- د. رمزي عودة/ الأمين العام للحملة الاكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والابرتهايد
لم يجد افلاطون صعوبة في التنبؤ بحتمية إنهيار الأنظمة السياسية الثيوقراطية المرتكزة على رجال الدين الجشعين، حيث ينقلب الجيش في أواخر المطاف ويوجهون الدولة الى العسكرة. هذه الحتمية ليست بعيدة عما يحدث في إسرائيل في هذه الاثناء، وخاصةً بعد إقرار قانون المعقولية مؤخراً في الكنيست الإسرائيلية بأغلبية بلغت 64 صوتاً. هذا القانون يحد من سلطات محكمة العدل العليا الإسرائيلية ويسحب منها الصلاحية القانونية والإدارية لرفض القرارات الحكومية التي تتعارض مع الصالح العام وتعيينات المسؤولين. وبرغم إندلاع المظاهرات الغاضبة في إسرائيل منذ عدة أشهر ضد مشروع القانون هذا، وبرغم غضب الولايات المتحدة من المضي قدماً بهذا القرار، الا أن حكومة نتنياهو أصرت على تمريره في الكنيست بما يؤسس لمرحلة جديدة من عمر إسرائيل القصير وهي مرحلة الدكتاتورية الفاشية. وفي سياق حتمية أفلاطون السابقة، فان نظام الحكم في إسرائيل يتجه نحو الهاوية. ليس هذا فقط بل ربما الدولة بأكملها تسير نحو حرب أهلية طاحنة كما حذر أولمرت رئيس وزرراء اسرائيل الأسبق في معرض حديثه عن الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي بفعل إقرار هذا القانون.
وفي السياق، فقد بدأت تتصاعد مؤشرات الانهيار في اسرائيل عقب إقرار قانون المعقولية، المظاهرات إندلعت في معظم الأحياء، حوادث دهس من قبل المتطرفين ضد المتظاهرين، وفي مناطق أخرى تهديدات وإطلاق نار وإشتباكات بين العلمانيين والمتظاهرين. وبالتزامن مع هذه المظاهرات هنالك مظاهر إنقسام في الجيش الإسرائيلي ضد هذا القرار وخاصة في سلاح الطيران، وبدأت مظاهر التراجع الاقتصادي بالتصاعد الكبير، وانخفض سعر الشيكل مقابل الدولار الأمريكي بواقع 1.5% الى 2.5%، بما أدى الى أن تحذر وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني من أن إسرائيل تواجه تداعيات اقتصادية سلبية ومخاطر كبيرة بسبب خطة الإصلاح القضائي. واتسعت هذه التحذيرات بعد تصاعد التهديد بالاضرابات من قبل الهستدروت وشركات الهايتك. إضافةً الى التهديدات الجماعية بالاستقالة كما حدث تماما من قبل كبار علماء الذرة في إسرائيل. وفي النتيجة، انها أسوء الأيام التي تعيشها إسرائيل على حد تعبير مراسل تايمز اوف إسرائيل جوناه مانديل.
وفي ظل تصاعد الأزمة الداخلية والخارجية التي تواجها إسرائيل الفاشية، تسعى حكومة نتنياهو المتحالفة مع الصهيونية الدينية الى تأجيل انهيار النظام السياسي والاقتصادي في إسرائيل من خلال تأجيج الصراع مع الشعب الفلسطيني ووزيادة عدد وكثافة الاجتياحات العسكرية للمدن والمخيمات الفلسطينية كما حدث في الآونة الأخيرة في نابلس وجنين وطولكرم وغيرها. والهدف من هذه الاجتياحات هو توحيد صفوف الاسرائيليين بحجة الخطر الخارجي القادم من الأراضي الفلسطينية المحتلة. من جانب آخر، تقوم هذه الحكومة الفاشية بإستخدام الدين في الصراع مع الشعب الفلسطيني من خلال الإسراع في تهويد المسجد الأقصى بهدف كسب تأييد شرائح كبيرة من الإسرائيليين. وفي النتيجة، فان هذه الحكومة الفاشية السلطوية تقوم بخلق "بعبع" خارجي يهددها – وهو في هذه الحالة الفلسطيني- وذلك من أجل نقل الصراع الداخلي في المجتمع الإسرائيلي الى الصراع مع العدو الخارجي. ولكن وبرغم كل هذه المحاولات فانها لن تنجح الا في عملية تأجيل الصراعات داخل المجتمع الإسرائيلي وستظل الحرب الاهلية والانهيار هي الحتمية التي ستواجه هذه الدولة المصطنعة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت