المجموعات المسلحة في شمال الضفة: هل هي بداية لانتفاضة مسلحة أم لصراع فلسطيني داخلي؟

بقلم: علاء لحلوح

علاء لحلوح
  • علاء لحلوح

تشير استطلاعات الرأي العام إلى أن أغلبية من 54% من الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية تتوقع حصول انتفاضة مسلحة قريباً، وفي نفس الوقت تشير هذه الاستطلاعات إلى أن أغلبية 58% من الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية يخشون من حصول اشتباكات مسلحة داخلية بين المجموعات الفلسطينية المسلحة وبين قوى الامن الفلسطينية. خلال اقل من عام شهدت محافظات جنين ونابلس عدة مواجهات بين المجموعات المسلحة وقوى الامن الفلسطينية على ضوء قيام قوات الامن باعتقال اعضاء من هذه المجموعات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا وصلنا لهذا الحال؟

 شهد عام 2022 ظهور مجموعات مسلحة في شمال الضفة الغربية (مثلا، في مخيم جنين ومدينة نابلس) وخاضت هذه المجموعات مواجهات مسلحة مع قوات الاحتلال. وقد اظهرت الاستطلاعات التي اجريت خلال الاشهر الماضية تأييدا واسعا بين الجمهور الفلسطيني لهذه المجموعات. ساعدت مجموعة من العوامل على نشوء هذه المجموعات وانتشارها لمناطق أخرى في شمال الضفة الغربية ووسطها (مثلا في مخيم عقبة جبر، مخيمات نابلس، طولكرم، قباطية وجبع وبرقين في جنين) مثل فشل عملية السلام واستمرار سياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بمصادرة الاراضي وتهويد القدس، واستمرار هجمات المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين. كما ساهمت عوامل داخلية في ذلك مثل ضعف السلطة الفلسطينية وفقدان الثقة فيها نتيجة لعدة أسباب اهمها، عدم قدرتها على توفير الامن والامان للمواطنين امام الاقتحامات الاسرائيلية وامام الصراعات العائلية والعشائرية، الى جانب بعض التحولات السلبية في النظام السياسي للسلطة الفلسطينية خلال الاعوام الماضية.

تهدف هذه الورق لفحص الظروف الدافعة لحدوث انتفاضة مسلحة جديدة أو تلك التي قد تزيد من امكانية حدوث صراع فلسطيني داخلي وذلك من خلال دراسة العوامل الدافعة ومقارنة الظروف الحالية بظروف انتفاضة الأقصى، والخروج بتوصيات للحيلولة دون حدوث اي صراع داخلي. تستند هذه الورقة إلى لقاءات مع أطراف فلسطينية مختلفة ذات اطلاع على تطورات الاوضاع الداخلية الراهنة وإلى نتائج استطلاعات الرأي العام التي اجريت خلال العامين الماضيين.

 

خلفية تاريخية

شهد اواسط العام 2021 تشكيل اول مجموعة مسلحة في مخيم جنين تعمل في العلن (كتيبة جنين). وكان مخيم جنين قد شهد معارك ضارية بين المجموعات المسلحة وقوات الاحتلال استمرت حوالي 13 يوما في نيسان 2002 بعد ان قامت قوات الاحتلال بتدمير مناطق واسعة في المخيم وذلك لقيام المخيم بتوفير حاضنة ومنطلق لمعظم العمليات المسلحة والتفجيرية في تلك الفترة. وقد شهد العام 2021 هروب ستة أسري من سجن جلبوع، وكان جميع الاسرى من محافظة جنين، خمسة منهم من حركة الجهاد الاسلامي واسير من حركة فتح، هو زكريا الزبيدي عضو المجلس الثوري لحركة فتح واحد ابرز قادة كتائب شهداء الاقصى في الانتفاضة الثانية والذي شهد جميع معارك مخيم جنين.[1] ساعدت الاجواء التي كانت سائدة في محافظة جنين عامة وفي مخيم ومدينة جنين خاصة على انضمام العديد من الشبان من مناطق اخرى في المحافظة الى هذه المجموعات المسلحة. ومع نهاية العام 2021 بدأت مجموعات مسلحة صغيرة في نابلس باطلاق النار تجاه الحواجز والسيارات العسكرية الاسرائيلية في محيط مدينة نابلس، الى ان جاء تشكل عرين الاسود في أواسط عام 2022 لتشكل البلدة القديمة في نابلس موطنا لهم. وكانت البلدة القديمة في نابلس قد شهدت في نيسان 2002 معارك ضارية استمرت حوالي اسبوع حتى استطاعت قوات الاحتلال في نهايتها فرض سيطرتها على البلدة القديمة التي ظلت طوال الانتفاضة الثانية معقلا للمجموعات المسلحة في مدينة نابلس.

شهد عام 2022 عدة عمليات إطلاق نار داخل اسرائيل لشبان فلسطينين اغلبهم من محافظة جنين. ادت هذه العمليات لمقتل واصابة العديد من الإسرائيليين. كما جرت عمليات إطلاق نار في محيط محافظة جنين تجاه جنود الاحتلال ومستوطنيه أدت لمقتل واصابة العديد من الجنود والمستوطنين. تكرر الامر ذاته في محافظة نابلس.

 

اسباب صعود المجموعات المسلحة في شمال الضفة الغربية

تتعدد اسباب صعود المجموعات المسلحة في شمال الضفة الغربية، فمنها ما يتعلق بممارسات الاحتلال ومستوطنيه اليومية بحق الشعب الفلسطيني، وفقدان الثقة بعملية السلام، ومنها ما يتعلق بقضايا داخلية تتعلق بفقدان الثقة بالنظام السياسي الفلسطيني وقدرته على توفير الحماية للمواطنين، وفقدان النظام للشرعية الانتخابية، ووجود انطباعات شعبية واسعة النطاق بوجود فساد في مؤسسات السلطة ووجود تعديات على حقوق الانسان. في دراسة سابقة للدكتور عمر رحال يذكر فيها ثمانية اسباب لصعود المجموعات المسلحة اهمها عدم قيام السلطة الفلسطينية بحماية المواطنين، والمفاوضات كخيار أوحد للحل، واستعداد الشعب الفلسطيني للتضحية، إضافة إلى إدارة الظهر للشباب وقضاياهم[2]. وعند مناقشة هذه الاسباب نجد انها اسباب منطقية، وكثيرا ما اظهرت استطلاعات الرأي العام الفلسطيني التي اجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خلال السنوات الخمس الاخيرة ارتباط هذه الاسباب وغيرها بشكل مباشر او غير مباشر مع تصاعد المواقف الشعبية السلبية ضد السلطة والاحتلال. إضافة لما سبق، من الجدير إبراز الأسباب التالية:

1.     استمرار الاحتلال بمصادرة الاراضي والاستيطان وتهويد القدس. حيث شهد ربيع 2021 مواجهات شعبية في مدينة القدس واحيائها المختلفة نتيجة محاولات الحكومة الاسرائيلية طرد سبع عائلات من الشيخ جراح من بيوتهم. أدت هذه المواجهات المتصاعدة الى حدوث مواجهة عسكرية بين جيش الاحتلال والمقاومة المسلحة التي تقودها حماس في قطاع غزة في 10 – 21 ايار 2021، ورافق ذلك مواجهات في الضفة الغربية وبين الفلسطينين وقوات الاحتلال في مدن الداخل الفلسطينية والمختلطة في إسرائيل. جدير بالذكر ان عودة نشاط المجموعات المسلحة في مخيم جنين رافق الحرب على غزة، حيث شهد شهر حزيران في العام نفسه اغتيال احد قادة سرايا القدس في جنين (وهذا ما أكده ماهر الاخرس الناطق باسم الجهاد الاسلامي)[3].

2.     انسداد الافق السياسي وفشل عملية السلام، حيث وصلت عملية السلام إلى طريق مسدود، خاصة مع هيمنة اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو ورئاسته الحكومة الإسرائيلية منذ العام 2009 (وهذا ما قاله النائب جمال حويل عضو المجلس الثوري لحركة فتح واحد قادة معركة مخيم جنين – نيسان 2002)[4]. ففي الوقت الذي تتواصل فيه الإجراءات الإسرائيلية المتمثلة بالتوسع الاستيطاني الذي يمزق التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية الموعودة ويستمر في تهويد مدينة القدس، رفض الفلسطينيون العودة للمفاوضات إلا بوقف التوسع الاستيطاني وبالتالي بقيت المسألة بين مد وجزر طوال الفترة الأولى للرئيس أوباما. ورغم جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونجاحه في إجراء مفاوضات بين الطرفين في عامي 2013 و 2014، إلا أن هذه الجهود واجهت نفس المصير من الفشل. وبعد ذلك دخلت المفاوضات حالة موت سريري. وفي نفس الوقت بقيت القيادة الفلسطينية متمسكة بخيار المفاوضات كخيار وحيد. ورغم تبنيها لخيار المقاومة السلمية فإن القيادة الفلسطينية لم تنجح في تفعيل هذا الخيار ليصبح سلاحا جماهيريا.  تظهر استطلاعات الرأي العام تراجعا كبيرا بين الفلسطينيين في تأييد خيار حل الدولتين في السنوات الأخيرة لادنى مستوى حيث انخفض التاييد لحل الدولتين الى 27% و28% في استطلاعين أجريا في آذار وحزيران من عام 2023، وذلك حسب استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وهذا ناتج عن وصول المفاوضات لطريق مسدود، إضافة لذلك أظهرت الاستطلاعات أن المفاوضات لم تعد، في نظر الفلسطينيين، الطريق الأكثر نجاعة لقيام دولة فلسطينية.

3.     فقدان الثقة بالسلطة الفلسطينية وضعفها، ويعود ذلك لعدة اسباب تتعلق بعدم قدرتها على توفير الامن والامان للمواطنين امام الاقتحامات الإسرائيلية، جيشا ومستوطنين، وأمام الصراعات العائلية والعشائرية، وذلك إضافة لبعض الممارسات السلبية للسلطة الفلسطينية خلال الاعوام الماضية. وقد أبرز النائب ايمن دراغمة عن كتلة التغيير والاصلاح في المجلس التشريعي هذا السبب بشكل خاص وذلك في مقابلة معه[5]. تراجعت الثقة بالسلطة نتيجة فقدانها للشرعية الانتخابية. فقد انتهت ولاية الرئيس في عام 2010، فحكم بعد ذلك لمدة 13 عاما دون تفويض شعبي. ولم تجر طوال هذه السنوات انتخابات برلمانية ورئاسية. ونتيجة لذلك، انخفضت ثقة الجمهور بحكومة السلطة الفلسطينية من 68٪ عند انتخابها لأول مرة في عام 2006 إلى 27٪ بحلول نهاية عام 2021. بلغت نسبة الاعتقاد لدى الجمهور بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية 86٪ خلال معظم العقد الماضي. وخلال الفترة نفسها، طالبت الغالبية العظمى من الفلسطينيين باستقالة الرئيس عباس حيث تبلغ نسبة المطالبة باستقالته اليوم 80٪. وينظر الفلسطينيون الآن إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها عبئا على الشعب الفلسطيني، وترى الأغلبية في استمرارها خدمة لمصلحة إسرائيل، وترى في تفككها أو انهيارها خدمة لمصلحة الشعب الفلسطيني[6].

4.     ظهور جيل فلسطيني جديد، حيث يدرك المتتبع للاشتباكات المسلحة أن معظم المقاتلين الفلسطيني هم شباب صغار لا يتجاوزون الخامسة والعشرين، وهذا الجيل ولد معظمه بعد اجتياح عام 2002، أو كانت اعمارهم لا تتجاوز عدة سنوات. نشأ هذا الجيل في ظل الهجمة الاحتلالية على الارض والانسان الفلسطيني، وفي ظل الهوان السياسي العربي والفلسطيني، والانقسام السياسي الفلسطيني الذين تركا فراغا سياسيا بين أجيال الشباب. كما يقول القيادي الفتحاوي فتحي خازم، ابو رعد والد الشهيدين رعد وعبد الرحمن، في مقابلة مع الكاتب[7]: "إن الطبيعة لا تقبل الفراغ". امام خيبة الامل من هذا الواقع، وفي محاولة للخروج من هذه الحالة، انتظم هؤلاء الشباب في هذه التشكيلات العسكرية المختلفة واضعين الانقسام خلف ظهورهم، غير مهتمين بالمستوى السياسي، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال تشكيل عرين الاسود في نابلس الذي ضم عناصر من كافة الفصائل الفلسطيني (مثل فتح وحماس والجهاد اسلامي والجبهة الشعبية والمستقلين وغيرهم). وكذلك الحال في مخيم جنين حيث تعمل كافة الاجنحة العسكرية سوية بما في ذلك سرايا القدس وكتائب الاقصى والقسام وابو علي مصطفى، وتلعب كتيبة جنين – سرايا القدس دورا محوريا في المخيم.

انتشار الظاهرة وامكانية اندلاع انتفاضة جديدة

شهدت الاشهر الاخيرة من العام الفائت وبداية العام الحالي ظهور تشكيلات جديدة في طولكرم واريحا كما انتشرت هذه التشكيلات في بلدات محافظة جنين وفي مخيمات نابلس. تحظى هذه المجموعات بتعاطف كبير من الشارع الفلسطيني، كما ذكرنا سابقا. فقد اظهرت استطلاعات الراي العام التي اجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في اواخر العام 2022 وبداية ومنتصف عام 2023 دعما واضحا لتشكيل هذه المجموعات. فقد قال 72% من الجمهور إنهم مع تشكيل مجموعات مسلحة مثل "عرين الأسود" وكتيبة جنين لا تخضع لأوامر السلطة الفلسطينية وليست جزءاً من قوى الأمن الرسمية، ويقول 22% فقط إنهم ضد ذلك.  يرتفع التأييد لتشكيل المجموعات المسلحة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18-29 سنة ليبلغ 75% وذلك مقارنة بالذين تبلغ أعمارهم 30 سنة وأكثر (72%)[8]. وفي اّذار 2023 أيد 68% من الجمهور الفلسطيني تشكيل هذه المجموعات وعارض تشكيلها 25%[9]. وفي حزيران 2023 أيد 71% من الجمهور الفلسطيني تشكيل هذه المجموعات وعارض تشكيلها 23%[10]. كما ان غالبية الجمهور الفلسطيني (58%) تتوقع  أن تمتد وتنتشر هذه المجموعات المسلحة لمناطق أخرى في الضفة الغربية[11].

تتشابه الكثير من الاسباب بين تلك المتعلقة بتشكل هذه المجموعات وانتشارها وبين امكانية انتفاضة جديدة. تتلخص هذه الأسباب بالتطورات الثلاثة التالية:

1-   استمرار اسرائيل باحتلال الاراضي الفلسطينية، وتصاعد حدة الاجراءات الاحتلالية من تهويد واستيطان ومصادرة للأرض الفلسطينية في غياب أي رادع فلسطيني أو دولي.

2-   ضعف السلطة الفلسطينية بشكل واضح وغياب العمل السياسي النظم للأحزاب والحركات المعروفة، الامر الذي يخلق فراغا  تحاول هذه المجموعات المسلحة ملأه.

3-   تصاعد وتيرة العنف التي يقوم بها جيش الاحتلال والمستوطنين ضد المجموعات المسلحة وضد المدنيين الاّمنين في القرى والبلدات الفلسطينية، كما شهدنا مؤخرا في حوارة وترمسعيا وام صفا وغيرها من البلدات الفلسطينية.

 

 

 

إمكانية حدوث صراع فلسطيني داخلي

تخشى الأغلبية من الجمهور الفلسطيني بنسب تتراوح بين 52% و59%  أن يؤدي تشكل هذه المجموعات المسلحة إلى اشتباكات مسلحة داخلية بينها وبين قوى الأمن الفلسطينية، وذلك وفق الاستطلاعات التي اجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خلال الأشهر التسعة الماضية. فقد لاحطنا انه في الوقت الذي يزداد التأييد لتشكيل هذه المجموعات، تنخفض الثقة بشكل حاد في السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وعند سؤال الجمهور عن توقعهم بأن تشارك الاجهزة الامنية الرسمية الى جانب المجموعات المسلحة في حال حدوث انتفاضة مسلحة اجاب 62% انهم لا يتوقعون ذلك[12]. وحول قيام اجهزة الامن الفلسطينية بتوفير الحماية لهؤلاء المقاتلين قالت نسبة تتراوح بين 80% و83% من الجمهور إنهم ضد قيام أفراد المجموعات المسلحة هذه بتسليم أنفسهم وأسلحتهم للسلطة الفلسطينية لحمايتهم من الاغتيالات الإسرائيلية[13]. وفيما لو قامت السلطة الفلسطينية بمحاولة نزع سلاح المجموعات المسلحة تقول الغالبية (59%) أنها تتوقع قيام هذه المجموعات بمقاومة أجهزة الأمن الفلسطينية بالسلاح، فيما تتوقع نسبة من 8% فقط أن يستسلم أعضاء هذه المجموعة، وتقول نسبة من 23% أن مقاومة المجموعات المسلحة لأجهزة الأمن الفلسطينية ستكون غير مسلحة.[14] وتقول الاغلبية الساحقة (87%) من الجمهور الفلسطيني أنه لا يحق للسلطة الفلسطينية القيام باعتقال أفراد هذه المجموعات المسلحة لمنعهم من القيام بأعمال مسلحة ضد إسرائيل أو لتوفير الحماية لهم[15].

تشير المقابلات التي أجراها الباحث إلى عدد من الاسباب التي قد تؤدي الى حدوث صراع فلسطيني داخلي وتتلخص بالتالي:

1)      عدم دعم السلطة لوجود هذه المجموعات او لحدوث انتفاضة ثالثة، فالقيادة السياسية، وخاصة الرئيس عباس، ما زالت تتمسك بالمفاوضات والحل السلمي كخيار استراتيجي ووحيد للتعامل مع الاحتلال رغم تبني القيادة لخيار المقاومة السلمية الشعبية. كما انه رافض لفكرة المقاومة المسلحة بكافة اشكالها. بالمقابل عندما اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000 كانت القيادة تختلف، فالرئيس عرفات كان يؤمن بكافة الحلول بما فيها المقاومة المسلحة، فهو لم يتوانى عن تقديم الدعم للمجموعات المسلحة، او السماح لأجهزة الامن للمشاركة في الانتفاضة أو غض الطرف عن مشاركتها.

2)      آثار الانقسام السياسي، فقد ترك الانقسام السياسي أثرا حتى على خيارات المقاومة. فلدى السلطة الفلسطينية وحركة فتح تخوف كبير من ان تتطور قوة ونفوذ حركة حماس وأن يحدث في الضفة الغربية ما حدث في قطاع غزة من سيطرة عسكرية لحماس.

3)      التراشق الاعلامي بين حركتي فتح وحماس وخطاب الكراهية المنتشر في الاعلام الفلسطيني، وهو ما أكده بشكل خاص فتحي خازم، ابو رعد. ان التراشق الاعلامي الموجود على الساحة الفلسطينية، خاصة بين حركتي فتح وحماس، حيث قال بأن هذا الإعلام "يقود لتأزيم الوضع الداخلي ويوفر بيئة خصبة لحدوث صراع داخلي فلسطيني"[16]. ان المتتبع لهذا الاعلام يشاهد حجم خطاب الكراهية الذي يبث عبر الفضائيات او مواقع الانترنت او مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا الخطاب القائم على تخوين وتكفير للطرف الاخر مما يخلق اجواءا تساعد على تسارع الخطى نحو الصراع الداخلي.

4)      تحدي هذه المجموعات او بعضها للسلطة الفلسطينية من خلال مهاجمة مقرات السلطة، او خروج عروض عسكرية للمجموعات المسلحة، وهذا يعتبر تحديا للسلطة في ظل حديث الرئيس الفلسطيني على وجوب وجود سلاح واحد وسلطة واحدة.

5)      الخوف لدى النخبة الحاكمة من انهيار السلطة نتيجة عدم قدرتها على مواجهة هذه المجموعات وفرضها الامن في مناطق نفوذ هذه المجموعات المسلحة وقد أشار لذلك بشكل خاص النائب ايمن دراغمة حيث يرى انه "يوجد تهديد لمستقبل السلطة في ظل عجزها عن فرض الامن في مناطق مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس وهناك ضغوط اقليمية ودولية على السلطة الفلسطينية لمواجهة هذه المجموعات"[17].

6)      قيام السلطة باعتقال نشطاء هذه المجموعات، وهذا ما حدث سابقا حينما تم اعتقال بعض النشطاء في نابلس وجنين، حيث حدثت بعض المواجهات المسلحة بين الطرفين. وقد تتصاعد هذه المواجهات في حالة قيام أجهزة الأمن الفلسطينية باعتقالات متكررة أو جماعية.

7)      غياب الثقة المجتمعية بين اطياف المجتمع المختلفة، حيث تعبر الثقة المجتمعية العالية عن مدى التماسك الداخلي وكلما ارتفعت نسبتها كلما ازدادت المناعة الداخلية للمجتمع وكلما انخفضت هذه النسبة كلما زادت المخاطر بحدوث صراع داخلي في حال الصدمات الشديدة أو ازدياد التحديات الداخلية أو الخارجية. واذا اضيفت لهذا العامل المجتمعي مستوى الثقة بمؤسسات النظام السياسي وخاصة تلك المسؤولة عن فرض النظام والقانون فإن التحدي أمام المجتمع الفلسطيني يصبح أكبر. تشير نتائج الباروميتر العربي في فلسطين إلى تراجع نسبة الثقة المجتمعية من 39% في عام 2008 الى 14% فقط في عام 2019 في الجولة الخامسة من الباروميتر وتراجعت هذه النسبة في الجولة السابقة (الأخيرة) في عام 2021 لتصل إلى 10% فقط.

 

التوصيات

تستند هذه التوصيات للمقابلات التي أجريت والمواقف ااتي عبرت عنها مختلف الاطراف ذات العلاقة، وهي موجهة للسلطة الفلسطينية والمجموعات المسلحة.

أ‌)        توصيات للسلطة الفلسطينية لتجنب الصراع الداخلي المسلح

تخشى القيادة الفلسطينية من حدوث اتتفاضة ثالثة مسلحة وتعمل على منع ذلك، وهذا ورد على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عدة مقابلات مرئية ومقروءة. بالمقابل يجب ان تعمل هذه القيادة على تجنب الدخول في صراع فلسطيني داخلي مهما كانت الاسباب. وعليه يتوجب على القيادة الفلسطينية قبل غيرها العمل على استعادة زمام المبادرة من خلال عدة خطوات تتمثل بمحاولة استعادة الثقة مع الجمهور الفلسطيني وهي: 

1.      الدعوة لاجراء الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية)  وهذا ما دعا اليه فتحي خازم ابو رعد والنواب جمال حويل وايمن دراغمة [18]، وتحديد موعد بذلك، من أجل تجديد الشرعيات المختلفة واعادة الاعتبار لكل مكونات النظام السياسي الفلسطيني من سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية.

2.      العمل على انهاء الانقسام واستعادة الوحدة بين شطري الوطن، وهذا يساهم في استعادة الثقة امام الجمهور الفلسطيني، ويقوي المناعة المجتمعية، ويقوي الموقف التفاوضي الفلسطيني.

3.      اعتماد برنامج عمل وطني عليه اجماع او شبه اجماع من كافة القوى والفصائل الفلسطينية، بحيث تكون المجموعات المسلحة طرفا ويكون دورها واضحاً (يعتقد النائب جمال حويل أن ذلك يشكل مخرجا آمنا ويعمل على نزع فتيلة الازمة ويساعد في اعادة الثقة بين الكل الفلسطيني)[19]: مثلا حماية المناطق (ب) من المستوطنين طالما أن السلطة لا تريد القيام بذلك، أو مواجهة الجيش الاسرائيلي أو منعه من دخول مناطق (أ) طالما أن السلطة غير راغبة في ذلك.

4.      اغلاق ملف الاعتقال السياسي، وعدم القيام باعتقال الناشطين ضمن هذه التشكيلات العسكرية (يرى ماهر الاخرس الناطق باسم الجهاد الاسلامي بضرورة "توقف اجهزة الامن الفلسطينية عن اعتقال عناصر هذه المجموعات لنشاطهم المقاوم للاحتلال، بالمقابل مطلوب من هذه المجموعات احترام النظام والقانون وعدم مهاجمة مقرات السلطة تحت اي ظرف للمحافظة على حرمة الدم الفلسطيني" [20].

5.      التوقف عن بث خطاب الكراهية ضد المنافس السياسي (حركة حماس)، وبالمقابل على حماس القيام بنفس الخطوة لان خطابها التحريضي ضد السلطة الفلسطينية اكثر حدية.

 

ب‌)  توصيات للمجموعات المسلحة لتجنب الصراع الداخلي المسلح

1.      عدم تحدي أجهزة الامن الفلسطينية او التصدي لها او منعها من دخول بعض المناطق لفرض النظام والقانون، وعلى المجموعات المسلحة احترام النظام والقانون وان تشكل قدوة في ذلك.

2.      في حال قامت السلطة بمحاولة اعتقال افراد هذه المجموعات عليهم عدم مواجهة السلطة بل التهرب من مواجهتها بشتى الطرق. يؤكد النائب ايمن دراغمة ان على أفراد المجموعات المسلحة الانتشار والخروج من المناطق التي قد تقوم قوى الامن باقتحامها حتى لا يكون هناك فرصة لاي صدام مسلح بين المجموعات المسلحة وقوى الامن[21].

3.      العمل على تعزيز العلاقة مع الجمهور الفلسطيني لتوسيع الحاضنة الشعبية والتي تشكل حزام أمان لهذه المجموعات. وقد أكد ماهر الاخرس ان قوة هذه المجموعات هي بوجود الحاضنة الشعبية التي تدعم هذه المجموعات. وبالتالي "مطلوب من عناصر المجموعات المسلحة احترام المواطنين وعدم الدخول في مشاكل سواء مع المواطنين أو السلطة" [22].

4.      عدم تجييش هذه الظاهرة والاتجاه للعمل السري بشكل اكثر. يعتقد النائب جمال حويل ان ذلك يفوت الفرصة امام التحريض الاسرائيلي على المناطق الفلسطينية وكذلك قد يخفف من الضغوط على السلطة الفلسطينية[23].

5.      ضرورة استمرار العمل الوحدوي بين تشكيلات هذه المجموعات المختلفة لمنع حدوث صراعات داخلية بينها.

 

 

[1] استطاعت قوات الاحتلال اعادة اعتقال الاسرى الستة الذين هربوا من المعتقل.

[2]  عمر رحال: تحوّل توجهات الفلسطينيين في الضفة الغربية إزاء المواجهة مع الاحتلال (تطورات المواجهات الفلسطينية – الإسرائيلية واتجاهاتها المستقبلية)، عمان مركز دراسات الشرق الاوسط، 2022

[3] مقابلة تلفونية مع السيد ماهر الاخرس الناطق باسم حركة الجهاد الاسلامي بتاريح 15/7/2023.

[4]  مقابلة مع النائب جمال حويل عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وعضو المجلس الثوري لحركة فتح بتاريخ 15/7/2023.

[5]  مقابلة مع الدكتور ايمن دراغمة عضو المجلس التشريعي عن كتلة عن كتلة التغيير والاصلاح بتاريخ 9/8/2023

[6] خليل الشقاقي: الطريق إلى الاصطدام: سلطة فلسطينية ضعيفة و"إسرائيل جديدة" قومية ودينية. رام الله، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، 2023. https://www.pcpsr.org/ar/node/943

 

[7]  مقابلة مع العميد فتحي خازم "ابو رعد" الناشط الميداني في مخيم جنين بتاريخ 5/8/2023.

[8] المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. نتائج استطلاع الرأي العام رقم "86"، كانون اول 2022. https://pcpsr.org/ar/node/927

[9]  المركز الفلسطيني للبحوث والمسحية. نتائج استطلاع الرأي العام رقم "87""، اّذار 2023.

https://www.pcpsr.org/ar/node/939

[10] المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. نتائج استطلاع الرأي العام رقم "88"، حزيران 2023. https://www.pcpsr.org/ar/node/945

 

[13]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. نتائج استطلاعات الرأي العام (86- 88). https://www.pcpsr.org/ar/node/602

 

[14] المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. نتائج استطلاع الرأي العام رقم (87). https://www.pcpsr.org/ar/node/939

 

[15]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. نتائج استطلاعات الرأي العام (86- 88). https://www.pcpsr.org/ar/node/602

[16]  فتحي خازم، مصدر سابق.

[17]  ايمن دراغمة، مصدر سابق

[18]  فتحي خازم، مصدر سابق

[19] جمال حويل، مصدر سابق

[20]  ماهر الاخرس، مصدر سابق

[21] ايمن دراغمة، مرجع سابق

[22]  ماهر الاخرس، مصدر سابق.

[23] جمال حويل، مصدر سابق

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت