ركضت حشود من الرجال في شوارع مدينة غزة التي تعج بالحطام وسط حرائق وسيارات عليها آثار إطلاق الرصاص على أمل الوصول إلى قافلة مساعدات نادرة، معرضين حياتهم للخطر من أجل الحصول على الغذاء لأسر تتضور جوعا.
ويلوح في الأفق شبح مجاعة في غزة بعد مرور خمسة أشهر على شن إسرائيل حملتها العسكرية على القطاع.
وانهارت عملية تسليم المساعدات في القطاع الفلسطيني ولم يعد يصل إليه سوى القليل من المواد الغذائية اللازمة مع وصول كميات ضئيلة للغاية إلى المناطق الشمالية حيث تقول المستشفيات إن الأطفال يلقون حتفهم بسبب سوء التغذية.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة التي تديرها حركة (حماس) الأسبوع الماضي إن القوات الإسرائيلية قتلت 118 شخصا كانوا يحاولون الحصول على مساعدات من قافلة بالقرب من مدينة غزة، وقال الناجون إنهم تعرضوا لإطلاق النار. وقالت إسرائيل إن معظم القتلى سقطوا نتيجة للتدافع أو الدهس وسط حالة من الارتباك.
وسلط سقوط القتلى في هذه الواقعة الضوء من جديد على المشكلات المرتبطة بتسليم المساعدات إلى غزة حيث تشكو الأمم المتحدة من “عقبات هائلة” في حين تقول إسرائيل إنها تبذل كل ما في وسعها وإن الأمم المتحدة هي المسؤولة في النهاية عن توصيل المساعدات.
وقال أحمد الطالباني الذي كان يبحث عن المساعدات في غزة في تسجيل مصور حصلت عليه رويترز “أي أب في العالم، أو أي ولي أمر في العالم، هل يستطيع أنه يرى أطفاله وهم يتلوون جوعا أمامه ويقف صامتا، حتى لو كان الثمن أنه يجازف بحياته؟”
وأضاف “المقاطير (الشاحنات) دعست على الناس، الدبابات دعست على الناس، القذائف نزلت في وسط الناس، الرشاشات وإطلاق النار فوق رؤوس الناس. هذا يرضي مين؟”.
ورغم أن أزمة الجوع اقتربت من مستويات كارثية في بعض أنحاء غزة، ورغم وجود كميات كبيرة من المساعدات في المستودعات لتسليمها، فقد تباطأ تدفق الإمدادات إلى حد كبير.
وقبل اشتعال فتيل الحرب كان قطاع غزة يعتمد على دخول 500 شاحنة مساعدات يوميا. وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يوم الجمعة إنه خلال شهر فبراير شباط دخل ما يقرب من 97 شاحنة في المتوسط يوميا إلى القطاع مقارنة بنحو 150 شاحنة يوميا في يناير كانون الثاني.
تتمثل إحدى المشكلات الكبرى في انعدام الأمن داخل غزة حيث دمرت الحرب على مدى خمسة أشهر حتى الآن العديد من المؤسسات التي كانت تدعم النظام الاجتماعي في القطاع.
وسبق أن تعرضت بعض القوافل لهجمات من جوعى استولوا على ما تحمله من إمدادات. وتحتاج أي قوافل تتحرك باتجاه شمال غزة تنسيقا إسرائيليا حتى تمر بأمان عبر نقاط التفتيش والمناطق التي تشهد قتالا.
واشتكت الأمم المتحدة مرارا من عدم القدرة على الدخول إلى القطاع وقالت إن إسرائيل مسؤولة عن تسهيل إيصال المساعدات.
وقالت جيني بايز مسؤولة الاستجابة للطوارئ في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة “كل ما نطلبه هو المرور الآمن حتى نتمكن من توصيل المساعدات”. وتتهم إسرائيل الوكالة بالتواطؤ في هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول على إسرائيل الذي أدى إلى نشوب الحرب، وهو ما تنفيه الأونروا.
وقالت الأونروا إن الشرطة الفلسطينية، التي ساعدت في السابق في تأمين الطرق، توقفت عن القيام بذلك بعد أن أدت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل ثمانية منهم على الأقل.
إسقاط جوي
قال شمعون فريدمان المتحدث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية التي تتولى عمليات نقل المساعدات، إن الوحدة توفر التنسيق للقوافل وتسهل الممرات التكتيكية وترسل ضباطا مع الشاحنات لضمان المرور.
لكنه قال إن التوزيع والأمن يقعان في نهاية المطاف على عاتق وكالات الإغاثة والأمم المتحدة. وأضاف أن “أمن القوافل نفسها يقع على عاتق وكالات الأمم المتحدة العاملة على الأرض”.
ومع صعوبة الوصول إلى الطرق البرية المؤدية إلى غزة، بدأت دول من بينها الولايات المتحدة في إسقاط المساعدات جوا، وهو ما قال فريدمان إن إسرائيل تدعمه.
وأظهر مقطع فيديو لرويترز مظلات تحمل صناديق مساعدات كبيرة وهي تنجرف باتجاه شاطئ غزة في وقت مبكر من يوم الثلاثاء.
ومع ذلك، تقول وكالات الإغاثة إن عمليات الإسقاط الجوي هي وسيلة غير فعالة لإيصال الإمدادات لأنها تنقل كميات أقل مما تستطيع الشاحنات حمله وقد لا توفر الإغاثة للأشخاص الأكثر تضررا.
وفي الأسبوع الماضي، بدأت إسرائيل أيضا العمل مع مقاولين من القطاع الخاص لتوصيل المساعدات إلى المراكز التي تأوي السكان في شمال غزة.
وقال فريدمان “المنظمات الموجودة على الأرض لا تملك البنية التحتية أو البنية التحتية الكافية في الوقت الحالي للحفاظ على أو الحصول على نفس القدرة على التوزيع التي لدينا للتفتيش ونقل المساعدات إلى غزة”.
وأضاف أنه كوسيلة للتغلب على ذلك “لقد قمنا بتسهيل وتنسيق الاتصالات بين المقاولين من القطاع الخاص”.
وكانت إحدى تلك القوافل محور كارثة الأسبوع الماضي، التي وصفتها وزارة الصحة الفلسطينية بالمذبحة ووصفتها إسرائيل بالمأساة.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن معدل إصابة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين في غزة بسوء التغذية مقارنة بما كان عليه قبل ثلاثة أشهر لم يسبق له مثيل، مما يشير إلى “انخفاض خطير وسريع”.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس “نناشد إسرائيل ضمان إمكانية توصيل المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومنتظم”. كما حث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إسرائيل على توفير “كل السبل الممكنة” لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، واصفا الوضع بأنه غير مقبول.
وفي مدينة غزة، قال رجال كانوا ينتظرون الطعام إنهم تعرضوا لإطلاق النار بشكل متكرر من قبل القوات الإسرائيلية، لكن ليس لديهم خيار سوى الاستمرار في الاقتراب من شاحنات المساعدات.
وقال وافي البطران بينما كان رجال يتجمعون خلفه حول النار “لقد جئنا بسبب الجوع وليس للقتال. نحن لسنا إرهابيين أو مخربين… بيوتنا ليس بها طعام. لا يوجد خبز”.
وأضاف “سنبقى هنا حتى نتمكن من العودة إلى أطفالنا بالطعام”.