الحصار يقتل الحياة في شمال غزة - معاناة الأسر الفلسطينية تحت النار والعطش

 الحصار يقتل الحياة في شمال غزة - معاناة الأسر الفلسطينية تحت النار والعطش

في شمال قطاع غزة المحاصر، يقف أبو جمال صالح عند نافذة منزله، يرتجف خوفًا من مشهد مروع: جاره الطبيب ناصر حمودة (52 عامًا) وابنه أحمد (22 عامًا) يخرجان بحثًا عن الماء، في مجازفة محفوفة بالموت. يعرف صالح أن هذه المحاولة قد تكون الأخيرة، فقناصة الاحتلال الإسرائيلي يترصدون أي حركة، ولم يمض وقت طويل حتى أطلقوا عليهما النار وأردوهما شهيدين في الحال.

يقول صالح بأسى: "جثتاهما ملقاتان في الشارع منذ يوم الأربعاء، والكلاب والقطط تنهش فيهما. نحن عاجزون عن انتشالهما بسبب الحصار والخوف من القناصة." يعيش صالح في شارع "عبد ربه" المعروف باسم "مزايا" في بلدة جباليا، حيث تحاصرهم قوات الاحتلال منذ أكثر من 15 يومًا، برفقة عشرات العائلات الأخرى.

عدوان بلا رحمة: القتل بالجوع والعطش

منذ أسبوعين، تشن إسرائيل عدوانًا مكثفًا على شمال غزة، أدى إلى استشهاد أكثر من 400 مواطن، ودمار واسع طال المباني والبنية التحتية. يجد آلاف السكان أنفسهم محاصرين في منازلهم، بلا ماء أو طعام أو أمان، ولا قدرة على الخروج.

صالح يروي قصته المروعة مع الطائرات المسيرة الإسرائيلية الصغيرة، المعروفة بـ"كواد كابتر"، التي تقتحم الشوارع وحتى المنازل من النوافذ وتطلق النار مباشرة على المواطنين، فيقتلهم الاحتلال بدم بارد.

ويضيف صالح: "نحن محاصرون، أطفالنا قد يموتون في أي لحظة. منذ 4 أيام لم نشرب أو نأكل، هم في حالة إعياء شديدة وملقون على الأرض."

في منزله، يعيش 20 طفلًا و4 نساء و4 رجال، يعانون من الجوع والعطش الشديد. يقول صالح: "كنا نشرب مياهًا ملوثة ونأكل من القمامة، لكن الآن لا نجد حتى ذلك. آخر ما أكلناه كان خبزًا جافًا منذ 4 أيام."

استغاثات بلا مجيب

تحت ضغط الظروف القاسية، يتحدث صالح عبر هاتفه الجوال بمعدل محدود للحفاظ على بطارية الجهاز، في محاولة للبقاء على تواصل مع العالم الخارجي. يقول بقلق: "نحن نخشى الموت في أي لحظة. القوات الإسرائيلية قد تقتحم المنازل وتقتلنا كما فعلت مع جيراننا."

إلى جانب الموت الذي يطارد كل من يخرج بحثًا عن الطعام أو الماء، يمنع الاحتلال وصول الإمدادات الإنسانية، ويترك جثث الشهداء ملقاة في الشوارع. يقدر صالح أن هناك حوالي 40 شهيدًا في منطقته، لكن لا أحد يجرؤ على الاقتراب لانتشال الجثث خوفًا من القناصة والطائرات المسيّرة.

ومن بين الشهداء الذين سقطوا في الطرقات، ابن عم صالح، مهند محمد صالح، الذي أُعدم بطائرة مسيرة إسرائيلية. وأشار صالح إلى الآليات التي تتحكم فيها قوات الاحتلال عن بعد، حيث تستخدمها لتفجير المنازل وإلقاء القنابل الصغيرة.

نداء استغاثة لإنقاذ الأطفال

شقيقة أبو جمال، السيدة آمنة صالح، تبعث بنداء استغاثة مؤلم: "تعبنا، لدينا 20 طفلًا، لا نستطيع إطعامهم أو إسقاءهم، مشهدهم يمزق القلب. نناشد العالم أن ينقذنا وينقذ أطفالنا."

تحذر آمنة من أن الأطفال يعانون من حالات إعياء شديدة، وقد يفارقون الحياة في أي لحظة. بينهم طفلان في وضع حرج، هما معتصم (12 عامًا) وأخوه عليان (7 أعوام). وتضيف: "كل الأطفال في حالة صعبة للغاية."

تحكي آمنة أيضًا عن مأساة إعدام طفلة من جيرانهم من عائلة شعبان، تبلغ من العمر 16 عامًا، وهي معاقة. عندما وقفت على شباك منزلها قبل حوالي ستة أيام تطلب الماء والطعام، أطلق جنود الاحتلال النار عليها وأسقطوها أرضًا. "جاءت جرافة إسرائيلية وأهالت التراب عليها ودفنتها."

مآسي متكررة

آمنة صالح تروي قصة مأساة عائلتها، حيث فقدت في حرب سابقة ابنها وابنتها وزوج ابنتها وأطفالهم. تقول: "قتلوهم أمامي ولم أستطع فعل أي شيء." اليوم، تتواصل المعاناة تحت الحصار والنيران، دون أفق للحل أو النجاة.

الخاتمة

بين حصار خانق وقتل مستمر، يعيش سكان شمال غزة كابوسًا مستمرًا، حيث الموت يترصدهم في كل زاوية. بينما يسعى البعض للحصول على شربة ماء أو لقمة خبز، يسقط الآخرون ضحايا لرصاص قناصة الاحتلال أو الطائرات المسيرة. هذا الوضع الإنساني الكارثي يتطلب استجابة عاجلة من المجتمع الدولي لإنقاذ أرواح المدنيين الأبرياء.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - فلسطين