- عبير أبو ضاحي
تصريح مثير أطلقه الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال مؤتمر صحفي في هلسنكي احتفالا بانضمام فنلندا مؤخرا إلى حلف شمال الأطلسي والذي قال فيه إن "بوتين خسر الحرب"، مضيفًا "يستحيل أن يكسب الحرب في أوكرانيا".
تصريحات بايدن تزامنت مع التقدم البطيء للقوات الأوكرانية على الجبهة، والتي اعترفت بها الدفاعات الأوكرانية مبررة ذلك بضعف الدعم الغرب خلال الفترة الأخيرة، ومن أجل مواجهة الإحباط الذي أظهره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لعدم حصوله على جدول زمني واضح لعملية انضمام بلده إلى حلف شمال الأطلسي خلال قمة فيلنيوس يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حيث كرر بايدن الوعد بضم أوكرانيا إلى التكتل، لكنه أوضح أن حدوث ذلك غير ممكن طالما بقيت كييف في حالة حرب مع موسكو.
لا يمكن إنكار أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتكب خطأً كبير باجتياحه أوكرانيا، خاصة بعد فشله في تحقيق مهمته الأساسية خلال الأشهر الأولى للحرب، كما أساء تقدير السياق السياسي الذي ستتخذه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا، ليتفاجأ بالمنحنى الذي آلت إليه العملية العسكرية كما يحلو له تسميتها.
تأويلات عديدة يحملها تصريح بايدن، الذي أعلن صراحة خسارة بوتين في حرب أوكرانيا رغم أن الحرب لا تزال مستمرة وليس هناك دلالات قوية على خسارة بوتين، ولعل أبرز تفصيل تاه عن بايدن هو أن حرب أوكرانيا لن يكون فيها رابح، فالجميع خسر بما فيهم أمريكا التي جندت الغرب لدعم أوكرانيا منذ بداية الحرب حيث تواصل الدول الغربية، تزويد كييف بمساعدات عسكرية متنوعة ومكثفة، مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية 500 يوم، حيث تظهر أحدث أرقام وزارة الخارجية الأميركية أن إجمالي قيمة المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، في ظل إدارة الرئيس جو بايدن (منذ 2021)، تجاوز 42 مليار دولار، بينها أكثر من 41.3 مليار دولار منذ بداية الحرب.
أرقام خيالية للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا، تسببت في العديد من الأزمات داخل البيت الأمريكي فالحزب الجمهوري نقاش عدة مرات موضوع النزاع المسلح في أوكرانيا ، ويجري ممثلوه مناقشات ساخنة في الكونغرس حول المسارات المناهضة لروسيا والصين، إذ يمكنهم شن هجوم على بايدن بناء على الموقف. فالولايات المتحدة غارقة في المواجهة مع روسيا، وفي الوقت نفسه لا يمكنها احتواء صعود الصين التي أصبحت لاعبا مهما بشكل متزايد في العالم، ونادى أعضاء الحزب مرارا بإنهاء الحرب، والذين قالوا إن إرسال مئات المليارات من الدولارات من أموال الأمريكيين، لبدء الحرب العالمية الثالثة بمثابة رمي الأموال لإشعال حرب لا يحمد عقباها خاصة أن خسائر أمريكا امتدت إلى أزمات عدة وأهمها، أزمة عجز الموازنة العامة، وتفاقم الديون، وأزمة تراجع وضع الدولار كعملة احتياط عالمية حيث بدأت بعض البنوك العالمية باستبدال الدولار بعملات أخرى ، كما أن ظهور التكتلات الاقتصادية الجديدة كـ”البيركس” وقبلها “منطقة اليورو” يؤدي إلى مزيد من التعاملات بالعملات المحلية، والتي كانت بمثابة نتيجة رئيسة لحرب أوكرانيا.
أمريكا وإن بدت أنها تريد استمرار الحرب إلا أنها تعاني هي الأخرى من تداعيات هذه الأخيرة خاصة أنها متورطة بشكل كبير في هذه الحرب، خاصة أن الوثائق المسربة من البنتاغون كشفت عن تورط أمريكي كامل في حرب أوكرانيا، بداية من التخطيط العملياتي والتجسس وجمع المعلومات عن العدو، مروراً بتوفير السلاح الثقيل بأنواعه المتعددة، وصولاً إلى وجود قوات أمريكية خاصة على الأرض في أوكرانيا تشارك بفاعلية في تلك الحرب، هذه الصورة بطبيعة الحال تختلف عن الصورة التي قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن للعالم وللشعب الأمريكي، إذ أكد الرئيس مراراً وتكراراً على أن واشنطن لا تشترك في الحرب بأي صورة من الصور، وإنما تقدم مساعدات إنسانية وعسكرية لكييف كي يدافع الشعب الأوكراني عن نفسه، لكن هذه الصورة سرعان ما فضحت للعلن.
عاجلا أم آجلا ستسعى أمريكا بكل الطرق إلى محاولة إنهاء هذه الحرب، ببساطة لأنها لن تحتمل تابعات الحرب والإمداد المالي الضخم الذي تضخه لأوكرانيا لفترة طويلة، وهو ما كشفته عنه صحيفة "واشنطن بوست" والتي قالت إن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز قام برحلة سرية إلى أوكرانيا الشهر الماضي، كشف خلالها قادة أوكرانيون عن خطة لإنهاء الحرب، وتكشف الخطة، وفق الصحيفة، عزم أوكرانيا استعادة المزيد من أراضيها التي سيطرت عليها روسيا لدفع موسكو نحو محادثات بحلول نهاية العام الجاري.
قد يكون هذا الحل الأقرب إلى المعقول، لكنه تعبير ضمني على أن استمرار الحرب سيؤدي بالضرورة إلى خسارة جماعية على كل أطراف الحرب وليس بوتين وحده.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت