تغيير الخارطة السياسية الفلسطينية في الضفة الغربية

بقلم: هاني العقاد

هاني العقاد.jpg
  • د. هاني العقاد

مباحثات إسرائيلية أمريكية على مستويات امنية مختلفة جرت مؤخراً في العاصمة واشنطن على  اعلى المستويات الأمنية  لمناقشة الملف الفلسطيني بالذات ملف السلطة الفلسطينية كجسم سياسي فلسطيني يمثل الوجهة الشرعية للفلسطينيين والجسر الموصل  الي الدولة الفلسطينية بمؤسساتها وهيكلها السياسي والإداري والتنظيمي ولا يحقق الامن لإسرائيل , هذه المباحثات تركز على نقطة مهمة وهي الي اين يذهب المشهد في الضفة الغربية ؟ وسط مخاوف أمريكية مزعومة من ذهاب الفلسطينيين في الضفة الي كارثة حقيقية بسبب ما يزعموا ان السلطة غير قادرة علي احكام السيطرة على كافة المناطق الفلسطينية بما فيها الشمال الفلسطيني أي منطقة نابلس وجنين وطولكرم ومخيماتهم وكأنهم يريدوا القول ان قوي مسلحة باتت تسيطر على تلك المناطق وتحاول اجتزائها من السلطة التي لا وجود امني لها  ووجودها هو وجود خدماتي فقط , بل انهم يذهبوا لأبعد من ذلك ومناقشة ما بعد انهيار السلطة الفلسطينية او بالأحرى نجاح المخطط الإسرائيلي في تفكيكيها وإيجاد بديل سياسي بتمثيل مخفض دون استحقاق سياسي يعطي الفلسطينيين سيادة على الأرض .

(رونين بار) رئيس المخابرات الإسرائيلية حمل أخطر تقرير عن السلطة الي مستشار الامن القومي الأمريكي (جيك سولفيان) وبالطبع يتضمن رؤيا إسرائيلية امنية ليس لإنقاذ السلطة كما يعتقد بعض من يعشش في رؤوسهم أفكار خاطئة وتحريضية ان السلطة وجودها يخدم إسرائيل التي لا تتخلي عنها اطلاقا وهم لا يدركوا بذلك ان هذا يخدم دولة الاحتلال. اليوم تصف الأوساط الأمنية الإسرائيلية السلطة بالرجل المريض الذي لا فائدة منه ولن تنقذه كافة الادوية لإبقائه حيا لأنه بات اقرب الى الموت من العودة للحياة , وتتفق في معظمها  ان الوقت قد حان لاستبدالها بكيانات اخري اقل تمثيلا للفلسطينيين أي كيانات خدماتية في اغلبها دون استحقاقات سياسية وهذا بات مطروحا بتركيز في المؤسستين العسكرية والأمنية وقد يكون البحث الان يجري في كيفية تحقيق ذلك في ظل وجود( الرئيس أبو مازن)  الذي شكل حجر العثرة امام مخططات إسرائيلية كبيرة لتصفية الصراع ,بل انه مازال يقود معركة دبلوماسية كبيرة امام الهيئات الأممية ما كشف حقيقة الاحتلال الإسرائيلي ورفضه لتحقيق السلام الشامل والعادل وهذا احرج دولة الاحتلال كثير امام خصومها  وحلفائها .

 تسعي دولة الاحتلال الإسرائيلي لأضعاف وتقويض السلطة لأنها لم تحقق لها الهدف الإداري المطلوب في الحفاظ على الامن ووقف العمليات العسكرية ضد مستوطنيها وجيشها المنتشر في الضفة الغربية الي جانب  ان طموحها السياسي كبير لا يتناسب مع مستقبل الصراع الذي تديره دولة الاحتلال بمنطق التخفيض وليس الحل النهائي الذي تحشد اليه القيادة الفلسطينية من خلال المطالبة بحماية مبدأ حل الدولتين والعمل على عزل الاحتلال الإسرائيلي وكشف أوراقه امام المجتمع الدولي بالحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية في ماهية الاحتلال والاستيطان كوجه للاستعمار العنصري على الأرض الفلسطينية والذي من شانه ان يُعرف الاحتلال الغاشم بالقوة الجبرية التي تسعي الي تغيير الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية ,وبالتالي الاستمرار في تهديد الامن والاستقرار الإقليميين ,وعليه سيكون تعامل معظم دول العالم مع إسرائيل كدولة احتلال يجب ان تنهي احتلالها لكافة أراضي  العام 1967 وبإمكان هذا الرأي أيضا ان يفتح الباب امام إعادة طرح ملفات القرارات الدولية على الطاولة وأهمها 181 و 194 قرار التقسيم وقرار عودة اللاجئين والتعويض. على الأرض تحاول دولة الاحتلال شطب الهوية السياسية للفلسطينية من خلال سيناريو تغيير الخارطة السياسية للوجود الفلسطيني بالضفة وحسم قضية القدس بالتخلص من 350 ألف فلسطيني، وامام الهيئات الدولية تحاول القيادة الفلسطينية الحصول على مزيد من الاعتراف الدولي بشرعية الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية كدولة تحت الاحتلال يتعامل معها العالم كدولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة.

ان تغيير الخارطة السياسية للفلسطينيين بات سيناريو يجري الان من خلال مسارين خطيرين , الأول تسريع الاستيطان وشرعنه اكثر من 70 بؤرة استيطانية والغاء قانون فك الارتباط 2005 والسماح للمستوطنين بالعودة الي اربع مستوطنات مخلاة في شمال الضفة الغربية(  جانيم" و"كديم" و"حومش" و"سانور(. ,بالإضافة الي تنفيذ مخطط(E 1 ) القاضي بعزل مدينة القدس عن محيطها العربي والفصل بين جنوب الضفة الغربية عن شمالها والاعلان عن بناء الالاف الوحدات السكنية في مستوطنات الضفة التي تعتبرها دولة الاحتلال مدن إسرائيلية في العمق الفلسطيني وتتعامل معها على هذا الأساس وهي (مستوطنة ارئيل في محافظة سلفيت ,ومستوطنة بيتار عيليت في محافظة بيت لحم  ,ومستوطنة مودعين عيليت في محافظة رام الله ,ومستوطنة معالية اودميم في محافظة القدس ) وفرض السيادة الإسرائيلية على كافة المستوطنات الكبرى بالضفة الغربية وتوسيع هذه المحافظات يقضي تماما على أي امل في تحقيق حل الدولتين الا بإزالة هذه المستوطنات الأربع التي تعزل المدن والمحافظات الكبرى في الضفة الغربية عن بعضها البعض وتجعل التواصل الجغرافي بينهم امر مستحيل.

 المسار الاخر والذي يسير بتوازي مع مسار الاستيطان والضم هو المسار العسكري والذي باتت دولة الاحتلال الإسرائيلي تجهز له باجتياحها من جديد مدن الشمال الفلسطيني (نابلس وجنين وطولكرم  ومخيماتها ) تحت زعم انها ستقضي على جيوب المقاومة الفلسطينية المسلحة  التي تشكلت وبدأت  تشكل حالة قلق كبيرة لدولة الاحتلال وفي ذات الوقت تعيق مخطط تقسيم الضفة الغربية بالاستيطان لان تنامي المقاومة الفلسطينية في الضفة من شانه  ان يرغم المستوطنين على ترك هذه المستوطنات والرحيل  لمدن الوسط في دولة الاحتلال باعتبارها مدن اكثر امنا واستقراراً من مستوطنات الضفة وبالتالي سقوط الفصل الديموغرافي ,بالطبع اذا حدث اجتياح واسع واحتلال مدن بالضفة فان قوات الاحتلال لن تترك تلك المدن في اليوم التالي او تبقي لفترة طويلة تقتل وتعتقل وتواجه المقاومة التي لن تنتهي الا برحيل الاحتلال تسعي دولة الاحتلال  لإيجاده  وتنصيبه كبديل عن السلطة الشرعية من خلال حكام فلسطينيين مدنين يعملون مع الإدارة المدنية الإسرائيلية تكون هي اعدتهم لهذه المهمة , وهنا يتحقق سيناريو تغير الخارطة السياسية الفلسطينية وحينها  يحتاج الفلسطينيين لعقود حتي يجمعوا اشلائهم السياسية من جديد .

[email protected]

 

  

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت