موتُ البقرةِ المقدسةِ فى "إسرائيل"

بقلم: ميسرة بحر

  • ✍️بقلم: ميسرة بحر

موت البقرة المقدسة للصهاينة، يطرق ناقوس الخطر، ويدخل الكيان في حالة من التخبط خوفاً على كيانهم المسخ من الانقسام، فبعدما كان الجيش الصهيوني بمثابة "بقرة مقدسة" أصبح اليوم في قلب الخلاف السياسي، ليزيح الستار عن موت قدسيته، بعد الهزائم المتتالية التي تلقاها من قبل المقاومة.

احتل الجيش الصهيوني بعد قيام الكيان مكانةً ساميةً داخل المجتمع الصهيوني ومثل "بقرة مقدسة" لا يُسمح لأحد أن يوجه لها النقد، وكانت صورته في عقول الصهاينة أسطورة لا تُهزم استطاعت أن تهزم الجيوش العربية وأن تقيم كيانهم دون منازع لها، مما جعله محل إجماع كل الصهاينة ومصدر لتماسك المجتمع الصهيوني -الهش في جوهر-، ومرتكز لاستراتيجية "بوتقة الصهر" التي تبناها بن غورين - أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني -؛ لصهر اليهود الشرقيين والغربيين في بوتقة واحدة، عندما خشيَ أن تسبب الاختلافات بينهم حالة انقسام وتشرذم داخلي.

تهشمت اسطورة الجيش الذي كان لا يقهر وتهشمت معها "بوتقة الصهر"، وأصبح المجتمع الصهيوني يشعر بعجز الجيش الصهيوني عن تقديم الحماية المطلقة له، بعد الضربات التي تلقاها من المقاومة، فقد انسحب من جنوب لبنان عام 2000 ثم من غزة عام 2005 تحت ضرباتِ المقاومة، ثم توالت الهزائم التي تلقاها في الحروب التي خاضها مع غزة ولبنان، فكلما حاول استعادة اسطورته وقوة ردعه تهشمت بصورة أكبر، حتى فرضت المقاومة قواعد اشتباك لا تسمح للعدو بتجاوزها.

وتكللت هزائم الجيش الصهيوني في معركة "سيف القدس" عام 2021 التي رسخت لمبدأ "وحدة الساحات" الذي أرق الاحتلال وأربك حساباته، وفرضت المقاومة في غزة نفسها على طاولة صناع القرار في الكيان، في كل خطوة يخطوها في القدس أو الضفة، وأصبح الجيش الذي كان لا يقهر يحسب ألف حسابٍ خوفاً من استفزاز غزة؛ لينقلب السحر على الساحر حتى أصبحت البقرةُ المقدسةُ مجردَ بقرةٍ عقيمٍ تُغرس السكين في رقبتها بعد كل جولة يخوضها العدو.

كشفت الازمة السياسية التي يعيشها الكيان الصهيوني مدى هشاشة جيشهم، والتي في جوهرها صراع على النفوذ والمصالح الشخصية والحزبية، فتُصر الحكومة اليمينية على تمرير التعديلات القضائية، لتمزيق المحكمة العليا والانقلاب عليها؛ لإطلاق يد الحكومة الصهيونية وهروب قادتها من المحاكمة، وفي المقابل تصر المعارضة على إيقافها بأي ثمن كان، على اعتبار أن المحكمة العليا هي آخر معاقلهم.

بعد تهشيم اسطورة الجيش الذي لا يقهر لم يعد هناك "بقرة مقدسة" في الكيان الصهيوني يجتمع عليها كل أطرافه، بل دخل الجيش الصهيوني في قلب الخلافات السياسية وأصبح جزءاً من الأزمة السياسية في الكيان الصهيوني، وانقسم بين مؤيدي لليمين ومؤيدي لليسار، بل وصلت حالة الأزمة في الجيش الصهيوني، إلى إعلان الآلاف من جنود الاحتياط عن الامتناع عن الخدمة العسكرية في كافة فروع الجيش الصهيوني، وخاصة في سلاح الجو ووحدات النخبة والمخابرات، وبدأت التحذيرات من تراجع الجيش الصهيوني وانهياره، الأمر الذي اعتبره الائتلاف الحاكم انقلاباً عسكرياً على الحكومة.

قبيل إقرار أولى التعديلات القضائية بتمرير قانون إلغاء حجة المعقولية، الذي يسحب من المحكمة العليا حق الاعتراض على قرارات الحكومة، أعلن ما يزيد عن 10,000 جندي من جنود الاحتياط الامتناع عن الخدمة، انضم إليهم بعد تمرير القانون 700 طيار من بينهم 200 ضابط في سلاح الجو، وتجدر الإشارة إلى ان الجيش الصهيوني يعتمد في تركيبته بشكل كبير على المتطوعين من جنود الاحتياط.

عبَّر رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو عن خطورة الأمر بقوله (أن التهديد بالإمتناع عن الخدمة العسكرية يهدد بشكل مباشر أمن جميع مواطنين "إسرائيل" ويقضي على قوة الردع)، ونقل المحلل العسكري في صحيفة هارتس عاموس هارئيل (أنه في هيئة الأركان العامة قلقون من الأضرار التي تسببها أزمة الانقلاب القضائي على التماسك الداخلي بوحدات الجيش وحسب قول كبار الضباط أن الأضرار أصبحت ملموسة) وقد أعلن الجيش الصهيوني بعد تمرير قانون إلغاء حجة المعقولية، أن عملية تآكل قدرته على خوض الحرب قد بدأت، وأنه سيحدث الضرر فيها بغضون أسابيع، مما دفع الحكومة الصهيونية للترتيب لعقد اجتماع لمناقشة الامر، في سابقة في تاريخ الكيان.

لقد ماتت قدسية الجيش الصهيوني ولم يعد هناك "بقرة مقدسة" في الكيان الصهيوني، وتلاشي دوره كعمود فقري للوحدة والاستقرار الداخلي، لكن ذلك لا يعني أن الجيش الصهيوني سينهار اليوم أو غداً أو بعد غد، فلن يستطيع الجنود النظاميين الامتناع عن الخدمة بسهولة كما يفعل جنود الاحتياط، وحتى جنود الاحتياط أنفسهم جزء كبير منهم من مؤيدي التعديلات القضائية، وهناك شكوك بمدى صدق نوايا الجنود الذين أعلنوا الإمتناع عن الخدمة هل سيمتنعون عن الخدمة فعلاً في حال قيام الجيش الصهيوني بعدوان على جبهة من الجبهات؟، أيضاً حبال الناس لا زالت ممدودة وقد بدى واضح مدى الاهتمام الأمريكي بالأزمة السياسية في الكيان، ومساعي الإدارة الامريكية الحثيثة لإنقاذ الكيان من أزماته.

لكن تلاشي قدسية الجيش سيستمر انعكاسه على تفكك المجتمع الصهيوني وعلى عمق الخلافات السياسية، حيث أظهر آخر استطلاع للرأي في الكيان الصهيوني أن 58% من الصهاينة يخشون نشوب حرب أهلية، أيضاً ستزيد من قدرة التيار الديني الخلاصي على تحقيق أهدافها بحسم الصراع، فقد أظهر تحقيق للقناة 12 العبرية أن الحكومة الصهيونية خصصت أموالاً ضخمةً لبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وكشفت جلب بقرات حمراء ليتم ذبح أحدها في المسجد الأقصى تمهيداً لإقامة الهيكل المزعوم، لكن هؤلاء الأغبياء لا يعلمون أن خطواتهم هذه ستعجل من نهاية كيانهم.

يمكن القول أن العدو الصهيوني قد فعَّل آلية التدمير الذاتي، لكن ذلك لا يعني أن نركن وننتظر انهياره بل يجب مراكمة إنجازات المقاومة، وتفعيلها في كل الساحات واستمرار تطور المقاومة في الضفة الغربية، وتوجيه المزيد من اللكمات للعدو الصهيوني، حتى يأتي الوقت الذي توجه له المقاومة الضربة القاضية، بمساندة عربية وإسلامية.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت