للشهر التاسع على التوالي، يمنع الاحتلال إدخال معظم المواد الغذائية والتموينية إلى منطقة شمال غزة، التي تضم محافظتي غزة والشمال، ما أدى إلى تفشي مجاعة مميتة في صفوف أكثر من 650 ألف مواطن ظلوا صامدين في المحافظتين، من أصل نحو مليون ونصف المليون مواطن قبل الحرب.
وخلال الأسابيع الأخيرة بدأت تظهر على سكان المنطقة أعراض الكثير من الأمراض لها علاقة بسوء التغذية، وفي مقدمتها نقص الوزن بشكل متسارع، والضعف والهزال العام، وشحوب الوجه والكبد الوبائي ونقص المناعة والالتهابات في معظم أنحاء الجسم، عدا التشوهات الخلقية للكثير من المواليد.
فمنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي استهلته قوات الاحتلال بقصف وتدمير وتهجير سكان هذه المنطقة، فرض الاحتلال حصاراً مطبقاً على المنطقة منع بموجبه إدخال جميع الأصناف الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها الخضراوات واللحوم والبروتينات والفواكه والسكر والأرز والبقوليات والعصائر والمكملات الغذائية والأدوية وغاز الطهي والمحروقات بكل مشتقاتها.
ورغم إدخال معظم هذه الأصناف بشكل أو بآخر إلى محافظات الوسطى والجنوب بعد نحو شهرين من العدوان، ترفض سلطات الاحتلال السماح للتجار أو المؤسسات الدولية بإدخال هذه الأصناف إلى منطقة شمال غزة التي تفصلها عن باقي المحافظات.
وآخر تجليات الحصار الإسرائيلي والمجاعة، رفضت قوات الاحتلال وبشكل متواصل، طوال الأسبوع الماضي، إدخال كميات من لحوم الأضاحي تبرعت بها مؤسسات دولية ومحلية لصالح سكان منطقة شمال غزة، حيث كان يعول المواطنون ومسؤولو المؤسسات والتجار على سماح الاحتلال بإدخالها للمنطقة، ما أدى إلى تفاقم المجاعة وتدهور الأوضاع الصحية للكثير من المرضى بشكل خاص.
وخاب ظن المواطنين الذين كانوا يتطلعون لإدخال اللحوم للمرة الأولى للمنطقة أسوة بمحافظات الجنوب، كما خيّب غياب مشاريع ذبح الأضاحي في القطاع آمال المواطنين الذين قضوا معظم أيام العيد في البحث عن اللحوم في المسالخ التقليدية ومقار المؤسسات غير المهدمة دون جدوى.
كما منعت قوات الاحتلال التجار من إدخال الخضراوات والفواكه للمنطقة، في وقت سمحت بإدخالها للمحافظات الأخرى، ما أدى إلى تدني سعرها مقارنة بأسعار ما هو متوفر في محافظتي الشمال وغزة.
ويقتصر سماح الاحتلال بإدخال المعونات الإنسانية للمنطقة على بضع شاحنات من الطحين، وأصناف مقلصة وغير صحية من الأغذية المعلبة وسط استياء واحتجاج المواطنين.
وعلى وقع استمرار الحصار، ارتفعت أسعار جميع المواد الغذائية، بحيث وصل سعر كيلو السكر إلى 100 شيكل، وكيلو الأرز إلى 50 شيكلاً، والفلفل الأخضر إلى 400 شيكل للكيلو، والملوخية إلى 60 شيكلاً للكيلو واللحم المعلّب بـ40 شيكلاً للعلبة الواحدة، كما ارتفع سعر كيلو البندورة إلى نحو 150 شيكلاً، والبيضة الواحدة إلى سبعة شواكل، مع العلم أن جميع الكميات المتاحة من الخضراوات وهي قليلة جداً يتم إنتاجها من خلال بعض المزارعين الذين يخاطرون بأرواحهم من أجل توفير بعض الخضراوات في الأسواق، كما ذكر بعض التجار لـ"الأيام".
وقال التاجر أنس معروف إنه يضطر للذهاب إلى مناطق خطرة جداً من أجل جلب كمية قليلة من الخضراوات لبيعها للمواطنين.
وأشار معروف إلى أن العثور على نحو عشرين كيلوغراماً من الخضراوات من مناطق زراعية يحتاج إلى البحث لساعات طويلة ما يؤدي إلى ارتفاع سعر التكلفة وبالتالي ارتفاع أسعارها.
ويبحث المواطنون في كل مكان عن أي بديل ممكن لطهيه يبقيهم على قيد الحياة أو يوفر لهم بعض العناصر الغذائية المهمة كبديل عن البروتينات والفيتامينات والخضراوات، ومن بين هذه البدائل أوراق الأشجار التي يمكن تقبلها وطهيها كأوراق التوت البري.
ويعول المواطن فؤاد الرن على أوراق التوت في توفير بعض العناصر الغذائية التي افتقدتها أجسام أبنائه وأسرته.
وقال إنه لا بديل عن تناول أوراق الأشجار التي بدأت أسعارها هي الأخرى ترتفع، في ظل انعدام أوراق العنب وارتفاع أسعار الملوخية.
وأصبح الحديث عن موعد إدخال اللحوم والخضراوات للمنطقة الشغل الشاغل وحديث الساعة لسكان المنطقة، التي تعرضت لدمار شامل طال أكثر من 80% من مبانيها ومنشآتها والبنية التحتية.
وتسبب غياب البروتينات واللحوم بارتفاع كبير في أسعار الأسماك التي يتم اصطيادها من بحر المحافظة بكميات قليلة إلى مستويات قياسية وخيالية، بعد إقبال المواطنين على شرائها كبديل عن اللحوم.
ووصل سعر كيلو السمك من الأنواع المتوسطة إلى نحو 180 شيكلاً، ونحو 120 شيكلاً للأسماك الشعبية صغيرة الحجم كالسردين.
ويصطاد عدد محدود من الصيادين في المنطقة كميات قليلة من الأسماك وسط مخاطر عالية جداً، بسبب المراقبة والملاحقات والاستهدافات الإسرائيلية اليومية لهم.
نقلا عن صحيفة الأيام الفلسطينية / تقرير عيسى سعد الله