواقع الحراسة في نوبات تستمر 12 ساعة، وفي كل نقطة يتواجد فقط جنديان، في ظروف مواتية تتيح لهما اليقظة التشغيلية الكاملة.
ونشرت الصحيفة معلومات مماثلة لما نشرته يديعوت حول التفاصيل التي أدت لمقتل الجنديين، مشيرةً إلى أن المنفذ تسلل على بعد 2 كيلو متر من مكان إحباط تهريب المخدرات.
من ناحيتها، ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية، أن المنفذ قطع 5 كيلو مترات من نقطة تمركزه داخل الحدود المصرية حتى وصل الحدود رغم التضاريس الصعبة، وتمكن من الدخول من ممر طوارئ مخصص للاستخدام عند الحاجة، وفتحه باستخدام سكين كانت بحوزته، لأنه لم يغلق سوى بالأصفاد.
وتبين الصحيفة، أن المنفذ يبدو كان يعرف مساره جيدًا، وخطط مسبقًا للعملية، وعرف كيف يصل لنقطة الجنود وقتلهما بدون أن يشتبكا معه، وتبين أنه عند الساعة 6 صباحًا أبلغت أقرب نقطة عسكرية عن سماع طلقات نارية لكن لم يؤخذ ببلاغها خاصة وأن إطلاق النار شبه يومي من تلك المنطقة.
من ناحيتها، تقول صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، أن هذا الحدث ورغم الصداقة مع مصر، يشير إلى مدى وجود منظمات "إرهابية" خطيرة، ونشطة، يمكنها استغلال الحدود لتنفيذ هجمات مماثلة، مشيرةً إلى أن الشرطي المصري كان يعرف المنطقة وملمًا بها وعرف كيف يتسلل، وهذا بمثابة ضربة قاسية ومؤلمة.
ورأت الصحيفة اليمينية ، أن الشرطة المصرية المتمركزة على الحدود في أدنى مستوى لهاـ من حيث قدرتها على الحماية وتوفير الأمن، كما أن بعض أفرادها تعاونوا مع منظمات مسلحة، أو غضوا الطرف عن هجمات، وكل ذلك نتيجة لإصرار إسرائيل على تنفيذ اتفاقيات السلام الموقعة.
واعتبرت الصحيفة أنه من الضروري على إسرائيل أن تطالب من مصر التحقق بشكل أكبر من هوية جنودها ودوافعهم وأفكارهم التي يحملونها.
من ناحيتها، ذكرت القناة العبرية السابعة، أن التحقيقات أظهرت أن منفذ العملية كان يحمل مصحفًا من القرآن الكريم، وأن الجيش الإسرائيلي بات يعتقد أن الدافع الديني هو من دفعه لتنفيذ الهجوم، كما عثر على سكين بحوزته لقطع أي معيقات حدودية قد تواجهه، وستة مخازن رصاص، وهو ما يشير إلى أن العملية مخطط لها مسبقًا وبشكل دقيق.