- داود كتّاب
- عن العربي الجديد
فاجأني صحافي أميركي عمل في الشرق الأوسط باستغرابه من قرار إسرائيل السماح للأميركيين من أصول عربية، ومنهم مواطنون من سكان الضفة الغربية، باستخدام مطار اللد الإسرائيلي. "لا أفهم كيف تم فجأة إلغاء السياسة الإسرائيلية التي تسببت في متاعب كثيرة للأميركيين الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين، وغيرهم؟". كان الصحافي يشير إلى مذكّرة التفاهم الإسرائيلية الأميركية التي أنهت فيها الحكومة الإسرائيلية فجأة الآلية الأمنية لتصنيف الأميركيين، على أساس عرقهم أو لونهم، مقابل فرصة سماح الولايات المتحدة للإسرائيليين بالإعفاء من التأشيرة المسبقة لدخولها.
تشمل مذكّرة التفاهم بالفعل تغييرات تشمل السماح للأميركيين بدخول دولة الاحتلال من جميع نقاط الدخول والخروج الدولية. لكنّ التغيير ليس شاملاً ولا يبدو أنه صادق، فلو كان الإسرائيليون جادّين، فكل ما كان عليهم عمله توجيه الجنود وجميع موظفي الشرطة ومسؤولي مراقبة الجوازات إلى معاملة أي شخص يحمل جواز سفر أميركياً ساري المفعول بالتساوي. لكن إسرائيل لم تفعل ذلك، ويبدو أن الحكومة الأميركية ستسمح للإسرائيليين بمواصلة التمييز ضد الأميركيين، حتى لو كان التمييز أقلّ حدّة من السابق.
ينصّ برنامج الإعفاء من تأشيرة الولايات المتحدة، الموقع مع 40 دولة، على عدّة متطلبات، منها الحاجة إلى أن يكون رفض طلبات الحصول على تأشيرات الولايات المتحدة أقل من 3%. وضرورة المشاركة في المعلومات والتعامل بالمثل. وفي العادة، تصل نسبة رفض الإسرائيليين الذين يتقدّمون للحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة إلى 6% - 10% سنوياً. لكن في الآونة الأخيرة، بسبب جائحة كورونا إلى حدّ كبير، جرى رفض أقلّ من 3% من الإسرائيليين العام الماضي، وفجأة أصبحت إسرائيل مؤهلة جزئياً للإعفاء. مع ذلك، هناك متطلّبات أخرى يجب توفيرها، منها ضمان المعاملة الكاملة بالمثل.
ولقبول الإسرائيليين في الولايات المتحدة من دون تأشيرةٍ مسبقةٍ، يتطلب القانون الفيدرالي الأميركي معاملة جميع الأميركيين على قدم المساواة عند الدخول من دولة إسرائيل وإليها. تمتلئ أرشيفات وزارة الخارجية الأميركية بشكاوى الأميركيين من خلفيات متنوّعة، خصوصاً الفلسطينيين الأميركيين والعرب الأميركيين والمسلمين الأميركيين والأميركيين الأفارقة. من أهم وسائل التمييز الإسرائيلي على الحدود التعامل مع كل أفراد تلك الأعراق بشكوك أمنية تشمل التحقيق معهم، ورفض دخول بعضهم إسرائيل، وأحيانًا لأسبابٍ تافهة، مثل وجود شعار على قميص أو "لايك" على موقع فيسبوك أو حتى الطريقة في الردّ على الاستجواب. لكنّ، يبدو أنّ إسرائيل وافقت على مطلب الولايات المتحدة على مبدأ المعاملة بالمثل في فترة تجريبية تبدأ في 20 يوليو/ تموز الحالي، وفي الواقع، حتى مع هذه التغييرات، تواصل إسرائيل معاملة الأميركيين بطرق مختلفة، اعتماداً على أعراقهم.
تتبنّى مذكرة التفاهم الأميركية الإسرائيلية وجود أربع فئات من المسافرين بمتطلبات مختلفة للدخول والخروج. تميّز المسافرين الأميركيين على أساس ما إذا كانوا مقيمين في الولايات المتحدة، أو مقيمين في الضفة الغربية، أو مقيمين في قطاع غزّة أو لديهم أقارب من الدرجة الأولى يسعون إلى زيارتها في القطاع. مثلاً، في حين وافقت إسرائيل على السماح للأميركيين المقيمين في الضفة الغربية بالسفر من الولايات المتحدة وإليها باستخدام نقاط الدخول الإسرائيلية مثل مطار اللد، الذي كانوا ممنوعين من استخدامه سابقًا، إلا أنها تتعامل معهم بشكلٍ مختلفٍ عما تتعامل معه مع اليهود الأميركيين. لا يمكن للفلسطينيين الأميركيين المقيمين في الضفة الغربية، مثلًا، قيادة سياراتهم في إسرائيل، بما في ذلك إلى المطار، بينما يستطيع الأميركيون الآخرون، بمن فيهم الذين يعيشون في المستوطنات، استخدام السيارات الإسرائيلية وقيادتها في كل من الضفة الغربية وإسرائيل.
التمييز الذي يواجه الأميركيين الذين يريدون الوصول إلى قطاع غزّة أو مغادرته أكثر صعوبة. لا يُسمح للفلسطينيين الأميركيين بزيارة غزة إلا إذا تمكّنوا من إثبات أن لديهم قريباً من الدرجة الأولى (أحد الوالدين أو الابن أو الأشقاء)، بينما يُمنعون من زيارة الجدّ أو العمّ، وبالتأكيد يُمنعون من زيارة غزّة لأي سبب آخر. لا يمكن للأميركيين الذين يعيشون في غزّة الذهاب ببساطة إلى مطار اللد عبر حاجز إيريز. ومع ذلك، قالت إسرائيل إنّها ستسمح لهم بالسفر في حافلة خاصة إلى جسر الملك حسين، حتى يتمكنوا من السفر من الولايات المتحدة وإليها عبر الأردن.
تسمح مذكرة التفاهم لإسرائيل بتطبيق القانون العسكري على بعض الأميركيين والقانون المدني على آخرين بناءً على الأصل القومي أو الدين فقط. على الأميركيين المسجّلين في سجل السكان الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية أو غزّة الحصول على تصريح عسكري لدخول إسرائيل. مرّة أخرى، هذه ليست معاملة متساوية لجميع مواطني الولايات المتحدة، وإبقاء القرار النهائي في أيدي الإسرائيليين.
القيود المفروضة على السفر إلى غزة تعسّفية ومتقلبة وتمييزية. لا منطق وراء قصر إمكانية الدخول إلى غزّة على أفراد عائلات الدرجة الأولى المقيمين هناك. لماذا تُحرم حفيدة من حقها في زيارة أجدادها؟ لماذا يُمنع أي مواطن أميركي يمر عبر الفحص الأمني الصارم في المطارات الإسرائيلية من السفر إلى غزّة أو السفر من غزّة عبر المطار نفسه؟ ولماذا يُحرم أميركي فلسطيني مقيم في غزّة من السفر خارج مطار بن غوريون الإسرائيلي، في حين أن الأميركيين الآخرين يحصلون على هذا الحق؟ يجب أن تسمح إسرائيل لجميع الأميركيين بالوصول المعقول للسفر والعبور. يمكن معالجة أي مخاوف أمنية مشروعة لدى إسرائيل عند معبر إيريز إلى غزّة الذي تسيطر عليه إسرائيل. لم يشكّل أي مواطن أميركي خطرًا أمنيًا على إسرائيل في أثناء إقامته في غزة. لذلك، تقييد دخول المواطنين الأميركيين إلى غزّة أمر عقابي وتعسّفي.
يبدو أن التنازل الإسرائيلي الأميركي مكسب للطرفين للفلسطينيين الأميركيين والإسرائيليين. لكن الخطر في هذه العملية أنه يُسمح لإسرائيل بمواصلة التمييز بين الفلسطينيين الأميركيين، وإنْ بدرجة أقلّ، وفي الوقت نفسه، من غير الواضح ما إذا كان الإسرائيليون لن يعودوا إلى مزيد من التمييز العلني، إذا تقرّر الإعفاء من التأشيرة المقرّرة. في نهاية سبتمبر/ أيلول 2023 لن توافق واشنطن
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت