المحلل السياسي إبراهيم المدهون :
- تحاول مصر لملمة الموقف الفلسطيني وبحث ملفات كالمصالحة والهدوء في غزة وعدم الذهاب لمواجهة جديدة وتسهيل حياة السكان في القطاع
المحلل السياسي هاني المصري في مقال:
- تركيز مباحثات القاهرة حول "تدعيم السلطة في القطاع، والتوصل لهدنة مؤقتة طويلة نسبيا، بما يفتح الطريق لإقامة مشاريع إستراتيجية في سياق تطوير العلاقات
المحلل السياسي أحمد رفيق عوض :
-في ظل وجود ترجيحات بتوجيه إسرائيل ضربة عسكرية متعددة الجبهات، قد تكون غزة من ضمنها، تحاول مصر تجنيب القطاع أي عدوان جديد
المحلل السياسي أسامة محمد :
- فرص تحقيق المصالحة الفلسطينية محدودة للغاية وتحاول مصر خلق مسار واقعي يكون للسلطة فيه دور بغزة
في سياق جهودها الرامية لترتيب المشهد السياسي واحتواء التوتر الأمني المتصاعد في الساحة الفلسطينية، احتضنت العاصمة المصرية القاهرة وفودا ممثلة عن حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي وحكومتي رام الله وقطاع غزة.
وما زال وفدا "حماس" ولجنة متابعة العمل الحكومي التي تديرها الحركة، موجودان في القاهرة، في حين أن الجهاد الإسلامي برئاسة أمينها العام زياد النخالة اختتمت زيارتها التي استمرت لمدة 3 أيام، مساء الثلاثاء.
ودشنت القاهرة هذه الموجة من الجهود، الأسبوع الماضي، باستقبال رسمي لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، الذي زار البلاد لمدة 3 أيام، التقى خلالها بنظيره المصري مصطفى مدبولي، ورئيس جهاز المخابرات عباس كامل.
وتمخضت لقاءات اشتيه مع المسؤولين المصريين عن توقيع بروتوكول مشاورات سياسية بين البلدين، فيما بحث مع كامل ضرورة "وجود دور مصري في عملية إنشاء محطات تحلية مياه ممولة من المانحين بغزة، وتفعيل شبكات الهاتف المحمول الفلسطيني في مصر".
كما أجرى كامل، خلال الأيام القليلة الماضية، لقاءات منفصلة مع كل من رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، والنخالة.
وكشفت الحركتان، في بيانين منفصلين، أنهما ناقشتا خلال لقائهما مع كامل ملفات متعلقة بـ"تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني خاصة في غزة والأوضاع السياسية الداخلية وحرص مصر على وحدة الموقف الفلسطيني والأوضاع الإقليمية".
وقال مصدر فلسطيني مطلع (فضل عدم الكشف عن هويته)، لوكالة "الأناضول"، إن "مصر وافقت بشكل مبدئي على تزويد قطاع غزة بكميات إضافية من الكهرباء"، دون الوصول لاتفاق نهائي فيما يتعلق بهذا الشأن.
وأضاف "هذا الملف بحاجة للمزيد من النقاشات للاتفاق حول التفاصيل".
ولم يصدر عن لجنة غزة الحكومية أي بيان رسمي حول زياتها للقاهرة، إلا أن مصدر في حماس (رفض الكشف عن هويته)، قال لوكالة "الأناضول" في 1 يونيو/ حزيران الجاري، إن الوفود الفلسطينية تبحث في القاهرة "القضايا الاقتصادية والمعيشية المتعلقة بغزة، والتبادل التجاري مع مصر والمشاريع المصرية الجارية في القطاع".
وأضاف: "سيبحث الوفد الحكومي من غزة برئاسة عصام الدعليس، تفاصيل القضايا الاقتصادية المتعلقة بالقطاع، خاصة العمل عبر معبر رفح لتنقل الأفراد، وكذلك البوابة التجارية التي يشملها المعبر".
واتفق محللون، في حوارات منفصلة لوكالة "الأناضول"، أن الجهود المصرية تأتي لـ"تخفيف حدة التوتر الأمني في الساحة الفلسطينية وتجنيب قطاع غزة أي عدوان إسرائيلي محتمل".
ويعاني أكثر من مليوني فلسطيني من أوضاع معيشية متدهور للغاية في غزة؛ جراء حصار إسرائيلي مشدد منذ 2007.
وحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في مايو/ أيار 2022، أن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 47 بالمئة.
تحسينات إنسانية
يرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن زيارة الوفود الفلسطينية الرسمية والفصائلية للقاهرة تأتي لـ"ترتيب البيت الفلسطيني والعمل على التهدئة بغزة ولمناقشة قضايا تفصيلية خاصة بالقضية".
وأضاف المدهون، مدير عام مؤسسة فيميد للإعلام (فلسطينية مقرها تركيا)، لوكالة "الأناضول"، إن "مصر حرصت على حضور جميع الأطراف التي من الممكن أن تؤثر في المرحلة القادمة، بما فيهم ممثلين عن السلطة الوطنية وفصائل المقاومة".
ووصف هذه الدعوة بالمهمة كونها تأتي في ضوء "لملمة الموقف الفلسطيني وبحث ملفات كالمصالحة والهدوء في غزة وعدم الذهاب لمواجهة جديدة وتسهيل حياة السكان في القطاع".
ويعتقد أن الفصائل خاصة حماس من "الممكن أن تتجاوب مع الأطروحات المصرية، كونها معنية بإنجاح هذا الدور كي يشعر المواطن بغزة بتحسن واضح وملموس على حياته وسط وجود إرادة مصرية لتحسين الواقع المعيشي في القطاع".
ويرى المدهون أن زيارة وفد من السلطة للقاهرة يأتي في إطار "إبلاغهم بالنية المصرية للعمل بعدد من المشاريع في غزة والتي من شأنها أن تخفف عن المواطنين".
واستكمل قائلا: "الإدارة المصرية مقتنعة بضرورة تفعيل مشاريع للتخفيف عن السكان بغزة، وربما زيارة اشتيه جاءت لإبلاغه بهذه التوجهات".
ويبقى تطبيق هذا الأمر، وفق المدهون، معقدا في ظل وجود خشية من "تدخل الولايات المتحدة الأمريكية التي تشرف على حصار غزة ورفض إسرائيل التي تريد للقطاع أن يبقى عائما في بحر من الأزمات والضغوط، للتوجهات المصرية".
إلا أن "الدور المتنامي لمصر قد يعمل على إنجاح تلك المساعي في ظل خشية الأخيرة من تصاعد الأحداث والذهاب لمواجهة جديدة بفعل الأزمات المتتالية، وفق المدهون.
ويستبعد المحلل السياسي أن يكون لمصر دور إداري في غزة، كما تناقلت بعض وسائل الإعلام العربية، لكنه يقرأ وجود رغبة مصرية في أن يكون لها بصمة بالمشاريع في القطاع.
وقال عن ذلك: "قد يكون لمصر دور فعال وتنسيقي مع حماس في غزة أو لجنة متابعة العمل الحكومي في القطاع، للعمل على المشاريع المنوي تنفيذها ورعايتها".
ويشير إلى أنه من المبكر "الحديث عن هدنة طويل الأمد في غزة كونها ترتبط بقضايا استراتيجية للشعب الفلسطيني، لكن ما يدور هو التمهيد لمرحلة هدوء وتهدئة تُجنب القطاع أي عدوان محتمل".
احتواء التوتر
اعتقد المحلل السياسي هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، أن مسألة إنجاز المصالحة وتحقيق الوحدة لم تعد ذات زخم كونها تنطوي على تعقيدات تمنع حدوثها.
وقال في مقال نشره على الصفحة الرسمية للمركز، " زيارة الوفود للقاهرة ليس للبحث في المصالحة وتحقيق الوحدة، فهذا الأمر - على ما يبدو - بات وراءنا".
ويرى أن تركيز المباحثات في القاهرة ستكون "حول تدعيم السلطة في القطاع، والتوصل إلى هدنة مؤقتة طويلة نسبيا، بما يفتح الطريق لإقامة مشاريع إستراتيجية في سياق تطوير العلاقات، خصوصا التجارية والاقتصادية والأمنية المصرية مع غزة".
وبحسب المصري، فإن هذه التسهيلات المطروحة لغزة "لن تكون بدون مقابل فلسطيني".
وأضاف: "الدلالة الأكبر لما يجري أن الانقسام يتعمق، وأن السلطة مطلوبة (بوصفها محللًا)؛ لأن بعض المسائل يتطلب وجودها، مثل: الوفاء بالتزامات متبقية إزاء القطاع، والمساعدات الدولية التي تمر باسمها، واستخراج الغاز من حقل مارين؛ حيث من الضروري وجود السلطة الشرعية، ووجود مصر لأنها دولة".
ويستبعد المصري "التوصل إلى هدنة دائمة كون ذلك يفقد حماس مبرر وجودها وشرعيتها بوصفها حركة مقاومة"، وفق قوله.
وكانت مواقع إخبارية عربية من بينها العربي الجديد، قالت إن مصر تقود حراكا "بشأن الأوضاع في غزة ضمن تصورات تؤدي للوصول إلى هدنة طويلة الأمد نسبيا بين الفصائل في القطاع وإسرائيل".
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، "أهمية الزيارة الفلسطينية لمصر جاءت على مستويات أمنية وسياسية واقتصادية".
وأضاف مدير مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس، لوكالة "الأناضول": "في ظل وجود ترجيحات بتوجيه إسرائيل ضربة عسكرية متعددة الجبهات، قد تكون غزة من ضمنها، تحاول مصر تجنيب القطاع أي عدوان جديد من خلال عقد مباحثات مع الفلسطينيين".
وتسعى مصر لتهدئة جبهة غزة خلال الفترة القادمة، عبر المستويات الثلاثة، الأول مرتبط بالجانب الاقتصادي والتبادل التجاري بين غزة والقاهرة عبر معبر رفح.
أما المستوى الثاني، فهو الأمني، حيث تعنى مصر وفق عوض، بـ"الهدوء الأمني بغزة إذ يعتبر جزءا من الأمن المصري القومي".
والمستوى الثالث فهو السياسي الفلسطيني، فلا يمكن لمصر أن تترك هذا الملف بعيدا عنها، وفق عوض.
المصالحة الفلسطينية
وعن المصالحة، قال عوض، إن ما يحدث اليوم في هذا السياق هو "إدارة للانقسام لتقليل الخسائر والأضرار".
وأضاف: "تحاول مصر التوسط للتوصل إلى شراكة إدارية لغزة (بين حماس والسلطة)، كي تستطيع من تعميق دورها في القطاع تحت مظلة فلسطينية رسمية".
بدوره، قال المحلل السياسي أسامة محمد إن فرص تحقيق المصالحة الفلسطينية محدودة للغاية وهو أمر تدركه كل الأطراف الفلسطينية والإقليمية بما في ذلك مصر.
وأضاف لوكالة "الأناضول": "المصريون يحاولون خلق مسار واقعي يكون فيه للسلطة دور في غزة من خلال حضورها كعنوان، وآخر إداري يحافظ على شرعيتها ويشركها في إدارة القطاع إلى جانب حماس".
لكنه يعتقد أن هناك إمكانية لأن تطرح مصر رؤية للمصالحة مستغلة الترتيبات الإدارية لغزة التي من المرجح أن تتشارك فيهما حركتي حماس وفتح، سواء كانت هذه الترتيبات متعلقة بـ"ملفات قديمة كالمعابر والجباية"، أو جديدة مرتبطة بمشاريع قد يتم الاتفاق على إنشائها ضمن التحسينات الإنسانية في القطاع.