الفلسطينيون وبايدن وال 4G

بقلم: رائد الدبعي

رائد محمد الدبعي.jpg
  • بقلم: رائد محمد الدبعي
  • محاضر بقسم العلوم السياسية/ جامعة النجاح الوطنية

       وعد الرئيس الأمريكي جون بايدن الفلسطينيين خلال زيارته لبيت لحم في الخامس عشر من تموز يوليو 2022 بباقة من التسهيلات الاقتصادية والحياتية، التي من شأنها تسهيل حياتهم، من بينها إطلاق الجيل الرابع من الاتصال الرقمي 4G، الذي طال انتظاره في كل من غزة والضفة الغربية, و تحسين إمكانية وصول الفلسطينيين إلى الرعاية الصحية والتكنولوجيا، وحرية تنقل المواطنين عبر الاردن بواقع 24 ساعة خلال جميع أيام الأسبوع أسوة لكل الشعوب، وإعادة عقد اللجنة الاقتصادية الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة, وغيرها من الوعود التي لم يتحقق أي منها.

  الرئيس بايدن هو الرئيس الامريكي الوحيد الذي لم يعين مبعوثا رئاسيا لما يطلق عليه مجازا " العملية السلمية" ولم يقدم أية مبادرة سياسية خلال فترة رئاسته التي شارفت على الأفول، بل أنه تنكر لوعوده خلال حملته الانتخابية باعادة افتتاح القنصلية الامريكية العامة لدى السلطة الوطنية الفلسطينية بالقدس، بعد أن حولها سلفه ترامب إلى وحدة هامشية داخل السفارة الأمريكية بالقدس الشرقية، تقتصر مهامها على بعض المساعدات الاقتصادية، والأمنية في ظل غياب أي أجندة سياسية بجعبة هذه الإدارة.

يتندر الفلسطينيون اليوم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي بالذكرى السنوية الأولى لفشل بايدن في الضغط على إسرائيل لاطلاق شبكة الجيل الرابع من الاتصالات، فيما تذكر آخرون وعده بفتح الجسر لاربع وعشرون ساعة بعد وفاة أحد الحجاج على الحدود في الثاني من يوليو بسبب الإجراءات الاسرائيلية التي تمنع الشعب الفلسطيني من التنقل الحر عبر حدوده أسوة بكل دول العالم، فيما يواجه الشباب الفلسطيني مستويات قياسية من الفقر والبطالة على الرغم من كل وعوده بانعاش الاقتصاد الفلسطيني، ومنعه من الانهيار، يضاف إلى ذلك المستويات غير المسبوقة من عدوان الاحتلال وعصابات المستوطنين على الانسان والارض الفلسطينية، والتوسع غبر المسبوق في عدد الوحدات الاستيطانية الاسرائيلية بالضفة الغربية والقدس المحتلة، في ظل حكومة اليمين الفاشي الديني في إسرائيل، دون أي خطوات عملية لوقف كل ذلك من ادارة ترامب.

كان التعويل الفلسطيني على أي دور ايجابي للإدارات الامريكية المتعاقبة، منذ اتفاقية اوسلوا حتى اليوم خطآ استراتيجيا لا مبرر له، إذ أن الولايات المتحدة الامريكية وعلى مدار تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني شكلت حليفًا استراتيجيًا للحركة الصهيونية، ومن ثم لإسرائيل، كونها دولة وظيفية تخدم مصالح الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة، وتحقق نبوءات عشرات الملايين من معتنقي أساطير نهاية التاريخ، من الكنائس المتصهينة، التي تتبنى قراءات حرفية للعهد القديم، بما فيها حتمية تحقيق الالفية العادلة، عبر معركة هامجدون التي تتطلب هدم المسجد الاقصى واقامة الهيكل المزعوم، والذي يؤمن به جميع رؤساء الولايات المتحدة الامريكية، باستثناء اوباما الذي ينتمي للكنيسة الاسقفية، كما أن تجارب التاريخ تثبت أن جميع الصراعات التي تدخلت بها الولايات المتحدة الامريكية في مختلف دول العالم، جعلتها أكثر تعقيدا ودموية واستعصاء على الحل، وبالتالي فإن التعويل على أي دور ايجابي للولايات المتحدة الامريكية هو كمن يأتمن الذئب على الخراف، ومن ثم يندب حظه العاثر بعد أن يأكلها الذئب، وهو الأمر الذي ترجم عمليا خلال العدوان الصهيوني الأخير على مخيم جنين، وموقف الادارة الامريكية المتواطىء مع العدوان.

آن الاوان للفلسطينيين أن يعوا أن المجتمع الدولي ليس جمعية خيرية، وأن الحق وحده غير كاف لتحقيق الانتصار، إذ أن تجارب التاريخ أثبتت انه قد يكون مقبرة للحق ما لم يرافق بالحكمة والقوة ومقومات الانتصار، إذ أن تجربة السكان الأصليين في الولايات المتحدة الامريكية لا زالت شاهدة وحية وحاضرة، كما آن الأوان للخروج من شرنقة الاحتكار الامريكي للقضية الفلسطينية، والتحرر من الوهم أن مفتاح الحل بيد الولايات المتحدة الامريكية، لأنها كانت وستبقى جزءا أصيلا من المشكلة وليس الحل، وهو الأمر الذي يتطلب معالجة مختلفة، تبدأ بتصليب الجبهة الداخلية، وإشراك المواطنين في رسم السياسات، والاصغاء إلى نبض الناس، قبل الإطلال من نافذة المجتمع الدولي، الذي لا يحترم سوى القوي والقادر على التأثير.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت